|
أنور خوجا و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا مقتطف من- فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ - لج. وورنار العدد 11 من - الماوية : نظرية و ممارسة -: الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.
شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 3746 - 2012 / 6 / 2 - 20:53
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أنور خوجا و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا
مقتطف من" فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ " لج. وورنار
العدد 11 من " الماوية : نظرية و ممارسة ": الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.
===================================================================
مقدّمة العدد الحادي عشر من " الماوية : نظرية و ممارسة ": الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979. أنور خوجا يقلب الحقائق التاريخية رأسا على عقب ويقود هجوما دغمائيا تحريفيّا على الماركسية- اللينينية - الماوية .
توفّي ماوتسى تونغ فى 9 سبتمبر 1976. و بعد شهرين ، فى نوفمبر 1976 ، عقد حزب العمل الألباني مؤتمره السابع و جاء فى تقرير اللجنة المركزية ، على لسان أنور خوجا : " إنّ الإنتصارات التاريخية التى حققها الشعب الصيني فى ثورته و بنائه الإشتراكي العظيمين و إنشاء الصين الشعبية الجديدة و السمعة الكبيرة التى يتمتّع بها فى العالم ، مرتبطة بإسم القائد العظيم ، الرفيق ماو تسى تونغ و تعاليمه و قيادته. و يمثّل عمل هذا الماركسي-اللينيني مساهمة فى إثراء نظرية البروليتاريا و ممارستها. و الشيوعيون و الشعب الأبانيين سيحييان على الدوام ذكرى الرفيق ماو تسى تونغ الذى كان صديقا كبيرا لحزبنا و شعبنا...
لقد مضت ألبانيا و الصين قدما فى دكتاتورية البروليتاريا و فى بناء الإشتراكية اللتين خانهما التحريفيون ، ألبانيا و الصين اللتان ظلّتا وفيتين للماركسية-اللينينية، و دافعتا عنها بتصميم و أعلنتا حربا إيديولوجية ضروسا ضد تحريفية خروتشاف و أتباعه . الشيوعية لم تمت ، على العكس ما كانت تتمنّى البرجوازية، و قد إبتهج الإنتهازيون و التصفويون قبل الأوان". وفى بيان مشترك لبعثات الأحزاب الماركسية-اللينينية لأمريكا اللاتينية ( بعثة الحزب الشيوعي (الماركسي- اللينيني ) الأرجنتيني ، و بعثة الحزب الشيوعي البوليفي ( الماركسي- اللينيني ) ، و وبعثة الحزب الشيوعي البرازيلي ، و بعثة الحزب الشيوعي الكولمبي ( الماركسي- اللينيني) ، و بعثة الحزب الشيوعي الثوري الشيلي، و بعثة الحزب الشيوعي الماركسي-اللينيني الإكوادوري) الحاضرة فى المؤتمر السابع لحزب العمل الأباني بتيرانا ، ألبانيا ، نوفمبر 1976، نقرأ : " 8. وجهت البعثات الحاضرة تحيّة عالية و عبّرت عن عمق ألمها لوفاة الرفيق ماو تسى تونغ ، رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، و قائد لا جدال فيه للشعب الصيني ، و ماركسي – لينيني عظيم و معلّم كبير للبروليتاريا و الشعوب المضطهَدة فى العالم بأسره. فى ظلّ القيادة الحكيمة للرفيق ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ، خاضت البروليتاريا و خاض الشعب الصيني حربا ثورية و إفتكّا السلطة و شيّدا الإشتراكية فى الصين. و هكذا غدت الصين المتخلّفة و الخاضعة للإمبريالية ، بلدا إشتراكيّا معاصرا ،و حصنا حصينا للثورة العالمية.و كذلك فى ظلّ قيادة الرفيق ماو تسى تونغ ، جرت معالجة بطريقة صحيحة لمشكل الهام لكيفية مواصلة الصراع الطبقي فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين. لقد رفع الرفيق ماو تسى تونغ بصلابة راية الماركسية- اللينينية و أطلق النضال ضد التحريفية المعاصرة ، مساهما هكذا بحيوية فى إعادة تشكيل الحركة الشيوعية الماركسية- اللينينية العالمية. و ستظلّ مسيرته كمقاتل ثوري و أفكاره التى طوّرت الماركسية- اللينينية حاضرة فى قلوب شعوب و شيوعييى العالم قاطبة و أذهانهم ". -------- و عقب ذلك بسنتين ، يشنّ أنور خوجا و حزب العمل هجوما مسعورا دغمائيّا تحريفيّا على ماو تسى تونغ ، فى كتاب أعلن عن نشره أواخر ديسمبر 1978 و حمل من العناوين " الإمبريالية و الثورة " . و فيه أفرد خوجا فصلا كاملا لتشويه فكر ماو تسى تونغ معتبرا إيّاه " نظرية معادية للماركسية " و معتبرا أنّ الصين لم تعرف أبدا الإشتراكية و البناء الإشتراكي و أنّ صراع ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفية السوفياتية لم يكن نابعا من مواقف صحيحة و مبدئية ماركسية- لينينية وما إلى ذلك من تقليعات دغمائية تحريفية !!! === هذه إطلالة أولى على الإنقلاب الخوجي المضاد لعلم الثورة البروليتارية العالمية ، أمّا الإطلالة الثانية فنخرجها لكم كالتالى: ورد فى خطاب أنور خوجا ، فى 7 جانفي 1964، ضمن كرّاس " عاشت الصداقة الصينية – الألبانية " : " أبدا لن ينسى الشيوعيون الألبانيون و لن ينسى الشعب الألباني أن إخوتهم الصينيون وقفوا إلى جانبهم فى الأفراح و الأتراح. لن ينسوا المساعدة الكريمة للأخوة الصينيين الذين تقاسموا معاشهم مع شعبنا. أبدا لن ينسوا أنّ الحزب الشيوعي الصيني حافظ دائما على حزب العمل الألباني مثلما يحافظ المرء على أمّ عينه". --------------------- و فى 30 سبتمبر 1978 ، فى بيان مشترك بين الحزب الشيوعي الكولمبي ( الماركسي- اللينيني) و الحزب الشيوعي الثوري الشيلي و الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني الإكوادوري و حزب الراية الحمراء الفينيزوالي ، هناك تحليل نقدي يبيّن تحريفية " نظرية العوالم الثلاثة " و تناقضها مع تعاليم ماو تسى تونغ و فى النقطة 15 من خاتمة البيان كتبوا: " تعتبر أحزابنا أنّه ، إزاء إستعمال التحريفيين الصينيين لأعمال ماو تسى تونغ و سمعته للتغطية على مخطّطاتهم لإعادة تركيز الرأسمالية فى الصين و بناء قوّة عظمى جديدة إمبريالية- إشتراكية و مغالطة البروليتاريا و الشعوب بنظريتهم الضارة للغاية ، نظرية " العوالم الثلاثة" ؛ من الواجب الأكيد أن نصون تعاليم ماو تسى تونغ الثورية ، الماركسية- اللينينية . و تثمّن أحزابنا إلى درجة كبيرة مساهمات الرفيق ماو تسى تونغ فى الثورة العالمية."
و بعد نحو السنة من ذلك ، فى أكتوبر 1977 ، صدر بيان عن الحزب الشيوعي الإسباني (الماركسي- اللينيني) و الحزب الشيوعي البرتغالي المعاد تشكيله و الحزب الشيوعي الإيطالي الماركسي- اللينيني و الحزب الشيوعي اليوناني الماركسي- اللينيني و الحزب الشيوعي الأماني الماركسي – اللينيني فيه نقرأ : " فى الذكرى الأولى لوفاة الرفيق ماو تسى تونغ ، ترفع أحزابنا تحيّة له و تأكّد على أنّ وفاته تمثّل خسارة كبرى للحزب الشيوعي الصيني العظيم و لكافة الحركة الشيوعية العالمية . كان الرفيق ماو تسى تونغ ، القائد العظيم للشعب و الحزب الشيوعي الصيني كذلك قائدا عظيما للبروليتاريا العالمية.تعتبر أحزابنا أن من واجب جميع الماركسيين- اللينينيين الدفاع بصلابة عن التعاليم الثورية للرفيق ماو تسى تونغ- لا سيما منها تلك المتصلة بالصراع ضد التحريفية المعاصرة ،و بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و بالصراع ضد الإنتهازيين من كلّ لون- إزاء جميع الذين بنفاق يستعملون إسمه ليشوّهوا تعاليمه و للهجوم عليه بشكل ملتوى." ----------- إثر وفاة ماو تسى تونغ، أنجزت الطغمة التحريفية الصينية بقيادة دنك سياو بينغ و هواو كوفينغ إنقلابا مضادا للثورة فى الصين فصعدت بذلك البرجوازية الجديدة إلى السلطة و أعيد تركيز الرأسمالية هناك و تحوّلت الصين ماو الإشتراكية إلى صين دنك الرأسمالية و تحوّل الحزب الشيوعي الصيني من حزب بروليتاري إلى حزب برجوازي . و فى جويلية 1978 ، تنكّرت البرجوازية الجديدة الحاكمة للصين للإتفاقيات مع ألبانيا و أوقفت التعاون الإقتصادي و العسكري معها ، مثلما سبق و أن فعل التحريفيون السوفيات مع الصين الماوية.
و طار عقل أنور خوجا و طفق يخلط الحابل بالنابل و يصبّ جام غضبه على ماو تسى تونغ و يكيل الشتائم و يلصق به و ينسب إليه أفكارا و نظريّات أعدائه ( مثل " نظرية العوالم الثلاثة " لدنك سياو بينغ) و يمرّغ سمعته فى الوحل بعد أن كان يرفعه إلى السماء ، مستعملا فى ذلك جميع الأساليب الإنتهازية و التزوير و الكذب و قلب الحقائق رأسا على عقب بأشكال و طرق قد تتصوّرونها و أخرى قد لا تصوّرونها أصلا و بهجومه ذلك على أرقى ما بلغه علم الثورة البروليتارية العالمية كان يحطّم المبادئ الماركسية- اللينينية و يدافع عن الأفكار التى أثبت تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و الصينية أنها خاطئة ، تحريفية. فقدّم خدمة هائلة للبرجوازية العالمية إذ تسبّب فى إنقسامات داخل الحركة الماركسية-اللينينة العالمية إستغلّها الإنتهازيون فى الأحزاب و المنظّمات الماركسية- اللينينية عبر العالم ليرتدّوا و يديروا ظهرهم للثورة البروليتارية العالمية و يخونوا الشيوعية و قضية الطبقة العاملة العالمية. ====== لكن هيهات أن يلزم الشيوعيون الحقيقيون الماويون الصمت إزاء ذلك الهجوم الدغمائي التحريفي! فمنذ السبعينات ،إنبروا يقاتلون الخوجية و بالفعل ألحقوا بها أشدّ الهزائم المريرة عالميّا . و يشهد واقع اليوم بتقدّم مطّرد للماوية طليعة للموجة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية و بتراجع ملموس للخوجية كضرب من ضروب التحريفية و إندحارها فى عديد البلدان إلاّ أنّه عربيّا ، لا زلنا فى حاجة أكيدة إلى مزيد فضح الخوجية و كافة أرهاط التحريفية المهيمنة على الحركة الشيوعية حتّى ستطيع الماوية أن تتبوّأ المقام الذى تستحقه لإيجاد الأسلحة السحرية الثلاثة ( الحزب الشيوعي الماركسي-اللينيني-الماوي و الجبهة الوطنية الديمقراطية و جيش التحرير الشعبي ) و قيادة حرب الشعب لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة تمهيدا للثورة الإشتراكية كجزء لا يتجزّأ من الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الأسمى تحقيق المجتمع الشيوعي الخالي من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد القومي و الطبقي و الجندري.
و هذا العدد من " الماوية : نظرية و ممارسة " مساهمة فى النهوض بهذه المهمّة الملحّة على الجبهة النظرية و السياسية.وقد إخترنا له من العناويون " الماوية دحضت الخوجية و منذ 1979" و كانت إضافة "ومنذ 1979" موجّهة ضد محترفي تدليس تاريخ الماوية ، ليس كلزوم ما لا يلزم و إنّما لتبيان أنّ ردّ الفعل الماوي كان سريعا و دقيقا و عميقا منذ عقود الآن ما خوّل للمنظّمات و الأحزاب الماوية أن تنظّم ندوة عالمية فى مطلع الثمانينات ثمّ ندوة ثانية فى 1984 إنتهت إلى تشكيل الحركة الأممية الثورية التى كانت من أهمّ نواتاتها الأولى الأحزاب التى إنبرت لتتصدّى للخوجية بجرأة و صراحة مطلقة الوثائق التى سنعرض عليكم سهاما تصيب كبد الحقيقة الخوجية و ترفع عاليا راية الماوية – حينها فكر ماو تسى تونغ. و للتاريخ ، تجدرالإشارة بشكل عابر فحسب إلى أنّ الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي الذى نشر الوثائق التى نضع بين أيديكم فى مجلته "الثورة " سنة 1979، قد سبق و أن كتب مباشرة بُعيد إعلان الوكالة التليغرافية الألبانية فى 20 ديسمبر 1978 عن صدور "الإمبريالية و الثورة " و عرضها لمضمونه، إفتتاحية العدد الأوّل من المجلّد الرابع من "الثورة " ، جانفي 1979، تحت عنوان " أنور خوجا يفضح الإنتهازية – إنتهازيته " قبل أن ينشر لاحقا سلسلة من التعليقات على "الإمبريالية و الثورة " منها إنتقينا " فى الردّ على الهجوم الدغمائي- التحريفي على فكر ماو تسى تونغ". وهذه الإفتاحية . متوفّرة على الأنترنت فى موقع الموسوعة المناهضة للتحريفية باللغة الأنجليزية : Encyclopedia of Anti-Revisionism On- Line --------------------------------------- و فصول مسرحية المرتدّ أنور خوجا و الخوجية بتفاصيها الدقيقة تفضحها وثائق الماويين عبر العالم فى متن هذا العمل . و لأنّ الكتابات الماوية ضد الخوجية كثيرة و عديدة كان علينا أن ننتقي أكثرها رواجا ؛ على حدّ علمنا ، و أهمّها بإعتبار الدور الذى لعبته فى الدفاع عن الماوية و دحض الخوجية، فوقع إختيارنا الذى نرجو أن يكون موفّقا على وثائق أربعة ؛ واحدة من بلد إمبريالي – الولايات المتحدة الأمريكية ، للحزب الشيوعي الثوري الأمريكي و ثلاثة من مستعمرات جديدة الأولى من تركيا – أوروبا و الثانية من الشيلي و الثالثة من سيلان [سيريلانكا]، من أمريكا اللاتينية و من آسيا على التوالي. وهي:
1- بإحترام و حماس ثوريين عميقين، نحيّي القائد الخالد للبروليتاريا الصينية، الرفيق ماو تسى تونغ، فى الذكرى الثالثة لوفاته! – الحزب الشيوعي التركي / الماركسي-اللينيني، جويلية 1979. 2- دفاعا عن فكر ماو تسى تونغ؛ وثيقة تبنّاها مؤتمر إستثنائي للحزب الشيوعي بسيلان إنعقد فى جويلية1979. (و إضافة إستثنائية: " دحض أنور خوجا" ؛ ن. ساموغاتاسان، الأمين العام للحزب الشيوعي بسيلان - 1980.) 3- " تقييم عمل ماو تسى تونغ"؛ للحزب الشيوعي الثوري الشيلي- جويلية 1979. 4-" فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ " بقلم ج. وورنار؛ ماي 1979.
مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا
يعدّ تطوير ماو تسى تونغ لنظرية و ممارسة "مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا" اكبر مساهماته فى علم الماركسية - اللينينية. وهو بالفعل اهمّ تطويراته لهذا العلم. و كلّ ماركسي- لينيني حقيقي إنتهى إلى الإعتراف بهذا أثناء النضال ضد التحريفية المعاصرة ،و خاصة أثناء الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. و فعلا ن مدح خوجا و الحزب الأباني مساهمة ماو هذه. و يمثّل الإعتراف أو عدم الإعتراف بهذا التطوير للماركسية-اللينينية من قبل لا يزال يمثّل خطّا رئيسيا فى التمييز بين الماركسية - اللينينية من جهة و التحريفية من جهة أخرى. و ن هنا ليس مفاجأ ان يشنّ خوجا هجوما هستيريا و مسعورا ضد الثورة الثقافية بغاية أن ينزع لماو صفته كمعلّم كبير و قائد كلاسيكي ماركسي - لينيني، و لو أنّه لا يجرّأ ابدا على المواجهة المباشرة لنظريّات ماو و التحريفيين الذين ناضلوا جنبا إلى جنب معه بشأن هذه المسألة. إنّ الخلاصة التي يخرج بها خوجا بصدد الثورة الثقافية تمتاز بكونها سطحية و رجعية فى آن معا:
"لقد أكّد سير الأحداث أنّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى لم تكن ثورة و أنّها لم تكن كبرى و لا ثقافية و بالخصوص لم تكن بروليتارية البتّة . إنّها لم تكن سوى إنقلابا داخل القصر على المستوى الصيني من أجل تصفية حفنة من الرجعيين الذين كانوا قد إستولوا على السلطة. و بالطبع كانت الثورة الثقافية مخادعة. إنّها قضت فى نفس الوقت على الحزب الشيوعي الصيني و على التنظيمات الجماهيرية و اغرقت الصين فى فوضى جديدة. لقد قاد هذه الثورة عناصر غير ماركسية ( أو بالتحديد الأربعة ) الذين بدورهم سوف يقضى عليهم عن طريق إنقلاب عسكري من قبل عناصر أخرى معادية للماركسية و فاشية ". ( 76)
هذه هي إذن الأطروحة الجوهرية لخوجا ( وهي ليست أبدا جديدة ) ووفقها لم تكن الثورة الثقافية سوى صراع كتل من أجل السلطة ، أمسك بخيوطها عدد قليل من القادة فى الأجهزة العليا من الحزب الشيوعي ز و تنمّ هذه الأطروحة عن انّ خوجا غير قادر على فهم التطوّر الجديد للمجتمع الإشتراكي و عن أنّه لم يفهم شيئا من الثورة الثقافية و مغزاها التاريخي بالنسبة للعالم بأسره . يحقد خوجا على الثورة الثقافية لأنّها ذهبت تماما ضد فهمه للعالم الميتافيزيقي جوهريا و الذى طبقه الإستقرار و الوحدة و التوافق هي المميزات الرئيسية للعالم وهي تمثّل بالتأكيد أرقى تطلّعات المجتمع الإنساني. إنّها "فوضى" : هذا هو الوصف المحبّذ لدى خوجا حينما يهاجم الثورة الثقافية ،لأنّ فكرة " الفوضى" واقعيّا صراع ضدّين ، صرا طبقات و الثورة فى حدّ ذاتها ن يذهبون ضد فهمه للعالم و رؤيته للمستقبل الذى ، مثلما سبق و أن أشرنا إلى ذلك، يشبه اكثر الفهم الديني لل"لجنة" منه للمادية الجدلية. و قبل المرور إلى تفحّص فهمه الميتافيزيقي للعالم ( وهو أساس هجومه كلّه عموما ضد ماو). يستحقّ العناء تفحّص "الفوضى" التي وجدها خوجا مقرفة بصورة خاصّة فى الصين ، أي الثورة الثقافية.
