|
التعصّب الديني هو خيانة للوطن
مستخدم العقل
الحوار المتمدن-العدد: 3744 - 2012 / 5 / 31 - 13:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في أول تجرية ديمقراطية حقيقية للمصريين (وأعني بها الانتخابات البرلمانية في الخريف الماضي) صوّت غالبية المصريين لصالح التعصّب الديني ممثلاً في الجماعات السلفية وجماعات الإسلام السياسي والتي استخدمت شعارات مثل (تطبيق الشريعة الإسلامية) أو (عودة الخلافة الإسلامية) من أجل التأثير على عقول البسطاء وكسب أصواتهم. والآن جاءت انتخابات الرئاسة المصرية فوجدت العديد من المرشحين مازال يعزف على تلك الأوتار بنغمات تختلف حسب الطلب فوجدنا مَن ينادي بدولة مدنية ذات مرجعية دينية (لا أدري ماهو المقصود بذلك في الحقيقة) بل وقد وصل الأمر بالسيد صفوت حجازي حين افتتح حملة الدكتور محمد مرسي بأن نادى بإنشاء دولة الولايات المتحدة العربية وتكون عاصمتها القدس. وبالطبع فأنا لا أمانع إطلاقاً في الوحدة العربية إذا كانت أمراً واقعاً وليست مجرد شعاراً دينياً لكسب تعاطف البسطاء. بل ويهمني أن أوضّح أن نقدي للإسلام السياسي يهدف للبناء لا للهدم. فأنا شخصيا أشعر بشديد الحزن حين أنظر لحال بلدي الحبيب مصر والذي تراجع حضاريا بشكل يثير الأسى والشفقة وذلك بالرغم من أنه كان منارة ثقافية وحضارية على مرّ التاريخ وحتى سنوات قليلة مضت. إن مفتاح النجاح الحضاري - في رأيي - كان يكمن في التسامح والرغبة في التعلم من الآخر والقيم العلمانية التي كانت سائدة في المجتمع حين كان الدين لله والوطن للجميع (مثله مثل أي بلد علماني متقدم حاليا). إنك إذا نظرت للتاريخ المصري فستجد علاقة واضحة بين تطبيق العلمانية وبين التقدم والحضارة. فقد كانت مصر منارة حقيقية للعلوم والثقافة والحضارة وذلك عى مر التاريخ الفرعوني والعهود الأولى من التاريخ اليوناني/الروماني ولكنها كانت دائما ما تمرّ بفترات انحطاط تفقد فيها مكانتها وغالبا ما كانت فترات الانحطاط تلك تعقب الثورات الدينية أو الأوقات التي تسود فيها الاضطرابات الدينية (مثال ثورة اخناتون أو الحكم الروماني المتعصب ضد المسيحية في القرون الميلادية الأولى. وتتوالى الأيام وتدخل مصر عصوراً من الظلام الحضاري التام حتى تستيقظ فجأة على أصوات مدافع الحملة الفرنسية ويصاب المصريون بالذهول حين يجدون أن صفعات الكتب التي جلبتها الحملة كانت أشد وطأة من طلقات المدافع التي هدمت ديارهم. كانت الحملة الفرنسية في رأيي صفعة حضارية للمصريين تماماً كما كانت جريمة أخلاقية للفرنسيين. منذ ذلك الحين حاول محمد على وأبناؤه أن يعيدوا إحياء الحضارة المصرية وبالطبع فقد اختلفت الطرق والأسباب فكان منهم من حاول ذلك بالفعل مثل محمد على والخديو اسماعيل والسلطان حسين كامل ومنهم من كان خاملاً يبحث عن المظاهر فقط مثل الخديو توفيق مثلا. ولكن الذي حدث والذي يعنيني في هذا المقام هو الثورة الثقافية الحضارية التي ظهرت كنتيجة لتلك المجهودات والتي تمثلت في مفكرين عظام أمثال الطهطاوي وقاسم أمين وغيرهم وحتى جيل طه حسين ومن بعده أجيال المفكرين الحاليين. مثل تلك النهضة الحضارية قضت تماماً على فكرة التعصب