|
ديكتاتورية البروليتاريا والديموقراطية الإشتراكية - الجزء الثاني
الاممية الرابعة
الحوار المتمدن-العدد: 1097 - 2005 / 2 / 2 - 10:32
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
4) حزب واحد أم تعدد الأحزاب؟
ليس ثمة إنبثاق كامل وشامل للحقوق والحريات الديموقراطية للجماهير الكادحة في ظل ديكتاتورية البروليتاريا بدون حرية كاملة في تكوين مجموعات وتيارات وأحزاب سياسية. وسيعين العمال والفلاحين الفقراء أنفسهم بإقتراعهم الحر، الأحزاب التي يرغبون في أن تتمثل في نظام السوفييتات. وبهذا المعنى تمثل حرية تنظيم المجموعات والتيارات والأحزاب السياسية شرطا مسبقا لممارسة الطبقة العاملة للسلطة. "لا يمكن تصور ديموقراطية السوفييتات دون إضفاء الطابع الشرعي على الأحزاب السوفييتية" (البرنامج الانتقالي للأممية الرابعة)
بدون هكذا حرية، غير محدودة بالتضييقات الإيديولوجية، لا يمكن وجود مجالس عمال منتخبة بالفعل وبكامل الحرية ولا ممارسة فعلية للسلطة من قبل مجالس العمال تلك.
لن تكون تضييقات هذه الحرية تضييقا لحقوق العدو الطبقي السياسية، بل تضييقا لحقوق البروليتاريا السياسية. وتمثل هذه الحرية، من الناحية الإجتماعية، شرطا مسبقا لتمكن الطبقة العاملة جماعيا، بما هي طبقة، من بلوغ وجهة نظر مشتركة، أو على الأقل حائزة على الأغلبية حول القضايا التكتيكية والاستراتيجية العديدة وحتى النظرية (البرنامجية) النابعة من مهمة بناء مجتمع لا طبقي بقيادة جماهير هي تقليديا مضطهدة ومستغلة ومسحوقة. فبدون هذه الحرية في تنظيم مجموعات وتيارات وأحزاب سياسية تنعدم كل ديموقراطية اشتراكية حقيقية.
يرفض الماركسيون الثوريون الإنحراف الإستبدالي و النخبوي والأبوي والبيروقراطي عن الماركسية الذي يرى في الثورة الإشتراكية والظفر بالسلطة وممارسة السلطة في ظل ديكتاتورية البروليتاريا مهمة للحزب الثوري الذي يعمل "باسم" الطبقة. يتوجب على ديكتاتورية البروليتاريا أن تدل على ما تعبر عنه الكلمات نفسها وما صاغه صراحة التقليد النظري لماركس ولينين، أي سلطة الطبقة العاملة بما هي طبقة ("منتجين متشاركين"). لن يكون تحرر العمال إلا من صنع العمال أنفسهم، وليس نتاج بروليتاريا تجري تربيتها من طرف إداريين ثوريين عطوفين ومستنيرين. جلي إذن أن الدور القيادي للحزب الثوري، سواء عند الظفر بالسلطة أو بناء مجتمع لا طبقي، لا يمكن أن يكمن سوى في الظفر بالهيمنة السياسية داخل طبقة عاملة منخرطة أكثر فأكثر في النشاط المستقل. يتعلق الأمر بالنسبة لهذا الحزب بكسب الأغلبية داخل الطبقة لصالح اقتراحاته بوسائل سياسية وليس إدارية أو قمعية.
تمارس سلطة الدولة في ديكتاتورية البروليتاريا، في شكلها المكتمل، من طرف مجالس عمال منتخبة ديموقراطيا. ويناضل الحزب الثوري من أجل خط سياسي صائب ولأجل القيادة السياسية داخل هذه المجالس دون أن يحل محلها. يبقى الحزب والدولة كيانات مفصولة بدقة ومتباينة.
