|
انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان ...أم كليهما...؟....(2)...
علي الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 3738 - 2012 / 5 / 25 - 00:48
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كنا خصصنا الجزء السابق من مقالنا هذا لشرح وجهات النظر المختلفة حول الأزمة التي تواجه دولا عضو في منطقة اليورو ، وقد حصلت بلدان اليونان وايرلندا والبرتغال على مليارات الدولارات من قبل صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوربي لدعم مركزها المالي الآيل الى الانهيار. أما ما يخص اليونان فوضعها المالي ما يزال حرجا ويرشحها المحللون الماليون كأول دولة عضو في الاتحاد الأوربي تضطر للخروج من نظام اليورو ، بينما ما تزال دولا كفرنسا والمانيا تحاول عمل المستحيل لبقائها والاستمرار في تقديم المساعدة الضرورية لتتجاوز صعوباتها. وفي نهاية المقال طرحنا السؤال التالي : لماذا كل هذا العناء لترميم بناء آيل الى الانهيار؟ السؤال لايخص اليونان بل مؤسسة الاتحاد الأوربي وبالأخص منطقة اليورو بسبب ما يواجه أعضائها الأقل تطورا من مصاعب اقتصادية ، كانت أسباب بعض المصاعب قد نتج مباشرة عن تخليها عن عملتها الوطنية بعد انضمامها الى اليورو ، بينما بعضها الآخر فله علاقة بتاريخها الاقتصادي ومستوى نمو قوى الانتاج فيها ، وبالتركيبة الاجتماعية والثقافية التي ميزتها عن بقية المجتمع الأوربي تاركة بصمتها على مسيرتها التنموية حتى اليوم. جميع دول الاتحاد الأوربي السبعة والعشرون بما فيهم الدول الأغنى والأكبر اقتصادا تعاني من مظاهر الركود والبطالة الشاملة والانكماش الاقتصادي. واضافة الى كل ذلك تعاني من مديونية سيادية عالية في ظل سياسة تقشف صارمة أضرت كثيرا بالمستوى المعيشي للملايين من مواطني الدول الأقل تطورا الواقعة في جنوب وشرق القارة الأوربية. المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية للمظاهرالمذكورة لكثير من دول الاتحاد الأوربي ومنطقة العملة الموحدة "اليورو" لا تعبر عن تقدم نوعي بارز أو منجز كمي يعود الفضل فيه حصريا للمنظمة الأوربية. واذا ما ارتبطت بعض المنجزات من أي نوع بهذه المنظمة فهل يتناسب وزن تلك المنجزات مع ما يكلفه وجود المنظمة ونشاطها من جهود وأموال تزيد عن 147 بليون يورو في العام الواحد ، والأرقام معرضة للزيادة بوتيرة متزايدة. لنستعرض بعض المؤشرات الاقتصادية ونتابع إن كان للمؤسسة اي دور يمكن تسجيله لحسابها. منظمة الاتحاد الأوربي بلغت من النفوذ السياسي ما يوازي أو يزيد عن نفوذ الهيئة العامة للأمم المتحدة والحلف الأطلسي. دول الاتحاد الأوربي لاعب سياسي في الاحداث الدولية مرة ككيان قائم بذاته ، وتارة كعضو في منظمة الأمم المتحدة ، وتارة أخرى ضمن منظمة حلف الأطلسي ، اضافة الى ذلك أنها منحازة للولايات المتحدة وتنفذ سياستها الخارجية دون تردد ، فهي ليست مستقلة في مواقفها وقرارتها. دول الاتحاد الأوربي أغنياءها وفقرائها بدون استثناء تشكو عجزا ماليا دائما في ميزانياتها السنوية ، وهي ظاهرة لا تدل على ادارة سليمة لاقتصاد البلاد ، اي بلاد ، صغيرة كانت أو كبيرة ، متقدمة أو في طريق النمو وفي أي فترة تاريخية. وبنتيجة هذا وغيره من الأسباب تنوء بلدان الاتحاد الأوربي بدون استثناء بدين سيادي يتجاوز متوسطه السنوي80% دخلها القومي الاجمالي. فمثلا كان الدين العام لبريطانيا 85% عام 2011 ، مع العلم أن بعضها تجاوز 100% دخلها القومي. فقد بلغ في اليونان 159% ، وايطاليا 119% وايرلندا 104% ، والبرتغال 110% في عام 2011. أما متوسط الدين العام في بلدان منطقة اليورو السبعة عشر فهو قي تزايد مسنمر، ويزيد متوسطه السنوي عن المتوسط السنوي لدول الاتحاد السبعة والعشرين. فقد بلغ 85.3% الناتج القومي الاجمالي لعام 2010 ، ارتفع الى 87.2 % عام 2011.