|
الاستثناء الجزائري
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 3736 - 2012 / 5 / 23 - 07:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
في مهرجان انتخابي عقد بيوم 27نيسانإبريل،أي قبل أسبوعين من انتخابات البرلمان الجزائري،أعلن قادة (تكتل الجزائر الخضراء)،الذي يضم ثلاثة أحزاب اسلامية،أنهم"يراهنون على تحقيق 350مقعداً برلماني في الانتخابات المقبلة"من أصل 462مقعداً هي مجموع مقاعد البرلمان الجزائري.في يوم10أيارمايو الماضي لم ينل هذا التكتل،وفي انتخابات شهد المراقبون الدوليون بنزاهتها وبعدم وجود سوى شوائب طفيفة فيها،سوى48مقعداً،ولم تستطع الأحزاب الاسلامية مجتمعة أن تنال أكثر من 59من مقاعد البرلمان. كان هذا صدمة كبرى لأنصار التيار الاسلامي الجزائري،لم تنفع عملية تغطيتها بالحديث عن "التزوير وتغيير النتائج"،ومفاجأة لخصوم الاسلاميين،في الداخل والخارج،الذين كانوا،هم والاسلاميون،قد توقعوا أن تكون الانتخابات الجزائرية تتويجاً لنهاية شوط فاز فيه قبل قليل اسلاميو مصر بأغلبية مقاعد البرلمان وفاز فيه الاسلاميون في تونس والمغرب بالمركز الأول وليصعدوا من خلال ذلك لمركز الوزير الأول في البلدين،وقد انبنى هذا التوقع على رصيد الاسلاميين الجزائريين الذين افتتحوا المدِ الاسلامي في العالم العربي بالتسعينيات من خلال فوز كاسح في الانتخابات البلدية والولائية في حزيران1990ثم دفع اكتساحهم الكبير لمقاعد البرلمان بالجولة الأولى عسكر الجزائر إلى ترتيب انقلاب11يناير1992الذي ألغيت من خلاله الجولة الثانية من الانتخابات وحظرت بعده(الجبهة الاسلامية للإنقاذ)،وهو ماوضع البلد في أتون حرب أهلية لعشرة أعوام تالية ذهب ضحيتها150ألفاً من الجزائريين . لم يكن مقنعاً الحديث عن انقسام الاسلاميين ،أومقاطعة بعضهم للإنتخابات،من أجل تفسير ذلك التراجع في انتخابات2012،مادام ذلك معاكساً للأجواء التي كانت قبل يوم10مايو،والتي وصلت بالشيخ عبدالله جاب الله زعيم(جبهة العدالة والتنمية)،التي رعت تأسيسها واطلاقها قيادات من (جبهة الانقاذ)،إلى أن يتصرف في الحملة الانتخابية وكأنه"أردوغان الجزائر"،قبل أن يخذله الناخبون بإعطائه سبعة مقاعد فقط . لايمكن تفسير هذا الاستثناء الجزائري في نتائج الانتخابات من دون ذلك الاستثناء الذي شكلَته الجزائر في عام2011بين الجمهوريات العربية من حيث عدم شمولها ب"الربيع العربي" .لايجد هذا تفسيره في الاقتصاد الجزئري القوي فقط،وإنما يجب أن يضاف له،هذا إذا لم يكن هذا هو الأساس،هزيمة الاسلاميين في مجابهة تلك العشرية الضارية من السنين أمام الجنرالات،وهو ماجعلهم ليس فقط محطمي القوى التنظيمية،وإنما أساساً فاقدين لتلك الهالة المعنوية التي كانوها في أعوام1988-1992بعد أن قادوا انتفاضة 4أوكتوبر1988الجماهيرية ضد العسكر وحكم الحزب الواحد الذي كان واجهة لهم،هذه الهالة التي فقدوها – أي الاسلاميين - بحكم أدائهم الرديء في الحرب الأهلية بفترة مابعد انقلاب10يناير1992وغرقهم في الارهاب الأعمى الذي ترافق مع انقسامهم بين (جيش الإنقاذ)و(الجماعة الاسلامية المسلحة)،هذه الأخيرة التي لم تتورع في عام1996عن اعدام بعض قادة (جبهة الانقاذ)،مثل الشيخين محمد السعيد وعبد الرزاق رجام،الملتحقين بها قبل عامين في "بيان الوحدة"الذي وقعه ومشى به الكثير من قادة ومنتسبي ( جبهةالانقاذ)،والتي لم تمتلكها الوساوس من الدخول في مجازر للمدنيين الجزائريين ذكرَت الكثيرين بفتاوي فرق الخوارج حول "جواز قتل"نساء وأطفال مخالفيهم من المسلمين الآخرين بمافيهم "مخالفيهم الخارجيين". في عام1999دفع العسكر الجزائريين بمدني إلى واجهة الرئاسة لكي يحكموا من ورائه،كمافعلوا مع محمد بوضياف في الستة أشهر التي أعقبت انقلاب 11يناير1992 حتى اغتياله في نهاية حزيران من ذلك العام بظروف غامضة مشوبة بالكثير من الخلاف مع العسكر الذين أتوا به مثل عبد العزيز بوتفليقة في عام1999بعد منفى طويل في الخارج.