|
انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان ...أم كليهما...؟....(4)...
علي الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 3743 - 2012 / 5 / 30 - 01:14
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تبلغ ميزانية الاتحاد الأوربي عشرات البلايين من اليورو سنويا. ففي العام الحالي وحده بلغت ميزانية الاتحاد 147.2 بليون يورو ، والمناقشات جارية لزيادتها بمبلغ يصل الى 9 بلايين يورو أخرى وبذلك ستصبح ميزانية الاتحاد للعام القادم 156.2 بليون يورو. تتكلف حكومات دول الاتحاد الأوربي باستقطاع بنود هذه الميزانية قسرا من مواطنيها ومن الأجانب المقيمين لأي سبب على اراضيها عبر ما يسمى بضريبة ( VAT) ضريبة القيمة المضافة التي زيدت نسبتها من 17.5% في عام 2010 الى 20% حاليا. تدخل هذه الضريبة في أسعار أغلب السلع الاستهلاكية والخدمات الضرورية ويطلق عليها أحيانا بضريبة الاستهلاك ، ولا يراعى فيها ضعاف الحال أو ذوي الدخل المحدود ، فهي لا تستقطع من أجورهم بل من قوت يومهم. هذه الضريبة هي أسوء أدوات سياسات التقشف التي يلزم الاتحاد الأوربي دوله باتباعها ، وهي الضريبة التي تلاحق المسحوقين في المجتمعات الأوربية كافة بدون تمييز حتى القبر. وتدعي بيانات المؤسسة المالية للاتحاد الأوربي بانها لا تحمل دافعي الضرائب في دول الاتحاد اعباء كبيرة ، وأن ما تتحصل عليه من موارد هو فقط 1.27% ناتج ها القومي الاجمالي. بعض دول الاتحاد الأوربي مثل هولندا والسويد والنمسا وألمانيا تحصلت على استثناء أصبحت يموجبه تدفع نسبة مخفضة. السويد وهولندا اضافة الى التخفيض الضريبي تحصل على معونة مالية من ميزانية الاتحاد الأوربي ، وهو أمر مثير للعجب ، فكيف لدولة ضعيفة اقتصاديا كاليونان وتواجه دينا عاما يزيد عن 347 بليون يورو تدعم دولة مثل السويد التي يصل دينهما العام الى نصف مبلغ الدين العام اليوناني ، أو اسبانيا التي يبلغ دينها العام خمسة اضعاف الدين العام السويدي ، وضعفي الدين العام الهولندي. واذا أخذنا المتوسط السنوي لدخل الفرد اليوناني فانه يعادل حوالي نصف متوسط دخل الفرد السويدي والهولندي. ليست ضريبة الاستهلاك هذه الوحيدة التي تلاحق الجماهير الفقيرة في دول الاتحاد الأوربي ، فهناك موارد أخرى تأتي من ضريبة جمركية تفرض على بعض السلع المستوردة من خارج دول الاتحاد الأوربي ، وهي في نهاية المطاف تأتي من جيوب المواطن العادي حال حيازته لها. ان جهاز الاتحاد الأوربي يتضخم بيروقراطيا وماليا ( من جانب الموارد والنفقات والموظفين على حد سواء) باستمرار وبشكل يوازي أجهزة منظمة الأمم المتحدة ، والحقيقة انه ينافسها في الكثير من مهامها ، بل ويكرر ادوارا هي من مهام الأمم المتحدة مثل حماية البيئة ، وتطوير الطاقة النظيفة ، ومراقبة احترام حقوق الانسان وحرية الصحافة واشاعة الديمقراطية والشفافية ومكافحة العنف الأسري وحماية الطفولة ومنع استخدام الاطفال في العمل والحرب ، هذا الى جانب تشكيلات مؤسسية جديدة كالمجلس الأوربي ، والمحكمة الأوربية وزيادة عدد اعضاء البرلمان الأوربي الى 736 عضوا. هذه وغيرها من نشاطات الاتحاد الأوربي مستنسخة من السياسات التي تنفذها منظمات الأمم المتحدة ، وهي ازدواجية غير مبررة لكونها تستنزف طاقات وموارد مالية كان يمكن استثمارها في مجالات ليست مدرجة في أنشطة الأمم المتحدة ، كتوفير مناخات النمو الاقتصادي لدول الاتحاد وبخاصة الدول الأقل نموا التي لم ينظر اليها بالجدية الكافية. الاضطلاع بمهام ليست من شأنه يحمل دافعي الضرائب أعباء مالية هم في أمس الحاجة اليها في ظروف الركود والبطالة والتضخم الحالية. الانهيار المحتمل لليونان وافلاس ايرلندا والبرتغال واسبانيا الوشيك لم يثر في قادة الاتحاد وهيئاته المالية الكثير من القلق رغم الضجة الاعلامية حول ذلك ، فوراء الكواليس احاديث تدور بالفعل حول مرحلة مابعد خروج اليونان ، فهناك من يرى أن خروجها سيكون في صالح منطقة اليورو. الشيئ الوحيد الذي يخشاه الألمان والبريطانيين هو ليس انهيار دولة وتعرض شعبها للمجاعة ، بل ضياع الأموال