أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صاحب الربيعي - انعدام سُبل الحوار والنقاش مع الإنسان المقهور















المزيد.....

انعدام سُبل الحوار والنقاش مع الإنسان المقهور


صاحب الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1097 - 2005 / 2 / 2 - 10:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يتعرض الإنسان في خضم حياته العامة في المجتمع المقهور إلى نوعين من الضغوط تغير مجرى حياته بالكامل، وتنقله من عالم إلى عالم آخر وينعكس ذلك على مجمل سلوكه وتصرفاته مع محيطه الخاص والعام. والضغط الأول (نفسي) يتعلق بظروف نشأته وحياته الخاصة، وتختلف مسبباته من شخص لآخر. والضغط الثاني، ضغط (اجتماعي) تعاني منه غالبية أبناء المجتمع المقهور بسبب حالة القهر والعنف المسلط عليهم من سلطة الاستبداد بغرض التحكم بسلوكهم وتصرفاتهم وولاءهم.
الفرق بين علم النفس والاجتماع يكمن في أن الأول يدرس المشاكل الخاصة للأفراد، والثاني يختص بدراسة السلوكيات والتصرفات العامة في المجتمع. وليس هناك ما يثبت أن كافة أبناء المجتمع يعانون من أمراض نفسية، ولكن هناك مؤشرات قوية على أن كافة أبناء المجتمع يعانون من أمراض اجتماعية عامة وشاملة تحكم تصرفاتهم وسلوكهم نتيجة تعرضهم للعنف والإرهاب لمدة طويلة.
وعند تلازم حالتي المرض النفسي والاجتماعي، تصبح آثارهما مدمرة وتعكسه بوضوح تصرفات وسلوك الإنسان المقهور ضد المجتمع. وتختلف درجة هذا الانعكاس السلبي، باختلاف تأثر واستجابة الفرد لمجمل الضغوط النفسية والاجتماعية.
ويعاني الإنسان المقهور عموماً من أمراض ضغط الدم والقلق والتوتر والصداع المزمن.......وينعكس ذلك على مجمل سلوكه وتصرفاته، فالإنسان الذي مسخت إنسانيته من خلال القهر والاستبداد يتصرف بسلوك مضاد وخالي من الإنسانية ضد الآخرين. خاصة مع من هم أقل قوة منه ويمكن أن يمارس ذات السلوك حال امتلاكه القوة اللازمة مع المتسلط نفسه، وبالعكس فأنه يخضع ويذعن للإنسان القوي.
إن الإنسان المقهور وما يعاني من أمراض نفسية واجتماعية متلازمة ومستفحلة، لايمكنه الاستمرار في حوار هادئ ويرتفع صوته بشكل مستمر مع تزايد حدة النقاش. ويرفض الآخر بمجرد مخالفته في الرأي، وتنم انفعالاته وحركة يديه ووجهه الآنية عن حالة عنف وهيمنة ولايتورع عن استخدام عضلاته لإسكات الآخر.
ويصف ((مصطفى حجازي)) سلوك وتصرفات الإنسان المقهور أثناء الحوار والمناقشة قائلاً:" لايتمكن الإنسان المقهور من الاستمرار في حوار هادئ، فسرعان ما يحس بانعدام إمكانية التفاهم، فتغش بصيرته موجة من الانفعال. ويأخذ الحوار شكلاً من أشكال السباب، ثم يتحول إلى التهديد وفيما بعد يصل إلى حالة من الاشتباك ليأخذ شكله الحدي باستخدام العضلات أو السلاح بسهولة مذهلة (في ثورة من الغضب)".
إن حالة العجز والوهن من إمكانية تغيير الواقع الذي يلازم الإنسان المقهور، تجعله يعاني من الإحباط واليأس وعدم القدرة على تحقيق الذات. والخشية من الفشل في خوض التنافس الاجتماعي، تدفعه إلى الخيبة والانكسار وتسفر عن تنامي هواجس الحقد والكراهية لديه ضد المجتمع باعتباره المسؤول المباشر عن هزيمة كينونته.
وكلما زادت هواجس الحقد والكراهية لدى الإنسان المحبط والمقهور، كلما طغت على سلوكه وتصرفاته أشكال من العنف والاستبداد ضد الأفراد المحيطين به وتحديداً المحققين للنجاح في أعمالهم وذواتهم في المجتمع كمحاولة خارجة عن حدود الوعي لفرض حالة الفشل على الجميع لتحقيق التوازن للذات المهزومة.
إن الانفعالات المصحوبة بالتهديد والعنف (المباشر وغير المباشر) التي تصاحب النقاش مع الإنسان المقهور والمريض (نفسياً واجتماعياً) هي تعبير في اللاوعي عن حالة الرفض للرأي المخالف، لإحساسه العميق بحالة التحجيم والرفض الاجتماعي الساعية للحط من قدره كذات.
في هذا الإطار من المناقشة والحوار، يستحيل الوصول إلى نتيجة منطقية دون الرضوخ والاستسلام لرأي الإنسان الذي يعاني من حالة الاضطراب. وهذه النتيجة تسعده كثيراً وتجعله يعتقد في اللاوعي أنه حقق انتصاراً ماحقاً على الطرف الآخر، مما يتولد لديه إحساساً كاذباً بتحقيق الذات المهزومة وغير القادرة على خوض التنافس في المجتمع.
ويطلق ((مصطفى حجازي)) على هذا النوع من النقاش حوار الطرشان قائلاً:" أنه تعبير عن حالة انهيار لعلاقة التفاعل وانكفاء على الذاتية ذات الانفعالات المفرطة التي تحول الآخر إلى مجرد عقبة تعوق الوصول إلى الهدف الشخصي. ويتحول النقاش إلى صراخ وخصام تصاعدياًً نحو مزيد من تدهور العلاقة وانهيار المنطق، ويتحول الصراخ إلى حالة من السباب، ويسير التدهور نحو استخدام اللغة الحراكية، لغة القوة والإخضاع بعد فشل حالة الإقناع".
ويُفضل عدم الخوض في النقاش أو الحوار مع هكذا إنسان، والموافقة على آرائه دون اعتراض بغرض عدم التسبب في إيذائه نفسياً وبالتالي تصعيد حالة العدوانية والحقد لديه ضد الآخرين. كما يتوجب عدم تجاهله أو تهميشه، لأن ذلك يسبب له حالة من الانطواء على الذات ويكرس في ذاته إحساساً شريراً ضد المجتمع باعتباره المسؤول المباشر على هزيمته والحط من قدر كينونته. ويجعله ينظر إلى كافة أفراد المجتمع، باعتبارهم أعداء متواطئين ومتفقين على تحطيمه وإذلاله لإخضاعه إلى مشيئتهم.
عموماً أن الأمراض النفسية التي يتعرض لها الإنسان خلال مسيرة حياته، يمكن معالجتها من خلال طلب المساعدة من المختصين في هذا الجانب، وبالتالي يمكن أن يشفى منها المريض. وتولِ المجتمعات الغربية العناية اللازمة لهذا الأمر، وتتعاطى إيجابياً مع الطب النفسي. وبالضد من ذلك في المجتمعات المتخلفة نجد ليس للطب النفسي دوراً في المجتمع بالرغم من الحاجة الماسة إليه. لما يعاني منه أفراد المجتمع من أمراض نفسية نتيجة النشأة غير الطبيعية والتربية غير السوية التي تتخذ من أساليب الضرب والعقاب الصارم للأطفال سبيلاً لتقويمهم وتربيتهم.
في حين أن الأمراض التي يعاني منها المجتمع المقهور تحتاج إلى إصلاحات اجتماعية كبيرة، بل إلى ثورة حقيقية في كل مفاصل الحياة واجتثاث مسببات العنف والقهر والفقر والجهل. وهذا الأمر يحتاج إلى سنوات عديدة، قد تفوق بعددها سنوات القهر والاضطهاد التي تعرض لها المجتمع، وبإشراف علماء مختصين في شؤون المجتمع يعدون برامجناً قصير وطويلة الأجل من أجل إنقاذ المجتمع من براثن العنف والعنف المضاد المغروسة في اللاوعي وزرع بدلها مفاهيم الحب والتسامح.
ويتوجب أن تركز البرامج الطويل الأجل على جيل الأطفال والمراهقين، لسرعة استجابتهم للمعالجة وعدم تعرضهم المباشر للعنف والاستبداد الاجتماعي. إن اجتثاث مسببات العنف والقهر من المجتمع، كفيلاً بخلق أجواء سليمة تسودها المحبة والتسامح.
وهذا الأمر لايتحقق إلا بخلق أجواء ديمقراطية، يحصل من خلالها الفرد على الحرية في التعبير وعلى فرصة لتحقيق ذاته والمشاركة الايجابية في عملية البناء والتقدم الاجتماعي. مما يوثق من أواصر العلاقة بينه وبين أفراد المجتمع، ويحد من أوجه الحقد والكراهية التي تنتاب الفرد عندما يتولد لديه إحساساً بحالة عدائية المجتمع ضده!.



