سعيد زارا
الحوار المتمدن-العدد: 3735 - 2012 / 5 / 22 - 06:37
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
1- شركة الفيسبوك تغتني على حساب منتجي السلع
نشر السيد ماجد جمال الدين دعوة على جريدتنا الانيرة و هي على الرباط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=308288
, للحوارحول موضوع في غاية الاهمية, ان لم نقل هو الموضوع الذي يجب على كل المهمومين بقضايا البشرية و ليس فقط "النمري و مؤيديه" ان يغوصوا و يسبروا اغواره لعلهم يجدون ممرا للخروج من الكارثة التي تحوم على سمائنا. انطلقت دعوة السيد جمال من حدث هو في غاية الخطورة و هو أن ثروة شركة الفيسبوك قد تجاوزت خلال الاسبوع المنصرم ميزانية العراق"بكل إمكاناته الإنتاجية وطاقاته البشرية" , ليتساءل قائلا :
ماذا تعني كلمة فائض القيمة ؟ وماذا يعني الربح .. وهل هذا الشاب مبتدع الفيسبوك رأسمالي ؟
و يتابع الدعوة متسائلا ايضا: والأهم هل هذا ألنظام ( الرأسمالي ) الذي نعيشه هو مرحلة شاذة في طريق تطورنا كبشر ، أم هو بالفعل طريقنا ألطبيعي و الوحيد الممكن ؟
و لان نية الدعوة الى الحوار هي جادة و كذلك الاهمية البالغة لهكذا موضوع في عصرنا الراهن فلا يسعني الا ان ادلي بدلوي , محاولة مني في الاسهام في حوار جاد و علمي بعيد عن " المواقف المسبقة لطروحات دينية مذهبية وإيديولوجية متحجرة" كما جاء على لسان السيد صاحب الدعوة.
سأستهل مساهمتي بالإجابة على سؤال السيد ماجد الذي جاء في دعوته : وهل هذا الشاب مبتدع الفيسبوك رأسمالي ؟ متجاوزا بذلك السؤالين الأولين : ماذا تعني كلمة فائض القيمة ؟ وماذا يعني الربح ..؟ لسبب وحيد وهو : أن مكتشف فائض القيمة قد شرح و بين بإسهاب ما لا يسمح بأي لبس اكتشافه العلمي في رأس المال و الذي نفاخر به إلى يومنا هذا كماركسيين, أما الغموض الذي قد يكتنف الاكتشاف المذكور إنما هو ناتج عن قصور في قراءة كاتب دليل الطبقة العاملة, و هو -أي ماركس- غير مسؤول على القصور الفكري,على الأقل في مفهوم فائض القيمة, لأي من أولئك الذين اساؤوا لشرح المفهوم, أما عائد راس المال فذلك مشروح في أبجديات الاقتصاد السياسي بكل تلاوينه.
"المبتدع" الشاب مارك زوكربرغ ليس برأسمالي لأسباب واضحة وهي غياب عناصر الإنتاج الرأسمالي فيما ينتجه هذا "المبتدع" الذي وصلت قيمة أسهم "الفيسبوك" الشركة التي أسسها إلى المائة مليار دولار . فما هي هذه العناصر التي حرمت الشاب"المبتكر" من أن يكون رأسماليا؟؟؟
1-راس المال : ليست كل النقود رأسمالا و إن تعدت هذه النقود ميزانية العراق بنفوطه و... و إمكانياتها البشرية
أو حتى الميزانية ذات الأرقام الفلكية للولايات المتحدة الأمريكية , و إن تسببت في جلب ألوان عدة من الأرباح, فهذه الأموال المتكدسة لا تغدو رأسمالا ما لم ترتبط بالعناصر التالية-وهي الغائبة تماما في شركة الفيسبوك- :
2-أدوات الإنتاج: وهي مجموع الآلات التي اشتراها الرأسمالي, و عبرها ينتج العمال القيم الجديدة على شكل سلع التي يستحوذ عليها الرأسمالي خلال عملية الإنتاج ليبيعها في السوق. صديقنا زوكربرغ لا يملك غير حاسوبه المرتبط بالانترنت و هو يوظفه ليس لإنتاج قيم جديدة سيمتلكها و يتوجه بها إلى السوق ليبيعها فيقبض نقودا مقابل تلك القيم, بل صمم برنامج تواصلي على الانترنت بين الأعضاء المنخرطين لتناقل المعلومات مهما كان جنسها , سواء كانت نصوصا أو صورا أو مرئية, فهو بذلك يقدم خدمة للمتواجدين على الشبكة و يسهل الاتصال فيما بينهم بواسطة" فايسبوكه".
