|
الغول القديم يعصف بالعالم الجديد
مؤيد عبد الستار
الحوار المتمدن-العدد: 255 - 2002 / 9 / 23 - 00:15
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
ليس من الغريب أن يعزو الناس أحداثا كبيرة الى قوى مجهولة بسبب من عدم وضوح الرؤية أو عدم معرفة الظاهرة. يستوي في ذلك العالم والجاهل ، فيوم كان الناس لايعرفون طريقة تكوين المطر ، ذهبوا في تفسيره مذاهب شتى ما انزل الله بها من سلطان ، وحين يجهل الحكماء مصدر مرض ما ،كالانفلاونزا والسرطان ، يسرعون الى القول ان المسبب هو الفيروس ، واذا سألت أي فيروس ؟ سيجيبك أحدهم بحكمة : لاأعرف . وقد نسب العرب قديما الى الغول والعنقاء الكثير من الاساطير رغم انهم قالوا : ثلاثة لاوجود لهم ، الغول والعنقاء والخل الوفي . اليوم يطلع رأسه علينا غول قديم برداء جديد ، اطلق عليه الساسة : الارهاب . دون تعريف واضح لملامحه ، وتحديد دقيق لمرتكبيه ، او ماهية شكله وابعاده ، علما ان الهندسة الاقليدية التي كانت ترسم للشكل ثلاثة ابعاد ، عفى عليها الزمن، واستبدلتها الهندسة الحديثة بالابعاد الاربعة . لقد شهد العالم كيف تحولت المباني العظيمة في نيويورك وواشنطن الى حطام في غضون ساعات قليلة وكأن الامر لايعدو لعبة أطفال تنفذ بجهاز الكومبيوتر . والخوف الكبير يأتي من محاولة قوى عديدة في العالم استثمار هذا الحدث لتحقيق أهداف ظالمة ، ثانوية ، يذهب ضحيتها ، لا الابرياء فقط ، وانما يمتد اثر الكارثة الى جوانب حضارية ، وشعوب مختلفة ، بسبب مصالح ضيقة لقوى متنفذة . والملاحظ في الازمات التي تعصف بالعالم بين وقت وآخر ، ان الاضرار تقع على كاهل دول العالم الثالث ، بينما تستطيع الدول الغنية والمتقدمة الخروج من الازمات بسهولة . وان ماحدث يوم الثلاثاء من دمار في نيويورك وواشنطن ، حري بان يجعل الشعوب والامم تستخلص نتائج ايجابية هامة من هذا الحدث ، ومحاولة البحث عن الاسباب الحقيقية الكامنة وراءه ، ومعالجة تلك الاسباب بحكمة وروية ، أما سرعة الحكم ومحاولة اختزال الامور الى اصغر حجم ، والقاء مسؤولية الحدث على قوى يصعب قيامها بمثل هذا الامر ، واتهام شريحة عريضة من البشر بتهمة ظالمة دون وجه حق ، فذلك مايزيد الامور تعقيدا ، ولايساهم في وضع حد لأي ارهاب او عنف . ان اولى خصائص القاضي ، الحكمة ، ولذلك لايطمئن الخلق الا الى قاض حكيم عادل ، واخشى مانخشاه اليوم ، كشعوب نامية ، هو الحكم المتسرع الذي لايتسم بالعدالة ، لان آثار هكذا حكم ، سوف لاتكون جناية بحق شعوبنا فقط ، وانما قد تمتد ذيول هذا الحكم الى آفاق نجهلها تماما ، ومن ثم تحل الكارثة على المذنب والبريء ويحترق الاخضر واليابس . ان ماحدث في امريكا ، يدعو الى الدهشة ،ان كان الناظر الى الامر ينظر اليه من خارج الاحداث ، ولكن لو نظر الباحث عن الحقيقة ، من داخل الحدث الذي يتسربل به العالم بقاراته الخمس ، لوجدنا ان العنف اصبح سيد الموقف في كافة المجالات ، ابتداء من افلام كارتون الاطفال ، ومدارس الصبيان التي يحمل فيها الاولاد اسلحة نارية يقتلون لداتهم بها ، حتى السياسات التي تسلكها الدول الاعضاء في الامم المتحدة ، حيث لاتتوانى عن استخدام الطائرات الحديثة والقنابل المحرمة ضد المدنيين . ان خطأ بسيطا ترتكبه دولة كبيرة ، تكون له نتائج غير بسيطة ، بل ومركبة احيانا وقد تكون خطيرة ، فما قام به الاتحاد السوفيتي من غزو لافغانستان قبل ثلاثة عقود ، كان يحمل جرثومة نهاية الاتحاد السوفياتي ، الذي تفكك بشكل متسارع.ولذلك يحسب الكبير حسابا دقيقا ومترويا لاصغر خطوة يخطوها بشكل يفوق حسابات الصغير، الذي يقع في مطبات مبكية ومضحكة احيانا . كان من أولويات الادارة الامريكية ، وهي تواجه هذه الكارثة التي ألمت بها ، ان تتشاور مع الجميع قبل رفع النطع والسيف في وجه الاخرين ، الذين لم تثبت عليهم الجريمة بعد ، فان كان مثل هذه الكارثة لايقدم لامريكا عبرة تستحق منها وقفة مع الاخرين ، فان ذلك مدعاة للاستغراب ، لان العديد من الدول ستنأى بنفسها عن تحمل نتائج ما تقوم به الولايات المتحدة الامريكية مستقبلا . ان الضرر الذي اصاب المجتمع الامريكي ، حقيق بالدراسة الهادئة ، من اجل وضع اسس جديدة ، غير التي تسير عليها اليوم ، الامم المتحدة ، مادامت هي المعقل الذي يتشبث به العالم المتقدم تكنلوجيا ، من اجل فرض احكامه. ويجب على العالم اقرار حق جميع الدول والشعوب ، في صناعة القرار الدولي ، كي ينحسر الظلم والعدوان ، وتنجو الشعوب الصغيرة والدول الفقيرة من هيمنة الاقوياء والاغنياء الذين يستطيعون فرض مايريدون بقوة السلاح، وبقوة قرارات النقض ( الفيتو ) على غيرهم ممن لايملكون هذا الحق . ان ماحدث اشبه بالضربة الاولى لناقوس الخطر ، وسوف لن تكون الضربة الاخيرة ، مادام من يعالج الامور لاينظر بعين العدالة والحكمة لمايحدث ولما يقوم به من اعمال .
#مؤيد_عبد_الستار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرئيس المصري يتلقى دعوة لحضور احتفالات الذكرى الثمانين للنص
...
-
روبيو: علينا أن نمارس مزيدا من الضغط على إيران
-
روبيو: وكالة USAID تقوض عمل الحكومة الأمريكية
-
طلاب من جامعة كولومبيا يقاضون الإدارة بعد إيقافهم بسبب مظاهر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في خمس مقاطعات أوكرانية
-
مصر.. تفاصيل حكم ببراءة نجل الداعية الشهير محمد حسان في قضية
...
-
خبير عسكري: القوات الأوكرانية تعاني من مشكلة على خط الجبهة و
...
-
روبيو: الولايات المتحدة تدرس فرض إجراءات إضافية ضد الصين
-
فون دير لاين: الاتحاد الأوروبي سيرد على واشنطن بشكل صارم في
...
-
فيتالي نعومكين: أجد صعوبة في تصديق أن إسرائيل ستتخلى عن ممار
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|