نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1096 - 2005 / 2 / 1 - 11:16
المحور:
حقوق الانسان
المحرقةHolocaust.هوما أطلقه اليهود,علىحد زعمهم, علىعمليات الإبادة الجماعية التي طالتهم.
ألم أقل لكم سابقا بأننا أصبحنا مسخرة وملطشة أممية عولمية عمومية وللجميع؟ و"اللي طالع يضرب, واللي نازل يضرب", وما علينا سوى التبرك بأيادي الضاربين والسؤال هل من مزيد؟ناهيك عن أن الجميع يستهبلنا ومنذ فجر التاريخ في الإعلام,وأدمغتنا مستباحة- بحمد الله - لكل الحكواتية الحالمين برواية القصص الخرافية على نمط ليلى والذئب لكي ننام قريري العينين وبدون هز وغناء.ومناسبة هذا الكلام أنه "احتفل" البعض منذ بضعة أيام بذكرى الهولوكوست, وكل على طريقته, في إحياء هذه المناسبة التي تصور على أنها النكبة البشرية الوحيدة في هذا العصر الرومانسي الحالم.وأما أوشفيتز, فهو اسم معسكر الإعتقال الجماعي الذي احتجز فيه ,وعلى عهدة الرواة إياهم,اليهود في بولندا حيث تم إحراقهم وتصفيتهم في الأفران المشهورة. وأما الهولوكوستات الشمولية وحفلات الشواء الأخرى المستمرة بنجاح فلم تجد من يذكرها بنفس الطريقة الإحتفالية والتهليلية والإبتهالية تلك.
فلقد كان نبأ الهولوكوست خبرا رئيسا في معظم نشرات الأخبار الغربية مع تحليل وتعليق,وفي بعض كتابات وتحليلات ومعلقات الشعراء العربان .كما وصلني على البريد الإليكتروني في أكثر من خدمة أخبارية وبلغة الضاد كما في اللغات العولميات الأخريات ومن أكثر من وكالة وفضائية ونشرة. أما كوفي عنان الذي تفوح منه رائحة فضائح برنامج النفط مقابل الغذاء ,وصولات وجولات ومغامرات ابنه كوجو الدولارية الفضائحية, فقد قال قبل جلسة عقدتها الجمعية العامة لإحياء الذكرى الستين لتحرير معسكر أوشفيتز من النازيين "إن هذا الشر الذي أهلك ستة ملايين يهودي، وآخرين، في هذه المعسكرات ما زال يهددنا جميعا اليوم"، وتابع "إنه ليس شيئا يمكننا أن ننساه كماض بعيد". وهذا حسب البي بي سي. ومما يبرز أهمية تلك الجلسة العدد الضخم من وزراء الخارجية وغيرهم من الدبلوماسيين رفيعي المستوى الذين حضروها. وهذه أول جلسة من نوعها على الإطلاق تعقدها الجمعية العامة بعد قانون بوش الشهير,فيما كان عدد الحضور من وزراء الخارجية أمرا لافتا وباعثا على الدهشة في آن ,فهل هذا شكل من أشكال تطبيق قانون معاداة السامية؟ وأول الغيث مطر. فيما انبرى فيض من الكتاب والمعلقين لتقديم تفصيل ممل, وتشريح شامل لهذا الحدث معتبرين إياه وبشكل "إفتراضي وعفوي" موضع اهتمامنا وترقبنا له.فيما طالب الرئيس الامريكي جورج ووكر بوش عندما صادق على قانون وزارة الخارجية الامريكية بمراقبة معاداة السامية في أنحاء العالم, وتصنيف الدول سنويا وفقا لمعاملتها لليهود في اوكتوبر الماضي وأصبح هذا القانون نافذا ,إن لم تخني الذاكرة. إنها نفس نغمة وفيلم الإرهاب القديم.