واذا اطلعنا على حجم الدين العام لكل دولة من الاتحاد الأوربي بما فيها دول منطقة اليورو ، فلا تبدو الصورة وردية ، ولا حتى وردية باهته ، فلنتعرف على عينة منها وهي الأكثر رخاء فماذا نكتشف : 1- السويد يبلغ دينها العام نسبة الى دخلها القومي عام 2010 و 2011 على التوالي 38.6% و37% ،ودينها حاليا 137.851 بليون يورو 2- بريطانيا ---------------------------------------------78.3%و85.2% ودينها العام حاليا 1،474،920تريليون يورو 3- هولندا ---------------------------------------------63.1 % و64.5% ودينها العام 388.828 بليون يورو 4- ايطاليا ------------------------------------------119.1% و119.6% ودينها العام 1،883،738 تريليون 5- فرنسا ----------------------------------------- -- 82 % و 85 % ودينها العام 1،688،890تريليون 6- اسبانيا-------------------------------------------- 58.7% و 66% ودينها العام 706،340 بليون يورو 7- اليونان ---------------------------------------- 138.8% و 159% ودينها العام 347،904 بليةن يورو 8- ألمانيا -----------------------------------------75.7 % و 81.8 % ودينها العام 2،089،756ترليون يور 9- أيرلندا ---------------------------------------- 88.4%و104.9% ودينها العام 189،800 بليون يورو لقد كان رد فعل مؤسسات الاتحاد الأوربي المتخصصة (وغالبيتها مهيمن عليها من قبل الألمان والفرنسيين ) على ظاهرة تصاعد المديونية لدولها الأعضاء متأخرا جدا ، وما عرضته من حلول لم يكن فعالا ولا عمليا ولا منطقيا في الوقت نفسه. لقد وجهت اقتراحاته لمعالجة عجز الميزانيات المالية نحو الطرف الأفقر والأضعف ، والمقصود هنا دول الجنوب الأوربي أولا ، والجماهير الكادحة في دول الاتحاد الأوربي ثانيا. لقد كانت حزمة الاجراءات المتخذة قد تمحورت حول خفض النفقات على اقتصاديات الرفاه التي ينتفع منها قطاعا واسعا من ضعاف الحال ، أما أرباب رؤوس الأموال فلم تمس رساميلهم أو أرباح رساميلهم ، وهنا تتضح معالم سياسة التمييز الطبقي ، حيث للرأسماليين الأرباح اما الجماهير العريضة فلها الفتات والبطالة والتشرد. وعندما لم تثمر سياسة التقشف التي جرى هندستها لافقار الفقراء لأنه لم يعد بالامكان افقارهم اكثر قدمت لهم القروض السخية بالبلايين لا لوجه الله ولا تعبيرا عن صداقة قديمة ، بل مقابل فائدة وصلت نسبتها الى 7% وربما أكثر ، فلم تنخفض الديون ، بل تضاعفت . المؤشر الآخر السلبي في دور الاتحاد الأوربي مدار البحث هنا هو اخفاقه في تحقيق الدينامية للنمو الاقتصادي القادر على امتصاص ولو جزء ضئيلا من البطالة الشاملة في مجتمعاتها ، ولهذا السبب فالبطالة تتصاعد بدرجة ملفته ، وهي تضم اليوم جيشا تعداده الملايين من العاطلين عن العمل. وأن الارقام التي تنشر في وسائل الاعلام عن زيادة فرص العمل في دول الاتحاد الأوربي غير دقيقة ومضللة. فبحسب احصاءات مجلس الاتحاد الأوربي المنشورة عام 2012 والتي تخص السنوات 2010 و2011 تبدو البطالة في دوله كالآتي: ( المجلس الأوربي) الرقم الاجمالي للعاطلين عن العمل في دول الاتحاد الأوربي السبعة والعشرين ارتفع من 18 مليون عاطل عام 1994 الى 23مليون عاطل عام 2008 وهي السنة التي بدأت فيها الأزمة المالية والاقتصادية في العالم ، بينهم 15.7 مليون في 16 بلدا فقط وهي اليوم تتراوح فوق هذا الرقم كثيرا لا دونه. وفي حين يعلن عن زيادة في الطلب على ايدي عاملة