خلال الثورة الثقافية ، إقترف ماو أفضع المحرّمات ، حسب الدغماتحريفيين: إطلاق حركة الجماهير الثورية كي تفتكّ السلطة من أيدى قادة الحزب السائرين على الطريق الرأسمالي الذين إستحوذوا على بعض قطاعات سلطة الحزب و الدولة. وفق خوجا، لم يكن ليعارض مهاجمة الأشخاص الذين كانوا أهدافا للثورة الثقافية ، أي القيادة العامة لليوتشاوتشى و دنك سياو بينغ ( ومع ذلك، سنرى لاحقا أنّ " معارضة" خوجا لخطّهم خيالية أكثر منها واقعية). لكن إطلاق العنان لعاصفة من النضال الجماهيري على نطاق لم يسبق له مثيل ،و عدم خوض الصراع بواسطة السيرورات المنظّمة للحزب و الدولة و ،بالخصوص التعويل مباشرة على الجماهير ( العمّال و الفلاحون و الجنود و الطلبة) هذا أمر مغاير تماما! و إليكم ما يقوله خوجا بهذا المضمار:
" فى نظرنا ، بإعتبار أنّ هذه الثورة الثقافية لم تقع قيادتها من طرف الحزب ،و إنّما كانت بمثابة إنفجار فوضى ناتج عن نداء وجهه ماو تسى تونغ ، يسقط عنها طابعها الثوري. لقد مكّن نفوذ ما وفى الصين من إثارة ملايين الشبان غير المنظّمين من طلبة و تلاميذ ، إتجهوا نحو بيكين ، نحو لجان الحزب و السلطة و قاموا بحلّها. و كان يقال بأنّ هؤلاء الشبان يمثّلون إذن فى الصين " الإيديولوجية البروليتارية ". و هم الذين سوف يلقنون للحزب و للبروليتاريا الطريق " الصحيح" ! و يواصل أنور خوجة قائلا:" ... لقد كانت هذه الوضعية الخطيرة نتيجة لمفاهيم ماو تسى تونغ القديمة المعادية للماركسية، فهو كان يقلّل من شأن الدور القيادي للبروليتاريا و يبالغ فى تقدير دور الشبيبة فى الثورة.كتب ماو :" ما هو الدور الذى لعبه شباب الصين منذ "4 ماي"؟ لقد لعبوا دورا طليعيّا معيّنا، وهي حقيقة يعترف بها الجميع بإستثناء المتعنّتين. وما معنى الدور الطليعي؟ إنّه يعنى دور المبتدر..."
وهكذا أبقيت الطبقة العاملة جانبا و فى العديد من الحالات وقفت ضد الحرس الأحمر بل وصلت إلى حدّ التصادم معهم. إنّ رفاقنا الذين كانوا وقتئذ فى الصين شاهدوا بأم أعينهم عمّال المصانع يحاربون ضد الشبان. لقد صار الحزب مفكّكا و تمّت تصفيته. و لم يكن فى أي حال من الأحوال حزب الشيوعيين و لا البروليتاريا. لقد كانت هذه الوضعية خطيرة جدّا " ( 77) أمر مفزع ! شاهد الرفاق الألبانيون " بأمّ عينهم" عمّالا يتقاتلون مع الطلبة! ليس بوسعنا أن نقارن موقف خوجا إلاّ بموقف آدم عندما أكل من التفّاحة. و من حسن الحظّ أن خوجا لم يذهب بنفسه إلى الصين إبّان الثورة الثقافية لأنّه لربّما كان رأى عمّالا يتقاتلون مع عمّال آخرين فيسقط ميتا على الفور! و حاليّا يجب أن نعترف بأنّه ليس بوسعنا تفسير الأمر المدهش ألا وهو أنّ ينطق خوجا بهكذا سخافات ،حتى بعد أن عاش هو ذاته تجربة ثورة!
يعلم الجميع أنّه إبّان الثورة الثقافية ،جرى حلّ لجان الحزب و أنّ سلسلة القيادة العادية لم تعد تشتغل عمليّا إلخ، و هذه الأمور على الدوام كانت جزء من اللازمة المضجرة للتحريفيين السوفيات، الذين يؤكّدون عليها لكي يدّعوا " إثبات " أنّ ماو كان " مثاليّا " و " يسراويّا متطرّفا " ( و نصوص وانغ مينغ ، المكتوبة فى موسكو ، حيث أنهى حياته كمادح للتحريفية السوفياتية ، مرّة أخرى معبّرة جدّا: و ننصح ورثته بتقديم قضيّة ضد خوجا لسرقاته الأدبية! ). أمّا بالنسبة للتحريفيين السوفيات ، بيسر يمكن أن نفهم لماذا لا يريدون الحديث عن طبيعة لجان الحزب التي وقع حلّها ،و عن الخطّ الذى كانوا يتبعونه إلخ ، لكن كنّا نتوقّع شيئا أفضل من قبل خوجا. و مع ذلك ، لا يتحدّث إلاّ عن الشكل و ليس عن مضمون لجان الحزب.و بما أنّنا نعلم جيّدا مضمون هذه اللجان و الخطّ الذى كانت تتبعه، فإنّ هذا يدفعنا إلى الشكّ رغم إحتجاجات خوجا ، فى أنّه عمليّا بيروقرطيو الحزب المتحالفين مع ليوتشاوتشى هم الذين يعتبرهم خوجا شيوعيين " لم يعر لهم أدنى إنتباه".
إنّ الوضع الذى كان ماو يواجهه فى بداية الثورة الثقافية (1966) جلي للغاية: نجحت القيادة العامّة التحريفية فى صفوف الحزب ، بقيادة ليوتشاوتشى ، فى الإستيلاء على السلطة فى عديد الصناعات و المدن و المحافظات الهامّة. حينها، كان دنك سياو بينغ السكرتير العام للحزب ،ووكان عندئذ يتحكّم بقوّة بسلسلة القيادة. و كانت التحريفية تهيمن على الجبهة الثقافية التعليمية. و كان الخطّ التحريفي منتشرا فى صفوف عديد مديري المصانع إلخ. فكان هذا الوضع يخوّل للقيادة العامّة للبرجوازية أن تعارض الخطّ الثوري لماو ، و أن توقف بشدّة تعلّم الجماهير للماركسية - اللينينية ،و أن تستخدم إلى درجة كبيرة هيكلة الحزب فى مجال التنظيم لتقمع الجماهير و تتحكّم فيها. ( سنعالج لاحقا أنّ هذا الوضع لا ينجم عن " أخطاء" ماوأو " ليبراليته " ) . و هكذا بمستطاعنا أن نقدّر مدى قوّة القيادة العامة التحريفية بدراسة الوثائق و السياسة المهيمنين صلب الحزب الصيني فى تلك الحقبة،و كذلك مدى قدرة القيادة العامّة على المحافظة على درجة من القوّة حتى بعد تعرّضها إلى هزائم خطيرة نوعا ما خلال الثورة الثقافية. ذلك أنّه قبل كلّ شيئ القيادة العامّة لليوتشاوتشى ( و دنك وريثها الشرعي) ، بمعيّة جزء من البيروقراطية الموالية لشو آن لاي ،هي التي لعبت دورا رئيسيا فى الإنقلاب المعادي للثورة فى 1976. و القوّة الحقيقية لهذه الطبقة نستشفّها من شدّة الهجوم المنظّم من قبل المسؤولين أتباع الطريق الرأسمالي ضد جميع مكاسب الثورة ، و بالسرعة التي بها يعيدون حاليّا تركيز النظام الرأسمالي.و الإدعاء بأنّ هذه القوّة كان بالإمكان القضاء عليها ببساطة بتحوير فى الأجهزة القيادية للحزب و بإصدار بعض التوجيهات ، يكون مضحكا إن لم يكن ‘جراميّا ، لا سيما فى علاقة بما حصل فى الصين. و كذلك يبرز برنامج القادة التحريفيين الصينيين الحاليين الطبيعة الحقيقية لمن كانوا أعداء ماو و اليسار الثوري: ما كان الأمر متعلّقا بنزاع لاسياسي بين "كتل" بل بصراع طبقي لتقرير أي خطّ و أي طريق، الخطّ و الطريق البرجوازية أم البروليتاريا، ستتبعه الصين.
يبدو أنّ نصائح خوجا للثوريين فى الصين مشابهة أساسا للازمة الإنتهازية لزمن ماركس بشأن كمونة باريس ،و تصريح بليخانوف بشأن ثورة 1905: " ماكان عليهم رفع السلاح " . بالطبيعة لم تكن المسألة، مسألة معرفة هل أنّه يجب أم لا خوض نضال مسلّح ،لكن بالأحرى هل أنّه يجب القيام بثورة حقيقية ، تمرّد سياسي هدفه القادة الرئيسيين للحزب، أتباع الطريق الرأسمالي. و بالرغم من أنّه كانت للثورة الثقافية خصوصياتها ، بما أنّها أنجزت فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا، فإنّه مع ذلك صحيح أنّها مثلها فى ذلك مثل كلّ ثورة، ما كانت لتتقدّم إلاّ عبر نضال إعصاري. بالضرورة كانت ستتضمّن تيارات مضادة مشاركة قطاعات شتّى من الجماهير الثورية ستجلب معها أفكارها المسبّقة و حدودها الخاصين؛ وجهات نظر و برامج متناقضة. ككلّ ثورة ، كانت ستفرز مقاومة شرسة ومصمّمة ،ليس فقط من قبل من كانوا أهدافا لهذه الثورة ( و الذين لا يمثّلون إلاّ نسبة مائوية ضئيلة من المجتمع الصيني و من الحزب) و لكن أيضا من قبل بعض قطاعات الجماهير ، و منها عديد العمّال الذين يمكن أن يستنهضوا إلى درجة معيّنة و فى لحظات دقيقة لتكون قاعدة إجتماعية للرجعيين و لحركتهم. و هذا ليس ببساطة خاصية للثورة الثقافية و إنّما هو يمثّل قانونا للصراع الطبقي و للثورة عموما. و من المفيد هنا أن نذكّر بالتعليق الشهير للينيني حول إنتفاضة " عيد الفصح" للشعب الإيرلندي ، سنة 1916.و كان هذا التعليق موجّه للذين يستعملون ما يدّعون أنّه " ماركسية " للسخرية من هذا التمرّد البطولي و الإستخفاف به و تشويهه،و نعتهم له " لا يمكن الحديث عن " إنقلاب" بالمعنى العلمي للكلمة، إلاّ حين تقتصر محاولة الإنتفاض على حلقة ضيقة من المتآمرين أو من المهووسين الحمقى ،و لا تستثير أي عطف بين الجماهير . و لكن الحركة القومية الإرلندية التي قامت منذ قرون و التي مرّت بمختلف المراحل و خبرت أشكالا متنوّعة من إجتماع المصالح الطبقية ، قد تجسّدت ، فيما تجسدت، بمؤتمر وطني إرلندي جماهيري، إنعقد فى أمريكا... نادي بإستقلال إرلندة ، كما تجسدت بمعارك فى الشوارع خاضها فريق من البرجوازية الصغيرة فى المدن و فريق من العمّال ، بعد دعاية جماهيرية طويلة الأمد،و مظاهرات ،و تعطيل للصحف. إلخ ..و لذا ، كان من ينعت مثل هذه الإنتفاضة بالفتنة، إمّا رجعيّا من شرّ الرجعيين ، و إمّا عقائديّا متحجّرا يعجز إطلاقا عن تصوّر الثورة الإجتماعية ظاهرة حيّة.
ذلك لأنّ التفكير بأنّ الثورة الإجتماعية ممكنة دون إنتفاضات تقوم بها الأمم الصغيرة فى المستعمرات و فى أوروبا ، دون إنفجارات ثورية يفجرها قسم من البرجوازية الصغيرة رغم كلّ أوهامها و خرافاتها ، دون حركة تبعثها الجماهير البروليتارية و شبه البروليتارية اللاواعية ضد الإضطهاد الإقطاعية و الأكليروسي و الملكي و القومي ، إلخ – لأنّ التفكر على هذا النحو يعنى إنكار الثورة الإجتماعية . فكأنّنا نتصور جيشا يقف فى مكان و يقول : " أنا مع الإشتراكية " و جيشا آخر يقف فى مكان آخر و يقول :" أنا مع الإمبريالية " ، و إذا نحن نهتف: هذه هي الثورة الإجتماعية ! بمثل وجهة النظر هذه الدعية المضحكة فقط كان يمكن تحقير الإنتفاضة الإرلندية و نعتها ب " الإنقلاب".
و من ينتظر ثورة إجتماعية " خالصة" لن يرها أبدا. هو ثوري قولا ،و لا يدرك ما هي الثورة الحقيقية."( 78) توجّه كلمات لينين هذه ضربة قويّة للخطّ الدغماتحريفي لأنور خوجا، وهو الخطّ الذى قاد هذا الأخير إلى تشويه التمرّد الثوري الأكثر جماهيرية و الأطول زمنيّا و الأوعى طبقيّا فى تاريخ العالم، قائلا إنّه لم يكن سوى " إنقلاب قصر على المستوى الصيني".
ولنعالج بصفة أعمق ما يقوله خوجا عن مسألة الشباب و الدور الذى يمكنه أن ينهض به كقوّة مبادرة فى الثورة. إنّه يندّد بالثورة الثقافية لأنّ " آلاف الشباب غير المنظّمين من الطلبة و التلاميذ" نهضوا لغزو بيكين .حسب رأي خوجا ، الأساس النظري لهذا " الخطإ " يكمن فى النصّ الشهير لماو " توجه حركة الشباب" أين تجرّا ماو على قول إنّ الشباب أخذ ينهض "نوعا ما " بدور الطليعة الذى يحدّده على النحو التالي: " الدور المبتدر، السير فى مقدّمة الصفوف الثورية " (79). مجدّدا ينبغى أن نقرّ بأنّ ماو و ليس خوجا على حقّ ز أوّلا إضطلع الشباب الصيني " نوعا ما " بدور الطليعة فى حركة 4 ماي فى الصين و فى ما بعد ذلكز و هذا واقع لا يمكن دحضه ، يعترف به كلّ من يهتمّ و لو قليلا بأن يكون التاريخ متطابقا مع الواقع. و كذلك لا جدال فى أنّنا إستطعنا عبر التاريخ أن نلاحظ فى عديد المرّات التجربة التاريخية لشباب " ينهض بدور طليعي" و يمضى " فى الصفوف الأولى للثورة ". واليوم نشاهد بأعيننا هذه الظاهرة فى إيران. الشباب بمن فيهم الطلبة و المثقفون الشباب ، وضعوا أنفسهم فى الصفوف الأولى لهذه الحركة العتيّة ، مساهمين فى إيقاض الجماهير الشعبية العريضة و البروليتاريا فى إيران و مضحّين بحياتهم فى خضمّ النضال المسلّح. و بالفعل ، من العسير أن نتصوّر تطوّرا ثوريّا هاما و له دلالته حقّا حيث لم يجر الأمر على هذه الصورة.
لكن بالنسبة لخوجا، يمثّل الدور الديناميكي للشباب ، أي جرأتهم و إرادتهم تحطيم العالم القديم إلخ ، بالثورة خطرا أكثر منه ميزة ، شيئا تجب مهاجمته و خنقه، إلاّ إذا تمكّنت الطبقة العاملة و حزبها من " جرّ" الشباب (وهنا يقصد حقيقة التحكّم فيه) .( و كذلك فى ما يخصّ مسألة الفلاحين ، المسألة ليست مسألة معرفة هل أنّ الشباب سيتمرّد ، و إنّما هي مسألة هل يجب قيادة أم خنق مبادرة هذا الشباب).
ما معنى ان " تقود " الطبقة العاملة و حزبها الشباب؟ بالنسبة لخوجا، هذا يعنى أنّه على الشباب أن يتبع بسلبية خطوات الطبقة العاملة، و بالله عليكم ! لنستبعد أصلا فكرة أن يقدر الشباب على لعب دور الطليعة، مهما كان، دور قياديا فى تعبئة الجماهير الشعبية العريضة و تنظيمها.
طبعا ، كان ماو واضحا للغايةحول أن ، بمعنى جوهري، الطبقة العاملة هي التي يجب أن تقود الثورة. فى نصّ نشر بنفس مناسبة النصّ الذى إستشهد به خوجا ، أوضح ماو العلاقات الطبقية الجوهرية: ( نستشهد بمقال " حركة 4 ماي" وهو مقال نُشر مع خطاب " توجّه حركة الشباب " ، بمناسبة الذكرى العشرين لحركة 4 ماي نسنة 1939.)