بيد أنه لا وجود لمجالس عمالية ذات تمثيلية فعلية ومنتخبة ديموقراطيا مع مصادرة حق الجماهير في انتخاب من تختار دون تمييزات ودون شروط تضييق مسبقة متعلقة بالقناعات الإيديولوجية والسياسية للمندوبين المنتخبين. (لا ينطبق هذا على أحزاب منخرطة في النضال المسلح ضد الدولة العمالية أي في ظروف الحرب الأهلية). كما يستحيل اشتغال مجالس العمال ديموقراطيا إلا بوجود حق كل المندوبين المنتخبين في تكوين مجموعات وتيارات أو أحزاب واستعمال وسائل الإعلام الجماهيري والدفاع عن برنامجهم المتباينة أمام الجماهير وإخضاعها لنقاشات عمومية ولامتحان التجربة. وبشكل أعم، يحد كل تقليص للتنظيم من حرية البروليتاريا في ممارسة السلطة، أي أنه يحد من الديموقراطية العمالية، وهذا ما يناقض مصالح الطبقة العاملة التاريخية وحاجات توطيد سلطة العمال ومصالح الثورة العالمية وبناء الإشتراكية.
لا تحتوي النظرية الماركسية في الدولة، بأي وجه كان، المفهوم المنطوي على أن نظام حزب واحد شرط مسبق ضروري أو خاصية لسلطة العمال أو للدولة العمالية أو لديكتاتورية البروليتاريا. لم يرد أي دفاع عن نظام الحزب الواحد أبدا في أي من الكتابات النظرية سواء لماركس أو انجلس أو لينين أو تروتسكي، ولا في أي وثيقة برنامجية للأممية الثالثة في ظل لينين. أما ما وضع لاحقا من نظريات، مثل التصور الستاليني الفظ الذي يرى أن الطبقات الإجتماعية تمثلت دوما عبر التاريخ بحزب واحد، فهي زائفة تاريخيا، ولا تفيد سوى لمدح احتكار السلطة السياسية المغتصبة من طرف البيروقراطية السوفياتية وخلفائها الإيديولوجيين بباقي البلدان العمالية المتبقرطة، وهو احتكار مرتكز على تجريد الطبقة العاملة سياسيا. لقد دل التاريخ، بما فيه الانتفاضات في جمهورية الصين الشعبية وبولونيا ويوغوسلافيا ونيكاراغوا و غرا نادا، على أن تروتسكي محق حين قال: "إن الطبقات غير متجانسة وممزقة بالتناحرات الداخلية ولا تبلغ أهدافها المشتركة إلا بصراع الإتجاهات والتجمعات والأحزاب. ليس بإمكاننا أن نجد في كل التاريخ السياسي حزبا واحدا يمثل طبقة واحدة، هذا طبعا إذا كنا لا نوافق على اعتبار الرواية البوليسية قصة واقعية" (الثورة المعذورة).
هذا صحيح بالنسبة للبورجوازية في ظل الإقطاع وللطبقة العاملة في ظل الرأسمالية ويبقى صحيحا بالنسبة للطبقة العاملة في ظل ديكتاتورية البروليتاريا وخلال سيرورة بناء الإشتراكية.
إذا قلنا إنه لا يمكن أن تحظى بالشرعية سوى الأحزاب والمنظمات التي ليس لها برنامج وإيديولوجية برجوازية (وبورجوازية صغيرة) ولا تقوم بتحريض أو دعاوة ضد الاشتراكية والنظام السوفييتي، فأين سنضع خط الفصل؟
هل سيجري منع أحزاب أغلب أعضائها من أصول عمالية لكنها ذات إيديولوجية بورجوازية؟ كيف يمكن التوفيق بين هذا الموقف والانتخاب الحر لمجالس العمال؟ ما هو الحد الفاصل بين "البرنامج البورجوازي" و"الإيديولوجية الإصلاحية"؟ هل يجب إذن منع الأحزاب الإصلاحية؟ هل سيتم إلغاء الاشتراكية-الديموقراطية؟
من الحتمي أن يستمر مثل هذا التأثير الإصلاحي مدة طويلة داخل الطبقة العاملة ببلدان عديدة ولو على قاعدة التقليد التاريخي. ولن يحد القمع الإداري من هذا الاستمرار بل على العكس سيعززه. إن أفضل وسيلة لمحاربة الأوهام والأفكار الإصلاحية هي تلازم نضال إيديولوجي مع انبثاق الشروط المادية المساعدة على إختفاء مثل هذه الأوهام. بيد أن هذا النضال الإيديولوجي يفقد كثيرا من فعاليته في شروط القمع الإداري وغياب نقاش حر وتبادل الأفكار.