3- العمل: يعرف الرأسمالي جيدا أن العمل هو مصدر كل ثروة , لكنه يعي جيدا أن راس المال المتغير و هو قوة العمل بأنه القوة الوحيد القادرة على خلق القيم الجديدة أي البضائع , لذلك تراه عبدا لرأسماله فيسرع إلى تشغيل جيوش من العمال من اجل إنتاج وفير لعله يكسب أكثر فأكثر. دوستان موسكوفيتز مبرمج, ادواردو سافيران (المكلف بالمسائل التجارية), اندرو ماكولوم و هو رسام و كريس هوغيس, التحقوا لمساعدة صديقنا "المبتكر" مارك من اجل انجاز موقعه الالكتروني "فيسبوك" و هؤلاء ليسوا عمالا, لأنهم لم يبيعوا قوة عملهم من اجل إنتاج السلع, بل ساهموا في إنتاج خدمات الفيسبوك.
4-موضوع العمل : و هو بدوره يشمل عنصرين اثنين:
أ- المواد الخام: فهي تشكل المواد الأولية التي يحتاجها الرأسمالي من اجل إنتاج البضاعة. صديقنا صاحب الفيسبوك لا يستعمل أية مادة خام غير مادته الرمادية التي ينتجها دماغه لتقديم خدماته "المبدعة" التي تعدت قيمتها قيمة ما سيكفي العراق من السلع الاستهلاكية لمدة سنوات.
ب- المكان: و هو الفضاء الذي تتآلف فيه هذه العناصر مجتمعة لكي تتحقق عملية الإنتاج الرأسمالي. صديقنا "المبدع مارك و معاونوه" لا يحتاج إلى مكان مادامت العناصر السابقة و الضرورية لأي إنتاج رأسمالي غائبة في إنتاجه.
قد يعود السيد جمال الدين و يقول لنا أن صديقنا "المبدع" قد أنتج فكرة عبقرية و عرف كيف يجني منها أموالا طائلة, و لكن كيف استطاعت فكرة مارك أن تحصد مثل هذه الأموال و في المقابل يتواجد ما لا يحصى من الأفكار التي تفوق تلك التي أتى بها صاحب الفيسبوك عبقرية دون أن تحصل على ابخس قطعة نقدية؟؟؟ فلنقتف إذن أثار الموارد المالية التي يحصل عليها صديقنا "المبتكر" حتى نتحسس ما يجود به مبدعنا لتكون فكرته أفضل من عناصر الإنتاج الرأسمالي مجتمعة و تحصد ملايير الدولارات. تشكل الإعلانات الاشهارية المورد المالي الرئيسي لشركة فيسبوك , فكلما ارتفع عدد زوار موقع صديقنا المبتكر زادت نسبة مشاهدة الإعلانات الاشهارية و بالتالي زادت مداخيل الشركة ارتفاعا. أما قائمة المعلنين الذين يدفعون لصديقنا المبتكر كلما تردد الزوار على الموقع و كلما زاد عدد المنخرطين في شبكة الفيسبوك فيمكن تصنيفهم إلى معلنين يشهرون سلعهم و معلنين يشهرون خدماتهم. كلفة الإشهار التي يدفعها المعلنون الذين يشهرون بضائعا هي من جهد العمال الغير المدفوع الاجر الذين يعملون لصالح هؤلاء المعلنين , أما معلنو الخدمات فكلفة إشهار خدماتهم هي أيضا من جهد العمال الغير المدفوع الذي انتج السلع التي تختبئ في جوفها تلك الخدمة التي يراد إشهارها. حتى أن صديقنا "المبتكر" من اجل أن يجتذب إلى موقعه ماركة ك" كوكاكولا" أو ماركات عالمية أخرى ابتدع برنامجا سماه بتقنية "بايكون" و هي تقنية يتأكد من خلالها المعلنون على صفحة الفيسبوك من أن إرسالياتهم الاشهارية تستقبل و تتلقى من طرف زبناء فعليين. فمداخيل صديقنا المبدع تأتي اذن من جهد العمال الغير المدفوع الأجر المخزون في السلع التي يشهرها معلنوها في موقعه , أي من فائض القيمة الذي أنتجه أولئك العمال و ليس من فائض القيمة للجهد العقلي لصديقنا المبتكر زوكربرغ كما قد يتوهم السيد جمال الدين. الطبقة العاملة هي المعيلة الوحيدة لباقي طبقات المجتمع بمن فيها من ينتمون إلى طيف صديقنا المبدع "مارك" وحتى" بيلغيتس".
تراكم شركة فيسبوك و قبلها شركة ميكروسوفت أموالا فلكية من جهد العمال الغير المدفوع الأجر. بيلغيتس و زوكربرغ من طبقة البرجوازية الوضيعة يتماثلان في طريقة كسب المال, فبلغيتس الذي "يملك" براءة اختراع نظام التشغيل امس دوس وبعده ويندوز رفض أن يبيعه إلى شركة ال" ابم " التي جربت النظام فرأته صالحا لتشغيل حواسيبها , رفض ذلك فاقترح أن يكون له نصيب من مبيعات حواسيب ال"ابم" المزودة بنظام تشغيل ويندوز , فحدد النصيب في عقد تمكن عبره بيلغيتس أن يجني أموالا طائلة و هي أيضا من جهد العمال الذين أنتجوا الحواسيب دون أن يتلقوا كامل قيمة قوة عملهم أو من أولئك العمال الذين ساهموا بشكل غير مباشر في إنتاج هذه السلعة.