جديدة في بعض فروع الاقتصاد تكون آلافا أخرى قد ألقي بها خارج العمل. ففي دول مثل الدنمارك وهولندا وهنغاريا وبولندا وجيكيا والمانيا تراوحت نسبة البطالة حول 10% قواها العاملة. اما في اسبانيا واليونان وبعض بلدان جنوبي وشرقي أوربا فتزيد نسبة البطالة فيها عن 22% قوة العمل الحية. أما البطالة بين الشباب من أعمار 15 – 24 عاما فتزيد عن ذلك بكثير. ففي عام 2010 بلغت نسبتهم في اسبانيا 41% ، وليتوانيا 35.1%، وليتفيا 34.9% ، وسلوفاكيا 33.6%، واليونان واستونيا 32.9%، وايطاليا 29% وهي الأعلى منذ 2004. لاشك بان لكل بلد من بلدان الاتحاد الأوربي أسبابه التي تقف خلف جيوش العاطلين عن العمل من مواطنيهم ، لكن معدلات النمو الاقتصادي في كل بلد هي العامل أكثر تأثيرا في رخاء أو تراجع مستويات حياة الناس المعيشية. لهذا فان حشد الموارد الاقتصادية بهذا الاتجاه هو وحده الذي يخلق فرص العمل ، وكلما ارتفع معدل النمو كلما تمكن الاقتصاد من استيعاب المزيد من القوى العاملة ، وبذلك وحده يصل الاقتصاد الى الاستخدام الكامل لموارده الاقتصادية وفي مقدمتها قوى العمل. الاتحاد الأوربي اخفق في هذا أيما اخفاق ليس بسبب جهله في اتباع السياسات الاقتصادية التي تشحث النمو ، بل لتأثره بنظريات النمو التي راجت نهاية الستينيات بقيادة المدرسة النقدية التي بالغت بدور قوى السوق في اطلاق قوى النمو على حساب التدخل الحكومي الضروري لتصحيح دور السوق. وبعد عقدين من السنين لم نحصل على النمو ، بل ضياع عقدين وأكثر من النمو، وما هذه المشاكل الهيكلية التي يواجهها عالمنا اليوم الا النتيجة المباشرة لتلك السياسات التي مازال بعضها قيد التطبيق في دول الاتحاد الأوربي موضوع هذا المقال. علي ألأسدي / يتبع
#علي_الأسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان ...أم كليهما...؟....(1)
-
الصين والغرب .... في القرن الحادي والعشرين ...( الجزء الأخير
...
-
الصين والغرب .... في القرن الحادي والعشرين ...( الجزء الثاني
...
-
الصين والغرب ... في القرن الحادي والعشرين .....الجزء الأول
-
دروس من ثورتي أكتوبر 1917 وكومونة باريس عام 1871
-
اليسار الشيوعي ... ورأسمالية الدولة والاشتراكية ....( الجزء
...
-
اليسار الشيوعي .... ورأسمالية الدولة والاشتراكية ..(. الخامس
...
-
اليسار الشيوعي ..... ورأسمالية الدولة والاشتراكية ..... (4)
-
اليسار الشيوعي ... ورأسمالية الدولة والاشتراكية .....(3)
-
اليسار الشيوعي .... ورأسمالية الدولة والاشتراكية .....(2)
-
اليسار الشيوعي .. ورأسمالية الدولة والاشتراكية .. (1)..
-
مهمة الرئيس جلال الطلباني .. و بيضة القبان .. ؛؛
-
أين يكمن الفشل في النظام الرأسمالي .. (2) ..؟؟
-
أين يكمن الفشل في النظام الرأسمالي ...؟؟
-
السيد بايدن ... وأزمة العراق السياسية ..؟
-
أضواء على الإبادة الجماعية للأرمن في عام 1915 ...
-
الحرب غير المعلنة ... بين اليورو والدولار الأمريكي ....(الأخ
...
-
الحرب غير المعلنة ... بين اليورو والدولار الأمريكي.... (2)
-
الحرب غير المعلنة ... بين اليورو والدولار الأمريكي ...(1)
-
ملاحظات حول مقال : - ليست الأخطاء هي التي أفشلت الاشتراكية
المزيد.....
-
فرنسا: هل ستتخلى زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان عن تهديدها
...
-
فرنسا: مارين لوبان تهدد باسقاط الحكومة، واليسار يستعد لخلافت
...
-
اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأوروغواي
-
اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأورغواي خلال الجولة الثا
...
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|