المستثمرة في الديون اليونانية من قبل مصارفهم ومؤسساتهم المالية. وكان التصريح الأخير لكريستين لافار مديرة صندوق النقد الدولي هو الشاهد على ذلك. لقد أدلت في السابع والعشرين من أيار الحالي بتصريح خصت به الأزمة اليونانية ، " انا غير مهتمة بما يفعله اليونانيون ، ما يهمني أكثر هو الأطفال الجياع في أفريقيا ". السيدة لافار على حق ، فلم يكن لصندوق النقد الدولي تجربة واحدة في مساعدة الجياع منذ تأسيسه ، فقد كان وما يزال لحد اليوم اكبر المستثمرين الماليين في العالم وأكثر المرابين واشدهم قسوة. يقرض المال للدول الضعيفة بشروط مهلكة ومهينة وأحد أهم أدواتها خصخصة القطاع العام وسياسة تقشف يضع تفاصيلها ويراقبها بدقة ،اضافة الى الفوائد العالية التي يتقاضاها عن قروضه. سياسة التقشف أصبحت موديلا تأخذ به كل الحكومات المحافظة في العالم بدء بالولايات المتحدة وانتهاء بالدول الأوربية. فخفض النفقات كأداة لسياسة التقشف قد يخفض عجز الميزانيات بحدود ما ، لكنها لن تساعد على النمو ، بل تكبحه ، لأن تقييد القدرة على الانفاق يخفض الطلب الكلي على السلع والخدمات الذي بدوره يقود الى تقليص عرض السلع وبالتالي تناقص الانتاج وزيادة البطالة. فما تؤديه سياسة خفض النفقات وسياسة التقشف المتطرفة التي يحرص على تنفيذها صندوق النقد الدولي وقيادة الاتحاد الأوربي هو عكس ما تقول به النظريات الاقتصادية الكلاسيكية التي يدعون انهم ينتهجونها. وانسجاما مع التيار المحافظ الذي يهيمن على غالبية حكومات دول الاتحاد الأوربي نشرت صحيفة التايمز اللندنية في عددها ليوم الأحد العشرين من أيار خطة ما يسمى بمجلس المبادرات الحرة البريطاني ذي الصلة بحزب المحافظين والقريب من رئيس الوزراء كاميرون جاء فيها : أن انهيار اليورو سيؤثر سلبا على بريطانيا ويدفع باقتصادها نحو الركود الاقتصادي. ولذلك يجب الاستمرار بتنفيذ سياسة الحكومة بخفض النفقات وتجميد مبالغ المنافع الاجتماعية لمدة ثلاث سنوات ، وعلى الحكومة البريطانية رفض التوجهات الجديدة الأخيرة الخاصة بحماية حقوق العمال التي شرعت اخيرا من قبل البرلمان الأوربي ، لأن ذلك لا يساعد في زيادة فرص العمل. بريطانيا للعلم لم تنضم بل عارضت بشدة نظام اليورو ، وما زالت تعارضه لكنها اليوم تطالب قيادة الاتحاد الأوربي بحمايته من الانهيار بسبب مصالحها الكثيرة مع دوله ، فهي من أكبر ممولي القروض المالية التي قدمت لليونان وأيرلندا والبرتغال بعد ألمانيا وفرنسا. علي ألأسدي / يتبع
#علي_الأسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان ...أم كليهما...؟....( 3).
...
-
انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان ...أم كليهما...؟....(2)..
...
-
انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان ...أم كليهما...؟....(1)
-
الصين والغرب .... في القرن الحادي والعشرين ...( الجزء الأخير
...
-
الصين والغرب .... في القرن الحادي والعشرين ...( الجزء الثاني
...
-
الصين والغرب ... في القرن الحادي والعشرين .....الجزء الأول
-
دروس من ثورتي أكتوبر 1917 وكومونة باريس عام 1871
-
اليسار الشيوعي ... ورأسمالية الدولة والاشتراكية ....( الجزء
...
-
اليسار الشيوعي .... ورأسمالية الدولة والاشتراكية ..(. الخامس
...
-
اليسار الشيوعي ..... ورأسمالية الدولة والاشتراكية ..... (4)
-
اليسار الشيوعي ... ورأسمالية الدولة والاشتراكية .....(3)
-
اليسار الشيوعي .... ورأسمالية الدولة والاشتراكية .....(2)
-
اليسار الشيوعي .. ورأسمالية الدولة والاشتراكية .. (1)..
-
مهمة الرئيس جلال الطلباني .. و بيضة القبان .. ؛؛
-
أين يكمن الفشل في النظام الرأسمالي .. (2) ..؟؟
-
أين يكمن الفشل في النظام الرأسمالي ...؟؟
-
السيد بايدن ... وأزمة العراق السياسية ..؟
-
أضواء على الإبادة الجماعية للأرمن في عام 1915 ...
-
الحرب غير المعلنة ... بين اليورو والدولار الأمريكي ....(الأخ
...
-
الحرب غير المعلنة ... بين اليورو والدولار الأمريكي.... (2)
المزيد.....
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|