" إنّ إنجاز الثورة الديمقراطية فى الصين يعتمد على قوى إجتماعية معيّنة ، وهي الطبقة العاملة ،و طبقة الفلاحين،و الأوساط الثقافية،و القسم التقدّمي من البرجوازية ، أو بعبارة أخرى ، الثوريون من العمّال و الفلاحين و الجنود و المثقّفين و رجال التجارة و الصناعة،مع كون العمّال و الفلاحين يشكلون القوى الثورية الأساسية ، و مع كون الطبقة العاملة هي الطبقة التي تقود الثورة. و لا يمكن إنجاز الثورة الديمقراطية ضد الإمبريالية و الإقطاعية بدون هذه القوى الثورية الأساسية ، و بدون قيادة الطبقة العاملة. "(80)
لكن من هذه النقطة فصاعدا ، يمضى ماو و خوجا فى طرق متباينة جدّا. لأنّه حتى و إن كنّا متفقين على كونه ينبغى أن توجد " قيادة الطبقة العاملة " ( ما يعنى ، قبل كلّ شيئ، قيادة حزب الطبقة العاملة،و أيضا خطّ الطبقة العاملة، الماركسية - اللينينية) ، تبقى مطروحة للمعالجة مسألة : ما هو مضمون هذه القيادة ، ما الهدف الذى ترنو تحقيقه و فى أي إتجاه ستقود الشباب؟ برمّته مقال ماو " توجّه حركة الشباب " ، "المذكور" أعلاه من قبل خوجا ، يهدف بالذات ( مثلما يدلّ عليه حتى عنوانه) لتقديم القيادة و التوجّه للشباب. " لابدّ لشبابنا المثقفين و الطلاّب أن يذهبوا إلى جماهير العمّال و الفلاحين التي تشكّل التسعين فى المائة من سكّان البلاد ليعبّئوها و ينظموها.و لا يمكننا ان ننتصر على الإمبريالية و الإقطاعية بالإعتماد على ذلك الجيش من الشباب المثقفين و الطلاّب فقط من دون هذه القوّة الرئيسية من العمال و الفلاحين. و لذا ، فلا بدّ للشباب المثقفين و الطلاب فى مختلف أرجاء البلاد أن يلتحموا بجماهير العمال و الفلاحين الغفيرة حتى يؤلفوا معها كلا واحدا ، و عندئذ فقط يمكن خلق جيش قويّ ، جيش مؤلف من مئات الملايين !(81)
لقد لفت ماو النظر إلى " لقد كان المثقفون أوّل من إستيقظوا فى الحركة الثورية الديمقراطية فى الصين . ...بيد أنّ المثقّفين لن ينجزوا أي شيئ إذا لم يلتحموا بجماهير العمّال و الفلاحين ." (82) وهكذا يقدّم ماو تحليلا صحيحا و جدليّا بشأن العلاقة بين كون المثقّفين ، لا سيما الطلبة ن يمثّلون عادة القوّة الأولى فى التمرّد فى حركة ثورية و ينهضون بدور ضروري فى علاقة بالجماهير الشعبية من أجل " إستنهاضها و تنظيمها" ، و كون فقط بالإرتباط بالعمّال و الفلاحين، يستطيع المثقّفون التوصّل إلى المساهمة الحقيقية فى السيرورة الثورية. و مثلما يشير إلى ذلك عديد المرّات فى مؤلفات ، بالعمل على هذا النحو فحسب يتوصّل الشباب إلى تغيير فهمهم للعالم و إلى أن يصبحوا ماركسيين حقيقيين.
هذا هو مثال لما يعنيه حقّا تقديم قيادة. و لا علاقة له مع فكرة خوجا حول أن يفرض على حركة الشباب أن تمشي بهدوء و خلف العمّال. تتطلّب قيادة ماركسية- لينينية حقيقية للثورة أن نعرف كيف نتقدّم بالعوامل الثورية و نطلق لها العنان، و فى نفس الوقت تقديم القيادة و التوجه الصحيحين للحركة فى شموليتها و فى مظاهرها الخاصّة. لا تسعى القيادة الحقيقية لا إلى تجاوز و لا إلى محو التناقضات بين مختلف فئات الجماهير ( و أدوارها المتناقضة) بل تعترف بهذه التناقضات و تستخدمها للتقدّم بالثورة. و يشبه فهم أنور خوجا هذا بالأحرى مفهوم لين بياو ( " كلّ شيئ تحت إمرتى و كلّ شيئ بين يدي") منه طريقة القيادة التي مارسها ماو.
إنّ الذين ينقدون ماو على أنّه أقرّ بأنذه غالبا ما تنهض الشباب بنوع من الدور الطليعي خلال النضال الثوري و إستعمل ذلك ، هم أنفسهم لم يستطيعوا بتاتا و بلا رجعة تجاوز فكرة ،كما وصفها لينين، أنّه يجب أن نترقّب أن يظهر جيشين ، بمظاهر تامة التشكّل ، بكلّ وضوح و كلُّ بيافطته الخاصّة.أمّا بالنسبة للذين يودّون تعطيل إستنهاض بعض فئات الجماهير الثورية و حتى بعض الفئات العمّالية، لترقّب يوم نهوض العمّال فى وحدة صمّاء ( يوم إذا أخذناه على هذا النحو، لن يأتي أبدا )، فإنهم مقرّون العزم على عدم رؤية ثورة مطلقا ، أو إنّه ليست لديهم أدنى فكرة عن ما يمثّله النضال الثوري. لأنّه طالما وجدت طبقات ، لن يأتي اليوم حيث لن تكون الطبقة العاملة منقسمة إلى قطاعات مختلفة، ذات أحاسيس و خطوط إمّا ثورية و إمّا غير ثورية، و إمّا معادية للثورة حتى. و ستفضى هذه الإنقسامات إلى نزاعات إيديولوجية ، سياسية و نعم ،حتّى أحيانا نزاعات جسدية ) بين بعض فئات العمّال و فئات أخرى من الجماهير الشعبية.
و بفضل فهمه لهذا الأمر ، إستطاع ماو ، فى بداية الثورة الثقافية ، ان يعوّل إلى درجة كبيرة على مبادرة الشباب و الطلبة و جراتهم ، لا لتعويض الطبقة العاملة و إنّما للمساهمة فى إيقاضها و إستنهاضها فى الصراع الكبير. لا بدّ و أنّ أنور خوجا يعرف جيّدا تفكير ما و بهذا الصدد ،بحكم أنّ ماو قد شرحه بطريقة مقتضبة جدّا للبعثة الألبانية للصين ، سنة 1967: "أطلق المثقفون حركة "4 ماي" ،ما يبيّن حسهم و نظرتهم التنبّئية. و مع ذلك ، علينا أن نعوّل على أسياد العصر، أي العمّال و الفلاحين و الجنود ، بم هي قوى رئيسية لمواصلة الثورة إلى النهاية، ثورة من نوع البعثة إلى الشمال أو المسيرة الكبرى... ورغم أنّ المثقفين و الجماهير الواسعة للشباب الطلابي هم الذين أطلقوا نقد الخطّ البرجوازي الرجعي ، على عاتق أسياد العصر ،على الجماهير العريضة من العمّال و الفلاحين و الجنود كقوّة رئيسية فى مواصلة الثورة حتى نهايتها...لقد كان المثقفون على الدوام قادرين على تغيير سريع لرؤيتهم للأشياء ، لكن نظرا لحدودهم الغريزية و لكونهم يفتقدون إلى طابع ثوري تماما ، يكونون أحيانا إنتهازيين" (83).
من الواضح إذن أنّه على مستوى النظرية ( وكذلك الممارسة ) كان ماو يعتبر أن دور الطلبة فى الصين دور مبادرين رئيسيّا. و قد عرف جيّدا نقاط ضعفهم ، لا سيما التوجهات نحو الفوضوية و نحو " التطرّف اليسراوي" ، و كذلك أحيانا نحو الفكر المحافظ ، و عرف أيضا أنّه يصعب عليهم الإلتحام بالصفوف الثورية لمواصلة النضال حتى النصر. دون الدور المبادر للطلبة و خاصة للحرس الأحمر البطولي ، كانت التحريفية ستنتصر قبل ذلك بكثير فى الصين و لم تكن الثورة الثقافية لتندلع بتاتا؛و إن لم يصبح العمّال القوّة الرئيسية و القيادية للثورة الثقافية ، فإنّ الإنتصارات الأولى كانت ستتحوّل إلى هزائم ما و كانت المكاسب الكبرى للثورة الثقافية لتتحقّق ،و بالتأكيد ،ما كانت لتتعزّز و كان هذا سيسمح للتحريفية بالظفر مبكّرا فى الصين.
يودّ خوجا تجاهل دور الطبقة العاملة فى الثورة الثقافية لأنّه إن لم يفعل ذلك لن تصمد الأوهام التي يسعى لجعل الثوريين فى العالم يبتلعونها . لكن من الذى يشكّل فى الواقع ، القوّة المحرّكة لثورة جانفي فى شنغاي ، وهي التمرّد الذى يمثّل المثال الأوّل و النموذجي ل "حلّ " الجماهير الشعبية للجنة الحزب الرجعية ؟
لمن يملك أدنى معرفة بالأحداث فى الصين ،من الأكيد أنّها تنظيمات العمّال الثوريين بشنغاي، بقيادة تشانغ تشن- كياو و ياو وان- يوان ووانغ هون- وان (وكلّهم أعضاء " مجموعة الأربعة " التي يقع الآن تشويهها فى الصين) هي التي أنجزت هذا التمرّد المهمّ للغاية. و بعد ذلك ، حدثت تمرّدات مشابهة فى المدينة تلو الأخرى. و حين صار بديهيّا أن بعض القطاعات من الحرس الأحمر لم تكن قادرة على مواصلة الثورة لوحدها و أنّ دورها المبادر أخذ يتحوّل إلى نقيضه ، ماذا حدث؟ مثلما نعلم ، أصدر ماو توجيهه الشهير: " على الطبقة العاملة أن تمارس قيادتها فى كلّ شيئ" ما نجم عنه زحف عشرات الآلاف من العمّال على الجامعات حيث بقوا فيها و إتحدوا مع الطلبة و الأساتذة و الكوادر الثورية لإنجاز أعظم التغييرات الثورية التي لم يشهد لها مثيل سابقا فى العالم على جبهة التعليم. و كافة هذه المكاسب لا جدال فيها ، مهما كان رأي أنور خوجا فيها.
وفى الختام ، بشأن مسألة قيادة الحزب أثناء الثورة الثقافية نؤكّد أنّ الثورة الثقافية كانت واقعيّا تحت قيادة الحزب بالشكل الصحيح الوحيد بإعتبار الظروف الملموسة التي كانت سائدة حينها. كانت تحت قيادة الخطّ القائد للحزب و للجنة المركزية ، خطّ رئيسها،ماو تسى تونغ. لقد تمّت المصادقة على التوجه العام للثورة الثقافية بأغلبية ضئيلة داخل اللجنة المركزية سنة 1966،و المجموعة المسؤولية عن الثورة الثقافية كانت تقودها.( 84) قال ماو عينه إنّه كان عليه أن "ينتظر اللحظة المناسبة للحصول على الأغلبية فى اللجنة المركزية للإبحار فى الثورة الثقافية ". لكن على عكس خوجا ، لا نأسّس رأينا بصدد الثورة الثقافية على كونها كانت أم لم تكن متجانسة مع الممارسة المعتادة فى خوض النضال صلب الأحزاب اللينينية. يمكننا أن نؤكّد دون شكّ أنّه حتى إذا ( أو بالأصحّ خاصة إذا ) عارض غالبية اللجنة المركزية الثورة الثقافية ( وهو ما كان سيعنى أنّ اللجنة المركزية صارت بيدي التحريفيين ) كان من واجب و مسؤولية ماو أن يدعو الجماهير ، داخل الحزب و خارجه، إلى التمرّد ضد اللجنة المركزية.
و نودّ أن نطرح السؤال التالى على خوجا : ماذا ينبغى أن يفعل الشيوعيون الحقيقيون عامّة ، عندما تكون إمكانية إنتصار التحريفية داهمة ؟ و ما الموقف الذى يترتّب أن يتخذه الشيوعيون الحقيقيون و الجماهير الثورية لو حدث هكذا إستيلاء تحريفي على السلطة ؟ هل كان خوجا سيكون موافقا لو انّ الطبقة العاملة فى الإتحاد السوفياتي إنتفضت بعد " الخطاب السرّي" لخروتشاف و قلبته؟ أم هل أنّه على الماركسيين - اللينينيين الحقيقيين فى قيادة الحزب السوفياتي جمعوا غالبية بسيطة فى اللجنة المركزية لشنّ ثورة ثقافية بالضبط قبل الإنقلاب ؟ و إذا لم تكن غالبية الطبقة العاملة بعدّ واعية بالخطر الداهم للتحريفية ، هل يصبح بالتالى من الجائز أن يستند قادة الحزب على الطلبة للشروع فى النضال الثوري، ام هل من الأفضل قمعهم و خنقهم بإسم "هيمنة البروليتاريا"!؟ دون أدنى شكّ يؤدّى خطّ خوجا إلى إستنتاج وحيد: لم يكن على الثوريين حمل السلاح ( و لا حتى خوض صراع سياسي سلمي نسبيّا ).
و بالطبع ، يخفى خوجا منطقه وراء غطاء أنّه المدافع الكبير عن الماركسية- اللينينية ؛ و مع ذلك بتشديده على وضع الشكل ( " الضوابط اللينينية " ) فى المصاف الأوّل قبل المضمون ( الطبقة التي تخدمها هذه الأشكال). فإنّ طرق تفكير خوجا تشبه أكثر الأكاذيب المصطنعة فى البلدان الديمقراطية البرجوازية حول " الديمقراطية" أكثر منها لتعاليم الثورية لماركس و إنجلز و لينين و ستالين. هذه مرّة أخرى الممارسة التي كان لينين يمقتها منتهى المقت: فهم الماركسية بالمعنى السطحي للإنكار الفعلي لروحها الجوهرية !
فى آخر المطاف ، يعارض خوجا الثورة الثقافية و خطّ ماو تسى تونغ لأنّه يفضّل خطّ الذين أطاحت بهم الثورة!رغم أنّه يصدر بتلكؤ بعض النقد ضد ليوتشاوتشى و دنك سياو بينغ ، لا وجود عمليّا لأي محتوى فى نقده لليو ، بينما يقتصر نقده لخطّ هواو و دنك سياو بينغ على نقاش " إستراتيجيا العوالم الثلاثة " لا غير. سنرى لاحقا أنّ خطّ خوجا فى ما يخصّ طبيعة الإشتراكية و الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية،هو فى الأساس نفس الخطّ التحريفي الذى نشره ليو و دنك ، بإستثناء كونه متخفى وراء غطاء سميك من الدغماتحريفية.
فى الواقع ، يشكو خوجا كثيرا من وضع قناع على مواقفه الحقيقية. فمنطق الكتاب ذاته يجرّ القارئ إلى إستنتاج أنّه كان من الأفضل لو إنتصرت قوى ليوتشاوتشى ( أو قوى أخرى تساند التحريفية السوفياتية ). لئن كان فكر ماو تسى تونغ منذ 1935 لونا من ألوان التحريفية ،ألا يتعيّن أن نساند الذين عارضوه بإستمرار ؟ يدعى خوجا أنّ الحزب فى مجمله لم يكن أبدا ماركسيّا ،و أنّ لا مجموعة من مختلف المجموعات فى قيادة الحزب كانت ثورية ( على الأقلّ فى العقد الأخير: طبعا ، حال وانغ مينغ ،أمر آخر تماما!). لماذا يبدو أنّ خوجا يهتمّ بكون الثورة الثقافية " قد قضت على الحزب الشيوعي الصيني و التنظيمات الجماهيرية "؟ لو كان فعلا من الصحيح أنّ " قيادة الحزب الشيوعي الصيني ليست متشكّلة من ثوّار ماركسيين- لينينيين (85) ماذا يهمّنا إن جرى القضاء علي الحزب!؟
لكن المسألة هي أنّ خوجا منشغل حقّا بهذا " القضاء" إذ يصرّح بأنّ " المنظّمات الجماهيرية جرى القضاء عليها" . إلاّ أنذه لا يهتمّ بالقضاء على أيّة منظّمات جماهيرية ،لأنّه ،فى نهاية المطاف ،فقط غبيّ سينكر أنّ الثورة الثقافية قد اوجدت سيلا من المنظّمات الجماهيرية الجديدة : فى المراحل الأولى وجد الحرس الأحمر و مجموعات العمّال المتمرّدين إلخ وفى ما بعد ن ادّت الثورة إلى إعادة تشكيل معتمدة على قيادة خطّ ماو و اليسار. ومن الواضح إذا أنّ خوجا لا يهتمّ إلاّ بكون المنظّمات الجماهيرية التي كانت تحت هيمنة خطّ ليوتشاوتشى ( مثل رابطة الشباب الشيوعي ) قد لحقت بها الهزيمة ، وبينما يساند هذه الأخيرة ، يندّد خوجا بشراسة بالمنظمات الجماهيرية الثورية التي تأسست فى خضمّ الصراع.
و علاوة على ذلك ، إن كان المشكل الرئيسي للحزب الشيوعي الصيني هو إبتعاده عن "الماركسية – اللينينية " فى الثورة و فى البناء الإشتراكي ما يعنى ، وفق خوجا، الإبتعاد عن تجربة و طرق الإتحاد السوفياتي ) ألا يجب أن نساند المسؤولين صلب الحزب الصيني الذين ناضلوا لتطريس هذه المبادئ " اللينينية " فى الصين؟ ميزة قراءة النسخة الأصلية لكتابات وانغ مينغ ( عوض السرقات الأدبية التي يرتكبها خوجا ) ،هو أنّ وانغ لا يبحث حتّى عن إخفاء سياسته مثلما يفعل خوجا. يدّعى وانغ مينغ بصراحة بأنّ " الأممين الحقيقيين " فى الحزب الشيوعي يشملون ليوتشاوتشى سيّئ الصيت،و كذلك سلسلة أخرى من الخونة الآخرين الذين هم الآن بصدد إعادتهم إلى السلطة أو جرت إعادة الإعتبار لهم من قبل دنك سياو بينغ .(86) و الفتنام الذى يهلّل له خوجا أكثر فأكثر حتى وهو يقع تحت الجناح السوفياتي ، يعتقد هو كذلك أنّ ليوتشاوتشى و دنك سياوبينغ هم الماركسيون - اللينينيون الحقيقيون فى الصين (87).
إنّ نقد خوجا للثورة الثقافية ينبع من كونه غير قادر على فهم طبيعة الإشتراكية ، من فهمه الميتافيزيقي للعالم و من براغماتيته. خلال " العرض" الذى يقدّمه عن التغيّر الدرامي و التراجيدي فى خطّ الحزب الألباني تجاه ماو و الثورة الثقافية ، يكشف خوجا، دون قصد، الجوهر البراغماتي الذى قاد هذا الحزب إلى إعادة تقييمه لفكر ماو تسى تونغ إذ يؤكّد: " آخذا بعين الإعتبار الممارسات السابقة غير الواضحة [ للصينيين] و ذلك الممارسات التي لاحظنا أثناء الثورة الثقافية ، و لكن بالخصوص الأحداث التي وقعت منذ هذه الثورة الثقافية ، و الصعود المتتالي لمجموعات مختلفة إلى القيادة ، اليوم جموعة لين بياو و فى الغد مجموعة دنك سياوبينغ أو مجموعة المسمّى هواو كوفينغ إلخ وجد حزبنا نفسه مضطرّا للمعالجة الأعمق لنظرة و أعمالماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ، و لتكوين فكرة أشمل عن " فكر ماو تسى تونغ". (88) وبعد بضعة فقرات ، يسرترسل قائلا: " إنّ التطوّر الفوضوي للثورة الثقافية و نتائجها ساهما فى تأكيد رأينا ،الذى لم يكن بعدُ قد إتضح تمام الوضوح، بأنّ الماركسية - اللينينية فى الصين كانت غير معروفة و أنّها لم تكن مطبّقة فيها و انّ ،فى الأساس، مفاهيم الحزب الشيوعي الصيني و مفاهيم ماو تسى تونغ لم تكن ماركسية – لينينية " (89)
و هكذا ، فى تقييمنا لفكر ماو تسى تونغ ، يكشف خوجا بجلاء وجهة نظره و توزجهه الجوهريين. يبدو جليّا أنّ " نتائج " إنقلاب 1976 بالصين لم تعجب خوجا و لم تعجبه على وجه الخصوص السياسة الإستسلامية لهواو كوفنغ، سياسة تحالف رجعي مع الإمبريالية الأمريكية بإسم إستراتيجيا " العوالم الثلاثة ". إعتبارا لأخطائه هو و نظرته العامة ، لا يمكن لخوجا تحليل أحداث الصين إنطلاقا من الصراع الطبقي و خاصّة إنطلاقا من الصراع بين الخطّ التحريفي كلّيا لهواو و دنك و الخطّ الثوري لماو تسى تونغ و الأربعة الذين ناضلوا جنبا إلى جنب مع ماو. و عوض أن يمسك بالمهمّة التي فرضها التاريخ أي مهمّة خوض الدفاع عن مكتسبات الثورة الصينية و مساهمات ماو ، إختار خوجا ان ينطلق من " نتائج" الصراع الطبقي فى الصين ( " نتائج" ينظر إليها وفق أضيق المفاهيم و أكثرها محدودية) ؛ و من هناك يسعى للعودة صعدا محاولا إكتشاف أسس هذه الأخطاء فى الخطّ و النشاطات الماركسية – اللينينية . (90)
إن هُزم هؤلاء فإنّهم مخطؤون: هذه بإختصار نقطة إنطلاق خوجا. و بما أنّ خوجا لا يفهم بطريقة صحيحة ديناميكية الثورة و خاصّة قوانين تطوّر الإشتراكية ، ليس بإمكانه أن يستوعب أنّ التحريفيين قادرون على الإنتصار دون أن تكون أخطاء ما من قبل الثوريين هي السبب الرئيسي ( رغم أنّ ما من أحد ينكر أن ترتكب عدّة أخطاء حتما)، و إنّما السبب هو ميزان القوى النسبي للطبقات المتصارعة.
