نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1097 - 2005 / 2 / 2 - 10:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مواجهـــــة مع الذات
وشهد شاهد من أهله.
يصر البعض وبكل أسف على ادعاء العصمة والتفرد ونزعة التميز ,والمكابرة في عدم الإعتراف بالأخطاء وتبني الأفكار الهدامة والتكفيرية الشمولية التي لا تعترف لأحد بحق الحياة ,وتخزن شحنات مرعبة من الحقد والغلو والتطرف ضد كل أبناء الأوطان وتدعي التمثيل الشرعي والوحيد للشعب والدين والله,وتصادر الواقع والناس ,وهي تمارس بذلك نفس الأخطاء القاتلةالتي وقع بها الفكر الشمولي الذي كان له بعض الفضل إلى حد ما في ظهور هذه القوى القاصرة نظريا وذات الرؤى الجامدة الأحادية الميتافيزيقية البعيدة عن الواقع , وعن تفهم طبيعة الحياة والتطورات والمستجدات ,والراغبة بالعودة مئات السنين إلى الوراء والإنطلاق من نفس المربع الأول الكئيب الذي أوصلنا إلى هذه الأنفاق المسدودات في عملية سيزيفية عبثية تعني الكثير من المغامرة والمراهقة السياسية الظاهرة التي لا يحميها التبرقع بالشعارات الدينية التي قد خدعت و تخدع بعض الجهلاء إلى الآن.
وعندما يتكلم المعارضون لهذا التيار ويحذرون من خطورته ,فالأمر مبرر أن تلصق بهم كل الإتهامات والشتائم من التكفير ,والعلمانية ,والإلحاد ,والخروج من الملة ,والدعوة للقتل والموت والإستئصال.أما حين يشهد شاهد من "أهلهم",ويقف على يمينهم,وقبلها وزير الداخلية أيضا الذين كانوا يعيشون بكنفه ودعمه يوما ما,وهذا ما أثار حفيظة واعتراض شديد من زعمائهم الروحيين الذين ردوا متحفظين على تصريحات الوزير,وبالنظر لما تشهده بعض الساحات والشوارع من مواجهات دموية عنيفة وعلى الهواء مباشرة في البلاد التي استباحوها فكريا وفرضوا رؤاهم الضيقة وأسلوبهم الأسود المقيت عليها, والإعتقال اليومي لهم في البلاد التي يشكلون فيها أغلبية مطلقة,وحظر نشاطهم كليا ,وتضم قياداتهم,حيث تم اليوم بالذات اعتقال عدد منهم ,وإن كنت, وبالمطلق, ضد الحلول الأمنية والقمعية الإستئصالية ,فإن الأمر يصبح مدعاة للتساؤل والدهشة وبحاجة لكثير من المراجعة والقراءةوإعادة الحسابات,وضرورة ملحة لإعادة التمعن والتفكير من قبل حكمائهم وعقلائهم في السبب الذي يجعل الجميع يشكك بنواياهم وسلوكهم وتاريخهم,والذين لانشك في امتلاكهم للحكمة والعقل وبعد النظر.
فقد اتهم عالم الدين السعودي البارز عبد المحسن العبيكان,وفي ذروة أيضا ماتشهده الكويت اليوم من اشتباكات دموية مؤسفة, فكر الأخوان المسلمين بأنه السبب وراء حالات العنف والاغتيالات والتفجيرات المنافية لكل قيم الدين. وقال العبيكان في تصريح لصحيفة الرياض السعودية نشرته أمس الإثنين أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن تحول تحولاً كبيراً عندما ذهب إلي أفغانستان وتأثر تأثراً كبيراً بفكر تيار الأخوان ، لافتا إلي أن فكر الأخوان وجد في أفغانستان أرضاً خصبة لتسميم أفكار المجاهدين آنذاك حتى وصل الحال إلى ما وصلنا إليه اليوم . وأشار إلي أن فكر الأخوان الذي تغلغل داخل التنظيم، وبوجود الدكتور أيمن الظواهري الذي حمل كل قواعد العنف داخل البلاد الإسلامية استطاع أن ينقل هذا الفكر إلي الجهاديين في أفغانستان ليتحولوا عن مسارهم إلي طريق العنف والتفجيرات . وقال العبيكان ان بن لادن تحول تحولاً كبيراً عندما ذهب إلي أفغانستان وتأثر بفكر تيار الأخوان الذين أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم حيث دخلوا الأخوان مع التنظيم في تدريب الشباب ليصبحوا بعد ذلك موجهين إلي التكفير والفكر الإرهابي . وأعرب عن قلقه الكبير مما يحدث في العراق وأن كل الظواهر تبين أن العراق سيتحول إلي مفرزة تكرر المأساة التي نعاني منها الآن ولا بد من تدخل قوي لمنع وصول الشباب إلي بؤر الإرهاب في العراق . وقال العبيكان ان ما يحدث في العراق هوأعمال إرهابية وليست جهادية.