إذا حرض الحزب الثوري على منع الاشتراكية الديموقراطية وتشكيلات إصلاحية أخرى، فسيضاعف ألف مرة صعوبة الحفاظ على حرية تكوين التيارات والتسامح مع التكتلات داخل صفوفه نفسها، لأن التناحر السياسي داخل الطبقة العاملة سيميل حتما حينئذ إلى اللإنعكاس داخل الحزب الواحد.
إذن ليس الخيار الحقيقي هو: إما حرية ذوي البرنامج الإشتراكي الحقيقي أو حرية كافة الأحزاب السياسية. الخيار الحقيقي هو التالي: إما الديموقراطية العمالية مع حق الجماهير في انتخاب من تختار وحرية التنظيم السياسي لكل من يحترم فعلا الدستور السوفييتي (بما في ذلك أناس ذوو إيديولوجيات أو برنامج بورجوازي أو بورجوازي صغير) وإما تضيق صارم للحقوق السياسية للطبقة العاملة نفسها مع كل العواقب المحتملة. يؤدي نظام تضييق وجود الأحزاب السياسية إلى نظام تضييق للديموقراطية العمالية وإلى الحد من الحرية داخل الحزب الثوري الطليعي نفسه.
إننا إذ نؤكد شرعية كل الأحزاب السوفييتية، أي التي تحترم فعلا الدستور السوفييتي، لا نبخس قدر البلبلة والأخطاء وحتى الهزائم الجزئية التي قد تنجم وستنجم عن قيام تلك الأحزاب بنشر برامج خاطئة وتأثيرات طبقية أجنبية عن البروليتاريا.
كما لا يستتبع ذلك بتاتا أي دعوة منا للعمال إلى تكوين أحزاب على قاعدة ما نعتبره برامج وخطط سياسية خاطئة. إننا نقول فقط إن الإلغاء الإداري المصطنع لهذه الأحزاب –وهو مصطنع ما دامت تعبر عن تيارات رأي فعلية داخل الجماهير حتى بعد إلغائها- لن يحد من هكذا مخاطر بل سيفاقمها. إن إنسجام الطبقة العاملة السياسي والإيديولوجي والثقافي، الذي سيؤهل جماهير العمال لإستبدال آلة الدولة بمجموعة من مواطنين مسيرين ذاتيا، أي لإستكمال بناء الإشتراكية واضمحلال الدولة، يمثل مهمة تاريخية جسيمة. وهي ليست وقفا على شروط مادية مسبقة فحسب، بل يتطلب تمرنا سياسيا خاصا: "إن وجود أناس نقديين ومعارضين ومنشقين و مستائين ورجعيين أمر يبعث الحياة والحيوية في الثورة. إن المواجهة و السجال ينميان عضلات الشعب الإيديولوجية. إنهما رياضة دائمة وترياق ضد تصلب المفاصل وضد السلبية." توماس بورغ يحدثنا. جريدة غرانما –الطبعة الفرنسية 07 أكتوبر 1984).
وكما أعلن فيدل كاسترو في سجاله ضد اسكالنتي: "يجب أن تكون الثورة مدرسة فكر دون عوائق". ورغم أن الممارسة لم تطابق دوما هذه الأقوال، فإنها، أي الأقوال، تمثل الإستمرار البرنامجي للماركسية في هذا المضمار والذي يجب الدفاع عنه ضد الجميع. أكدت التجربة التاريخية أن إنعدام شروط ديموقراطية عمالية فعلية لا يمكن إلا أن يؤخر أو حتى يقلب سيرورة تمرن الجماهير على الإدارة الذاتية مثلما كان الحال بجلاء في الإتحاد السوفياتي. كما دلت التجربة التاريخية على استحالة أي ديموقراطية عمالية دون تعددية سياسية.
