أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - من يهين سوريا؟














المزيد.....

من يهين سوريا؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1095 - 2005 / 1 / 31 - 11:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لم يخطر لي على بال أنه سيطلب مني خلال آخر استدعاء إلى أحد أجهزة الأمن في دمشق "التعاون"، أي الوشاية بأصدقائي إلى المخابرات و"كتابة التقارير" عنهم. كنت أتخيل أن ذهنية التعامل مع المعارض عدوا والعمل على إبادته معنويا وسياسيا وأخلاقيا، على طريقة معاملة عشرات ألوف السوريين خلال العقدين الأخيرين المظلمين من القرن العشرين، قد آلت إلى ما تستحق: نفايات تاريخنا. قال الضابط الذي قابلني إن "التعاون بيننا هو لخير الوطن"، ما يعني ان عملي الحالي، الذي لا أعرف إن كان السيد الضابط يعلم عنه شيئا، لا "يخدم الوطن"، أو على الأقل لا يخدمه مثل الوشاية والتلصص على الناس وبذل الجهد للإيقاع بهم وكشف سرائرهم وتسطير التقارير عنهم.
كان استدعاء 29/1/2005 هو العاشر إلى فرع أمن في دمشق منذ أيلول 2001. لكنها المرة الأولى التي يعرض علي "التعاون لخير هذا الوطن" منذ خروجي من السجن آخر عام 1996. لقد ذكرني العرض بـ"المساومات" الأمنية التي كنا نتعرض لها في السجن على يد لجان مختصة: تتعاون معنا مقابل الإفراج عنك. كان الخيار المطروح علينا أن نكون سجناء أو أذلاء، إما أن تخسر حريتك أو كرامتك، ولا مجال لأن تكون حرا وكريما في الوقت ذاته في بلدك، "الوطن". وكانت "المقدمة النظرية" الدائمة لتلك المساومات هي أن المرحلة حرجة والأخطار محدقة في البلاد..، وأن "التعاون" والوشاية ببعضنا بومواطنينا هو دورنا، نحن السجناء، في المعركة الوطنية.
قبل ثلاثة اعوام استدعيت إلى الجهاز الأمني ذاته. كان الشخص (الأرجح أنه برتبة مساعد) الذي قادني إلى مكتب أحد الضباط هو ذاته الشخص الذي قادني هذه المرة إلى مكتب رئيس قسم الأحزاب في الجهاز المذكور. وقتها أعاد علي "المساعد" بالنبرة ذاتها وبالكلمات ذاتها وباليقين ذاته جملة "نتعاون لخير هذا الوطن". أعادها مرات وهو يضع يده في جيبه ويشدد على عبارة "هذا الوطن" إلى درجة تبعث على الظن أن ما في جيبه هو الوطن بالذات، وأنه ربما يظهره في أية لحظة لعيني المتشككة. والواقع أنه في العهد الذهبي لأجهزة الخوف السورية كان كل شيء يقول إن "الوطن" هو شيء لا يلتقيه المرء إلا في غرف التحقيق أو في أقبية التعذيب في تلك الأجهزة. المعادلة الضمنية هنا: الوطن هو المخابرات، والوطنية هي القدرة على التعذيب مع الحصانة التامة من اي عقاب، والوطنيون هم الجلادون. هذا القلب التام للقيم منبع ثر ودينامي لخراب الوعي والرابطة الوطنية.
لكن في ذلك "الاستدعاء" قبل ثلاث سنوات، وقد كان الثالث بعد أيلول 2001، امتنع الضابط عن عرض "التعاون" علي، ربما شعر بأن من غير اللائق أن يعرض على سجين سابق أن يبيد نفسه أخلاقيا وسياسيا. فضباط الأمن وعناصره يعرفون جيدا مغزى عرضهم، ولذلك بالذات يعرضونه علينا، كمثقفين وناشطين وسياسيين معارضين. لسان حالهم يقول المثقف الجيد هو المثقف الميت.
هذه المرة وفي بداية عام 2005 لم يمتنع الجهاز عن عرض "التعاون لخدمة هذا الوطن" علي، تاركا لي ان استنتج أن "وطني" يستفيد مني واشيا بينما قد يتضرر مني مثقفا، يحتاجني ميتا أخلاقيا وسياسيا وليس حي الضمير مستقل الرأي.
لكن ربما اتساءل: ما هذا الوطن الذي يستفيد من كتابة التقارير أكثر من كتابة المقالات والدراسات؟ وما حال الوطن الذي يتقدم فيه الواشي على المثقف؟ بل لا يثبت المثقف أهليته الوطنية إن لم يكن واشيا؟ وهل مثال المواطن الصالح الواشي معدوم الضمير و"كتيب التقارير"؟
لست مواطنا وليس هذا وطني! وطني يقيم في الزنازين لا في المكاتب الفخمة، ويمشي على قدميه أو ينحشر في "السرفيس" ولا يركب المرسيدس والهامر، ويعيش من جهده لا من سلطته الامتيازية، ويسكن بيوتا بائسة لا في فيلات ومزارع!
من يهين سوريا ومن يصونها ويحفظ كرامتها؟
دمشق 29/1/2005



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اصول تناقضات السياسة الخارجية السورية
- تعاقد سوري لتقاسم تبعات سلام مفروض
- لبنان المستقبل لا يبنيه لبنانيو الماضي!
- السوريون والسياسة الأميركية: هل من جديد؟
- محددات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
- نقد ثقافة الضحية
- بين النقد والاتهام
- نقد ذاتي
- معاناة -السيد ياسين- ومغامراته في عالم -الصحيح الواقعي-
- مفهوم لخط الفقر السياسي
- عن الحرب العادلة والإرهاب والدولة
- سوريا ممكنة دون معتقلين سياسيين!
- قانون الأحزاب وتحرير الحياة السياسية في سوريا
- المستحيلات الثلاث في -الشرق الأوسط-
- سوريا غير المتطابقة مع ذاتها
- حلفاء ضد التحليل: التبريريون والتشريريون في معركة الإرهاب
- أجهزة أمن اكثر = أمن اقل؛ والعكس بالعكس
- موت آخر المحاربين
- مشاركة في انتخاب الرئيس الأميركي!
- اي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 2 من 2


المزيد.....




- فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني ...
- إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش ...
- تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن ...
- الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل ...
- تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
- بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
- تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال ...
- -التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين ...
- مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب ...
- كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - من يهين سوريا؟