|
قراءة فى دساتير بعض الدول
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3736 - 2012 / 5 / 23 - 16:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أشاع الأصوليون أنّ العلمانية فى أوروبا فقط وسارالإعلام البائس وراءهم ، فى حين أنّ دولا كثيرة فى آسيا وأفريقيا تنص دساتيرها على مبدأ العلمانية. فدستورجمهورية الكمرون الصادرفى4مارس1960نصّ فى (الديباجة) على ((تـُعلن الدولة حيادها تجاه كافة العقائد)) ونصّتْ الفقرة التالية مباشرة على ((مبدأ العلمانية الذى يضع الشعب الكمرونى جمهوريته تحت لوائه يعنى الفصل بين الكنائس والدولة. ويترتب على ذلك أنّ الجمهورية ليست كنسية ولادينية)) والأكثرأهمية أنّ صدْرالديباجة تضمّن أنّ شعب الكمرون ((يُعلن تمسكه بالحريات الأساسية التى يشملها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان)) وجاء فى الباب الأول مادة (1) ((الكمرون جمهورية علمانية ديمقراطية. والنشيد الوطنى : أيها الكمرون يامهد أجدادنا)) (الموسوعة العربية للدساتير العالمية- الإدارة العامة للتشريع والفتوى - عام 1966ص467وما) والكمرون لمن يود المعرفة، تقع فى غرب أفريقيا. ونصّ دستورجمهورية ساحل العاج الصادرفى3نوفمبر1960مادة (2) ((جمهورية ساحل العاج علمانية ديمقراطية اشتراكية)) وجاء فى صدرالديباجة ((يُعلن شعب ساحل العاج تمسكه بمبادىء الديمقراطية وحقوق الإنسان كما حدّدتها وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادرة سنة1789والوثيقة العالمية لسنة 1948وكما يكفلها هذا الدستور)) (المصدرالسابق ص505وما) وجمهورية ساحل العاج- لمن ينشد المعرفة- تقع فى غربىْ أفريقيا . ونصّ دستورجمهورية غينيا الصادرفى 12نوفمبر1958مادة (1) ((إنّ غينيا جمهورية ديمقراطية علمانية اشتراكية)) ونصّتْ المادة (41) أنّ الدولة ((تكفل حرية العقيدة لجميع المواطنين وذلك بتقريرعلمانية المدارس والدولة)) (ص517وما) وغينيا تقع فى غرب إفريقيا. ونصّ دستورجمهورية مالى الصادرفى 29يناير1959مادة (1) ((جمهورية مالى ديمقراطية علمانية)) وجاء فى الديباجة ((تـُعيد جمهورية مالى الإعلان الرسمى لحقوق وحريات الإنسان والمواطن التى أكدتها الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان فى 10ديسمبر1948)) (ص535وما) ومع مراعاة- أيضًا- أنها تقع فى غرب أفريقيا. ونصّ الدستوراليابانى الصادرفى 3نوفمبر1963مادة (20) على ((حرية العقيدة الدينية مكفولة لكل فرد. ولايجوزأنْ تـُرتـّب الدولة امتيازًا لأية جماعة دينية أوالسماح لها بممارسة السلطة السياسية. ولايجوزإكراه فرد على المشاركة فى أعمال أومراسم أوشعائرأوطقوس ذات طابع دينى. ولايجوزأنْ تقوم الدولة أوهيئاتها بالتعليم الدينى أوأنْ تـُمارس أى نشاط دينى)) ورغم أنّ الامبراطورهورمزاليابان (مادة "1") فإنه ((لايجوزللامبراطورأنْ يتولى إلاّ الأعمال المُتعلقة بشئون الدولة والتى ينص عليها هذا الدستور. وليس له أى اختصاص فى شئون الحكومة)) (مادة "4") (ص 739وما) ونص دستورالجمهورية التركية الصادرفى 9يوليو1961مادة (2) على ((الجمهورية التركية دولة قومية ديمقراطية علمانية)) ونصتْ المادة (19) على ((لكل فرد حرية الاعتقاد وحرية الرأى والعقيدة الدينية. ولايجوزأنْ يُرغم أى فرد على أداء العبادة ولاعلى التصريح بمعتقداته وآرائه الدينية. كما لايجوزإنتقاد أحد بسبب معتقداته أوآرائه الدينية. ويتوقف التعليم