استطاع بوتفليقة إثر هزيمة الاسلاميين بعام2002أن بخرج من شباك العسكر وأن يكون الرئيس المدني الذي استطاع مالم يستطعه أحمد بن بيللا في أعوام1962و1965من حيث تحجيم المؤسسة العسكرية التي أصبحت ،منذ إحالة رئيس الأركان الجنرال محمد لعماري في عام2004إلى المعاش،خلف قوة الرئيس المدني المنتخب،الذي أحكم قبضته على الأمور مستفيداً من ارتفاع أسعار النفط ومن ميل الجزائريين إلى الاستقرار بعد عشرية عاصفة وهو ماترافق عندهم مع نبذ الأقوياء السابقين:العسكر (1962-1988)والاسلاميين(1988-1992)،قبل أن يدخلا في حرب ضارية حطمتهما معنوياً،وهو ماجعل المنتصر منهما،وهو العسكر في تلك الحرب الأهلية،لايستطيع استثمار انتصاره سياسياً،فيما استطاع بوتفليقة ذلك في فترة مابعد عام2002،وهو الذي أتى به العسكر ليحكموا من وراء ستار منصبه الرئاسي،وليظهر وليمارس فعلياً دور الناقل للجزائر إلى مرحلة"الوئام المدني". من هنا،يجب فهم الأصوات التي أخذها (حزب جبهة التحرير الوطني)في انتخابات10مايو2012والتي قادته للفوز ب220مقعداً،بوصفه حزب مؤسسة الرئاسة،فيمالم يستطع حزب (التجمع الوطني الديمقراطي)،الذي يتزعمه الوزير الأول أحمد أويحيى،الفوز بأكثر من 68مقعداً،وهو الحزب الذي استخدمه العسكر واجهة لاستئناف صراعهم مع بوتفليقة بعد خسارتهم أمامه لجولة 2002-2004،حيث تتركز قواعد هذا الحزب الاجتماعية في منطقة مثلث مدن(باتنة- تبسَة- سوق هراس)التي أتى منها معظم ضباط المؤسسة العسكرية وإطارات الإدارة الجزائرية في مرحلة مابعد استقلال1962حتى قيل "إن من يحكم الجزائر هوB.T.S"، نسبة لتلك المدن الثلاث التي يسكنها (الشاوية البربر)في منطقة جبال الأوراس بالشرق الجزائري. ربمايمكن للمرء أن يجازف من خلال دلالات انتخابات2012للقول بأن الجزائر قد وضعت ورائها من خلال ممر2002-2012مرحلة تداعيات الحرب الأهلية بين عامي1992و2002وقد وصلت إلى مركز وسط،من خلال فوز(حزب جبهة التحرير الوطني) بالانتخابات،لم يجتمع طرفا الحرب الأهلية،أي العسكر والاسلاميون،على العداء لشيء سواه،وهو ماسيجعلهما يجتمعان من جديد على شيء مشترك من خلال مرارتهما من نتائج تك الانتخابات التي جرت في يوم الجمعة العاشر من مايو2012.
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطة كوفي عنان: قراءة تحليلية
-
العلاقة الاشكالية بين اليسار والديموقراطية
-
استقطابات حول سوريا
-
سوريا:المعارض السياسي والشارع
-
موسكو وبكين:الثنائي المستجد في العلاقات الدولية
-
المعارضون الجدد والقدامى
-
نزعة الإستعانة بالخارج في المعارضة السورية(2003-2005)
-
الموجات السياسية
-
حرب باردة من جديد؟..
-
التصلب التركي – الفرنسي حيال الأزمة السورية:محاولة للمقاربة
-
عشر سنوات من الاستقطابات في المعارضة السورية
-
واشنطن والثورات العالمية
-
فراغات الانسحابات الأجنبية من المنطقة
-
تعثر النموذج التركي في ليبيا ومصر
-
العراق:حصيلة احتلال
-
الجزر والمد في السياسة:الاسلاميون مثالاً
-
مابين دمشق وأنقرة 1921- 1957
-
نزعة الاستعانة أوجلب الأجنبي للشؤون الداخلية:العراق نموذجاً
-
استقطابات القوى السياسية السورية أمام مبادرة الجامعة العربية
-
الإستيقاظ الروسي
المزيد.....
-
الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة
...
-
عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير
...
-
كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق
...
-
لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟
...
-
مام شليمون رابما (قائد المئة)
-
مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
-
مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة
...
-
إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا
...
-
نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن
...
-
وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|