يراكم هذان الماكران اموالا طائلا من برمجيات رمز مصدرها سري, يوجد على الشبكة ما يفوقها كفاءة دون ان يتلقى مبتكروها فلسا واحدا مما ابتكروه رافعين شعار : "لا يستحق الاختراع كفاءة اقتصادية", فقد استطاع لينوس تورفالديس ان يبتكر دون مقابل نظام تشغيل انطلاقا من تطويره لنواة لينوكس , و قد اثبتت التطبيقات فاعلية و كفاءة برنامج لينوكس على باقي انظمة التشغيل بما فيها الوندوز, و ذلك بفضل المساهمة الجماعية دون مقابل, بحيث يمكنك تنزيل البرنامج مجانا و معه رمز المصدر المفتوح حتى تتمكن من تشخيصه حسب احتياجاتك و يمكنك اخبار الاخرين بالتعديلات التي قمت بها حتى يتمكنوا من الاستفادة منها ليضيفوا ما يحتاجونه او يلغوا ما لايحتاجونه او يرونه معرقلا لعملية تشغيل الحاسوب, و بدورهم يخبرون البقية بما توصلوا اليه من تعديلات في البرنامج , و هكذا يتطور البرنامج من حسن الى احسن. اما تقنية الاباتشي كمخدم الانترنت فقد اذهلت شركة الاي ب ام بكل جبروتها و مهندسيها ... حتى ان مدير الشركة تفاوض مع مبتكري الاباتشي لشراء البرنامج , فكان رد هؤلاء المبتكرين بالنفي لانهم لاتغويهم النقود بقدرما يسعون جاهدين ان تكون برامج الحاسوب مجانية و في متناول الجميع بدون استثناء. فهل للسيد ماجد ان يقدر قيمة افكار كل من المبدعان الحقيقيان لينوس و بلندروف؟ فهل يستطيع الراسمالي ان يستمر راسماليا و ان صدق على المحتاجين كل بضائعه ؟؟؟ اكيد انه لا يستطيع ان يستمر كذلك لانه مدين باجور العمال و غيرها من المصاريف المتعلقة بعملية الانتاج.
قال الراسماليون في الاقتصاد السياسي باولوية العمل في انتاج الثروة رغم ثقافتهم و افكارهم الرفيعة , فاجتذبوا الى فضاءاتهم جيوشا من العمال لينتجوا اكثر, و بذلك كان يتقدم التاريخ في سكته الحقيقية و ارتقى بنو ادم في انسانيتهم , حتى ان ماركس بارك استعمار بريطانيا للهند لان الراسمالية الصاعدة ذات الانتاج الجمعي لا ترضى الا يالتقدم فتزيح بذلك تلك القيم المتخلفة في كل بقاع العالم, اما هند بنغلور التي تشهد الان كثافة المؤسسات المعلوماتية فلا تزال ترزح تحت نير التخلف, لان انصار اقتصاد المعرفة لا يكترثون لذلك لسبب وحيد وهو وضاعة وسائل انتاجهم فتراهم يدافعون عن مقولات متناقضة كالاصالة و المعاصرة و ما الى ذلك من الشعارات التافهة و الجوفاء.
الحقيقة التي تقود عالمنا الى الكارثة الوشيكة هي تقدم منتجي الخدمات قيادة البشرية امثال بيلغيتس و زوكربرغ فاصبحت منتجاتهم تبادل باضعاف اضعاف قيمتها ان كان لها قيمة اصلا لقاء السلع التي تختزن الجهد البشري بشقيه الذهني و العضلي. نترك للسيد ماجد التامل في سؤاله الاخير الذي ورد في دعوته: فيما اذا كان هذا النظام الذي نعيشه هو حالة شاذة في طريق تطورنا كبشر ام هو المسلك الطبيعي الوحيد و الممكن؟؟ بوجود اقتصاد يفترس العمال حتى الرمق الاخير تحت راية اقتصاد المعرفة فيعطي رونالدو و ميسي ملايين الدولارات لانهم يجيدون حمل الكرة الى مرمى الخصم, و يهدي اوبرا كذلك اموالا خيالية لانها تقدم برنامجا تافها و يعطي الجراح مبالغ طائلة لانه استأصل ورما, و يعطي المحاسب و المحامي و البنكي و وكيل التامين و الجنرال. ... و يحرم العامل من "حقوقه".
#سعيد_زارا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