5) ماذا تمثل الأحزاب السياسية؟
يرفض الماركسيون الثوريون كل الأوهام العفوية بصدد قدرة البروليتاريا على حل المشاكل الإستراتيجية والتكتيكية، التي تثيرها ضرورة إطاحة الرأسمالية والدولة البورجوازية والظفر بسلطة الدولة وبناء الإشتراكية، بواسطة أعمال عفوية جماهيرية، دون طليعة واعية وحزب ثوري طليعي منظم مرتكز على برنامج ثوري اجتاز امتحان التجربة التاريخية وعلى كوادر ثقفها هذا البرنامج وصلبتها تجربة نضال طبقي طويلة. ترى حجج من أصل فوضوي، اقتبستها أيضا تيارات يسارية متطرفة "مجالسية"، أن الأحزاب السياسية هي بطبيعتها الخاصة تشكيلات "ليبرالية بورجوازية" غريبة عن البروليتاريا ولن يكون لها مكان في المجالس العمالية نظرا لما يلازمها من جنوح إلى اغتصاب سلطة الطبقة العاملة السياسية. هذه الحجج خاطئة نظريا ومضرة وخطيرة سياسيا، فليس صحيحا أن تجمعات وتيارات وأحزاب سياسية لم تظهر إلا مع صعود البورجوازية الحديثة. فهي بالمعنى الأساسي (وليس الشكلي المحض) موغلة في القدم. فقد برزت مع ظهور أشكال حكومية يقوم فيها عدد مرتفع نسبيا (بخلاف المجموعات القروية أو التجمعات القبلية) بالمشاركة بشكل أو بآخر في ممارسة السلطة السياسية (مثلا الديموقراطيات القديمة)، أي أنها تطابق وجود صراعات اجتماعية مرتكزة على مصالح مادية متعارضة. ولا تنحصر هذه الأخيرة حتما في صراع مصالح بين طبقات متناحرة، بل يمكن أن تعبر أيضا عن صراع مصالح داخل طبقة اجتماعية معينة.
إن أحزابا سياسية بهذا المعنى الفعلي (وليس الشكلي) هي طبعا ظواهر تاريخية تغير مضمونها عبر الحقب كما حدث خلال الثورات الديموقراطية البرجوازية الكبرى في الماضي (خاصة خلال الثورة الفرنسية لكن ليس وحدها). وسيكون للثورة البروليتارية أثر شبيه، فستبقى الأحزاب السياسية طالما بقيت صراعات مصالح مادية وتوجه اجتماعي أي إلى غاية استكمال بناء مجتمع اشتراكي لا طبقي.
يمكن التنبؤ بكل يقين أن تأخذ الأحزاب السياسية، في ظل ديموقراطية عمالية حقيقية، مضمونا أغنى وأوسع بكثير وتقود نضالات سياسية جماهيرية بمشاركة تفوق ما شهدته أكثر أشكال الديموقراطية البورجوازية تقدما.
في الواقع ما أن تتجاوز القرارات السياسية عددا ضئيلا من المسائل الروتينية، الممكن مناقشتها وحسمها من طرف جماعة صغيرة، حتى يستتبع كل شكل للديموقراطية ضرورة خيارات مبنية ومتماسكة حول عدد كبير من المسائل المترابطة، أي اختيار بين خطوط سياسية وأرضيات وبرامج بديلة تعبر، في آخر التحليل، عن صراعات مصالح بين طبقات أو شرائح اجتماعية متباينة. هذا ما تمثله الأحزاب.
إن غياب توجهات إجمالية بديلة لا يوسع حرية التعبير و الإختيار لعدد كبير من الأفراد، بل يجعل مستحيلا كل حكم بواسطة تجمعات أو مجالس عمالية. لا يمكن أن يقوم عشرة آلاف شخص بالإقتراع حول 500 موقف متباين. إن تفادي سقوط السلطة بين أيدي ديماغوجيين أو جماعات ضغط سرية أو طغمات يقتضي إتاحة مواجهة حرة بين عدد محدود من الخيارات المبنية والمتماسكة أي بين برامج سياسية أو أحزاب سياسية دون أدنى احتكار أو منع. وهذا ما سيجعل الديموقراطية العمالية ذات مغزى وفعالية في آن معا.
