|
مابعد المزعطة
علي بداي
الحوار المتمدن-العدد: 3738 - 2012 / 5 / 25 - 16:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
حين نشرت مقالتي الأولى " يالها من مزعطة" بعد تفجر بركان إتهام "طارق الهاشمي" من قبل "المالكي" كان هدفي الأساس من وراءها،هو دق ناقوس الخطر والتنبيه الى مايجب أن يميز السياسي عن" الزعطوط"، أي مايميز القائد المسؤول عن بلاد بكاملها عن الفتى غير الناضج هزيل التجربة الذي لايمكن تسليمه رأسي خروفين لقيادتهما. والمزعطة هنا، هي ترجمة بغدادية عامة لمصطلح "المراهقة السياسية" أي مزيج من ظواهر الطيش، والضحالة ،والإنفعالية، والنزق، والصلف، وغياب التركيز التي تتسم بها تصرفات بعض السياسيين المستجدين الذين يتصورون أنفسهم آلهة لاتموت تمتلك حق التصرف بحياة ومصير البشر الى يوم يبعثون. لكن مصطلح "المزعطة" ،وبشهادة قراء المقالة الأولى، برهن على حيوية وقدرة تعبيرية ووضوح أكثر بكثير من مصطلح "المراهقة السياسية" الذي يبقى في النهاية مصطلحاً عالمياً لايمكنه الإحاطة بخصوصيات وتعرجات الوضع العراقي. قد يعود هذا النجاح الى أن " الفعل الزعطوطي" الأكثر شهرة (وهو الفعل الذي كنا نلجأ اليه حين كنا" زعاطيطاً" نتخاصم مع أحد اصحابنا ، فنخرج كل مافي جعبتنا من الأسرار والمسبات والمواقف السابقة، والتصورات التي نحاول أن نجعلها حقائق مقدسة ونلقيها دفعة واحدة بوجه الخصم لأنه خاصمنا ليس الا)، هو الأكثر شبهاً بالتصرفات التي نراها هذه الأيام. ولكي لاندخل في مجال "التنظير السياسي" ونعود لبساطة الحياة دعونا نتراجع قليلاً الى الوراء وتأملوا معي بعجالة في المواقف التالية: خاصم أياد علاوي نوري المالكي فأوعز الأخير برفع الكتل الكونكريتية التي تحمي مقر علاوي!. إشترك الحزب الشيوعي وحزب الأمة بالتظاهرات الشباطية عام 2011 فأوعز المالكي لجندرمته بمطالبة الشيوعيين وجماعة مثال الآلوسي إخلاء مقراتهما لأنها مبان حكومية! خاصم المالكي التحالف الكردستاني فرتب المالكي درباً لمشعان الجبوري المتهم بالإرهاب بالعودة وإعلان التحالف معه للدفاع عن " العراق العربي!!!" وقبل ذلك زار المالكي البرلمان فجادله "ناصرالجنابي" بموضوع فصاح المالكي: لو أردت لجررتك للمحكمة بتهمة الإرهاب! قبل أيام كان رئيس مؤسسة المدى "فخري كريم" قد إتهم في لقاء تلفزيوني عبر إحدى القنوات الفضائية محافظ بغداد "صلاح عبد الرزاق" ورئيس مجلس محافظة بغداد "كامل الزيدي" بالفساد وسرقة المال العام وتعيين أقارب لهما في أماكن حساسة ما سهل لهم القيام بعمليات فساد كبيرة متهماً في الوقت نفسه رئيس الوزراء "نوري المالكي" بالتستر على حالات الفساد في البلاد " فكيف رد المحافظ ورئيس مجلس المحافظة؟ تماماً و بما ينسجم مع عنوان المقالة ، رد السيد المحافظ الدكتور صلاح عبد الرزاق في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء بمايلي: "فخري كريم" لايتحدث عن كردستان التي تعادي الإسلام وهذا غير مسموح به حسب الدستور! و صحيفة ( المدى) تتحدث بمنطق ايديولوجي معاد للإسلاميين وهو منطق مرفوض وليس وطنياً . " ثم قال معاليه: " إن الاسلاميين "هم الذين وفروا" لرئيس مؤسسة المدى حرية التكلم بهذه الطريقة ، رغم أن أية دولة عربية او إسلامية لا تقبل بهذا الكلام لأنه مخالف للأعراف والأخلاق " . وأضاف المحافظ حفظه الله ورعاه :" ان رئيس مؤسسة المدى مترب على الرذيلة والخمر، و لا يمكن أن نستجيب أو نرد عليه كل يوم بهذه الطريقة ، لأنه معروف الولاء ومن يدفع له " ثم عرج المحافظ بحركة إلتفافية تحيد عن الموضوع كلية وتشبه ماتعودنا عليه في السنين السابقة متهماً فخري كريم :أنه لا ينطق كلمة واحدة عن اقليم كردستان ، والمدى لاتنشر اي خبر للمعارضة الكردية ، رغم ان الاكراد نفسهم يتحدثون عن وجود معارضة عندهم ". .واشار الى "ان اقليم كردستان لديه عداء ضد الإسلاميين وكل التراث الإسلامي وهذا غير مقبول في الدستور" كلام السيد المحافظ فيه خلط، وتحامل، وتحجر ، وتجني، وسذاجة، ويدعو في أجزاء منه الى الضحك وفي الأخرى الى البكاء المر وفي المتبقي الى اللطم على حال هذه البلاد التي عادت الى عصرناقة البسوس وواقعة الجمل وأيام داحس والغبراء ، ولكن وقبل كل شئ فيه شئ كبير من " المزعطة" فما علاقة إتهامات فخري كريم للمحافظ ورئيس المجلس الخاصة بالفساد والسرقة بعداء كردستان المزعوم للإسلام؟ وكيف تعادي كردستان "كل التراث الإسلامي" وفيها من المساجد مايزيد على مافي بغداد؟ بل ما علاقة كردستان بإتهامات محددة ساحتها بغداد ؟ كم هو غريب ومضحك ومثير للشفقة أن يجهل محافظ مدينة كانت عاصمة للعالم المتحضر يوماً ما دستور بلاده وأبسط أسس الديموقراطية فيعتبر حرية التعبير منّة من الإسلاميين " الذين وفروا لفخري كريم حرية التكلم"؟ كم هي عظيمة حكمتك ياإلهي حين شاءت أن تمكّن الإسلاميين من حكمنا عبر الإحتلال و بريمر وقوانينه ، فلو أنهم حصلوا السلطة بأنفسهم ماكانوا سيفعلون بنا؟ إن مشكلتنا الأساس التي يجب أن تعالج الآن واضحة أكثر من أي وقت مضى وهي آهلية حزب الدعوة لتولي مناصب قيادية . لقد برهن حزب الدعوة عبر تسع سنين على إمتلاكه " دعاة"، يدعون الناس للصلاة والعبادة والتحجب والتعفف والتفكير بيوم الحساب وينهمكون بوضع أسس الوقف الشيعي والإشراف على توزيع مقاعد الحجاج وتحريم الموسيقى وإسكات أصوات المحتجين لاغير ولكن إفتقاره التام للقادة السياسيين الوطنيين والمتزنين وبشكل شبه كامل. كل هؤلاء الدعاة، إبتداءاً برئيسهم السابق الجعفري ومروراً بالأديب، والعبادي، والعسكري، والصف الثاني الممثل بمحافظ بغداد ورئيس مجلسها وإنتهاء بنوري المالكي يفتقرون الى أبسط المؤهلات الواجب توفرها في القائد السياسي وهي الموضوعية والمرونة والقدرة على الجدل السياسي الذي يركز على موضوع النقاش ولايدور حوله أو ينثر الغبار عليه. إضافة الى كل ذلك فأن هؤلاء السادة منغلقون متحجرو الفكر وطائفيون بإمتياز، ولاتهمهم مصلحة الوطن الا بمقدار ضئيل جداً وهذه الخصلة الأخيرة ، أي تراجع الإحساس بمصالح الوطن العليا لصالح الإحساس بالكسب الشخصي والطائفي سبق وجسدها الجعفري بواقعة تأريخية خلال زيارته الموصل حين كان رئيساً للوزراء حين فاجأ الجميع من خلال بث تلفزيوني حي بكيل المديح الزائف لأهل الموصل لأنهم حسبما قال تصدوا سابقاً للمد الأحمر ! أما آخر وجوه هذه "المزعطة" فهو كشف القيادي في ائتلاف دولة القانون "كمال الساعدي" عن جمع تواقيع 163 نائباً لإقالة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي من منصبه بسبب "عدم كفاءته" في إدارة جلسات البرلمان و"عرقلته" عمل الحكومة. طبعاً تزامن هذا الفعل مع مطالبة "النجيفي" بسحب الثقة عن "المالكي" وبعد أن كشف عن المهلة التي حددها اجتماع النجف للتحالف الوطني للبت في موضوع سحب الثقة. قد عشنا عصر المزعطة وعلينا أن نعد أنفسنا لما بعدها! والله الساتر.
#علي_بداي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خفايا حصول الشهرستاني على -جائزة التحرر من الخوف-
-
رؤية شخصية لماضي وحاضر الحزب الشيوعي العراقي
-
العلاقة بين السيدة -سيبيلا ديككر- و-نوري المالكي -
-
حيرة العراقيين بين القمة والقمامة
-
69 عام ..عمر الدكتاتور القاتل
-
يالها من مزعطة!
-
ياصاحب أشرف العمائم
-
حوار حول الاقليات
-
صديقتنا أمريكا
-
سياسة اللجوء الأوربية.. أسئلة حائرة
-
أخلاق اليساريين - بمناسبة محاولات بعث الروح في الصدام اليسا
...
-
مأزق الديموقراطية العراقية و الثورات العربية
-
هل جن دولته؟
-
وا طنطلاه
-
أصدقائي التوانسة ..إحذروا من أسوا العابدين بن....
-
ثلاثة أوهام لتبرير إستعباد الناس بإسم الدين
-
2011 عام العالم العراقي -عبد الجبار عبد الله- بمناسبة ذكراه
...
-
البحث عن أخبث رجل في العالم
-
رد السيد علي الدباغ على مقالة علي بداي
-
حقيقة تزوير المالكي لشهادة وزير التربية
المزيد.....
-
الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس
...
-
الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو
...
-
غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني
...
-
انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
-
خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
-
عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ
...
-
روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا
...
-
عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
-
مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات
...
-
السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية!
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|