سعد تركي
الحوار المتمدن-العدد: 3747 - 2012 / 6 / 3 - 12:29
المحور:
المجتمع المدني
أنْ تقرأ كتاباً في حافلة نقل عام قد يؤدي إلى نفور وشك وريبة الآخرين إنْ كنت ممن فقدوا مسوغاً للقراءة بعد أنْ غادروا مقاعد الدرس. الكتب (يحتكر) قراءتها الطلاب الذين يجدون فيها أجوبة أسئلة تختبر أهليتهم في التخلي عنها وانتفاء الحاجة إليها. الكتاب في حافلة نقل عام يجعل قارئه (متلبساً) بجرم الاختلاف، ويثير خشيةً وقلقاً وريبةً أكثر مما لو خبّأ تحت ملابسه مسدساً.
قيل إنّ اللبناني كان يطبع ما كتبه المصري ليقرأه العراقي، إشارةً لنهم في القراءة لم تستطع أجهزة أيّ سلطة كبح جماحه. منذ عقود كانت معارض الكتب في مدن العراق تستقبل زبائن أكثر من زبائن الأسواق المركزية ورواد السينما والمتنزهات في الأعياد والعطل.. منذ عقود ـ برغم القمع وعيون المخبرين ـ كان عديد لاعبي النرد والدومينو يتقلص في مقاهٍ تحتفل بعديد متنامٍ من رواد يخبئون الكتب تحت ثيابهم، وهموم الوطن في قلوبهم، ويرسمون الغد بألق العيون.. منذ عقود كانت الكتب دليل السلطة للتشكيك بالولاء، فأضحت ترفاً وبطراً يثير الاستخفاف والهزء والسخرية، أو خطراً ينبغي إيقافه قبل أن يستشري.
اليوم، على العكس من الكتب، لا بأس بقراءة صحيفة في حافلة نقل عام، إذ إنّها تثير ـ غالباً ـ شهوةً تظهر لدى ركّاب تقع بالصدفة في مرمى بصرهم، حتى أنّ بعضهم قد يطالبك بألاّ تقلب صفحة إلى أنْ ينتهي منها. لا يشتري كثيرون صحيفة ولن تكون لديهم رغبة في تصفّحها إلاّ حين يرونها بيد أحدهم فتتلاقفها الأعين قبل الأيدي بنهم وفضول يبدآن حال رؤيتها وينتهيان ويضمحلان بغياب نادراً ما يستدعي رغبة البحث عنها. وبالرغم من أنّ الصحف ـ كما الموت بعد نيسان 2003 ـ هي الأكثر غزارة في الإنتاج والأرخص ثمناً، غير أنّها الأقل شراءً والأندر رغبة في الإقتناء. وفي حين كانت السلطة تخشى كلّ ما هو ليس كتاباً لأدبيات الحزب (القائد)، فإنّنا اليوم نرتعب من سطور ربما تكشف خواء أيامنا وتفضح جهلنا وتخلّفنا عن تحضّر ما زلنا نركن ـ بتكاسل لذيذ ـ إلى أنّنا سببه وعلته وبدؤه الأول. الطمأنينة والأمن والألفة لا نجدها مع كتاب قدر ما نلمسها في صحيفة، برغم أنّ الصحف ـ مثل الموت في بلادي ـ لا يسعى إليها أحد، هي التي تسعى إليه!!
#سعد_تركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