إن الموقف الفوضوي و"المجالسي" المعارض لبناء أحزاب سياسية في ظل ديكتاتورية البروليتاريا وخلال سيرورة بناء الإشتراكية هو إحدى أمرين: - إما أمنية جوفاء (أي أمل امتناع الجماهير عن تكوين أو دعم مجموعات وتيارات وأحزاب ذات خطوط سياسية وبرامج مختلفة) وفي هذه الحالة يصبح الموقف طوباويا لأن ذلك الامتناع لن يحدث. - إما محاولة لمنع أو قمع جهود أولئك العمال الذين يريدون القيام بعمل سياسي على قاعدة تعددية، وفي هذه الحالة يخدم الموقف موضوعيا سيرورة الاحتكار البيروقراطي للسلطة، أي بالضبط عكس ما يريده الفوضويون.
وقد دافعت تجمعات وسطية ويسارية متطرفة عديدة عن إستدلال شبيه يرى أن تجربة البروليتاريا السوفياتية من الممارسة المباشرة للسلطة السياسية له جذور في المفهوم اللينيني للتنظيم نفسه، المرتكز على المركزية الديموقراطية. ويرى هؤلاء أن جهود البلاشفة لبناء حزب يقود البروليتاريا إبان الثورة ستفضي لا محالة إلى علاقة أبوية تحكمية وبيروقراطية بين هذا الحزب والجماهير الكادحة، وهو ما سيؤدي بدوره وحتما إلى احتكار الحزب لممارسة السلطة السياسية بعد الثورة الإشتراكية الظافرة.
إن هذا الاستدلال لا تاريخي وينبني على تصور مثالي للتاريخ. فمن وجهة نظر ماركسية، أي مادية تاريخية، كَمَنَ السبب الرئيس لمصادرة البروليتاريا السوفياتية سياسيا فيما هو اقتصادي-اجتماعي وليس إيديولوجي أو برنامجي. فالفقر العام وتأخر روسيا وضعف البروليتاريا النسبي عددا وثقافة، كلها عناصر جعلت ممارسة البروليتاريا للسلطة المباشرة أمرا مستحيلا طالما بقيت الثورة معزولة: هذا ما أجمع عليه ليس البلاشفة في 1917-1918 وحسب بل كافة الإتجاهات المنتسبة إلى الماركسية. وأدى الأفول الكارثي لقوى الإنتاج في روسيا (من جراء الحرب الأهلية والتدخل العسكري الإمبريالي وما قام به التقنيون مؤيدو البورجوازية من تخريب، الخ) إلى أوضاع ندرة ساعدت على نمو امتيازات خاصة. وهذه كلها عناصر أفضت إلى إضعاف نوعي للبروليتاريا المتقلصة أصلا. علاوة على أن قطاعات واسعة من الطليعة السياسية للطبقة، أي التي كانت بالضبط أكثر قدرة على محاربة البورجوازية والبيروقراطية، ماتت في الحرب الأهلية أو غادرت المنشآت لتندمج على نحو واسع في الجيش الأحمر أو جهاز الدولة.
شهدت بداية السياسة الإقتصادية الجديدة (النيب) انتعاشا اقتصاديا إلا أن البطالة الجماهيرية وما سببته تراجعات وهزائم الثورة العالمية من إحباط دائم غذيا السلبية السياسية وأفولا عاما للنشاط السياسي الجماهيري امتد حتى إلى السوفييتات. هكذا عجزت الطبقة العاملة عن وقف نمو شريحة ذات امتيازات مادية شرعت، بقصد الحفاظ على سلطتها، في تقليص متزايد للحقوق الديموقراطية وانتهت بتدمير السوفييتات والحزب البلشفي نفسه مع استعمال اسمه لأهدافها الخاصة. هذه هي الأسباب الرئيسة لإغتصاب البيروقراطية لممارسة السلطة مباشرة ولتنامي انصهار جهاز الحزب وجهاز الدولة وجهاز المسيرين الاقتصاديين في فئة بيروقراطية ذات امتيازات.
