|
عداء طبقي متواصل ضد الحركة النقابية العراقية الحرة
مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب
(Moustafa M. Gharib)
الحوار المتمدن-العدد: 3743 - 2012 / 5 / 30 - 14:14
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
لقد عانت الطبقة العاملة شغيلة اليد والفكر والحركة النقابية العراقية من جور الحكومات وظلمها والتدخل في شؤونها الداخلية منذ تأسيس أول نقابة عام 1929 ( جمعية أصحاب الصنائع العراقية بقيادة محمد صالح القزاز ) ومراجعة بسيطة لتاريخ الحركة سيجد المرء تلك المعاناة الكبيرة للنقابيين العراقيين جراء السياسات القمعية والمنهجية العدائية للطبقية وللطبقة العاملة وحركتها النقابية التي كانت سائدة كنهج ثابت ممتد من جوهر الرأسمالية المبني على الاستغلال التي ترى فيها عدواً لدوداً إذ لم تستطع تسييرها وفق رغباتها الطبقية، وهذا النهج المعادي للتنظيم النقابي بالضد من جميع المواثيق الدولية بما فيها منظمة العمل الدولية والعربية، ولن نستثني أي نظام سياسي أو حكومة عراقية ( عدا الفترة الأولى القصيرة بعد ثورة 14 تموز 1958 ) من تلك السياسة الاستحواذية والتسلطية التي كان هدفها الأساسي الهيمنة والسيطرة على النقابات والتدخل في شؤونها وفرض أولئك الازلام الذين ليس لهم أي رابط بنضال الشغيلة الهادف إلى تأسيس نقاباتهم الحرة بعيداً عن تأثيرات السلطات، ولم تكتف تلك السلطات بمنهج التزييف والتزوير بل عمدت إلى الاعتقال والنفي والتعذيب وتغييب العشرات من القادة النقابيين في السجون وملاحقتهم كي يتسنى لها إفراغ الساحة النقابية من تأثيراتهم، إلا أن ذلك كله لم يجد نفعاً بل العكس فقد استمر النضال بدون هوادة بما فيه العمل السري.. أما فترة ما بعد انقلاب 17 تموز 1968 فقد حَجم النظام السابق العمل النقابي وهيمن عليه بواسطة احتلال المقرات النقابية بقوة السلاح وحاول الإجهاز على النقابات واللجان النقابية في القطاع الحكومي والمختلط وبهذا الخرق الفاضح فلقد أصدر قانون 150 لسنة 1987 وقانون العمل للعام نفسه وحاول إلغاء العمال ونقاباتهم بحجة تحويلهم إلى موظفين شكلاً بينما بقت أعمالهم ومهماتهم ومهنهم نفسها بدون تغيير، ومن منطلق العداء الطبقي المستفحل تحت طائلة من الشعارات الاشتراكية القومية الفضفاضة ذات الصفة الشوفينية والطبقية فقد أُرسل كل من يقف بالضد من هذه المنهجية إلى السجون والمعتقلات والتعذيب والإعدام مما أدى إلى تشتيت العمل النقابي وحصره في القطاع الخاص فقط كي يتسنى السيطرة عليه وتوجيهه حسب مشيئة النظام وحزبه. نحن لا نريد الاستطراق أكثر، فما نحن بصدده هو العمل النقابي بعد إسقاط النظام السابق في 2003 ويبرز في المقدمة تساؤل مشروع ... ـــ هل تحرر التنظيم النقابي من المؤامرات ومحاولات الهيمنة والتدخل في شؤون الاتحاد العام والنقابات العامة ومجمل العمل النقابي؟ الجواب الواضح والصريح ـــ لا ثم ألف لا لأن النهج المعادي ذو الوجهين، الترهيب بقوة قرار السلطة، والترغيب بشراء الذمم، اللذان استخدما في السابق مازال البعض يمارسهما من موقعه الحكومي والحزبي في الدولة، ووقائع هذه المحاولات عديدة ذكرناها وذكرها غيرنا في العديد من المناسبات ومنها التدخل في الانتخابات النقابية ومحاولات فرض " اللجان الحكومية واللجنة الوزارية العليا" أو البعض من الذين ليس لهم لا ناقة ولا جمل بالعمل النقابي وهم غير معروفين لا بتاريخهم ولا بمواقفهم ولا أقوالهم النضالية التي كانت تقف بالضد من الإجراءات البوليسية لقمع الحريات والحقوق النقابية والعديد منهم شكلوا تنظيمات نقابية سرية معروفة في مقدمتها " حركة العمال النقابية الديمقراطية في الجمهورية العراقية بداية الثمانينات" ليس على النطاق النقابي العراقي فحسب بل الحركة النقابية العربية والعالمية ومنظمات حقوق الانسان ولجان الحقوق والحريات النقابية. منذ فترة ليست بالقصيرة