خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3740 - 2012 / 5 / 27 - 15:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شك ان نتيجة انتخابات الجولة الاولى في مصر, اسفرت عن هزيمة القوى اللبرالية التي تدعي الثورية, ونصرا لقوى الشد العكسي الرجعية في مصر, فكلا من الدكتور محمد مرسي مرشح حزب العدالة وجماعة الاخوان المسلمين, اوالفريق احمد شفيق المتهم بانه مرشح فلول الحزب الوطني, ليس تقدميا, وان جاز القول ان الفريق احمد شفيق ذي اتجاه اصلاحي, على العكس من اتجاه الدكتور محمد مرسي المغرق بالرجعية, علما انه كذلك لا يمكن القول ان اي مرشح اخر من الذين لم يسعفهم التصويت, كان تقدميا بالمعنى فوق الاصلاحي, وبعضهم كان نسخة عن رجعية محمد مرسي,
اعلم بالطبع ان الكثير لن يعجبهم هذا الراي. نظرا للارباك النظري الذي وقعوا ضحيته, بسبب كم التزييف الهائل الذي لحق بالمقولات النظرية التي شغلت حوار القوى المصرية, حيث نجحت قوى الثورة المضادة في مصر في تغييب المصطلح النظري السياسي الدقيق واحلت محله المصطلحات العامة الفضفاضة تتيح لاي قوة مصرية ان تستظل مظلتها, وان تمرر من تحتها مناوراتها السياسية الخاصة في محاولة الوصول للسلطة والحكم,
فقد جمعت القوى المصرية جميعها على اختلاف اتجاهاتها نفسها تحت مسمى الثورة والثوار, وبات من المتاح لذوي الفكر الماركسي و المرشد العام للاخوان المسلمين ان يسمي نفسه ثائرا وان يتكلم باسم _ عملية ثورية واحدة _, وان يجعل من توحده مع القوى الاخرى في حركة الانتفاض مبررا للادعاء بتمثيل اهداف ؟ الثورة والثوار مدعيا وجود وحدة اتجاه ومصالح بين كل القوى التي تواجدت في ميدان التحرير, علما ان الاخوان المسلمين والسلفيين من بين هذه القوى اعلنت طلاقها من ميدان التحرير وغادرت وحدته وشعاراته, وانفردت عنه مطلبا وحركة مناورة كما فعل الاخوان المسلمين والسلفيين بعد فوزهم الساحق في معركة الانتخابات الشرعية, بل انهم اعلنوا تعارض الشرعية البرلمانية مع شرعية الميدان, لنجدهم بصورة شائنة الان يطالبون باعادة توحيد قوى الثورة وثوار ميدان التحرير الذين اعلنوا سابقا طلاقهم منه, وذلك لان نتائج انتخابات منصب رئاسة الجمهورية اجبرتهم للدعوة الى اعادة لحمة التحالف مع هذه القوى حين فوجئوا بجولة اعادة انتخابات منصب الرئاسة بين مرشحهم الدكتور محمد مرسي وبين الفريق احمد شفيق مرشح الفلول ( كما يدعون ), وعادوا يتحدثون عن وحدة قوى الثورة ووحدة اهداف الثوار؟ فما الذي يدفعهم لذلك؟
قبل ان نجيب على هذا السؤال لا بد من الاشارة الى حالة ( الهبل السياسي ) التي تلم بالقوى التي تدعي التقدمية والثورية وخاصة فئة الشباب المصري المأخوذين بجمالية مشهد الانتفاض, والاحساس بتفوق القوة, دون محاولة منهم لتحسس ما يجري في الجهة الخلفية للصورة والتي يمكن تلمسها من محاولة التسلح الحثيثة التي تقوم بها القوى الدينية, ودون ان يدفعهم ذلك للتساؤل عن مدلول كشف اجهزة الامن شبه اليومي عن محاولات تهريب السلاح لمصر, وليس السلاح الفردي فقط بل والاسلحة المتوسطة والثقيلة ايضا, الامر الذي يكشف وجود توجه سري من هذه القوى لبناء قوة ميليشياتية