#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النزاعات العرقية والمذهبية في المجتمعات المقهورة نتاج سلطة ا ...
- تنامي ظاهرة الحقد والعدوانية في المجتمعات المتخلفة
- شرعنة العنف والقتل في الدولة الإرهابية
- العنف والإرهاب نتاج طبيعي للتخلف والاستبداد
- سلطة القانون وآليات الضبط الاجتماعي في المجتمعات المتخلفة
- الطاغية المستبد والشعب المقهور
- الاستبداد والعنف وانعكاسه على المجتمع
- الشعوب المقهورة والزعيم المنقذ
- العسكرة والأدلجة في الثقافة والإبداع
- نتائج العنف والاستبداد على الشعوب المقهورة
- الحثالات والرعاع في المجتمع المادة الخام للإرهاب
- موقف الفلسفة من الشعر والشعراء
- سلطة الطغاة والشعوب المضطهدة
- السياسيون وراء قضبان العدالة
- أنماط الوعي والإدراك في الصراع الاجتماعي
- إعدام شيخ الفلاسفة بكأس القانون وسَّم السياسة
- مفهوم الثقافة والمثقف
- الادعاء والتهويل المعرفي في الوسط السياسي والثقافي
- صدر كتاب جديد للمؤلف صاحب الربيعي بعنوان (المثقف بين المهادن ...
- البعد الثالث في التوجهات الجديدة في العالم


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صاحب الربيعي - انعدام سُبل الحوار والنقاش مع الإنسان المقهور