( يتساءل القارئ ربّما ، إن كان الأمر كذلك، كيف يمكن لخوجا الدّفاع عن ستالين دون أيّ نقد بإعتبار أنّ التحريفية إنتصرت بُعيد وفاة هذا الأخير؟ فعلا يمثّل هذا تناقضا فى الخطّ الألباني يحاولون وسعهم تجنّب مواجهته. وما هو أكثر إثارة للإنتباه فى الكتابات الألبانية المتعلّقة بهذا الموضوع هو سطحيتها و عدم قدرتها على إعطاء تفسير صحيح لإنتصار التحريفية فى الإتحاد السوفياتي.)
لسوء الحظّ ، أثّر هذا المنطق فى طريقة تفكير بعض الماركسيين - اللينينيين الذين مع دفاعهم عن مساهمات ماو ، يتخذون كنقطة إنطلاق فكرة أنّه إذا إنتصرت التحريفية فى الصين فيجب البحث عن أسباب هذه الهزيمة فى أخطاء الثوريين. مثل هذا التفكير ، على الأقلّ من قبل خوجا، يعنى أنّ إعادة تركيز الرأسمالية ليست ممكنة أبدا طالما انّ الحزب يبقى " يقضا " ، بمعنى لا يتوانى عن أن يمنع أن تظهر داخل الحزب أية كتلة أية قيادة عامّة و خطّ كامل التطوّر يعارض القيادة الفعلية للحزب. وجهة النظر هذه مخطئة فى الأساس و تتضارب مباشرة مع تعاليم ماو تسى تونغ ذلك أنّها تفصل مسألة الصراع داخل الحزب عن كلّ تحليل ماديّ فعلا ( و جدلي ) للصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية. بتطوّر تحليل ماو للصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية ،غدت مسألة وجود قيادة برجوازية داخل الحزب الشيوعي ذاته النقطة المحورية. ولنمرّ إلى تفحّص هجوم خوجا على تحليل ماو لوجود خطّين و برجوازية داخل الحزب :
" دافع ماوتسى تونغ ذاته على ضرورة "الخطّين" داخل الحزب. حسب رأيه ، وجود الخطّين و صراعهما ظاهرة طبيعية ، وهي تعبير عن وحدة الأضداد و عن مرونة سياسية تربط الروح المبدئية بالإتفاق...إنّ هذه الرؤى متناقضة كلّيا مع التعاليم اللينينية عن الحزب الشيوعي بإعتباره فصيلا منظّما و طليعيّا له خطّ واحد ووحدة تفكير وعمل فولاذية. و لا علاقة لصراع الطبقات داخل الحزب بما هي إنعكاس لصراع الطبقات المخاض خارجه بمفاهيم ماو تسى تونغ حول "الخطين داخل الحزب" . فالحزب ليس حلبة طبقات يخاض فيها صراع بين الطبقات المتناحرة، ليس تجمّعا لأناس أهدافهم متناقضة. الحزب الماركسي- اللينيني الحقيقي هو حزب الطبقة العاملة فحسب و هو قائم على أساس مصالح هذه الطبقة العاملة. هذا هو العامل الحيوي لإنتصار الثورة و بناء الإشتراكية .لقد اشار ستالين مدافعا عن المبادئ اللينينية للحزب التي لا تسمح بوجود عديد الخطوط ، التيارات المعارضة فى الحزب الشيوعي، أنّ : ...الحزب الشيوعي هو حزب وحدة صمّاء للبروليتاريا و ليس حزب مجموعة عناصر من طبقات مختلفة.
بالعكس ، يرى ماو تسى تونغ أنّ الحزب وحدة طبقات ذات مصالح متناقضة ، منظّمة تقف فيها وجها لوجه و تتقاتل قوّتان هما البروليتاريا و البرجوازية ... " القيادة العامة البروليتارية " و " القيادة العامة البرجوازية " التي يجب أن يكون لها ممثّلوها فى كلّ مستويات الحزب ، من القاعدة إلى الأجهزة القيادية العليا "(91)
هنا خوجا على خطإ لأكثر من سبب: لكونه لا يفقه شيئا من الجدلية و لكونه لا يفهم ما يجعل لكل حزب ماركسي - لينيني حقيقي ديناميكيته و حيويته ، و لكونه يعبّر عن فهم خاطئ للموقع الذى يحتلّه الحزب فى المجتمع الإشتراكي و بالتالى عن مختلف مميّزات الصراع داخل الحزب. أوّلا لنتطرّق لأغبى نقطة فى المنطق الخوجي ألا وهي " دافع ماوتسى تونغ ذاته عن ضرورة " الخطّين" داخل الحزب." و كان يقال إنّه فضّل أو سمح بوجود قيادة عامة برجوازية داخل الحزب.و طبعا ، لم يقترح ماو تسى تونغ أبدا شيئا من هذا القبيل. ما قاله وهو على صواب تام فى ذلك هو إنّ وجود خطين داخل الحزب حتميّ و إنّ كتلا و قيادات عامّة برجوازية تنشأ داخل الحزب. و أهمّ من ذلك أيضا هو الفهم النظري الذى طوّره ماو لشرح ضرورة النضال ضد الخطّ البرجوازي و ضد محاولات شتى مسؤولي الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي تركيز قيادة عامة برجوازية داخل الحزب و الإستيلاء على السلطة فى قطاعات حيوية من الحزب و الدولة و الإعداد للهجوم الأخير على القيادة البروليتارية للحزب و الدولة. لم يطوّر ماو تسى تونغ هذا الفهم نظريّا فقط بل قاد ايضا عمليّا النضال لتكريس هذا الخطّ ،لا سيما أثناء الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. و أن يستنتج من هذا انّ ماو سمح للبرجوازية بالتواجد و لم يحاربها إنكار للوقائع الملموسة. ( و فى نفس الوقت إعترف ماو بضرورة ،و أحيانا إرتأى ،أن يوضع بعض الإنتهازيين فى مواقع معيّنة من الحزب لأسباب تكتيكية.و سنناقش هذا الموضوع لاحقا.)
على الدوام ساند الماركسيون- اللينينيون الأطروحة الفلسفية القائلة بأنّ " الحرّية وعي الضرورة ". فقدرة الإنسان على تغيير المجتمع و الطبيعة لا ترتبط رئيسيّا بإرادته بل بفهمه الصحيح للعالم الموضوعي، لأنّه فقط بالعمل طبقا لقوانين المجتمع و الطبيعة يمكن للإنسان أن يتوصّل إلى التأثير على هذه القوانين. و قول إنّ ماو دافع عن الخطّ البرجوازي و نموّ القيادة العامّة البرجوازية فى الحزب ببساطة لكونه كان سبّاقا فى الإعتراف بشكل صارم بالقوانين التي تحكم وجودها فى كلّ تجلياتها ، يساوى إدّعاء أن لويس باستور دافع عن وجود الفيروسات !
ماضين بعدُ قليلا مع هذا التشبيه ،يمكننا أن نقول لأنّ باستور إكتشف وجود الفيروسات ، أمكن له تطوير التلقيح الأوّل ؛ و كذلك لأنّ ماو تسى تونغ إكتشف القوانين التي تحكم المجتمع الإشتراكي و التي تفرز الخطّ البرجوازي داخل الحزب ، أمكن له تطوير السياسة و الإستراتيجيات و أيضا التكتيكات اللازمة للإنتصار على الخطّ البرجوازي و مختلف القيادات العامة البرجوازية ، و ليس لمرّة واحدة فقط بل لعدّة مرّات.
بإدارته ظهره لمبدأ مواصلة الثورة فى ظلّ الإشتراكية ، ربّما إعتقد أنور خوجا أنّه يقدّم مساهمة لامعة فى الماركسية. بينما فى الواقع هو لا يفعل من جديد سوى تطبيق وجهة النظر البرجوازية الصغيرة الإنسانية التي ترفض الإعتراف بإنقسام المجتمع الرأسمالي إلى طبقات متناحرة ، آملة بالتالى أن يضمحلّ التناحر.
وهو يعرض تشويهه ل" المبادئ اللينينية " المتصلة بالحزب و يستعمل بعشوائية كلمات ستالين بصدد " الحزب البروليتاريا ذو الوحدة الصمّاء " ، كشف خوجا ببساطة و بشكل أعمق فهمه هو الميتافيزيقي و المعادي للجدلية للعالم، و إفتقاده لأدنى فهم للتطوّر الحقيقي لكلّ حزب ماركسي. و يدّعى خوجا أنّ المبادئ اللينينية " لا تسمح بوجود عديد الخطوط ، التيارات المعارضة فى الحزب الشيوعي" شيئ رائع! و ببضعة كلمات يقضى خوجا على النضال ضد التحريفية و الدغمائية و التروتسكية و كلّ الإنحرافات الأخرى التي يمكن أن تظهر فى صفوف الحزب.
أيمكن أن نقول إنّه لا وجود لتيّار تحريفي فى الحزب الألباني؟ لا، لا نعتقد ذلك! حتى إذا كان خوجا منخرطا فى خطّ ماركسي - لينيني ( عوض الدفاع هو ذاته عن توجّه تحريفي جديد ) ، لن نكفّ عن عدم الإعتقاد فى ذلك، و رغم كافة ترهات خوجا حول " المبادئ اللينينية" كان لينين و ستالين يعملان بإستمرار على تحديد جميع أنواع " " التيارات المعارضة " داخل الحزب البلشفي و على النضال ضدّها و إلحاق الهزيمة بها.
لا يفعل خوجا سوى توحيد الإثنين فى واحد ،حسب طريقته الخاصّة فى الفهم ،وهي طريقة مناقضة للطريقة الجدلية فى إزدواج الواحد. إنّه يخلط بين مسألة الخطوط و التيّارات و مسألة الكتل . و رغم التشابه الموجود بين هذه المسائل فهي متباينة. فوجود تيارات مختلفة أو خطوط داخل الحزب لا يتأتى من " السماح" بوجودها إذ هي إنعكاس لا مناص منه للقوى الطبقية فى المجتمع التى توجد هي ايضا لا لأنّ الماركسيين – اللينينيين "يسمحون" بوجودها ، بل بسبب الظروف الماديّة و الإيديولوجية للمجتمع بما فى ذلك بقايا المجتمع الإستغلالي الطبقي الموجودة فى قاعدة المجتمع الإشتراكي الإقتصادية و فى بنيته الفوقية.
يمكن حلّ كتلة تحريفية داخل الحزب و طرد قادتها إلخ لكن مثل هذه الإجراءات لن تؤدّي و لا يمكن أن تؤدّي إلى إلغاء كلّ توجّه و كلّ خطّ تحريفي داخل الحزب, فهذه التوجهات لا توجد داخل الحزب عامة فحسب لكن أيضا فى طريقة تفكير كلّ شخص!
عند معالجة هذه المسألة ينتقل الحزب الألباني من الأقصى إلى الأقصى ، منتهيا إلى صياغة إنتقائية حسبها هناك " صراع طبقي فى الحزب " دون وجود خطوط متعارضة. إنقلاب فعلي بليّ العنق، هل يعتقد خوجا أنّه بالقضاء منذ البداية على عملاء العدوّ ، العناصر البرجوازية و الفاسدة ، سيمكنه الحيلولة دون ظهور خطوط معادية، خطوط غير ماركسية، خطوط برجوازية داخل الحزب كما لو أنّ وجود خطّ مرتبط ببساطة بإمتلاك آلات كتابة! مرّة أخرى خوجا و ليس ماو هو الذى يبتعد عن الماركسية - اللينينية لأنّ الماركسية تعلّمنا أن مسألة الخطّ و صراع الخطّين ( ما يفترض وجود خطوط مختلفة ) تمثّل حياة الحزب.
لنضرب بعض الأمثلة. فى البلدان الإمبريالية ، يمثّل التوجّه نحو التحريفية لا سيما فى شكل الإقتصادوية ( يعنى إتجاه تقليص نضال العمّال إلى نضال من أجل تحسين ظروف نظام العبودية بالنسبة للعبيد ، فى آن معا إتجاها ضارّا و قويّا. و قد بيّن لينين القاعدة الإجتماعية لهذا التيّار فى مؤلفه اللامع " ما العمل؟ " كما فى بعض كتاباته التالية المتعلّقة بالإمبريالية. لكن فقط إكتشاف هذا التوجّه و إنطلاق الماركسيين- اللينينيين الحقيقيين فى نضال بلا هوادة و طويل الأمد ضد هذا التوجّه لا يعنى أنّه ليس له تأثير داخل الحزب كخطّ معاد للماركسية.و كذلك فى عديد البلدان حيث المهمّة الآنية للطبقة العاملة و للحزب هي النضال من أجل التحرّر الوطني ، تمثّل التوجّهات القومية الضيقة إنعكاسا للقوى الطبقية التي تخوض فعلا الصراع ؛ و على شيوعيى هذه البلدان أن يخوضوا صراعا بلا هوادة ضد هذه الإنحرافات بما فى ذلك و خاصّة عندما تنعكس داخل الحزب ذاته. مرّة أخرى ، الإعتراف بوجود الخطوط الخاطئة داخل الحزب و فهم قاعدتها الطبقية و جذورها التاريخية هو الذى يسمح للماركسيين – اللينينيين بمقاتلة هذه الخطوط و إلحاق الهزيمة بها. و لا يتعلّق الأمر ب "السماح" أو عدمه لمثل هذا الواقع.
ألا ينسجم صراع الخطين داخل الحزب مع كون " الحزب الماركسي- اللينيني هو حزب الطبقة العاملة فحسب " مثلما يقول خوجا؟ ( 92) لا ينسجم إلاّ بالنسبة للذين لا يفهمون شيئا من الجدليّة.
الحزب الشيوعي هو حزب الطبقة العاملة لأنّه مقاد بالماركسية - اللينينية إيديولوجيا الطبقة العاملة و لأنّ الطبقة العامة هي الطبقة الوحيدة التي تتمثّل مصالحها فى قلب الرأسمالية و كلّ أنواع الإستغلال و الإضطهاد و فى تحقيق الشيوعية و لأنّ المبادئ التنظيمية للحزب ، " المبادئ اللينينية " ، إن أردنا ذلك، تعكس الطابع الإجتماعي للإنتاج لا سيما دور البروليتاريا فى علاقات بالإنتاج. بهذا المعنى و بهذا المعنى فقط يمكننا فهم أنّ الحزب الشيوعي هو حزب الطبقة العاملة. لا يستطيع الحزب و لا تستطيع الطبقة العاملة و الماركسية - اللينينية أن تظهر بصورة " نقيّة ". و هذا بيّن إذا نظرنا فى الطبقة العاملة. لم يع بعدُ سوى عدد قليل من العمّال فى المجتمع الرأسمالي دورهم كحفّاري قبر النظام الراسمالي . و علاوة على ذلك ، ثمّة إنقسامات فى صفوف البروليتاريا ( إنقسامات سياسية ، قومية و إقتصادية ) رغم تقاسم كافة العمّال ، موضوعيا ، نفس المصلحة الطبقية. و بالتالى تمثّل فكرة بروليتاريا "نقية" قمّة العبثيّة و تعنى إنكار ضرورة الحزب الشيوعي. و كذلك عبثيّ الحديث عن "نقاوة" الحزب و الماركسية-اللينينية حين نلقى نظرة على خصوصيات الوجود الراهن و الملموس لحزب ما أو لخطّ حزب ما. و مثل هذا العمل يكون فعلا إنكار للحاجة لمواصلة الصراع داخل الحزب. لذلك يسخر ماو تسى تونغ عن حقّ من فكرة "الوحدة الصمّاء" للحزب و للحركة الشيوعية العالمية. ( " يعتقد البعض أنّ ... الحزب لا يمكن أن يكون موضوع تحليل؛ أي أنّه ذو وحدة صمّاء و متماثل...") (93)
لنتطرّق الآن إلى إستشهاد بستالين لجأ إليه خوجا بهدف منع القارئ من القيام ببحث نقدي و جدلي فى هذا الصدد : " الحزب الشيوعي هو حزب وحدة صمّاء للبروليتاريا و ليس حزب مجموعة عناصر من طبقات مختلفة. " هذا الإستشهاد صحيح فى معنى معيّن و ليس كذلك فى معنى آخر. إذا تناولنا الإستشهاد كتجريد علمي ، نراه مفيدا إلى حدود بيد أنّه بإعتباره تحليلا لحزب ما هو خاطئ و ضارّ على حدّ سواء. و يجب على الخطّ السياسي و كذلك على المبادئ التنظيمية للحزب أن تتأتّى من تجريدعلمي صحيح ( بمعنى أنّه يعكس الطبيعة مثلما يقول لينين، بشكل " أعمق، أصحّ و أشمل") بأنّ الحزب هو حزب البروليتاريا و حزبها هي فحسب. مع ذلك، يعدّ عناصر الحزب الشيوعي فى صفوفه ، و ينبغى أن يُعدّ فعلا فى صفوفه "عناصر مختلفة من طبقات مختلفة ". و بطبيعة الحال ، على هذه العناصر أن تنخرط فى الحزب بتبنّى وجهة نظر البروليتاريا و خطّها. ألا يمكن أن نقول إنّ فى أيّ حزب يأتى المثقّفين ،مثلا، و معهم بعض مظاهر وجهة نظر البرجوازية و البرجوازية الصغيرة و خطّها و علاقاتها التنظيمية؟ ألا ينضمّون إلى الحزب جالبين معهم بعض مظاهر وجهة نظر المنتج الصغير؟ هل يخطئ المرء فى القيام بتحليل طبقي لعناصر الحزب و فى إستعمال هذا التحليل الطبقي ( بمنهج جدلي و ليس ميكانيكي) لغاية محاولة فهم أية إنحرافات يمكن أن تظهر و كذلك محاربتها؟ طبعا يأتى كلّ عناصر الحزب بما فى ذلك العمّال، معهم حين ينخرطون فى الحزب ، بمختلف أنواع الإيديولوجيات البرجوازية و الأخطاء السياسية و من هنا تفهم الملاحظة الساخرة لماو :" كما لو أنّه لمّا نلتحق بالحزب نصبح بالضرورة ماركسيين مئة بالمئة " (94).