في اطار وتحت مظلة حالة الفوضى الراهنة, وذلك يؤكد ان مشوار الفوضى في مصر لن ينتهي عند حسم التنافس على منصب الرئاسة فيها الشهر القادم او في اثبات صدق نية نقل السلطة من المجلس العسكري الى رئاسة مدنية, الا.... اذا ...... كانت نقلت هذه السلطة للاخوان المسلمين, بل لربما يكون حسم هذه الانتخابات هو مدخل مرحلة اخرى قادمة, طابعها الرئئيسي تفجر العنف, وهو ما تهدد منذ الان هذه القوى التي لن تعدم تقديم مبررات اللجوء اليه من ملامح الصورة السياسية المصرية الراهنة, بل ومن ملامح المفاهيم المغلوطة للمقولة الديموقراطية المهيمنة الان على الشارع المصري,
ان الشباب المصري الثائر طيب الطوية وادراكه غير كاف بالمدى الغريزي الذي يتملك روح الاستحواذ على السلطة عند جماعة الاخوان المسلمين وتيارات الاسلام السياسي خاصة حين تشعر بتوفر الفرصة لذلك, ليس في مصر فحسب بل وفي المواقع الاخرى في المنطقة ايضا, واول ما يغادرونه من مبادئهم حين ذك هو مبدأ قدسية الدين وحرمة الدم وشفافية الاخلاق, اما المقولة الوطنية فهي اصلا ليست من بنائهم الفكري حتى نقول بمغادرتهم لها, فلا ترتكبوا يا شباب مصر الثائر الخطأ الذي لا نزال نرتكبه في فلسطين بالقول ان الاخوان المسلمين جزءا من النسيج الوطني,
ان مضامين المقولة الوطنية لا تكتسب بالانتساب العضوي البيولوجي للنسيج القومي حيث يمكن حينها ان يقال ان مضامين المقولة الوطنية تشملهم, فمضامين المقولة الوطنية مضامين منهجية تتعلق بادراك الحاجة القومية لتجاوز معيقات التحرر الوطني والديموقراطي, وهو ما تخلوا عقلانيتهم منه, ونقول ذلك دون ان نسقط عنهم مقولة المواطنة, و امتياز مباشرة الحقوق السياسية, الذي هو الجوهر العميق لمعنى المواطنة, اما هم فان عملهم على اقرار قانون العزل السياسي والذي يعني امتلاك الحق في اقرار تجريد المصري من _ مواطنته_ بحرمانه من مباشرة حقوقه السياسية وحيث جروكم خلفهم للوقوع في هذه الخطأبان استغلوا مشاعركم ضد رموز النظام السابق, فهم لم يكن هدفهم من اقرار هذا القانون سوى تقليص حقوق غيرهم الديموقراطية لصالحهم هم, وتقليص قدرة الغير التنافسية معهم على الحكم, فهل ؟ ستتفاجئون تاليا اذا وسعوا نطاق عمل قانون العزل السياسي ليشمل ( المسيحيين ) باعتبارهم اهل ذمة منقوصي حقوق المواطنة طائفيا؟ والا فما معنى رفضهم للدولة المدنية واصرارهم على ان تكون مباديء الدين هي مرجعية الدستور؟؟؟؟؟؟؟؟ اي مفسر الخلافات الدستورية؟
ان حداثة خبرة شباب الثورة المصرية السياسية يعمقها نقص المامهم بالتجربة الثورية العالمية ويتجلى ذلك في ترديدهم كثير من المقولات النظرية التي لم يسعفهم الوقت للتمعن في مضامينها العميقة, كقبولهم مثلا تصنيف عهد الرئيس مبارك باعتباره حكم ديكتاتورية عسكري, دون قراءة التحولات التي طرأت على التركيب الاقتصادي الاجتماعي السياسي للنظام المصري منذ عهد الملكية مرورا بعهدي عبد الناصر وانور السادات ( بداية الانفتاح الاقتصادي ) وانتهاءا بعهد مبارك, وهي تحولات كانت ضحاياها الطبقات الشعبية والمؤسسة العسكرية المصرية والاقتصاد الوطني المصري, حيث انتهت هذه التحولات الى تنامي دولة القمع البوليسي المدنية التي يحكمها تحالف بيروقراطية الدولة ( السياسة ) واثرياء الكمبرادور وكلاء الصناعات الاجنبية ( المال )