ومن البداية لا بد من التذكير بالموقف الإنساني الطبيعي وهو إدانة القتل والإجرام والتصفيات بكافة أشكالها وأيا كان ممارسوها,وبالتالي التعاطف التام مع الضحايا والمظلومين في أي مكان من العاالم, ومهما كانت هوياتهم وانتماءاتهم العرقية, والدينية, والقومية,برغم التحفظات أحيانا على مفهوم "القومية". ولاشك أيضا أن الحرب العالمية الثانية وقبلها الأولى ,كان فيهاالكثير من الضحايا والقتلى ومن كافة الجنسيات والقوميات والأديان على حد سواء. وإذا علمنا أن الحرب العالمية الثانية تجاوز ضحاياها العشرين مليونا ببضعة أرقام ,وقبلها أيضا قضى ملايين آخرون في عمليات التصفيات الدموية الوحشية التي قام بها رموز النازية والفاشية ومناهضي الشيوعية ,وحتي ضحايا الهولوكوست الستاليني,على حد زعم الرواة أيضا, الذي حصد رقما آخر مرعبا في مهرجانات الموت التي لا تنتهي ابدا على مايبدو,أدركنا أن محرقة الحروب والدمار ليس لها صفة أو صبغة عنصرية ولا تفرق بين أحد ,ولم تستثن من لهيبها الوقاد جنس من بني الإنسان.والسؤال المهم هنا لماذا يتم التركيز على ناس بعينهم وإثارة كل هذه القرقعة الإعلامية حولهم وانهم هم الضحايا الوحيدون في الحروب العبثية التي يشهدها هذا العالم المجنون الذي يكتنز كل أسباب الإنفجار؟ولا بد من التذكير أن الإمبراطوريات الإعلامية الكبرى مملوكة لهم وكل خبر وقضية هامة تمر على عشرات علماء النفس والخبراء.أما قنوات الإستهبال المعروفة فلا يسمعها أحد وليست بذي شأن وبال .وما حالة اليأس والإحباط العام التي نعيشها إلا نتيجة ومن تداعيات ما سوقه ويسوقه وضخه هؤلاء الناس ,منذ أن اخترعوا لنا الراديو والتلفاز.وفي كل الجيوش ووزارات الدفاع في العالم تشكل الحرب النفسية عنصرا هاما في حسم أي صراع.
ولقد تم تصوير أوشفيتز وعرض المحرقة"ببراءةوعفوية" مع أفلام مصورة ووثائق وفيض من المقالات وأرقام تدعم ذلك, وإقحام الأسماء والأحداث والمفاهيم والأساطيرالتوراتية في سياق الكلام كالماسادا والمدراشا وشمشون ,لكي تصبح مألوفة و"قريبة من القلب" في فلسفة التطبيع والتطويع ,كل ذلك بعفوية وبراءة,ومن يعرف أبجديات علم النفس والإعلام يدرك أن وراء الأكمة ماوراءها,ومن يعتقد أن الإعلان,ومن منظور إعلامي, هو الترويج للشيء بإبراز إيجابياته فقط ,فهو مخطئ وواهم وغفيان.فإن توصيل أية معلومة أو كلمة أو مفهوم ,للجانب الآخر, ومهما كان تصنيفها وجعلها شائعة ومتداولة, هو دعاية واختراق إعلامي ونفسي واستراتيجي.وكانت بعض الجهات الإستخباراتية تروج بأنها وراء هذه العملية أو تلك ,ومهما كانت وحشية وسيئة,وذلك لزرع هالة ما وخلق أسطورة في ذهنية المتلقي "السهيان" المستعد لقبول الخرافات وتصديق الأوهام. في حين مازال الكثير من الناس يشكك بحدوثها أصلا وحتى من الغربيين واليهود أنفسهم ويتحفظ عليها. ورأينا موجة الخزعبلات الغيبية التي رافقت طوفان تسونامي وكيف سرت مسرى النار في الهشيم في الأدمغة المغسولة بأرقى وأجود "المنظفات".