لا وجود ل"ماركسيين مئة بالمئة " بما فى ذلك أنور خوجا و بطله وانغ مينغ الذى أقام جلبة كبرى فى بداية الثلاثينات معلنا أنّه و حفنة من الطلبة العائدين معه من موسكو كانوا "بلاشفة مئة بالمئة ". هل يُعتبر الإعتراف بأنّ الحزب ليس " ذو وحدة صمّاء " وبالفعل يعجّ بتناقضات تعكس العلاقات الطبقية فى المجتمع و المكوّنات الطبقية للحزب ذاته ، إنكارا لضرورة النضال ضد الكتلوية و مبدأ أنّ الحزب لا يمكن أن يقوده إلآّ خطّ واحد ؟ نكرّرها لا يشكّل هذا مشكلا إلاّ بالنسبة للميتافيزيقيين لا بالنسبة للماركسيين – اللينينيين.
الإقرار بوجود خطّين داخل الحزب ( بمعنى جوهري، الخطّ البرجوازي و الخطّ البروليتاري) هو فى نفس الوقت أخذ بعين الإعتبار أنّ واحد من هذين الخطّين ( أي الخطّ الرئيسي) يجب أن يحدّد طابع الحزب. وهو أيضا إقرار بإمكانية أنّ يتحوّل هذان المظهران الواحد إلى الآخر و أن يُصبح الحزب بالتالى حزبا تحريفيا. و طالما أنّ الخطّ القائد [ السائد] ( أي الخطّ العام للحزب و قيادته ،المنعكس فى نظرياته و سياساته و صحافته إلخ) ماركسي- لينيني حقيقي ، من الصحيح إعتبار هذا الحزب حزبا ماركسيّا- لينينيا ، حزب الطبقة العاملة. لكي يبقى مثل هذا الحزب ماركسيا- لينينيا ، يجب تحديدا خوض نضال حيوي بلا هوادة ضد أي ّ تمظهر للخطّ الخاطئ. إنّ الإقرار بهذه الضرورة هو فى آن إقرار بضرورة مكافحة الكتل البرجوازية التي تظهر داخل الحزب و تحطيمها.
و يثبت تاريخ الحركة الشيوعية العالمية بوضوح ضرورة خوض هكذا نضال من أجل هزم محاولات المجموعات التحريفية المنتظمة داخل الحزب لإفتكاكه و تطبيق الخطّ التحريفي. و بالضبط كانت المهمّة الرئيسية للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى إفتكاك سلطة المسؤولين الكبار السائرين فى الطريق الرأسمالي بغية إلحاق الهزيمة بهم و تحطيم قيادتهم التحريفية. أن يختار خوجا الثورة الثقافية ك" دليل " عن كون ماو " سمح " بوجود قيادة عامة برجوازية صلب الحزب هو بالتالى أمر عبثيّ.
وفى نفس الوقت إذا ما أخذنا بعين النظر وجود الخطين فى الحزب و القاعدة الإجتماعية لوجودهما ، سنعترف كذلك بأنّ تطوّر كتل المعارضة البرجوازية صلب الحزب لا تمثّل ظاهرة عرضيّة أو غير قابلة للشرح، بل جزءا لا مفرّ منه من الصراع الطبقي ووتطوّر الحزب.
كلّما تبرز التوجّهات الخاطئة ، كلّما يوجد خطّ خاطئ فى حالته الجنينية ( الشيئ الذى يحدث حتما لأسباب لخّصناها أعلاه ) سينتهى البعض إلى النهوض ، عاجلا أم آجلا ، للدفاع عن هذه التوجّهات ليحوّلوها إلى خطّ و إلى برنامج كامل التطوّر بغاية النضال لتعويض الخطّ الماركسي-اللينيني للحزب بخطّ خاطئ. و بعيدا عن أن يكون عائقا ، فإنّ إدراك هذا الأمر يخوّل للحزب و للجانه و أعضائه التعرّف بسرعة أكبر على تلك السيرورة و تطوّرها ( لعدّة مرّات) من أجل التحرّك بصرامة لمعارضتها.
و الكتلوية فى حدّ ذاتها مظهر من مظاهر الخطّ الخاطئ. إنّها تعكس الإنقسام و التنافس و" كلّ لذاته " التي تميّز الرأسمالية، فى معارضة مع التضامن و التعاون المميّزان للعمّال كطبقة. هكذا يجب على الماركسيين- اللينينيين مقاومة الكتلوية مثلما فعل ذلك ماو تسى تونغ بمبادئه الثلاثة الشهيرة حول ما يجب القيام به و ما يجب عدم القيام به. " ممارسة الماركسية لا التحريفية ؛ العمل من أجل الوحدة ،لا من أجل الإنشقاق ؛ التحلّى بالصراحة و الإستقامة ،لاحياكة المؤامرات و الدسائس". علاوة على ذلك ، مثلما أشار الثوريون فى الصين ( أنظر: تقرير وانغ هونغ – وان حول الدستور ، الذى ألقاه فى المؤتمر العاشر للحزب )، المبدآن الأخيران من " مبادئ ما يجب القيام به و ما يجب عدم القيام به " مرتبطان بالمبدأ الأوّل . ( 95) و يناضل الماركسيون-اللينينيون من أجل الوحدة و لا يجدون ضرورة لحياكة المؤامرات و الدسائس فقوّتهم تنبع من أنّ خطّهم يعكس بصفة صحيحة الواقع الموضوعي و يتماشى مع مصالح الغالبية العظمى للشعب و يدفع إلى تقدّم الثورة. و هكذا ، كلّما إنخرطنا أكثر فى المبادئ اللينينية فى ما يتعلّق بالحياة الداخلية للحزب كلّما تعزّز الخطّ الصحيح ككلّ. و بديهيّ أنّ الذين يدافعون عن خطّ برجوازي سيسعون حتما للإنشقاق و سيحيكون المؤامرات و الدسائس لأنّه بهذه الطريقة يطوّرون قواهم فى نفس الوقت الذى يبدون فيه خوفا شديدا من الصراع السياسي المخاض بصورة مفتوحة. فالأمر لا يتعلّق إذن ب" السماح" بالتكتّل و المؤامرات و الدسائس فى صفوف الحزب بل بمعرفة أنّ الصراع ضد كلّ هذا هو جزء من "ممارسة الماركسية و ليس التحريفية " و تنبيه عناصر الحزب و الجماهير إلى أنّ الذين يتّبعون خطّا خاطئا لا يمكنهم البقاء أوفياء للمبادئ التنظيمية الماركسية - اللينينية و إلى أنّه يجب التحلّى باليقضة الدائمة. و تركيز خوجا على وجود " الوحدة الصمّاء" فى الحزب هو إنعكاس لرفضه نظريا و تطبيقيا أن ينطلق من و يؤسّس نظرته على تحليل إزدواج الواحد. و هذا الرفض مرتبط بصيغة قريبة جدّا خاصة فى العشرينات و الذى كان يدعو ضمن ما يدعو إليه أنّ التناقض لا يوجد بالضرورة طوال كافة سيرورة تطوّر شيئ ما بل يظهر فقط فى مرحلة معيّنة من هذا التطوّر. كانت مدرسة ديبورين تنادى مثلا بأنّه لا وجود لتناقض فى صفوف القوى التي كانت تعارض النبلاء و الكنيسة خلال الثورة الفرنسية، بل إنّ التناقض بين العمّال و الرأسماليين لم يظهر سوى لاحقا أو إثر تطوّر متقدّم للإنتاج الرأسمالي. و كان ماو يعتبر غاية فى الأهمّية النضال ضد مدرسة ديبورين و أشار فى نصّه الشهير " فى التناقض" إلى كون " مثالية ديبورين مارست تأثيرا من التأثيرات الأكثر ضررا داخل الحزب الشيوعي الصيني ،و لا يمكن أن نقول أنّ المفاهيم الدغمائية لحزبنا ليست لها علاقة بهذه المدرسة " (96)
و لا غرابة فى أن يلجأ خوجا وهو يقيم هجوما مسعورا على ماو إلى قلب الإستنتاج التاريخي حول مسألة وانغ مينغ، وإلى الإختفاء وراء المدرسة الفلسفية التي كان وانغ مينغ تلميذا وفيّا لها.
كيف يمكن أن نفسّر مسألة ظهور التحريفية و إنتصارها إذا لم ندرس التناقضات الداخلية للحزب ، الصراع بين الخطّين؟ ينبغى إمّا أن نحذف تماما التناقضات الباطنية و أن نبرز المسألة كإفتكاك للحزب من قبل قوى خارجية ، و إمّا ( و النتيجة ذاتها) الإعتراف بأنّ التناقضات الداخلية للحزب لا تظهر إلاّ فى فترة معيّنة لتطوّره و تتأتّى من تأثيرات خارجية ، "أخطاء" الثوريين و ما إلى ذلك ، هذان التفسيران فى النهاية ميتافيزيقيان.
لقد أنكر ستالين وجود التناقض و الخطين داخل الحزب. لم "يسمح" بهما. بيد أنّ ذلك لم يمنع تطوّر التحريفية الخروتشوفية نظرا لأخطاء ستالين . هل كانت الجماهير فى الإتحاد السوفياتي أكثر إستعدادا لفهم ما جرى و ما كان يتعيّن فعله بالتالي؟ طبعا بوسعنا أن نفهم أن يكون لستالين فهم إحاديّ الجانب لحياة الحزب فى ظلّ الإشتراكية لأنّه لم تكن توجد أيّة تجربة تاريخية لحزب شيوعي أصيل كان قد نجح فى القيام بثورة تحوّل إثرها إلى نقيضه ، إلى حزب برجوازي يسعى إلى إعادة تركيز الرأسمالية. و لكن يغدو شيئا آخر حين يتمسّك خوجا تمام التمسّك بإعادة إرتكاب أخطاء ستالين، و بجعلها مبادئا شمولية فى حين أن التجربة التاريخية أفرزت مذّاك قاعدة على أساسها أمكن للماركسيين – اللينينيين وبخاصّة الرفيق ماو تسى تونغ ، أن يقيّموا و يصحّحوا و بالخصوص أن يتجاوزوا تلك الأخطاء.
حين إنتصرت الإنتهازية فى صفوف الأمميّة الثانية أثناء الحرب العالمية الأولى ، نجح لينين بفضل علم الديالكتيك فى رسم تطوّر ( و كذلك الجذور الإجتماعية و التاريخية ) للتناقض الذى أدّى إلى هذه الخيانة. لقد بيّن كيف أنّ الديمقراطية الإشتراكية إنقسمت إلى معسكر ثوري ومعسكر إنتهازي ؛ و أنّ لهذه الظاهرة أساس مادي خلق أرستقراطية صلب الطبقة العاملة فى البلدان الإمبريالية؛ و أنّ الفترة الطويلة من العمل السلمي و القانوني أدّت من جهة إلى أن غدت الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية احزاب جماهير العمّال فى أوروبا و من جهة أخرى إلى أن أصبحت قيادات هذه الأحزاب تتجه إلى إتباع ممارسات و رسم أفق ضيّقين و برلمانيين. و قد بيّن كذلك لينين كيف جرى فقع دمّل الإنتهازية منذ إندلاع الحرب العالمية الأولى.
لا يستطيع خوجا تفسير تطوّر التحريفية الخروتشوفية لأنّه يرفض الإعتراف بأنّ التناقضات داخل الحركة الشيوعية العالمية لم تظهر فقط زمن الإنقلاب الخروتشوفي بل إنّها إنفجرت حينها. إذن تتمثّل "المساهمة العظيمة" لخوجا فى إنكار التقدّم الحقيقي الذى حصل خلال الصراع ضد التحريفية فى السنوات العشرين الأخيرة فى التأكيد على أنّ كلّ صيغة و كلّ خطإ ( و كذلك الأساس الإيديولوجي لهذه الأخطاء ) يعتبران من الكتابات المقدّسة و فى نعت كافة الذين يرفضون إتباع هذا الخطّ هراطقة.
فى الأخير للردّ على هذه الهجمات الخوجية ضد خطّ ماو حول الحزب ، ينبغى أن نحاول أن نكشف الخلط الذى يبثّه خوجا فى ما يتعلّق بسياسات ماو بصدد الصراع الداخلي للحزب. يستشهد خوجا بماو فيقول : " يمكننا هكذا أن نستعمل اليدين معا تجاه رفيق مخطئ : بيد سنصارعه و بالأخرى نقيم وحدة معه. و غاية هذا الصراع هي صيانة المبادئ الماركسية ،ما يعنى الصلابة فى المبادئ من جهة و من جهة أخرى إقامة وحدة معه. و غاية الوحدة هي السماح له بمخرج ، بتحقيق إتفاق معه .. ." (97)
هنا لا يحذف خوجا مفهوم ماو لكلمة "إتفاق"( وهو ما نسميه مرونة) فقط ، بل كذلك يمحو إستنتاج ماو القائل : " الوحدة بين المبادئ و المرونة مبدأ ماركسي- لينيني يمثّل وحدة أضداد "( 98)
بداية ، يجب ملاحظة انّ ماو لا يتحدّث البتّة هنا عن المعادين للثورة الذين لا يمكن إصلاحهم داخل الحزب ، عن الذين يقودون كتلا برجوازية . يؤكّد ماو هذا بالضبط فى الفقرة السابقة على تلك التي إستشهد بها خوجا: " مع ذلك ، إزاء أناس من نوع آخر، موقفنا يختلف. تجاه الأشخاص من أمثال تروتسكي أو فى الصين كتشان تو – سياوو، تشانغ كوو-تاو و كاوكانغ ، لا مجال لمساعدتهم ، لأنّهم غير قابلين للإصلاح" (99)
( مرّة أخرى نلمس هنا الأسلوب اللامع للمجادل خوجا. فى الواقع يحقّق شيئين إثنين : أوّلا ، يملى على كلّ قارئ جدّي البحث عن الكتابات فى المصادر لأنّه من غير الممكن فهم ما يقوله ماو بقراءة "إستشهادات" خوجا فحسب؛ و ثانيا يكشف إنحطاط وجهة نظره بوعيه هو ذاته بأنّ نظرته لا يمكن أن تقف فى مواجهة فكر ماو تسى تونغ.) فى منتهى البداهة إذن أنّ ماو لا يرتئى وحدة لامبدئيّة مع الذين لا يمكن إصلاحهم . ما يودّ قوله أساسا يضحى أكثر دلالة إن عالجنا الظرف الذى القى فيه هذا الخطاب فى موسكو سنة 1957 ، أثناء إجتماع ممثّلي أحزاب شيوعية و عمّالية. قاد ماو حينها صراعا معقّدا للغاية بغية الدفاع عن المبادئ الماركسية-اللينينية، صراعا كان يستوجب إتفاقيات تكتيكية مع خروتشوف من جهة و بذل جهود جبّارة لأجل إرساء أساس وحدة أكبر عدد ممكن من الستين حزبا الحاضرين لإقامة تحالف معها. و جليّ هو ما أراد ماو التعبير عنه رغم إستعماله للغة نوعا ما خاصّة.