الديني وسيطرة الدين على شئون حياتنا كلها فرأينا التسامح الديني في أبهى صوره أثناء النصف الأول من القرن العشرين حين كان المسلم يعيش جنباً الى جنب مع المسيحي واليهودي والكردي وغيرهم من الطوائف، بل أن معظم أصحاب الأعمال الذين ساعدوا في نهضة مصر كانوا من اليهود أمثال سوارس وصيدناوي والطرابيشي ونايف عماد ونادلر وعدس وغيرهم الكثيرون. كان هؤلاء اليهود يعيشون في سلام تام مع جيرانهم المسلمين والمسيحيين وغيرهم. في تلك الفترة تحوّلت القاهرة لتصبح واحدة من أجمل مدن العام التي تحتضن الآداب والفنون والجمال فرأينا نهضة ثقافية وعلمية وفنية أفرزت لنا محمد حسين هيكل وهدى شعراوي ويحيى حقي وتوفيق الحكيم ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم والقصبجي والسنباطي وغيرهم من الأعلام الذين يفخر بهم المجتمع المصري.
ولكن .. جاءت السبعينيات وبدأت ثمار البترول/دينار/ريال تظهر على المنطقة العربية ومنها مصر ، فماذا حدث؟
حدث أن تسرب الإسلام الوهابي الى أرض مصر الحبيبة فلم يبق ولم يذر. حدث أن المصريين الذين كانوا يذهبون للعمل في السعودية كانوا يعودون بخيرات الريال والبترول ولكنهم كانوا يعودون كذلك بكتب ابن باز وابن عثيمين وابن تيمية وجميع أبناء الوهابية العظام. حدث أن اختفى جوّ الحب والتسامح والتعايش الحقيقي بين أبناء الوطن الواحد ليحل مكانه آيات الجزية وآيات لعن اليهود وأحاديث عدم إلقاء السلام على أهل الكتاب. جميع تلك الآيات والأحاديث كانت موجودة منذ قديم الأزل ولكنها كانت معطّلة بفعل جو العلمانية المتسامح (مثلها مثل عشرات آيات العنف التي يمتليء بها العهد القديم والتي بطل العمل بها في الدول العلمانية). الذي حدث أن المسلمين الجدد بحثوا في خزائن كتبهم الصفراء فأخرجوا أسوأ ما فيها من كتب وأفكار عنصرية ترفض الآخر وتدعو لقيام دولة دينية إسلامية. الذي حدث أن المسلم أصبح ينظر لليهودي كعدوٍ تاريخي يجب محاربته وأصبح ينظر للمسيحي كمشروع خائن. ففي الدولة الدينية يصبح الجميع خائنون عدا أصحاب اللحى والجلابيب البيضاء. الذي حدث أن مصر التي كانت منارة ثقافية يلجأ اليها غير المصريين وغير المسلمين لنشر فنهم وثقافتهم أمثال نجيب الريحاني وبشارة واكيم وبديع خيري واستيفان روستي وعمر الشريف وفريد الأطرش وغيرهم، إذا بها تكون مصدّرا لجماعات التكفير والهجرة والجهاد والجماعة الإسلامية وغيرها من الافكار الهدامة. والمؤلم في الأمر هو أن المسلم العادي أصبح ينظر لغير المسلم بعين التشكك. المؤلم في الأمر أن المسلم العادي أصبح يصدق بإمكانية إقامة دولة دينية إسلامية بل ويدعو اليها. المؤلم في الأمر ان المسلم العادي أصبح يدعو على اليهود في المساجد نهاراً جهاراً ويدعو الله أن ييتّم أبناءهم ويدمّرهم، ولولا ردع القانون لفعل المثل بالمسيحيين كذلك. المؤلم في الأمر أن المسلم العادي لم يعد يهمه كثيراً التقدم أو الحضارة أو الإبداع بقدر ما يهمه أن يتأكد أن دخوله للحمام يشابه ما كان الرسول يفعله منذ 1400 عام ، وبالطبع فإن مثل هذا المسلم البسيط العادي هو الذي انتخب برلمان مصر الحالي الذي تسيطر عليه جماعات اللحى والجلابيب البيضاء.