ولو سلمنا جدلا بوقوع تطهير عرقي,وهذا أمر حدث ويحدث للجميع, على أناس بعينهم في مرحلة ما وحرب عالمية ,فإنهم بالتأكيد لم يكونوا الوحيدين. وماعلينا دائما إلا أن نصدق مايقوله الآخرون ونردده كالأطفال في دروس القراءة والإستظهار.ومن رأى لندن عشية الحرب العالمية الثانية وموجات القصف النازي لها ,لحلف أغلظ الأيمان بأن شكسبير ,والملكة فكتوريا وتشارلز ديكينز لم يعيشوا يوما في هذه البلاد. أما من رأى برلين لحظة سقوط الرايخ الثالث فسيقسم بالثلاثة بأنه في الجحيم ,وأن القيامة قد قامت للتو وأنه برفقة عزرائيل وإسرافيل وملوك الجان.وإذا استمر نفس الضخ الإعلامي في هذا الإتجاه وبنفس القوة ,فأنا أعدكم بأن أوشفيتز وطقوسها وملحقاتها الإعلامية الراقصة ستصبح أشهر من الفالانتين وعيد الميلاد وعيد الأم وشهر رمضان .ولا تستبعد أن تصبح يوما وطنيا في الممالك الشمولية, وكل من لا يحتفي به يسلط عليه قانون معاداة السامية ,بدعة بوش الأنسانية في نشر الديمقراطية, وتزعل منه كوندوليزا رايس ولا تشمله بزياراتها التفقدية الدورية لموظفيها ومتصرفيها المنتشرين في الولايات والأمصار.
واللعبة الإعلامية "الذكية" التي اتبعها البعض عن قصد أو غيرقصد هو إبراز,وسأفترض حسن النية دائما, الحدث وكأنه كارثة مسلّمة حلت بهؤلاء القوم دون سواهم من بني البشر,في نوع من الدعاية التي قد تكون بريئة لهذه المحرقة,وأنهم ظلموا,وإظهارهم كضحايا مساكين, وما عليك بالتالي إذا لم تكن "شريرا" وعيونك مفتحة وصاحي ,إلا أن تتعاطف معهم. في حين أن المحارق العالمية الكبرى الأخرى لم تحظ بنفس المهرجانات ,كما مر يوم إلقاء القنابل الذرية,وهو محرقة أخرى, على المدن اليابانية بدون أن يقوم عنان "وربعه"الإنسانيون الأشاوس و"كتبته" الفطاحل بنفس الرقصات والإستعراضات الإعلامية الإنسانية .فهل هذا محض صدفة أم محض استهبال ؟وإذا كان في تاريخ أولئك القوم أوشفيتزا واحدا ويتيما ,فمن الشاطر الذي يستطيع أن يتذكر كم هو عدد الأوشفيتزات الأخرى "الشهيرات" حيث خرج عشرات الملايين بطرق مختلفة من التصنيف الآدمي وحشروا مع الصراصير والخنازير والفئران؟ ومتى ينتبه العالم للمحارق السياسية والفكرية والإقتصادية والمخابراتية المتقدة والمستعرة بانتظام وثبات؟ وهل من الضروري دائما التذكير ب"أوشفيتزات" الظلمة المستفشرين الفجار الطاحنة في كل مكان؟ وعمليات التطهير والإقصاء, وحفلات "الباربيكيو" اليومية التي فاحت وملأت روائحها الأجواء والآفاق؟ومتى تصدر قوانين دولية لمراقبة معاداة الرعايا والسبايا الأرقاء؟
وأخشى ما أخشاه أنني وقعت في نفس المطب وقمت بعملية دعائية بشكل ما ,ولا شك بأني فعلت,ولكن طاما أخبرتكم فلا يهم .ولكن أخشى أيضا أن يأتي اليوم الذي يطلب منا أن نقف دقيقة صمت على أرواح "أي كان", ولا نستطيع قراءة الفاتحة على أرواح آبائنا وأجدادنا البررة العظام, لكي لانتهم بالإرهاب ومعاداة أية إثنيات وأعراق وأديان لها لوبيات ضاغطات في الصالونات الحاكمات في دول القرار. ترقبوا ذلك اليوم واذكروا, محاسن موتاكم الآن لأنه قد لايتاح لكم ذلك مستقبلا.
إنهاألعاب الكبار الذكية.............انتبهوا لها.
نضال نعيسةكاتب سوري مستقل
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