و يندفع خوجا فى التهجّم على ماو لأنّه إقترح فى 1956 " إنتخاب قادة كتل يمينية و يسارية إلى اللجنة المركزية ..." (100) فيختار أن لا يذكر أسماء هؤلاء القادة خشية كشف نقطة ضعف أخرى لمحاججته ذلك أنّ هؤلاء القادة يعدّون من بينهم صديقنا القديم وانغ مينغ " البلشفي مئة بالمئة " وخطّه يلتقى مع خطّ أنور خوجا . و علاوة على ذلك ، سيجد خوجا صعوبة فى تفسير كيف أنّ لينين و ستالين كانا أحيانا موافقين على إنتخاب قادة إنتهازيين إلى اللجنة المركزية. أوّلا ، من الصحيح محاولة التوحّد مع الممثلين القدماء لأهمّ الخطوط الخاطئة ، ثانيا ، ليس من الممكن دائما و لا من الصحيح بالضرورة إزاحة القادة الإنتهازيين من مواقعهم فى أي وقت. فيمكن مثلا، أن لا يكون هؤلاء القادة قد كشفوا بعدُ ، أن يكونوا يتحكّمون بعدُ فى قاعدة إجتماعية ، و أنّه يمكن أن تتفجّر هذه القاعدة فى جزء كبير منها بخوض نضال خاص لفترة معيّنة من الزمن. تلك الطريقة ، فى اوجه عدّة ، هي التي طبّقها ستالين فى خضمّ الصراعات ضد اليمين و أيضا ضد " اليسار " خلال العشرينات و بداية الثلاثينات. إضافة إلى ذلك ، يمكن ألاّ يكون قائد ما تحريفي هو الممثّل الرئيسي للخطّ التحريفي فى فترة معيّنة و أنّ هجوما على أكثر من جبهة يمكن أن يفضى على الهزيمة. و طبعا كان من الضروري عادة طوال تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ، النضال على عدّة جبهات فى نفس الوقت. لكن وُجدت أيضا حالات كثيرة مثل عصر ماركس و إنجلس ، حيث وُجد بوضوح صراع داخلي واحد كان على الثوريين أن يعتنوا به قبل أي شيئ آخر و حيث عدم التصرّف على تلك الشاكلة كان يمكن أن يفرز نتائجا جدّ خطيرة. إنّا لا نعلم جميع الأسباب التي من أجلها إرتأى ماو فى 1956 إنتخاب وانغ مينغ و لى لي سان إلى اللجنة المركزية إلاّ أنّه من الجلي أنّ مثل هذا الفعل لا يمثّل بالتأكيد ضربا من تجاوز مبادئ الماركسية و ليس أكثر أو أقلّ من إنتخاب تروتسكي و إعادة إنتخابه للجنة المركزية إلى حين سقوطه النهائي سنة 1927. أو هل يعتقد خوجا أنّ لينين و ستالين لم يفهما الطبيعة الحقيقية لتروتسكي؟
ولنتفحّص الآن فهم ماو لهذه المسألة كما ورد فى خطابه الملقى فى إجتماع تحضيري للمؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي الصيني. إنّه يدعو إلى وجوب إعادة إنتخاب لي لي سان ووانغ مينغ إلى اللجنة المركزية وهما طبعا ممثّلان شهيران لخطوط كانت لها تاريخيا تأثيرات خطيرة جدّا على الحزب. إلى ذلك ، ليس لدي ماو أوهام حول خطّهم الحالي لا سيما خطّ وانغ مينغ الذى سعى إلى أن يعيد النظر فى النقد الموجّه لأخطائه القديمة. وفى الواقع ، يؤكّد ماو على أنّ "المسألة ليست مسألة معرفة ما إذا كان وانغ مينغ و لى لى سان سيصحّحان ممارساتهما ام لا ، هذا ليس مهمّا ..." (101) لكن بالأحرى : " المسألة الجوهرية هي أنّ الأمر لا يتعلّق ببعض الأشخاص المعزولين، بل بأنّهم يمثّلون جزءا كبيرا إلى حدّ ما من البرجوازية الصغيرة. إنّ الصين بلد برجوازية صغيرة كثيفة العدد ، و الكثير من عناصرها متردّدة جدّا [ و يواصل متحدّثا عن مختلف قطاعات البرجوازية الصغيرة) ما يعنيه إذن التصويت لهذين الممثلين لخطّ وانغ مينغ و خطّ لى لى سان؟ هذا يعنى أنّنا نتعامل مع الناس الذين إرتكبوا أخطاء إيديولوجية بطريقة مغايرة نسبة للمعادين للثورة و الإنشقاقيين (مثل تشان تو- سيوو ، تشانغ كوو- تاو ، كاو كانغ و جاو شو- شا ) يطبّق مثل هؤلاء الناس المنهج الذاتي و السكتاري فى وضح النهار و بدعاية كبيرة و يبحثون عن إنتصار برنامجهم السياسي ... هكذا إذن ليست مشكلة لي لي سان مشكلة شخصين إثنين فحسب ، المهمّ هو أنّ لها جذورها الإجتماعية" (102)
و يسترسل ماو مشيرا إلى أنّ حضور هذين الشخصين فى اللجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر السابع ( المنتخبين فى 1945) لم يؤدّ إلى خسائر هامّة: " ... و مع ذلك لقد أحرزنا النصر فى الثورة ، و لم تتأخّر ثورتنا حتى لأشهر عدّة [ يقصد إنتصار 1949] بهذا الإنتخاب لوانغ مينغ و لى لى سان". (103) و يؤكّد ماو أنّ : " كلّ البلاد و حتّى العالم بأسره يعلم جيّدا أنهما أخطآ فى الخطّ و أنّ شهرتهما هي بالذات سبب إنتخابهما... فى بلادنا أين توجد البرجوازية الصغيرة بكثافة يمثّلان علامتين. إن إنتخبناهما سيقول العديد من الناس: يبدى الحزب الشيوعي مع ذلك صبرا تجاههما ، و يفضّل إبقاء كرسيين لهما على أمل أن يصلحا من أنفسهما. أن يصلحا من أنفسهما أم لا شأن آخر، وهو إلى ذلك قليل الأهمّية لا يعنى إلاّ سواهما. و المسألة هي أنّ البرجوازية الصغيرة ذات عدد كثيف فى مجتمعنا و الكثير من عناصرها متذبذبة فى صفوف المثقفين و يريد جميعهم رؤية ما سيحدث لهذه الحالات النموذجية. إذا لاحظوا أنّ هتين العلامتين لا تزال واقفة سيشعرون بالإطمئنان و الإستقرار و يفرحون لذلك. لكن إذا أطحتم بهتين العلامتين ، سينتابهم الفزع." ( 104)
ها أنّ ماو يفتح أبواب الحزب البروليتاري إلى الإنتهازيين المعروفين وبشكل مفتوح و مفضوح! لقد إستشهدنا مطوّلا بفهم ماو للمسألة ليس للتصدّى لطريقة خوجا فى تشويه كلماته و إستخدامها كما يحلو له فحسب بل أيضا لأنّه من الممكن للثوريين النزهاء أن يتساءلوا بهذا المضمار. لكن أين يكمن الخطأ فى فهم ماو؟ كيف يناقض المبادئ الماركسية- اللينينية و يذهب ضد تيّار الثورة ؟ بالمرّة لا يعارض ماوهذه المبادئ وهو يؤكّد أنّ وجود هذين الشخصين باللجنة المركزية لن يضرّ بالمصالح الثورية للبروليتاريا و إنّما سيعطى دفعا لتقدّم الثورة بالنظر إلى الظروف الخاصّة بالصين.
كانا شهيرين للغاية و مكشوفين تماما و ما كان بإستطاعتهما بالتالى التسبّب فى أي ضرر. هذا من جهة و من جهة أخرى ، لم يكونا ( فى تلك الفترة) معاديين للثورة أو إنشقاقيين بل قاما فى وضح النهار بأخطاء إيديولوجية و تحديدا التردّد الذى يميّز البرجوازية الصغيرة. لهذا كانا رمزان للبرجوازية الصغيرة فى الصين؛ من أجل نجاح الثورة الصينية كان عامة مطلق الضرورة أن تتوصّل البروليتاريا إلى التوحّد مع هذه البرجوازية الصغيرة ،أن تتصارع معها بشكل غير تناحري و أن تركّز قيادتها لهذه البرجوازية الصغيرة. ( كي ندرك بعمق هذه الضرورة يجب أن نتذكّر عموما مئات ملايين الفلاحين الصينيين الذين كانوا جزءا من البرجوازية الصغيرة ). و عليه لن يضرّ بالثورة إبقاء هذين الشخصين فى اللجنة المركزية ( و بالفعل يكون من الصعب تبيان أنّ حضورهما أحدث بالفعل ضررا ) و من ناحية أخرى ، كان يمكن للإطاحة بهما أن تلحق ضررا لأنّ حركة مثل هذه كانت ستتسبّب فى إضطراب و قلق ضمن القاعدة الإجتماعية فى الوقت الذى كان فيه الحزب الشيوعي يسعى للوحدة مع البرجوازية الصغيرة و كسبها إلى جانبه.
و رغم ذلك ، قد نتساءل دائما ، حتى و إن أراد الحزب الشيوعي الصيني كسب البرجوازية الصغيرة إلى جانبه على هذا الأساس ، لماذا كان يجب أن يوضع ممثّلو البرجوازية الصغيرة باللجنة المركزية للحزب؟ ألا يتعيّن على هذا التنظيم أن يكون فعلا حزب البروليتاريا و ألا يتحوّل بالفعل إلى "حزب مجموعة عناصر من طبقات مختلفة" ( إنها كلمات ستالين ذكرها خوجا ) ؟ ثمّة إجابات عدّة على هذه الأسئلة. بداية ، ينبغى أن نلاحظ أن خضور عناصر تلعب فعلا دور ممثّلين للبرجوازية الصغيرة داخل الحزب و حتى فى اللجنة المركزية لايجعل من الحزب مجموعة من العناصر من طبقات مختلفة ؛ يعنى أنّه بالضرورة من الطبيعة الجوهرية للحزب كممثّل للبروليتاريا و طليعتها يكرّس خطّا بروليتاريا. و كلّ مراقب غير منحاز ، يجب أن يقرّ بأنّ وجود وانغ مينغ و لى لى سان إثر كشف خطّهما و هزيمته لم يُغيّر من جوهر الحزب الشيوعي الصيني و لا من طبيعته و لا من خطّه.
ثانيا، ينبغى أن نأخذ بعين النظر الظروف الخاصة للثورة الصينية فمرحلتها الأولى كانت مرحلة الثورة الديمقراطية البرجوازية و بمعنى آخر ،قبل التمكّن من المرور إلى مرحلة الثورة الإشتراكية إضطرّت البروليتاريا و حزبها فى البداية إلى قيادة و خوض ثورة ديمقراطية برجوازية تستهدف الإمبريالية و الإقطاعية. ( و مثلما صرّح ماو ، الثورة الديمقراطية الجديدة هي ثورة ديمقراطية برجوازية لكنّها "...لا تنتسب إلى الثورة الديمقراطية البرجوازية العالمية بمفهومها القديم ،بل تنتسب إلى مفهوم جديد، و لا تعدّ جزءا من الثورة العالمية القديمة البرجوازية و الرأسمالية ، بل تعدّ جزءا من الثورة العالمية الجديدة، أي جزءا من الثورة العالمية الإشتراكية البروليتارية " بما يعنى أنّها " ثورة مناهضة للإمبريالية و الإقطاعية تنجزها الجماهير الشعبية بقيادة البروليتاريا"(105).
و ينجرّ عن ذلك أنّه من الحتمي أن يتحوّل بعض الناس الذين كانوا ثوريين فعلا فى تلك الحقبة ( معترفين حتّى بالشيوعية دون إستيعاب فعلي للماركسية- اللينينية) و كانوا بالفعل يمثّلون البرجوازية الصغيرة لا البروليتاريا ، إلى أعضاء فى الحزب القائد لهذه الثورة الديمقراطية البرجوازية من النوع الجديد. و كان ذلك ضروريا للثورة الصينية و نكران هذه الحقيقة إشارة إمّا إلى أنّنا نجهل الأحداث التاريخية و إمّا أنّنا نبحث عن الهروب من الواقع. بما أنّ الأمر يتعلّق بالضرورة أليس من الأفضل بكثير و أكثر ماركسية الإعتراف بهذه الأحداث و مواجهتها ( كما فعل ماو) من إدعاء أنّها غير موجودة للحديث فقط عن الوحدة الصمّاء النقيّة للحزب؟
ثالثا، حتّى فى غياب الظروف الخاصّة للصين إدّعاء أنّ الحزب الثوري يمكن أن يكون ذا نقاوة صمّاء حتى بعد إفتكاك السلطة ليس فى الواقع سوى نشر للأوهام. وقد أدرك لينين هذا بشكل جيّد : " فى ظلّ سلطة السوفيات ، سيتسرّب إلى حزبكم و إلى حزبنا ، حزب البروليتاريا عدد أكبر حتّى من المثقّفين البرجوازيين. سيتسرّبون إلى السوفيات و إلى المحاكم و إلى الإدارات ، لأنّه لا يمكننا أن نبني الشيوعية إلاّ بالمادة البشرية التي خلقتها الرأسمالية ؛ لا توجد غيرها. لا يمكننا لا طرد و لا تحطيم المثقّفين البرجوازيين ، يجب أن نهزمهم، أن نحوّلهم ، أن نعيد صقلهم و أن نعيد تربيتهم، كما فى البقيةّ ،تتعيّن إعادة التربية عبر صراع طويل و مرير على أساس دكتاتورية البروليتاريا ، البروليتاريين ذاتهم ، الذين هم كذلك، لا يتخلّصون من أفكارهم المسبّقة البرجوازية الصغيرة فى لمح البصر، بمعجزة ، بأمر من القدّيسة العذراء ، بشعار، بقرار، بحكم بل فحسب عبر صراع جماهيري طويل و صعب ضد تأثيرات الجماهير البرجوازية الصغيرة " ( 106).
كيف؟ سيتسرّب مثقفون برجوازيون إلى الحزب البروليتاري ّ و لا يمكننا لا طردهم من الحزب و لا تحطيمهم؟ لكن ألا يجب التذكّر أنّ من يتكلّم هو الليبرالي الشهير لينين و ليس مثال نموذجي للنقاوة البروليتارية على غرار أنور خوجا؟ بالتأكيد ، يكون من الأفضل أن لا نضطرّ إلى إتفاقيات من هذا القبيل غير أنّ الثورات ، و مهما كانت أوهام خوجا المحلّق فى السحب، تنجز بالفعل عبر مثل هذه الإتفاقيات التكتيكية حتى داخل حزب البروليتاريا. فماذا يقول خوجا عن إنتخاب تروتسكي إلى اللجنة المركزية السادسة للحزب البلشفي فى شهر أوت 1917 ؟ ألم يكن لينين يعرف الطبيعة الحقيقية لتروتسكي؟ هل يمكن أن نقول إنّ تروتسكي كان "بروليتاريا نقيّا"؟ ألم يكن الأمر يتعلّق بالأحرى بأنّه كان يتعيّن القيام ببعض الإتفاقيات مع تروتسكي و الذهاب إلى حدّ جعله قائدا لأجل كسب قاعدته الإجتماعية التي كانت على الأرجح برجوازية صغيرة منها بروليتارية لا فحسب فى فهمها للعالم بل كذلك فى تركيبتها الطبقية. و أليس صحيحا أنّ أناسا كُثر وقع قبولهم أعضاء بالحزب فى ذات الوقت مع تروتسكي؟ ( طبعا كانت لتروتسكي قدرات فى المسائل التنظيمية كان البلاشفة يرغبون فى إستغلالها فى قيادة الثورة ؛ و من الأكيد أنّه قد قام كذلك بنقد ذاتي و كان رسميّا نقد أخطاءه السابقة – مثلما فعل وانغ مينغ و لى لى سان).
و فى الختام لنتفحّص هذا المقطع الهرطقي لماو وهو يناقش هذه المسألة: " هل يعنى إنتخابهما أنّه علينا أن نجازي من إقترفوا أخطاء؟ بما أنهما ينتخبان للجنة المركزية ، ستقولون إذن لنرتكب جميعنا أخطاء و مهما يكن من أمر، تتوفّر لنا فرص أن يقع إنتخابنا. هل يجرى الأمر على هذا النحو؟ لا أعتقد ذلك؟ لاحظوا أنّ السبعين و النيّف من أعضاء اللجنة المركزية لم يقوموا بأخطاء عن عمد ليعاد إنتخابهم!... كلّ البلاد و حتّى العالم بأسره يعلم جيّدا أنهما أخطآ فى الخطّ و أنّ شهرتهما هي بالذات سبب إنتخابهما. ماذا تريدون؟ هم أناس شهيرين بينما أنتم الذين لم تقترفوا أخطاء أو إرتكبتم أخطاء بسيطة لستم مثلهم شهرة ".
يستشهد خوجا بجزء من هذا النصّ و يعرب عن تعجّبه منه. يجد وعيه النقي فى ذلك فضيحة. لا نقدر أن نفعل له شيئا : يبدو أنّ " الثقافة الماركسية – اللينينية " ( هكذا) التي يتهم خوجا ماو بالتخلّى عنها تفتقر تماما إلى جانب الهزل. وبإمكاننا محاججته هو ففى نهاية المطاف ، قطعت الثورة فى ألبانيا أوّلا مرحلة توصف رسميّا بأنّها "ثورة ديمقراطية مناهضة للإمبريالية" ركّزت " نظاما جديدا ، ديمقراطيا " فى ألبانيا. (107) ألا يمكن أن يكون بعض الأشخاص المقبولة عضويتهم فى الحزب غير مستوعبين كما يجب الماركسية-اللينينية و كانوا موضوعيّا ديمقراطيين برجوازيين أو ممثّلين للبرجوازية الصغيرة ؟ لسنا فى حاجة إلى الثقة فى الإفتراضات فدستور الجمهورية الديمقراطية الشعبية لألبانيا ( الذى تمّ تعويضه بدستور 1976) لا يُشير إلى الحزب إلاّ مرّة واحدة :
" المواطنون من الطبقة العاملة الأكثر نشاطا و الأكثر وعيا ينخرطون فى صفوف حزب العمل الألباني ، التنظيم الطليعي للطبقة العاملة و لكافة الجماهير الكادحة ، لغاية بناء أسس الإشتراكية و النواة القيادية لكافة تنظيمات الجماهير الكادحة الإجتماعية و التابعة للدولة ".(108).
هل كان ذلك يعنى أنّ حزب العمل الألباني لم يكن "حزب البروليتاريا فحسب " ؟ هذه النقطة وقع تفسيرها بصورة مفصّلة أكثر فى النصّ الرسمي ل " تاريخ حزب العمل الألباني" . مناقشا المؤتمر الأوّل للحزب الشيوعي الألباني سنة 1948 ، يؤكّد النصّ : " قرّر المؤتمر تغيير إسم الحزب الشيوعي الألباني بحزب العمل الألباني. و يتعلّق هذا التغيير بالتركيبة الإجتماعية لسكّان البلاد و بتركيبة الحزب و لا تمسّ فى شيئ لا طابعه و لا أهدافه. كان الفلاحون فى ألبانيا يمثلون الأغلبية أي حوالي 80 % من السكّان. و كان هذا ينعكس كذلك داخل الحزب الذى كان أكثر أعضائه من العاملين فى الريف" (109) على الأقلّ فى ظلّ قيادة ماو لم يغيّر الشيوعيون إسم حزبهم ليسمّوه "حزب العمّال و الفلاحين الصينيين" أو "حزب العمّال الصينيين " !
و بداهة لا يعنى هذا أنّ غالبية عناصر حزب شيوعي ماركسي- لينيني لا يمكن أن تكون من الفلاحين أو من شرلئح أخرى برجوازية صغيرة. فالأمر يتعلّق هنا بأنّ خوجا يكاد يصرّح بأنّ طبيعة الحزب يجب أن ترتبط ب" تركيبته الإجتماعية" ( ما يعنى أنّ حزبا فى بلد زراعي كبير و أعضاؤه غالبيتهم من الفلاحين ، يجب أن يكون حزب عمّال و فلاّحين لا حزبا بروليتاريا )، و أبدا لم يقم حزب العمل الألباني بنقد ذاتي بهذا الصدد و يواصل إلى يومنا هذا حمل إسم " حزب العمل ". أن يتصرّف خوجا على هذا النحو و أن يستشيط غضبا لأنّ ماو يعالج مسألة العناصر البرجوازية الصغيرة فى الحزب الشيوعي فى السلطة ، مثال واضح للعيان على نفاقه و فقدانه الساطع للمبادئ و المنهج الماركسيين كميزة لنقاشاته و مماحكاته.