بدل تيسير الصعود البيروقراطي عمل لينين و تروتسكي و بلاشفة آخرون والمعارضة اليسارية فيما بعد بكل جهد لمحاربته. وكان ضعف الطليعة البروليتارية، وليس النظرية اللينينية في الحزب، هو سبب إخفاق هذه المعركة. ويمكن اعتبار بعض إجراءات البلاشفة قبل وفاة لينين –مثل منع المؤتمر العاشر للتكتلات مؤقتا- إسهاما في هذا الإضعاف. "أدى منع أحزاب المعارضة إلى منع التكتلات في الحزب وأدى منع التكتلات إلى منع التفكير بغير ما يريده القائد المعصوم عن الخطأ. وأدت وحدة الحزب البوليسية إلى الحصانة البيروقراطية التي غدت بدورها سبب كل أشكال الإحباط والفساد" (تروتسكي "الثورة المعذورة"). لكن هذه أسباب ثانوية. كانت أسباب سيرورة التبقرط الرئيسة موضوعية ومادية، اقتصادية واجتماعية، وتوجد ببنية المجتمع السوفياتي التحتية آنذاك وليس في بنيته الفوقية السياسية ولا سيما في مفهوم خاص للحزب. لم تكن البيروقراطية الستالينية بتاتا نتاجا للبلشفية، بل كان عليها أن تدمر جسديا الحزب البلشفي لتتمكن من إرساء ديكتاتوريتها الشمولية. كان الحزب البلشفي أداة للطبقة العاملة وعدوا للبيروقراطية. وسبق خنق الحزب سياسيا المصادرة السياسية الكاملة للطبقة العاملة.
من جهة أخرى، أكدت التجربة التاريخية أنه في حال غياب حزب ثوري يقود الثورة أو حتى يمارس تأثيرا كبيرا داخلها، لا تدوم مجالس العمال أطول مما كان في روسيا، بل على العكس تختفي بسرعة أكبر: ألمانيا 1918 وإسبانيا 1936-1937 دون الحديث عن هنغاريا 1956 أو الشيلي عام 1973، كلها أمثلة جلية في هذا المضمار.
6) ضرورة حزب ثوري طليعي
نقص تجانس الطبقة العاملة وتفاوت تطور وعيها الطبقي وتقطع النشاط السياسي والاجتماعي لعديد من مكوناتها، كلها أمور تفترض تنظيما منفصلا لعناصر الطبقة العاملة فائقة الوعي ودائمة النشاط في حزب ثوري طليعي. وهذا صحيح من جهة حاجات النضال الطبقي في ظل الرأسمالية وكذا بعد استيلاء البروليتاريا على السلطة. لا بل إن الدور الذي لا يستبدل لهكذا حزب يزداد في تلك الشروط.
يتوجب على الحزب اللينيني الجماهيري أن يقود العمال في جهودهم لممارسة سلطة الدولة وبناء مجتمع جديد حتى إطاحة الرأسمالية عالميا واستكمال بناء المجتمع الإشتراكي اللاطبقي. إن المشاكل المرتبطة بالإختيار بين مختلف وثائر النمو الاقتصادي، وبين تغيرات في تخصيص الموارد الاقتصادية النادرة، وبين الأولويات الممنوحة لنمو مختلف أشكال الاستهلاك الفردي والجماعي، ومشاكل وثائر تقليص التفاوت الاجتماعي، ومشاكل الدفاع عن الدول العمالية بوجه القوى الرأسمالية، ومسألة بناء أممية ثورية جماهيرية لتوسيع الثورة الاشتراكية العالمية، ومشاكل النضال ضد المسبقات والتصورات الرجعية و التفاوتات الفعلية الموروثة عن الماضي، سواء بين الجنسين أو بين فئات الأعمار أو بين القوميات والأعراق، كل هذه المشاكل الأساسية الخاصة بمرحلة الإنتقال بين الرأسمالية و الإشتراكية لا يكمن حلها عفويا. إنها تقترض تدخل حزب مسلح ببرنامج ماركسي ثوري.