وهذا أيضا حسب ماأوردته بتصرف صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن اليوم,والتي تعتبر من أشد مؤيدي فكر القاعدة والمروجين لفكر "الشيخ" أسامة,بطقوس من التهليل والإعجاب وتسبيل العيون الناعسات, وكلمة "الشيخ" هي الصفة اللصيقة التي يطلقها مسؤولو هذه الجريدة على أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة والعقل المدبر Mastermind لغزوتي نيويورك وواشنطون.فهل انتهى شهر العسل الفكري بين الجميع ؟ كما تنتهي كل حالات الزواج العرفي الرائجة هذه الأيام بفضائح مجلجلة وثرثرات ونشر للغسيل والأوساخ؟ وأنها كانت فقط لاعتبارات سلطوية ودولارية واضحة ,وحيث تعج "المحاكم",وأروقة الأحزاب بعشرات حالات "الطلاق السياسي",وبداية لغزل وعشق جديد وعقد قرانات وتحالفات ,لا تخفي طقوسها المبهمة هشاشتها وقابليتها للإنفصال قبل إكمال العدة والتمتع "بعسل" اللقاءات. وهل عاد الجميع إلى جادة الصواب بعدما أدركو عقم هذا التفكير والنهج الدموي في فرض وانتزاع مكاسب سياسية؟
لقد بدا واضحا ومن بديهيات الأمور أن رد الفعل ودائما ,ومن منطق فيزيائي وعلمي ,بحجم الفعل ,وربما أشد في بعض الأوقات. ولماذا يصم البعض أذنيه عن كل هذه الحقائق الماثلات ,ويغوص في بحور الماضي التي لاتعني سوى الغرق والمضي قدما إلى التهلكة وعالم النسيان.ولاشك أن هذه الشهادات تأتي في وضع متفجر ومشحون ووصلت فيه الأمور إلى مراحل مزرية من الفلتان والفوضى والخراب,ولاأخفيكم بأنها قد تكون ناتجة عن ضغط هذه الظروف,وربما بدوافع سياسية وإرضاء "لأحد ما",ولكنها تشكل بداية لمرحلة جديدة من النظرة الحقيقية للدين ,وعودته إلى سابق عهده بعد أن اختطفته الجماعات المعروفة لأسباب سلطوية والوثوب للكراسي وزجته في أتون صراعات مريرة لاطائل منها ,وتفسيره بناء على تلك الطموحات الدنوية ودغدغة عواطف البسطاء.والشيء المهم والأهم ,والذي أود أن أهمس فيه بإذن البعض إن بعض الأمور مرهونة إلى حد ما بقوى وبموافقات دولية فاعلة لن تسمح لإي كان باللعب بالتوازنات والتركيبات القائمة ولو وضعت كل ثقلها بالميزان, وإحداث أية تغييرات لاتتوافق مع أمزجة وتصورات "أصحاب القرار".ولقد جعلت التجربة العراقية "الجميع" يعدون للألف وربما للمليون قبل التحرك ولو ميلليمتر واحد للأمام.مع التمنيات القلبية والصادقة بالتئام هذا الجرح النازف وخروج العراق سليما معافى من هذه المعمعة.
إنها دعوة صادقة ومن القلب وللجميع ,وبرغم الماضي المؤلم الكئيب ,وعلى الجميع,حيث كان الجميع خاسرا بكل المقاييس والإعتبارات, أن ينبذ التعصب ,والحقد ,والغلو والإمتثال لجميع دعوات المصالحة والتسامح ,وخاصة من رجال الدين كهؤلاء وأمثالهم الذين أعربوا بوضوح وجلاء عن عقم ولا جدوى هذه الحركات والمحاولات وخلوها من أية حكمة وعجزها عن تحقيق أية أهداف وابتعادها عن الدين والله .ولقد مر البعض ولاشك بهذه التجربة الإنتحارية,ولن أردد ماذهب إليه البعض المتطرفين أيضا ,لأن الإيمان بالصدور ,والله سبحانه وتعالى هو من يحاسب الناس أجمعين ,ويوزعهم بين السعير والجنان ,ولم تكن في يوم من مهام عبيد لله والبشر كما يفعل بعض الغلاة ,حيث قرأت وفي أكثر من موقع ومكان من يرسل الناس أفواجا إلى جهنم وبئس المصير ,ويكفرهم ويخرجهم من كل الأديان.وأرجو ألا ياتي اليوم الذي يقوم فيه أحد المقربين منه بدحض وتفنيد كل ماقال ,تماما كما فعل الشيخ الفاضل ,وكثير أيضا من الشيوخ المتنورين العقلاء.دعوة لبداية جديدة وانطلاقة عصرية,ليست محصورة ببلد أو مكان ولكن كلمة عامة وشاملة لمراجعة النظر بهذا التيار,ونبذ لغة العنف والدم الذي بدأ يأكل نفسه ويتلاشى مع الأيام.ونؤسس لتقاليد جديدة من الحوار والتفاهم والنقاش ,واحترام وقبول الآخر وعدم إلغائه وحق الجميع في البقاء .
إنها اللحظات الصعبة,ولكن المثمرة, للمراجعة والوقوف مع الذات....فلا تضيعوها.
نضال نعيسة....كاتب سوري مستقل
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