نتابع مخططات التدخل في الشؤون الداخلية للاتحاد العام والحركة النقابية العراقية تحت واجهات حكومية رسمية تحت طائلة من الحجج المكشوفة، وبدلاً من تلخيص الطبقة العاملة وحركتها النقابية من تراث قوانين النظام السابق الرجعية المجحفة فإذا بالجهات المسؤولة بما فيها رئاسة الوزراء تستخدمها بالضد من الحركة النقابية وبخاصة القرار 150 وقانون العمل الذي أصدره النظام السابق. إن التدخل الفظ واللاقانوني في الانتخابات النقابية مرفوض جملة وتفصيلاً وتقف بالضد منه جميع النقابات العراقية والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والحركة النقابية العالمية، وبهذا ينتهي الجدل حول أبوية الحكومة العراقية الحالية للحركة النقابية ومن الأجدر والأفضل لها أن تكف من التدخل في هذا المجال أو أي مجال يضر وحدة الطبقة العاملة وحركتها النقابية الحرة، فتدخلها في الانتخابات المزمع إجراؤها يثير وأثار غضب واستنكار عشرات الآلاف من العمال النقابيين، وردود الفعل الأولى إعلان المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال في العراق وجميع الاتحادات العمالية في المحافظات والنقابات العامة في بغداد عن انسحابها من الانتخابات العمالية وحسب الإعلان وجود " تزوير في أسماء اللجان التحضيرية المقدمة للاتحاد العام واللجنة التحضيرية، وأشار البيان الصادر من حوالي ( 17 ) اتحاد عمالي في المحافظات " بعد إطلاعنا على آلية الانتخابات وجدنا موعد الترشيح والإعلان كان يوم 22 / 5 / 2012 علماً أن هذا الاجتماع الذي دعت إليه اللجنة التحضيرية المركزية هو الأول من نوعه وان هذا اليوم هو الأحد المصادف 27 / 5 / 2012 " وعلى ضوء ذلك قررت الاتحادات والنقابات العامة في بغداد والمكتب التنفيذي " مقاطعة الانتخابات " وهذه ليست السابقة الأولى فعلى امتداد حكومتي الجعفري والمالكي هناك مواقف شبه عدائية للتنظيم النقابي ومنظمات المجتمع المدني، فتجميد أموال الاتحاد العام وعدم الانصياع لحق الطبقة العاملة وحركتها النقابية لإلغاء قوانين ما يسمى بمجلس قيادة الثورة لا بل التعنت في عدم الاعتراف بشغيلة القطاع الحكومي وتنظيمهم النقابي ومحاربتهم لمجرد المطالبة بحقوقهم المشروعة . ان تشكيل لجنة حكومية لإدارة الانتخابات هو تدخل سافر يجعل من استقلالية الحركة النقابية مجرد كلام فارغ وهذا ما يتناقض مع المعايير المتضمنة في لوائح منظمة العمل الدولية والعربية ولجان الحقوق والحريات النقابية، ولقد ذَكّرت الأمانة العامة للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب في رسائلها التي بعثتها إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والمجلس النيابي فضلاً عن رسالة إلى وزير العمل والشؤون الاجتماعية بقضية عدم التدخل في شؤون النقابات العمالية ورفض أي محاولات لتسمية لجان حكومية باللجان النقابية وأكدت ان ذلك " يعد خرقاً قانونياً وانتهاكاً صريحاً للحقوق والحريات النقابية " وأكدت الأمانة العامة للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب أن " مهمة أي لجنة مشرفة من معاليكم أو من اللجنة الوزارية العليا يجب أن تقتصر على الإشراف والمتابعة " وأضافت الأمانة العامة " وان أي تدخل خلاف ذلك أو توجيه، يصدر من اللجنة العامة أو لجانها الفرعية سوف يعد تدخلاً في الشأن النقابي وهو ما يعد مرفوضاً بمعايير العمل النقابي " ولا بد من الإشارة للتوضيح انه تم تشكيل وإضافة لجان نقابية جديدة كان من المفروض التشاور مع قيادة الاتحاد العام والنقابات العامة مما له دلالة على النية في التدخل في العملية الانتخابية والنية لتزويرها وهو مؤشر خطير يدل ان البعض من المسؤولين في الحكومة والبعض من الوزارات تضمر عداء مستفحلاً للتنظيم النقابي وفي مقدمته الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق والاتحادات في المحافظات والنقابات العامة في بغداد، وقد