فماذا حدث؟
أصبحت مصر في وقت قصير من ذيول الدول حضارياً. ولم يتم ذكر أية جامعة مصرية من ضمن الأفضل 500 جامعة في العالم. تأخر البحث العلمي (بل لم يعد له أية أهمية لدى رجل الشارع) وتأخرت القيم الحضارية الأخرى فالذي يهم هنا هو الصحوة الدينية المباركة على شكل نقاب وحجاب وذقون وجلابيب. تلك هي الصحوة!
الذي حدث أن المسلم المصري العادي لم يعد يهمه كثيرا تعبيرات مثل صح أو خطأ أو مفيد أو غير مفيد أو غير ذلك من التعبيرات، فالذي يعنيه فقط هو حلال أو حرام. لقد انتابني الغضب الشديد حين ظهر أحد دعاة الفضائيات ليحث الناس على ربط حزام الأمان وعدم تجاوز السرعة القانونية في القيادة وأكّد لهم بالقياس أن هذا حرام ومن يفعل ذلك فهو آثم. الى هذا الحد أصبح المسلمون مبرمجين فقط على منظومة الحلال والحرام. فلا يهم آراء الخبراء والإحصاءات التي تؤكد ضرورة ربط الحزام وعدم تجاوز السرعة ... الذي يهم هنا هو حرام أم حلال. بالطبع لم أغضب من الداعية فهو يحاول إصلاح مجتمعه عن طريق الدين. الذي أغضبني حقا هو تفكير الناس الذين أصبحوا لايفعلون الصحيح إلا إذا أقنعهم شخص ما أنه حلال أو أن عكسه حرام.
في النهاية فأنا لايهمني أن أنقد ديناً يهدف لمساعدة الحضارة ومساعدة البشر ولكني فقط أحاول أن أكشف زيف مدّعي الدين الذين يدعون للعنف أو للعنصرية ويريدون الرجوع بالتاريخ الى الوراء ملقيين وراء ظهورهم بجميع الدروس الأخلاقية والحضارية التي تعلمناها على مرّ السنين.
#مستخدم_العقل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحجر الأسود والتفسير الغيبي للظواهر الطبيعية
-
الضعف المطلق لله في أعين المسلمين
-
زغلول النجار وقناع العلم المزيف
-
تضحية الرسول بالأخلاق مقابل تحقيق أحلامه السياسية
-
تسرّب الأخطاء العلمية في الطب اليوناني القديم الى النصوص الق
...
-
لا أرى الفيل الذي في الحجرة: حالة الإنكار لدى المدافعين عن ا
...
-
جريمة العقاب الجماعي وجذورها في الفكر الإسلامي
-
هل يجب أن أعبد كوكو واوا؟
-
الإسلام تنبأ بنظرية التطوّر
-
محاكم التفتيش الجديدة في الشرق والغرب
-
مأساة العقل في الإسلام
-
أخلاقيات القصص القرآنية – ثوابت أم نواقص (4)
-
أخلاقيات القصص القرآنية – ثوابت أم نواقص (3)
-
أخلاقيات القصص القرآنية – ثوابت أم نواقص (2)
-
أخلاقيات القصص القرآنية – ثوابت أم نواقص (1)
-
خلف الباب الأسود - قصة قصيرة
-
هل فقد المسلمون إدراكهم لدورة الزمان
-
الصورة البغيضة للإله في الفكر الإسلامي
-
استحالة الاكتفاء بالدين الإسلامي كمصدر للأخلاق (3)
-
استحالة الاكتفاء بالدين الإسلامي كمصدر للأخلاق (2)
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|