و لعلّ الأسخف فى كامل نقد خوجا لماو و الحزب الشيوعي الصيني هو من جهة الطريقة التي يكشف لنا بها نظرته البيروقراطية و الميتافيزيقية فيما يتصل بالصراعات الداخلية صلب الحزب و من جهة أخرى نداءاته المنافقة لأشكال الديمقراطية الحزبية . فهو يعرب عن أن القادة الصينيين يتحرّكون ب" خبث " و "لم ينشروا عددا من الوثائق الضرورية لمعرفة نشاط حزبهم و دولتهم. حالوا و لا يزالون دوما دون نشر وثائقهم" (110)
( فى المقطع ذاته ، يقوم خوجا بملاحظة جدّ غريبة عن المختارات الأربعة لماو يعنى أنّها "مصاغة بطريقة محبوكة إلى حدّ أنّها لا تعطى صورة حقيقية عن الأوضاع مثلما تطوّرت فعلا فى الصين. " إلاّ أنّه لا يتجرّأ على تقديم أدنى شهادة لإثبات هذا الإتهام . لا يريد خوجا أن يتوسّع فى هذا الموضوع لأنّ هذا الإتهام منبعه الصحافة السوفياتية. أنظروا مثلا ، " النظرة الفلسفية لماو تسى تونغ" (111) حيث نجد كثيرا من كذب خوجا ضدّ ماو كإدّعاء أنّ ماو كان "عنصريّا" إلخ. و كذلك يحدث خوجا ضوضاء حول أنّ " المؤتمر كجهاز جماعي أعلى للحزب لم ينعقد بصفة منتظمة ". هنا يولى خوجا أهمّية أكبر لشكل الشيئ منه لمضمونه ،و يشبه البرلماني البرجوازي أكثر من الشيوعي. ( و بما أنّ خوجا المتشدّد مدافع إلى أبعد حدّ عن أن تقام المؤتمرات بصفة منتظمة ، يمكننا أن نسأله لماذا لم ينعقد المؤتمر الأوّل للحزب الشيوعي الألباني قبل 1948، بعد سبع سنوات من تأسيسه و أزيد من ثلاث سنوات من تحرير البلاد).
فى تاريخ الدول الإشتراكية إن حصل أبدا أن بذل حزب ما بوسعه لأجل أن يفهم خطّه بشكل عميق ، لمعرفة تطوّر هذا الخطّ فى تناقض مع خطوط خاطئة و الطريقة التي ظهرت بها فى جميع ميادين النشاط الثوري فهو الحزب الشيوعي الصيني . ( وهكذا كان الأمر فى الإتحاد السوفياتي خلال السنوات الأولى من الإشتراكية. لكن منذ أواسط الثلاثينات تزايدت صعوبة التوصّل لفهم عام لصراع الخطّين فى الإتحاد السوفياتي من خلال الوثائق المطبوعة.)
للتوصّل إلى رؤية صحيحة عن الخطّين فى ألبانيا و بالخصوص عن كيفية الصراع الذى دار بين قادة الحزب الشيوعي الألباني و مختلف الفرق المعارضة التي تشكّلت و التي هُزمت داخل الحزب. تقريبا دون إستثناء لا تتحدّث وثائقهم إلاّ عن هذا أو ذاك من " العملاء للخارج " و عن هذا أو ذاك من " المرتدّين" إلخ، الذى سعى لتخريب الحزب. لكن بإستثناء بعض الملاحظات المقتضبة جدّا و العمومية ، لم يُكشف لنا المضمون السياسي لمختلف الخطوط المعارضة. و لو أراد خوجا أن يقول إنّه لم توجد خطوط تحريفية فى حزب العمل الألباني سنحييه مرّة أخرى : لا نعتقد ذلك و لا أحد يعتقد فعلا ذلك و لا حتّى المتزلّفين ذاتهم.
لقد عالجنا بعمق نقد خوجا لخطّ ماو حول طبيعة الحزب لأنّ الأوركسترا التي يقودها خوجا تعتبر كتاباته كما لو أنّها عالميّة التطبيق وفى الواقع هي عالميّا خاطئة. أطروحته عن " الحزب ذى الوحدة الصمّاء " لم تعد صحيحة بالنسبة للأحزاب و لكن كذلك يجب أن نضيف أنّه إذا كان تطبيق هذه الصيغ و هذا الفهم الميكانيكي الذى يرتئيه خوجا هو خطأ بالنسبة لحزب لم يتوصّل بعدُ إلى السلطة، سيكون وصفة كارثية لحزب يقود دولة إشتراكية.
و يعزى هذا إلى أنّ طبيعة الصراع الطبقي تتحوّل نوعيّا بعد إنتصار الثورة الإشتراكية و بالخصوص بعد تحقيق التحويل الجوهري للبنية الإقتصادية. فى ظلّ الرأسمالية ، يكون الصراع الطبقي صلب الحزب ، بكلمات خوجا، " إنعكاسا للصراع الطبقي الذى يخاض خارجه..." ( 112) لكنّ خوجا لا يميّز بين الصراع فى ظلّ الرأسمالية و الصراع فى ظلّ الإشتراكية. يقول : " الحزب ليس حلبة طبقية حيث يخاض صراع بين الطبقات المتناحرة..." (113) حقّا؟ و كيف يفسّر خوجا عندئذ الإنقلاب الذى نظّمه خروتشوف؟ كيف يفسّر السنتين من الصراع المريم داخل الأجهزة العليا للحزب السوفياتي بعد وفاة ستالين؟ أليس صراعا بين طبقات متناحرة و ألم تتمّ داخل الحزب الشيوعي ذاته؟ و ماذا نقول عن صراع ستالين ضد تروتسكي ، و بوخارين و آخرين خلال العشرينات وهي صراعات دامت سنوات؟
فى الواقع رغم أنّه لا يريد الإعتراف بذلك، يشبه تحليل خوجا لهذا الموضوع كثيرا تحليل هواو كوفينغ و دنك سياو بينغ.إثر إستيلائهم على السلطة نظّم هواو وجماعته هجوما شاملا نظريا ضد تعليمات ماو حول أنّ البرجوازية " توجد داخل الحزب الشيوعي". وإنطلاقا من فهم يشبه تماما فهم خوجا ، أراد هواو أن يجعل الناس تعتقد أنّ صراع الطبقات داخل الحزب ليس إلاّ إنعكاسا لصراع الطبقات فى المجتمع ككلّ. مع ترديده بعض المقولات الشهيرة لماو بهذا الصدد ، كان يتهم "مجموعة الأربعة " ( التي كانت مثلما يعلم الجميع بقيادة ماو ) بأنّها هي التي نشرت فكرة أن البرجوازية كطبقة توجد داخل الحزب. حسب فهم هواو و خوجا و إذا كان هذا صحيحا، لن يستطيع الحزب أن يكون حزب البروليتاريا. ( 114) كانت دوافع هواو كوفينغ و دنك سياو بينغ جليّة. أرادا تحويل نظر الرأي العام بغاية الحفاظ على القادة الرئيسيين للبرجوازية فى عمومها، داخل و خارج الحزب، يعنى الحفاظ فى المسؤولين السائرين مثلهما على الطريق الرأسمالي. من المفيد الإستشهاد بالحزب الشيوعي الصيني فى هذا المضمار ، حين كان بعدُ يقوده الخطّ الثوري لماو و حين بلغ الصراع مع المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي لحظة حرجة: " طوال كامل الفترة التاريخية للإشتراكية، التناقض الرئيسي هو التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية. و لماّ يتغيّر ميزان القوى يحتدّ بينهما الصراع الطبقي داخل الحزب " (115). فى المقال المستشهد به أعلاه ، و مثلما فى عديد المقالات الأخري، يقدّم الثوريون فى الحزب الشيوعي الصيني تحليلا ماديّا لتناقضات الإشتراكية و بالخصوص ، التناقض الرئيسي بين البروليتاريا و البرجوازية؛ و خوجا ينفى هذا التناقض ليدّعي العكس أنّ الإشتراكية " تعنى القضاء على الطبقات المتناحرة و إضطهاد و إستغلال الإنسان للإنسان"( 116) ( و كلّ هذا ، ظاهريّا لأنّ الدستور الألباني الجديد قنّن ذلك)!
يشير المقال الصيني إلى أنّ : " خطهم التحريفي هو عصارة مصالح البرجوازية ، القديمة و كذلك الجديدة و مصالح كل الطبقات المستغِلة الأخرى ، خطهم هذا هو الذى يحدد الطبيعة البرجوازية للمسؤولين فى الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي ...لئن اعتبرنا المسؤولين فى الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي برجوازيين فذلك لأنهم يمثلون من زاوية الاقتصاد ، علاقات الانتاج الرأسمالية . طوال المرحلة الاشتراكية تسعى البروليتاريا من جهتها باستمرار الى تغييرالبنية الفوقية و علاقات الانتاج التى لا تتماشى مع القاعدة الاقتصادية و لا مع قوى الانتاج الاشتراكية و تسعى الى دفع الثورة الاشتراكية الى النهاية . بينما يجهد هؤلاء المسؤولين فى الحزب انفسهم للابقاء على البنية الفوقية و على علاقات الانتاج التى تعرقل تطور القاعدة الاقتصادية و تطور قوى الانتاج الاشتراكية و يعملون كذلك على اعادة تركيز الرأسمالية... " ( 117)
و مقال آخر نُشر تقريبا فى نفس الفترة ( إبّان حملة – نقد دنك و الردّ على الإنحراف اليميني- فى سنة 1976) عالج المسألة بشكل أعمق : " خطهم التحريفي هو عصارة مصالح البرجوازية ، القديمة و كذلك الجديدة و مصالح كل الطبقات المستغِلة الأخرى ، خطهم هذا هو الذى يحدد الطبيعة البرجوازية للمسؤولين فى الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي ...لئن اعتبرنا المسؤولين فى الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي برجوازيين فذلك لأنهم يمثلون من زاوية الاقتصاد ، علاقات الانتاج الرأسمالية . طوال المرحلة الاشتراكية تسعى البروليتاريا من جهتها باستمرار الى تغييرالبنية الفوقية و علاقات الانتاج التى لا تتماشى مع القاعدة الاقتصادية و لا مع قوى الانتاج الاشتراكية و تسعى الى دفع الثورة الاشتراكية الى النهاية . بينما يجهد هؤلاء المسؤولين فى الحزب انفسهم للابقاء على البنية الفوقية و على علاقات الانتاج التى تعرقل تطور القاعدة الاقتصادية و تطور قوى الانتاج الاشتراكية و يعملون كذلك على اعادة تركيز الرأسمالية... "
هذا بعض ما ورد فى مقال نشر ب" أنباء بيكين" عدد25 سنة 1976 من قبل فانغ كانغ تحت عنوان "المسؤولون السائرون فى الطريق الرأسمالي برجوازية فى صفوف الحزب " و فى السنة نفسها و ضمن" حملة نقد دنك و الرد على الانحراف اليميني " كتب مقال آخر نشر بمجلة "دراسة و نقد " بشنغاي اليكم فقرات منه : " حين تكون قيادة قسم أو وحدة تحت سيطرة المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي الذين يدفعون بقوة الخط التحريفي فإن الانتاج الاشتراكي يصبح حركة لمضاعفة قيمة رأس المال لغاية وحيدة هي تحقيق الربح الأقصى : بصيغة أخرى نظاما رأسماليا للعمل المأجور . إن نظام الملكية الاشتراكية المعتمد هكذا "مظهرا فقط" يغدو فعليا نظام ملكية رأسمالية تحت قيادة المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي و بالفعل فإن البروليتاريا و الشعب العامل سيخسرون هذا الجزء من وسائل الانتاج.
لو أخذنا بعين الاعتبار العلاقات المتبادلة بين أناس يعيشون فى ظل نظام اشتراكي ، نظام غير مرتكز على استغلال الانسان للانسان ، نعلم أن العلاقات بين الكوادر و الجماهير و بين الدرجات السفلى لصفوف الثوريين يجب أن تكون علاقات مساواة رفاقية . و مع ذلك ، فإن الاختلافات الأساسية [بين العمال و الفلاحين ، و المدينة والريف، و العمل اليدوى و العمل الفكرى] لا تزال موجودة بعد كما لا تزال موجودة الممارسة القديمة لتقسيم العمل و نظام الأجور المتدرجة ، بالتالي الحق البرجوازي موجود دائما الى درجة هامة جدا . حتى هذه الحقوق البرجوازية فى العلاقات المتبادلة بين الناس مثل التدرج الصارم [ للأجور] علاقات ينبغى القضاءعليها من الآن. و فرض المرء ارادته على الجماهير و بعده عنها و المعاملة غير المتساوية للبعض تعيد الظهور بعد القضاء عليها .
لواغتصب المسؤولون السائرون فى الطريق الرأسمالي ادارة بعض الأقسام فإنهم سيسعون الى تعزيز الحقوق البرجوازية فى العلاقات بين الناس والى توسيعها واضعين العمال تحت "مراقبة و تحقيق و اضطهاد" ، محولين العلاقات الاشتراكية بين الناس الى علاقات قرصنة رأسمالية و فارضين الدكتاتورية البرجوازية . هذا الوضع بيّن جدا فى الاتحاد السوفياتي اليوم". (118)
و يسترسل المقال : " ظهور المسؤولين فى الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي خلال المرحلة الاشتراكية ليس أمرا غريبا بالمرة . كل شيئ ينقسم الى شطرين [ ازدواج الواحد ] .الحزب السياسي للبروليتاريا ليس بالاستثناء بهذا الصدد. طالما وجدت طبقات و تناقضات طبقية و صراع طبقي فإن مثل هذه الصراعات ستنعكس حتما فى صفوف الحزب . " إن المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي لم يكفوا عن اتباع هذا الطريق [ ماو ] سيبقى هذا ظاهرة تاريخية طويلة الأمد. و الماركسية تختلف عن التحريفية بكون هذه الأخيرة تخاف من الاعتراف بوجود صراع طبقي فى المجتمع الاشتراكي و بالخصوص ظهور البرجوازية داخل الحزب .خروتشوف و بريجناف و أمثالهم حاولوا أن يخدعوا أنفسهم و يخدعوا الآخرين بسفسطات مثل " حزب الشعب بأسره " و " دولة الشعب بأسره " . و دنك سياو بينغ يخاف من سماع الحديث عن القذارة فوق رأسه. لأن الاعتراف بهذا الأمر بالنسبة لهم يعنى الاعتراف بأن البرجوازية فى الحزب هي هم أنفسهم و يعنى بالتالي سحقهم . هذا شاق عليهم و فى الآن نفسه لا يمكن تصوره. إن الحزب البروليتاري الثوري و الماركسيين يتجرؤون أيضا على خوض الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و يتجرؤون على دعوة الجماهير لتعبر عن آرائها و لتلصق معلقات ذات حروف كبيرة و لتعقد نقاشات جماهيرية واسعة فى النضال الصارم ضد المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي . ذلك أنه على هذا النحو فقط يمكننا تعزيز دكتاتورية البروليتاريا و الحيلولة دون اعادة تركيز الرأسمالية لأجل البعث النهائي للبرجوازية نحو حتفها الجميل و تحقيق الشيوعية. إن الثورة الاشتراكية ثورة عظيمة تهدف الى دفن آخر طبقة مستغِلة منذ بداية وجود الانسان . " فى مثل هذه المرحلة ، علينا أن نكون على استعداد لخوض صراعات عظيمة فى جوانب عدة ستختلف فيها أشكال الصراع عن تلك التى استعملت فى الماضى" [ ماو] . يتعين علينا اذا أن نطبق طريقة التحليل الطبقي للفهم الكامل لخصوصيات الصراع الطبقي و التغيرات فى العلاقات بين الطبقات بغية توضيح هذه المسألة الهامة ألا وهي مسألة البرجوازية فى الحزب و مواصلة ممارسة دكتاتورية البروليتاريا الشاملة على البرجوازية و الاستمرار هكذا فى الثورة الاشتراكية الى النهاية." ( 119)
تعرض الإستشهادات أعلاه بشكل واضح و مقتضب خطّ ماو تسى تونغ حول طبيعة صراع الطبقات فى ظلّ الإشتراكية. هذاهو بالذات الخطّ الذى إنهزم فى الصين الراهنة و الذى يهاجمه الآن خوجا.و طبعا، هو أيضا الخطّ الذى كان على الدوام عرضة للهجمات المسعورة للتحريفيين السوفيات. خطوط السوفيات و الألبانيين و هواو كوفينغ تتفق فى هجومها على المساهمات الكبرى لماو تسى تونغ فى هذا المجال؛ وهي تتّفق أيضا فى عديد الميزات و قبل كلّ شي تنكّرها للجدليّة. لا يتوصّل لا هؤلاء و لا أولئك إلى إجراء تحليل للإشتراكية ( أو ما يسمّونه " إشتراكية ") إنطلاقا من التناقضات الداخليةّ؛ و كذلك يرفضون – بصورة مفتوحة فى حال ألبانيا و السوفيات ، و بصورة أقلّ ،لكن جوهريا فى حال قادة الصين الحاليين - الإعتراف بأنّ طبقات متناحرة توجد طوال كافة المرحلة الإنتقالية الإشتراكية.
ولنلقى بعض الضوء على تفكير خوجا الذى يرى أنّه لا وجود لطبقات متناحرة فى ظلّ الإشتراكية ، بكلمات أخرى، أنّ البرجوازية ،كطبقة قد وقع القضاء عليها و لم تبق إلاّ "بقايا" ، مع التأثير الإيديولوجي للبرجوازية إلخ. كان ستالين الأوّل فى تقديم هذه الأطروحة بإعلانه أنّ البرجوازية كطبقة قد قضي عليها فى الإتحاد السوفياتي حين تحقيق التحويل الإشتراكي لنظام الملكية . و تمثّل هذه الصيغة بصيغة مركّزة اخطاء ستالين.و تبيّن القاعدة الإيديولوجية ، أي المنحى الميتافيزيقي الذى شوّه تفكيره. لكن الوارثين الأصليين لستالين ، الماركسيين - اللينينيين فى الإتحاد السوفياتي و البروليتاريا الثورية فى العالم بأسره إستخلصوا من ذلك درسا مرّا و تراجيديّا. ما إنفكّت البرجوازية موجودة فقط بل توصّلت إلى إعادة تركيز ذاتها ، إلى إفتكاك سلطة الدولة و أعادت تركيز الرأسمالية. و إزاء محاولة خوجا الذى يسعى لإحياء خطّ بيّن التاريخ خطله ، لا يمكننا سوى قول : ما يعدّ تراجيديا فى المرّة الأولى يصبح كوميديا فى المرّة الثانية.