الدينى على إرادة كل شخص وعلى إرادة الأولياء الشرعيين بالنسبة للقصر. ولايجوزبأى شكل من الأشكال استغلال أوإساءة استعمال الدين أوالشعورالدينى أوالأشياء التى يعتبرها الدين مُقدّسة وذلك بقصد تحقيق مصلحة أونفوذ سياسى أوشخصى . كما لايجوزالاستناد إلى التعاليم الدينية لتأييد نظام الدولة الاجتماعى أوالاقتصادى أوالسياسى أوالقانونى ، وكل من يُخالف ذلك أويدفع الغيرإلى مُخالفته يُعاقب وفقــًا للقانون)) ونصّتْ المادة (20) على ((يملك كل فرد حرية التفكيروالرأى وله أنْ يُعرب بمفرده أوبالاشتراك مع غيره عن آرائه ومعتقداته بطريق القول أوالكتابة أوالرسم أو بأى طريق آخر. ولايجوزإكراه أى فرد على التصريح بآرائه ومعتقداته)) (ص751وما) أما دستورالهند الصادرفى 26نوفمبر1949فهوقمة ما بلغه العقل البشرى فى صياغة دستور للوطن تضمن التعريف العلمى والعملى والحقوقى لمعنى حياد الدولة تجاه كافة مواطنيها ، لأنّ هذا الحياد هوالضمانة الوحيدة لتطبيق مبادىء العدالة الاجتماعية على كافة المواطنين بغض النظرعن مُعتقداتهم الدينية بل والمذهبية، لذا خصّص بابًا بعنوان (حق الحرية الدينية) جاء به ((يتساوى جميع الأفراد فيما يتمتعون به من حرية الضميروحرية اعتناق الأديان وممارسة شعائرها والدعوة لها)) فهذا النص لايكتفى بحق الاعتقاد وإنما – أيضًا- بحق الدعوة لما يعتقد ، والأكثرأهمية أنه نص على (حرية الضمير) وهونص يختفى من دساتيرالأنظمة الشمولية الأحادية التى تنص على دين للدولة. كما كفل الدستورالهندى (مادة 26) لكل طائفة دينية (وليس لكل دين فقط) الحق فى إنشاء المعاهد الدينية وامتلاك العقارات والمنقول. أما عن موقف الدولة من الأديان فنظمته المادة (28) إذْ نصّتْ على ((يُحظرالتعليم الدينى فى أية مؤسسة علمية يُصرف عليها من أموال الدولة. ولايجوزأنْ يُطلب من أى شخص يتلقى علومه فى أية مؤسسة علمية مُعترف بها من الدولة أوتحصل على معونة من أموال الدولة، أنْ يتلقى أى تعليم دينى قد يُفرض فى مثل هذه المؤسسة)) وجاءتْ المادة (29) لتؤكد على الخصوصية الثقافية لكل أبناء الشعب الهندى فنصّتْ على ((من حق كل طائفة من المواطنين تقطن فى أراضى الهند ويكون لها لغة خاصة أوكتابة أوثقافة خاصة بها أنْ تحتفظ بها. ولايجوزعدم قبول أى مواطن فى أية مؤسسة علمية تقوم الدولة بالصرف عليها أوتحصل على معونة من أموالها إذا كان السبب الوحيد لذلك هوالدين أوالجنس أوالطائفة أواللغة. ولايجوزللدولة أنْ تـُميّزبشأن ماتـُقدّمه من معرفة للمؤسسات العلمية تمييزًا مُجحفـًا بإحداها ، استنادًا إلى أنها خاضعة لإدارة إحدى الأقليات ، سواء كانت قائمة على الدين أواللغة)) أما صدْرالدستورفجاء به هذا النص المُذهل ((نحن شعب الهند نقبل ونـُصدرونمنح أنفسنا هذا الدستور)) (ص 259وما) لقد تعمّدتُ عدم ذكردساتيرالدول العلمانية فى أوروبا ، فهذه أمرها شائع ، وهدفى من التركيز على دساتيربعض الدول الآسيوية والأفريقية هوالتأكيد على أنه لافرق بين شعب وشعب فى التحليق فى سماوات الحرية، بمعناها الدقيق المُعترف به فى العلوم الإنسانية، وأنّ هذه الحرية لم تتحقق (ولن تتحقق) إلاّفى ظل نظام وطنى يتبى ويؤمن بضرورة (علمنة مؤسسات الدولة) وأنّ العالمانية (نسبة إلى العالم الذى يضع البشرقوانينه) لاتعنى فصل الدين عن المجتمع ، فالأحمق وحده هوالذى يتصورإمكانية نزع المُعتقد (دينى أومذهبى) من صدورالبشر، وإنما العالمانية