ظهرت بشكل جلي التدخلات الحكومية وتدخلات اللجنة التحضيرية للانتخابات والخاضعة للجنة الوزارية العليا وهي تهدف من خلال هذا التدخل فرض قراراتها على الحركة النقابية، وكما هو معروف ان اللجنة التحضيرية السابقة قد جرى تمديد عملها وهي اللجنة نفسها التي قامت في أيار من عام 2012 بتزوير وتزييف إرادة العمال. ان الحركة النقابية العراقية بجميع اتحاداتها ونقاباتها العامة والاتحاد العام مدعوة أكثر من السابق إلى توحيد مواقفها تجاه التدخلات الحكومية والوزارية، ففي وحدة العمال النقابية تستطيع أن تمنع أي قوة تحاول التجاوز على حقوقها وحقوق الشغيلة، كما أنها تستطيع من خلال ثقلها السياسي والاجتماعي تفويت الفرصة على المحاولات لتزييف وتزوير إرادتها في انتخاب ممثلين العمال الحقيقيين الذي لا يساومون مهما كان حجم الإغراءات أو الضغوطات، فالعداء الطبقي وان تغلف بشعارات قومية أو دينية أو طائفية لا يمكن ان يكف أو يستكين إلا على حساب الاستغلال ومحاولات الهيمنة على التنظيم النقابي الحر، والعداء الطبقي ليس وليد مصادفة أو نهج محدد بزمن بل لأنه ممتد إلى الصراع الطبقي ما بين الاستغلال لجني الأرباح وبين المُسْتغَلين الذين تسرق قوة عملهم بأشكال كثيرة.. على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة النفط وغيرها من المؤسسات التابعة للقطاع الحكومي وعلى الحكومة العراقية أن لا تتدخل في الشأن الداخلي وتحترم إرادة الطبقة العاملة في تنظيمها النقابي بما فيها تشكيل منظماتها النقابية الحرة، فإن الطبقة العاملة والحركة النقابية لا يمكن أن تساوم على مصلحة البلاد ولا يمكن إلا أن تكون قوة اجتماعية تقف بالضد من الفساد وما يجري من خراب وتدمير ينهشان جسد البلاد ــــــــــــــــــــــــــ
#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)
Moustafa_M._Gharib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أين لجنة التحقيق من تهريب النفط في الجنوب و الإقليم ..؟
-
آفاق دعوة الكتل السياسية في بيان رئاسة الجمهورية
-
مسؤولية الحكومة العراقية عن انتشار الأدوية والمواد الغذائية
...
-
بيوت لوائح الطين
-
لمصلحة مَنْ تصعيد حدة التوتر وتعميق الأزمة في العراق!
-
بيئة في المغطس القديم
-
وماذا بعد منع مسيرة الاول من ايار!
-
من هو الذي يقود العراق وليس الاقليم نحو النفق المظلم؟
-
بغداد بين التبعية واللاتبعية في دعوة محمد رضا رحيمي
-
مهزلة - أيظنّ - في تصريح الناطق الرسمي لعمليات بغداد
-
فنّ الرحلة الأخرى
-
الديمقراطية المستهلكة
-
ذكرى تأسيس حزب الشغيلة وتطورات المرحلة
-
هل القمة العربية حدث مهم في البداية والنهاية؟
-
عقدة معاداة الحزب الشيوعي العراقي والقوى الديمقراطية
-
شراكة.. أو الحقيقة لا شراكة الوطنية
-
على ما يظهر.. لا ناهية لمسلسل الدم والتفجيرات الإرهابية
-
الأوضاع السياسية المستجدة والقمة العربية
-
العودة لقضية استغلال اسم الجاليات العراقية
-
هل عادت حليمة لعادتها القديمة؟!
المزيد.....
-
“وزارة المالية العراقية”.. استعلام رواتب المتقاعدين شهر ديسم
...
-
السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام
...
-
السيد الحوثي: السجل الاجرامي الامريكي واسع جدا وليس لغيره مث
...
-
Greece: Great Strike Action all Over Greece November 20
-
25 November, International Day for the Elimination of Violen
...
-
25 تشرين الثاني، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
-
استلم 200000 دينار في حسابك الان.. هام للموظفين والمتقاعدين
...
-
هل تم صرف رواتب موظفي العراق؟.. وزارة المالية تُجيب
-
متى صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 وطريقة الإستعلام ع
...
-
استعد وجهز محفظتك من دلوقتي “كم يوم باقي على صرف رواتب الموظ
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|