لسوء الحظّ ، ليس هناك ما يبعث على الضحك فى هذه الكوميديا . تحت تأثير صدمة تكبّد البروليتاريا العالمية من جديد خسارة فادحة أخرى ( الهزيمة المؤقتة للثورة فى الصين ) ، فَقَدَ العديد من الماركسيين – اللينينيين و أناس آخرون مهتمّين بالثورة البوصلة. و يقدّم لهم خوجا مشروعا ميتافيزيقيا ومثاليّا ،و مملكة هلاميّة حيث لم توجد أبدا حسب إدعائه إشتراكية فى الصين لأنّ ماو "سمح" للبرجوازية بالوجود؛ و بالطبع الهزيمة فى الصين ليست فعلا هزيمة! ثمّة إذا تفاؤل فى هذا العالم الخيالي : إن توصّل الماركسيون- اللينينيون إلى المسك بالسلطة ، سيمكنهم الإنتصار فى المعركة؛ هكذا لن تتعرّض البروليتاريا فى تقدّمها بمثابرة و " بلا هوادة " إلى فوضى أو صراع بلا إنقطاع فيه تراجعات و ستتوصّل ببساطة إلى مملكة التوازن و الإستقرار الأبديين . سيّدى القدّيس خوجا ، نظرتكم للعالم لا تقف على رجليها! لم تعد الطبقة العاملة و الشعب يحتملان الخرافات الخيالية و لا يهتمّون أيضا بمن يدّعون الشيوعية. لا يبحث العمّال عن الضمانات ؛ يفهمون بسرعة أنّ فقط المعتوهين و الإنتهازيين يتجرؤون على تقديم إنتصار دون خطر الهزيمة. فى الواقع ،يريد العمّال المتسلّحون بوعي طبقي عِلمَا ، و تفسيرا للقوانين التي تحكم المجتمع، تفسيرا يخوّل لهم تغيير العالم تبعا لهذه القوانين الموضوعية.
و للحظة لنعود لمسألة الإتحاد السوفياتي فى السنوات السابقة لقطع خروتشاف "السير قدما دون تقطّع". إن لم توجد طبقات متناحرة ، إن لم توجد برجوازية ،فمن أين ظهر خروتشاف و أتباعه العديدين؟ هل كانوا أبناء ملاّك إقطاعيين أم رأسماليين قدامى أم ربّما "أعوان للخارج" للبلدان الإمبريالية تسرّبوا إلى الإتحاد السوفياتي ؟ لكن لا : خروتشاف و جماعته ترعرعوا فى ظلّ العلم الأحمر و إحتلّوا مواقعا مرموقة فى الحزب الشيوعي ؛ و كانوا يستطيعون حفظ حتى أكثر إستشهادات من خوجا بشأن "صفاء" الماركسية - اللينينية.
لكن كانوا يمثّلون البرجوازية . لم تكن برجوازية مكتملة التطوّر لأنّه يجب المسك بسلطة الدولة للتوصّل إلى ذلك ، و مع ذلك كانت برجوازية. ( و من المستحيل أن توجد البرجوازية فى ظلّ الإشتراكية بالذات بالشكل نفسه لوجودها فى ظلّ الرأسمالية، تتخذ كلمة بروليتاريا كذلك معنى جديدا. فالبروليتاريا فى ظلّ الإشتراكية لم تعد " طبقة دون أيّة ملكيّة " مثلما فى زمن الرأسمالية و كذلك ، لم تعد تحت هيمنة رأس المال. لكن الإدعاء أنّ الشيوعيين لا يجب أن يتحدّثوا عن البروليتاريا فى مرحلة الإشتراكية يكون عبثيّا بصفة كلّية فضلا عن كونه تحريفيا. وفى الواقع ، تواصل البرجوازية و البروليتاريا وجودهما عقب الثورة الإشتراكية لكنهما تتخذان مميّزات مغايرة نسبة لتلك فى ظلّ الرأسمالية. و يمكننا بسهولة رؤية كيف أنّ الطريقة الدغمائية ( التطبيق الصارم للمفاهيم "الماركسية" لتحليل وضع حيث لا تنطبق هذه المفاهيم بصفة صارمة تنسجم بصفة جميلة مع الإستنتاج التحريفي: إنتفاء الطبقات المتناحرة. ) فقد ظهروا متغذّين من بقاياعلاقات الإنتاج و التوزيع الرأسمالية البالية التي تظلّ موجودة والتى لم يكن بوسعها إلاّ أن توجد لا لأنّ ستالين " كان يسمح " بها ( رغم أنّه لم يعترف بها كعلاقات رأسمالية إلاّ فى آخر حياته ،و هنا أيضا بطريقة جزئية) لكن لأنّ كلّ " الدوافع الإقتصادية و السياسية و الإيديولوجية " للمجتمع الرأسمالي لا يمكن القضاء عليها لا بضربة واحدة و لا بأمنية بسيطة , ليس بإمكاننا سوى أن نقتلعها شيئا فشيئا ، معا مع تثوير علاقات الإنتاج و البنية الفوقية ، فاسحين المجال ، إنطلاقا من ذلك، لتقدّم و تطوّر قوى الإنتاج.
تغذّى تحريفيو الإتحاد السوفياتي ، شأنهم شأن أمثالهم فى الصين، من بقايا العلاقات الرأسمالية البالية.و أصبحوا هكذا التعبيرة السياسية بالذات لهذه البقايا ، مصارعين للحفاظ على العناصر الرأسمالية و إزدهارها. و حتى حين كانت البروليتاريا على رأس الحزب و الدولة و كان التحريفيون هدفا للهجمات السياسية ، توصّل الذين كانوا يتبعون الطريق الرأسمالي داخل الحزب إلى الإستيلاء على قيادة بعض الوزارات و الوحدات و المصانع إلخ و كذلك بعض المراكز المفاتيح فى الحزب عينه ،ومؤسسات ثقافية و التعليم و العلوم و هكذا دواليك فى المجتمع كافة. وهو واقع لا يمكن نفيه. ماذا يتصوّر خوجا عن طبيعة العلاقات فى قطاعات من الحياة الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية المهيمن عليها من قبل التحريفيين قبل تمكّنهم من المسك بسلطة الدولة على المستوى القومي؟ هل يعتقد بالفعل أنّ فى المصانع المسيّرة من طرف عصابة خروتشاف لم يوجد أي عنصر إستغلال ، أي تملّك خاص من قبل هؤلاء البيروقراطيين ، لثمار اليد العاملة الجماعية للعمّال؟ هل يعتقد فعلا أنّ تلك المصانع ، مثلا، كانت من الأملاك العامة للشعب ، شكلا و مضمونا ؟ أليس بالأحرى صحيحا أنّ التحريفيين قاموا بكلّ ما فى وسعهم لتمرير، حيث كان ممكنا ، سياسات لم يكن لها أن تطبّق على المستوى القومي إلاّ فى ما بعد ، بفضل إنقلابهم؟
لا ، التحريفيون ليسوا مجرّد بيروقراطيين لا ينتمون إلى طبقة ، لهم بعض الأفكار الخاطئة بل إنّهم كما كانوا على الدوام ، عناصر رأسمالية تمتصّ دم العمّال. و على المستوى السياسي حاولوا فرض دكتاتورية البرجوازية فى كافة القطاعات التي هيمنوا عليها. وقد إستعملوا قلاعهم فى ميادين الثقافة و التعليم و العلم لنشر الإيديولوجيا البرجوازية و الصراع ضد الماركسية - اللينينية لإعداد الرأي العام للطريق الذى قرّروا إتباعه. فى صفوف الحزب ، وهو حلبة يجد فيها الصراع الطبقي أعلى نقاطه و شكله الأكثر تركيزا ، شجّعوا التحريفية ، مطالبين بتطبيق خطوط و سياسات تخدم مصالحهم هم ( أن يصبحوا مستغِلين ) و مصارعين للقضاء على الخطّ الماركسي - اللينيني.
و يتجلّى هذا بسيطا للغاية بالنظر للواقع التاريخي لإنتصار التحريفية فى الإتحاد السوفياتي ، بيد أنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة لخوجا. فحسب وجهة نظره الميتافيزيقية و المثالية لا يظهر التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية إلاّ بعد إفتكاك السلطة من طرف التحريفيين. مرّة أخرى نجد هنا فلسفة مدرسة ديبورين الباعثة على التقيّئ : لا يمكن للتناقض بين البروليتاريا و البرجوازية ، التناحر بين البروليتاريا و البرجوازية أن يظهر إلاّ فى فترة معيّنة، مبرزا فى يوم ما رأس زوس مكتمل التكوين ! و هذا قد يحصل فى بلد حيث " لم يسمح " الثوريون فيه بوجود البرجوازية ،و الطبقات المتناحرة أو الخطوط الخاطئة داخل الحزب !
لا يتوصّل خوجا لفهم وجود البرجوازية فى ظلّ الإشتراكية لأنّه لا يعرف معالجة الظواهر أبعد من السطحية للمسك بالتناقضات الجوهرية. لا يفهم فحوى الرأسمالية ( أن اليد العاملة الميتة تهيمن على اليد العاملة الحيّة،ووجود تملّك خاص للإنتاج الإجتماعي للطبقة العاملة)، و لا يرى بالعكس سوى بعض الناس يعيشون فى منازل فاخرة و لا يساهمون أبدا فى العمل اليدوي إلخ. لهذا ليس بوسعه إدراك أنّ البرجوازية يمكن أن توجد إن " سُمح " لها بذلك أم لم يسمح، داخل الحزب ذاته و المجتمع الإشتراكي.
دور الحزب ذاته فى ظلّ الإشتراكية هو أيضا مليئ بالتناقضات . فمن جهة ، يمثّل الحزب القيادة السياسية للطبقة العاملة و يقودها للقيام بالثورة و مهاجمة كافة بقايا المجتمع القديم، ما يمثّل مظهره الرئيسي. لكن الحزب فى ظلّ الإشتراكية ، من جهة أخرى ، موضوعيّا ، جهاز إداري . فغالبية قياديي الوحدات الخاّصة هم أعضاء بالحزب و تخطيط الدولة يُصاغ تحت قيادة الحزب إلخ. و كذلك يتعيّن على الحزب ، أداة دكتاتورية البروليتاريا ، أن يمارس قيادته فى جميع ميادين المجتمع. وفى الوقت نفسه ، يكون هو ذاته فى تناقض مع الهدف النهائي للصراع: يعنى القضاء على كلّ الإختلافات الطبقية و كلّ ضرورة أن توجد دولة أو حزب ما يجتهد للقضاء على أيّة لامساواة و لكن يجد نفسه مع ذلك مضطرّا للحفاظ ،و حتى الإبقاء على ، بعض بقايا اللامساواة فى شكل إختلافات فى الأجور و إختلافات بين العمل اليدوي و العمل الفكري إلخ. و لكون الحزب لا يستطيع أن يمحيها بإرادته فحسب ، ثمّة إمكانية أن يتحوّل الحزب الماركسي - اللينيني إلى نقيضه بالضبط بفعل كافة هذه التناقضات فى دوره فى ظلّ الإشتراكية.
إعلان ماو الهام ( " إنكم تقومون بالثورة الاشتراكية و بعد لا تعرفون أين توجد البرجوازية . إنها بالضبط داخل الحزب الشيوعي – أولئك فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي " ) يمكن أن ينطبق على أنور خوجا حيث يريد هذا الأخير أن يدفع بالعمّال نحو متابعة لا فائدة منها للمستغِلّين القدامى ،أي أولئك الذين وقع نزع ملكيتهم منذ زمن طويل ، بينما الهدف الرئيسي للصراع الطبقي متخندق صلب الحزب ذاته. عوض قيادة الماركسيين - اللينينيين للإجتهاد من أجل فضح و النضال حالات فى المجتمع الإشتراكي حيث تستعمل الملكية العامّة ، و كذلك قيادة الحزب قناعا ظاهريّا لمحاولات القادة و القبعات الكبرى أن يطبّقوا خطّا تحريفيا و لجعل العمّال عبيدا أجراء من جديد ، يرغب خوجا بالأحرى ان يبذل الماركسيّون – اللينينيون جهودهم فى إماطة اللثام عن المستغِلّين الحقيرين، أمثال أولئك الذين يستعملّون بصفة غير قانونية اليد العاملة و هكذا دواليك. وعوض توجيه النضال السياسي ضد البرجوازية داخل الحزب ، كما فعل ذلك ماو ، يريد خوجا توجيهه ضد أناس مثل أرملة سان يات سان و ديمقراطيين برجوازيين قدماء آخرين، فقط لأنّهم يمسكون بعدُ بمواقع رسمية فى بعض أجهزة الدولة، أجهزة لم تجتمع حتّى منذ سنوات و لم تعد لها أيّة سلطة حقيقية. و من الطبيعي أن يكون هؤلاء الممثّلين الثانويين للرأسمالية و الدولة البرجوازية قد لعبوا دورا معيّنا فى الإنقلاب فى الصين مثلما فعل ذلك أمثالهم من العناصر فى الإتحاد السوفياتي ، لكنّهم لم يكونوا ، و ليس بوسعهم أن يكونوا ، القاعدة الرئيسية للبرجوازية . بالفعل ، لا يمثّلون قوّة ذات بال إلاّ إنطلاقا من اللحظة التي توجّههم فيها و تقودهم البرجوازية فى صفوف الحزب.
ثمّ إنّه يصبح، فى مرحلة معيّنة من تطوّر الثورة الإشتراكية، مستحيلا عمليّا على البرجوازية القديمة ( يعنى عناصر الطبقات الإستغلالية القديمة )، التوصّل إلى السلطة: قبل كلّ شيئ آخر ، إفتكّت منهم وسائل الإنتاج و كانوا بإستمرار عُرضة لهجمات سياسية و صاروا شيوخا أو ماتوا و إفتضحت سياستهم إلى درجة أنّهم لا يجدون من يساندهم فى المجتمع ( و عدد من أبنائهم هم يساندون الإشتراكية أو يقبلون بها ). و قد تفطّن ستالين لهذا إذ كان يعرف أنّ عملاء القيصر و الكولاك و ملاّكي المصانع القدامى ، لم يكن بمستطاعهم أبدا العودة للسلطة إلاّ إثر إجتياح إمبريالي. بيد أنّه إستخلص من ذلك إستنتاجا خاطئا يقول إنّ تركيز الرأسمالية لن يغدو ممكنا دون إفتكاك السلطة من قبل الإمبرياليين و إنّ دكتاتورية البروليتاريا كانت ضرورية فحسب لحماية الدولة الإشتراكية من الأعداء الأجانب. هذا هو بالضبط الخطّ الذى يريد خوجا إحياءه اليوم مضيفا بعض "صيغه" الخاصّة حول " التناقض بين الطريق الراسمالي و الطريق الإشتراكي" و " الصراع الطبقي " ( لكن ليس صراع طبقات متناحرة ! و "إمكانية إعادة تركيز الرأسمالية التي لا تزال موجودة " ، وهي جُمل نقلها الحزب الألباني عن ماو دون أن يستوعب حقّا خطّه الماركسي – اللينيني ( خطّ ينعتونه اليوم بالتحريفي ).
كان إعتراف ستالين بضرورة مواصلة دكتاتورية البروليتاريا فى تناقض حاد مع نظريته حول إنعدام وجود البرجوازية و إنعدام الطبقات المتناحرة و التناقضات التناحرية فى ظلّ الإشتراكية. و شرع ستالين فى التعرّض لبعض مشاكل خطّه فى كتابه " القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي" ( المكتوب بالضبط قبل وفاته) و فيه صحّح وجهة النظر الخرقاء التي عبّر عنها طوال الثلاثينات، و القائلة إنّه لم توجد تناقضات بين علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج فى ظلّ الإشتراكية. و مع ذلك ، لم يتوصّل بعدُ إلى الخروج بإستنتاجات صحيحة فى ما يتعلّق بمسألة طبيعة الصراع الطبقي فى تلك الحقبة. و لم يبق سوى خروتشاف ل " يحلّ " التناقض فى الخطّ السوفياتي بين دكتاتورية البروليتاريا و ما يسمّى إختفاء البرجوازية ، و من هناك نظريته سيّئة الصيت حول " دولة الشعب بأسره ".
و هكذا ، فكّر خروتشاف ( و ليس دون منطق) ، إن لم تكن توجد برجوازية ، إن لم تعد توجد علاقات طبقية تناحرية ، لماذا يتعيّن الإبقاء على دكتاتورية البروليتاريا و دولة لا توجد إلاّ لممارسة هذه الدكتاتورية على البرجوازية و قمعها بالقوّة ؟ و حين لا نعود فى حاجة إلى دولة لقتال الأعداء الداخليين ، لن توجد إلاّ دولة لمقاومة العدوّ الخارجي الإمبريالي و الأعوان الأجانب و المتآمرين و غيرهم المرتبط وجودهم بهذا العدوّ الخارجي ذاته، ألا يكون من الأسلم إستعمال " دولة الشعب بأسره " ، و العمل من أجل أن يمثّل كافة الطبقات فى المجتمع السوفياتي ( الطبقة العاملة و الفلاحين و المثقّفين الإشتراكيين) مع مواصلة لعب دورها بالنسبة لعدوّ الخارجي؟ بديهيّا ، الأفكار المتداخلة لستالين أفضل بكثير من التحريفية من نوع الخروتشافية، لكن يجب قول إنّ تفكيره المتداخل كان ينطوي على عديد المظاهر التي كان يمكن ووقع إستعمالها فعلا من قبل خروتشاف حين صاغ نظريّاته التحريفية.
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنور خوجا و مسار الثورة الصينية مقتطف من- فى الردّ على الهجو
...
-
أنور خوجا و الجدلية مقتطف من- فى الردّ على الهجوم الدغمائي -
...
-
أنور خوجا و بناء الإشتراكية فى الصين . مقتطف من- فى الردّ عل
...
-
- فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تو
...
-
القفزة الكبرى إلى الأمام و الثورة الثقافية البروليتارية الكب
...
-
خيانة الخط الأممي لماو تسى تونغ / تقييم عمل ماو تسى تونغ- ال
...
-
الصراع ضد التحريفية الصينية / تقييم عمل ماو تسى تونغ- الحزب
...
-
التناقضات مع البرجوازية الوطنية / تقييم عمل ماو تسى تونغ- ال
...
-
مسألة بلترة الحزب و دور الإيديولوجيا الماركسية - اللينينية /
...
-
صراع الخطين فى صفوف الحزب / تقييم عمل ماو تسى تونغ- الحزب ال
...
-
تقييم عمل ماو تسى تونغ- الحزب الشيوعي الثوري الشيلي – جويلية
...
-
دحض أنور خوجا بقلم ن.ساموغاتاسان، الأمين العام للحزب الشيوعي
...
-
بصدد ماو تسى تونغ - الحزب الشيوعي التركي/ الماركسي اللينيني
...
-
دفاعا عن فكر ماو تسى تونغ- الحزب الشيوعي بسيلان – جويلية 197
...
-
قضية تحرير المرأة قضية البروليتاريا بإمتياز فليقم الشيوعيون
...
-
أنور خوجا يقلب الحقائق التاريخية رأسا على عقب ويقود هجوما دغ
...
-
لا أصولية دينية و لا شوفيتية قومية ؛ وحدها الشيوعية قادرة عل
...
-
الثورة البروليتارية فى أشباه المستعمرات والمستعمرات الجديدة
...
-
الديمقراطية فى المجتمع الإشتراكي : -دور الديمقراطية و موقعها
...
-
المؤتمر الأوّل للحزب الشيوعي الماوي ( تركيا وشمال كردستان) –
...
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|