تعنى فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية، أى عدم خلط الدين بالسياسة، عدم مزج المقدس باللامقدس والثابت بالمُتغير، والمطلق بالنسبى. هذه الشعوب المحترمة المُتحضرة انطلقتْ من قاعدة قانونية يدرسها طلاب كليات الحقوق فى كل دول العالم ، وهى التفرقة بين الشخص الطبيعى والشخص الاعتبارى ، الأول مثل محمد ومرقص وطاغور، الثانى مثل الشركة والمؤسسة والوزارة. الأول له أنْ يعتنق مايشاء من أديان، الثانى ليس له دين ولايتعامل بالدين، فإذا كانت الوزارة والشركة شخصية اعتبارية ، فمن باب أولى أنْ تكون الدولة State ليس لها دين، لأنّ وظيفتها سعادة مواطنيها فى دنياهم الواقعية، وليس من وظيفتها إرسالهم إلى الجنة، فهذه مسئولية الإنسان. كما أنّ غياب النص على دين مُعين للدولة يعنى أنها حريصة على الحياد المُطلق بين مواطنيها بغض النظرعن دياناتهم، وأنّ هذا الحياد هوالضامن لتطبيق قواعد العدالة ، انطلاقـًا من قاعدة أنه لافرق بين مواطن ومواطن إلاّبعمله وليس بديانته. وبفضل العالمانية حققتْ الهند إنجازًا حضاريًا مُذهلا تتوق إليه كافة شعوب العالم : ففيها رئيس الدولة من الأقلية الدينية (مسلم) ورئيس الوزراء أقلية دينية (سيخ) بينما الأغلبية الدينية (هندوس) هذا المثال الذهبى للعالمانية والساطع مثل شمس بؤونة يقول ويتحدى : هل يُمكن أنْ يحدث هذا فى أية منظومة تتبنى المرجعية الدينية وينص دستورها على دين مُعين ؟ سؤال أجاب عنه أ. خالد محمد خالد فى قوله الحكيم ((وُجد الوطن فى التاريخ قبل الدين. وكل ولاء للدين لايسبقه ولاء للوطن، فهو ولاء زائف)) (روزاليوسف 30/10/1951) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغزوالعصرى لأسلمة شعوب العالم
-
الإبداع المصرى فى مجموعة (عيب إحنا فى كنيسة)
-
الحب والتعددية فى مواجهة الكره والأحادية
-
مِن القومية الإسلامية إلى القومية المصرية : لماذا ؟
-
ثورة يناير والإبداع الروائى
-
الأعياد المصرية : الماضى وآفاق المستقبل
-
الطبقة العاملة واليسار المصرى
-
مجابهة الأصولية الإسلامية
-
التقويم المصرى
-
الحضارة المصرية : صراع الأسطورة والتاريخ
-
السوداء والمشمية - قصة للأطفال
-
الشخصية اليهودية والروح العدوانية
-
ثروت عكاشة : دراما العلاقة بين الثقافة والسياسة
-
الجذور التاريخية لمأساة الشعب الفلسطينى
-
درس من خبرة الحركة الوطنية
-
صياغة التعصب الدينى بالإبداع
-
دستور وطنى دائم أم شخص الرئيس
-
شواطىء العدل والحرية عند رمسيس لبيب
-
السفر الأخير - قصة قصيرة
-
مجابهة التخلف الحضارى
المزيد.....
-
24 ساعة أغاني.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
-
قائد الثورة الاسلامية:فئة قليلة ستتغلب على العدو المتغطرس با
...
-
قائد الثورة الاسلامية:غزة الصغيرة ستتغلب على قوة عسكرية عظمى
...
-
المشاركون في المسابقة الدولية للقرآن الكريم يلتقون قائد الثو
...
-
استهداف ممتلكات ليهود في أستراليا برسوم غرافيتي
-
مكتبة المسجد الأقصى.. كنوز علمية تروي تاريخ الأمة
-
مصر.. حديث رجل دين عن الجيش المصري و-تهجير غزة- يشعل تفاعلا
...
-
غواتيمالا تعتقل زعيما في طائفة يهودية بتهمة الاتجار بالبشر
-
أمين عام الجهادالاسلامي زياد نخالة ونائبه يستقبلان المحررين
...
-
أجهزة أمن السلطة تحاصر منزلا في محيط جامع التوحيد بمدينة طوب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|