وسيكون دور هذا الحزب، علاوة على ذلك، أساسيا في النضال ضد نمو إمتيازات مادية وشرائح بيروقراطية في ظل ديكتاتورية البروليتاريا. وهو لازم غاية اللزوم بقدر ما يتعلق الأمر بتطبيق برنامج ديموقراطية عمالية اشتراكية ذي طابع راديكالي وثوري. وسيمارس تأثيره ارتكازا على اقتراع المجالس العمالية الحر وعلى ما سيحوز من ثقة سياسية لدى الجماهير الكادحة وليس على وسائل إدارية. يخلق التفاعل الديالكتيكي بين تنظيم العمال الذاتي الحر والديموقراطي والتوضيح والقيادة السياسيين و البرنامجيين للحزب الثوري الطليعي ظروفا مساعدة أكثر للظفر بالسلطة وممارستها الدائمة من طرف الطبقة العاملة نفسها.
بهدف تجنب كل شطط في استعمال السلطة من قبل حزب طليعي يمارس دورا قياديا داخل الطبقة العاملة في ظل ديكتاتورية البروليتاريا، تناضل الأممية الرابعة من أجل المبادئ التالية:
أ) أوسع ديموقراطية داخلية في الحزب نفسه مع حقوق كاملة ومطلقة في تنظيم الإتجاهات وإمكان نقاشات عمومية بينها قبل مؤتمر الحزب ورفض منع التكتلات.
ب) أوسع روابط وتداخل بين الحزب والطبقة العاملة نفسها. لا يمكن لحزب ثوري عمالي طليعي أن يقود الطبقة العاملة بفعالية في ظل ديكتاتورية البروليتاريا إلا إذا جمع بين الثقة السياسية لغالبية العمال وكسب أغلبية العمال الطليعيين إلى صفوفه.
ج) إلغاء صارم لكل امتياز مادي يحوزه أطر أو قادة الحزب، ولا يمكن لأي عضو بالحزب منتخب إلى وظيفة قيادية بالدولة العمالية، مهما كانت الوظيفة، أن يلتقي أجرة تفوق أجرة عامل مؤهل أو أية امتيازات عينية ستفضي إلى هكذا فرق.
هـ) عدم ممارسة الحزب الطليعي لأي احتكار سياسي أو إيديولوجي لأنشطة سياسية أو ثقافية. الدفاع عن التعددية.
و) الفصل الدقيق بين جهاز الحزب وجهاز الدولة.
ز) إدماج الحزب فعلا في أممية ثورية وقبول النقد الأممي الأخوي من منظمات ثورية ببلدان أخرى.
لا يجوز للحزب (أو الأحزاب) الموجودة بالسلطة بالدولة (الدول) العمالية أن يتحكم في الأممية.
عن موقع جريدة المناضل-ة www.al-mounadhil-a.info
#الاممية_الرابعة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديكتاتورية البروليتاريا والديموقراطية الإشتراكية - الجزء الأ
...
-
انهيار «الشيوعية» في الاتحاد السوفياتي
-
دور الأممية الرابعة ومهامها
-
اتفاق واشنطن
-
البرنامج الانتقالي: احتضار الرأسمالية ومهام الأممية الرابعة
...
-
البرنامح الإنتقالي: احتضار الرأسمالية ومهام الأممية الرابعة
...
-
البرنامج الانتقالي: احتضار الرأسمالية ومهام الأممية الرابعة
...
-
الأممية الرابعة: أربعون سنة بعد تأسيسها ـ إرنست ماندل
-
لماذا لا غنى عن منظمة أممية؟ ـ ارنست ماندل
-
اشـتـراكـيـة أو هـمـجـيـة على عتبة القرن الواحد والعشرين- بي
...
-
من أجل انبعاث الروح الأممية ـ نداء صادر عن الأممية الرابعة
-
إرنست ماندل: المفكر الماركسي، المناضل الثوري والقائد الأممي
-
الثوريون والانتخابات
-
موضوعات حول بنية الأحزاب الشيوعية وأساليبها وعملها
-
تقويم لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
-
تروتسكي ولينين هل من خلاف ؟
-
مكانة النظرية في الحزب الثوري
-
انتفاضة ماي (أيار) 1968 في فرنسا
-
ملف دروس الثورة الصينية
-
ملف حول تشيكوسلوفاكيا 1968
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|