ان تغلغل النفوذ الصهيوني داخل منظومة القرار السياسي, وداخل منظومة القرار الاقتصادي المصري وتشكله في صيغة وصورة لوبي سياسي اقتصادي في عهد مبارك, عمل على تهميش وزن دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية في مصر, الى درجة من السوء انعكست على صورة تخلف حدائة بنية ومعتقدات وقدرات هذه المؤسسة, حيث لم يحد من الخسائر التي لحقت بهذه المؤسسة سوى وطنية منتسبيها, ولهذا السبب حمت هذه المؤسسة الثورة لانها رات فيها فرصة انقاذ ما يمكن انقاذه من الدور الوطني لهذه المؤسسة, لذلك لم يكن غريبا خلال الفترة من 25 يناير وحتى الان ان نرى ان اعلام الاجندة الاجنبية كان يصر ويدفع باتجاه ان تمتد يد الفوضى والتخريب لضرب المؤسسة العسكرية المصرية, باداعاء انها مؤسسة قمعية بوليسية وفي الغاء وتغييب الفارق بين مؤسستها ومؤسسة وزارة الداخلية, وانها من مؤسسات النظام القديم الذي لا يستكمل هدمه الا بهدمها, ( استكمالا لتحقيق اهداف الثورة) كما ادعوا,
اننا نؤكد على ان استكمال مهمة الثورة يجب ان يكون من مدخل التمييز بين الاتجاه التقدمي والاتجاه الرجعي وبين الاتجاه الوطني واتجاه وكلاء النفوذ الامريكي الصهيوني والذين عقدوا تحالفات لا وطنية وقحة مع اعداء مصر,
ان معيقات ( التحرر الحضاري ) في مصر هي:
اولا : المعيق الطائفي الذي يستمر في اعادة انتاج الانقسام طائفيا في وحدة التوجه القومي المصري ويستغله الحكام كادة من ادوات السيطرة على مجتمع مصر, وخطورة هذا المعيق تتفاقم حين يتقاطع مع تدخلات الاجندات الاجنبية في الشان القومي, وتاريخ فلسطين كله قائم على ذلك وبعض تاريخ مصر ايضا
ثانيا : المعيق الطبقي, والمتعلق بانتقال ثقل البرجوازية السياسي من هيمنة البرجوازية البيروقراطية المستقلة في عهد عبد الناصر وبعض عهد السادات الى هيمنة الكمبرادور المدني وكلاء الصناعات والنفوذ الاجنب الذين اصبحوا في عهد مبارك هم المكون الرئيسي لطبقة البرجوازية المصرية والذين يسحقون المقدار المتحقق سابقا من هامش العدالة الاجتماعية والحريات الديموقراطية, من اجل الاستمرار في ضرب الصناعة الوطنية والاستمرار في الاستحواذ على مجمل الدخل القومي المصري
ثالثا المعيق الاقتصادي, والذي يتمثل بعمل الكمبرادور والبيروقراطية المصرية على تفكيك استقلالية الاقتصاد المصري واعاقة عملية تنميته كضمانة للابقاء على حالة التخلف ف مصر يعيد النظام السياسي اعادة انتاجها فيها, مما يبقى على تفوق الانتاج السلعي الاجنبي في مواجهة الانتاج الوطني المصر الامر الذي يضمن استمرار تلقي الكمبرادور عمولاته من الصناعات الاجنبية
ان المسالة لا تتعلق اذن بالاشخاص على اهمية هذا العامل بل تتعلق بالصورة الدستورية التي يجب ان ترسم ملامح مصر المستقبل وان تبقيها على مسار التحرر الحضاري, وهي الصورة التي يجب على القوى الثورية الشابة ان تستكمل رسم صورتها بالاقبال على قراءة تاريخ عملية الانصهار المجتمعي المصري في صيغة قومية متقلة
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