أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - التجاني بولعوالي - -حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة -1















المزيد.....

-حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة -1


التجاني بولعوالي
مفكر وباحث

(Tijani Boulaouali)


الحوار المتمدن-العدد: 1095 - 2005 / 1 / 31 - 11:03
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


ملاحظة: كتب هذا المقال على ضوء مقتل الفتى المغربي علي البياتي بمدينة أمستردم

مدينة الهدوء التي ينتابها الشغب!

لقد قامت القناة الهولندية الثانية أواخر العام الماضي باستقراء للرأي على الصعيد الوطني، وبثته في برنامج يحمل عنوان (المدينة الأحسن في هولندا). حيث تم اختيار أحسن مدينة لسنة 2004، التي كانت مستريخت، وآمن مدينة التي هي خرونينكن، وأحسن والي الذي هو والي مدينة مستريخت السيد خيرد ليرس، وأشار البرنامج كذلك إلى أن مدينة أمستردم تعتبر الأولى، من حيث عدد القتلى الذين تم إحصاؤهم طوال السنة الفارطة. وهذا المعطى الواقعي نابع من طبيعة التركيبة البشرية لهذه المدينة، التي تحاول مسح علامات التوتر والغليان من على وجهها الصبوح، الذي تعلوه أطياف وألوان مختلف الثقافات واللغات والأعراق والمعتقدات، لكن لا تفلح في ذلك، فكلما عادت إلى صمتها المطبق الذي يشبه ذلك الصمت الذي يعقب العاصفة، أو إلى سكوتها المهيب التي يمكن وصفه بسكوت النهر الذي لا ينبغي الثقة فيه، كما يقول المثل المغربي: ثق في الواد الهرهوري (الصاخب) ولا تثق في الواد السكوتي (الهادئ)، أي أن النهر الصاخب بحركة مياهه المتلاطمة أهون من النهر الهادئ، الذي قد يخدعك بهدوئه الذي ينطوي على خطورة غير متوقعة، ودلالة هذا المثل تنطبق كذلك على الإنسان وغيره من الكائنات والموجودات.

وأمستردم في ظاهرها مدينة ثقافية تجلب إليها الملايين من السياح، حتى أنك عندما تتمشى في شوارعها المنتظمة، أو تتابع ما يجري عبر ساحاتها الشهيرة، أو تزور متاحفها العتيقة، تحسب أن اختيارك قد وقع على عالم هادئ يحفل بأسباب التعايش الثقافي والتواصل الحضاري والتمازج الفني، فتحلم بالبقاء فيها أطول، أو العودة إليها في أقرب وقت ممكن، لكن هذا الهدوء الجميل يخفي خلفه صخبا مروعا وشغبا قاتلا، لا تصدقه إلا لما تقرأه في الجريدة أو تشاهده عبر الشاشة، أما عندما تكون منخرطا في إحدى عوالم أمستردم الثقافية أو الترفيهية فلا تكترث بحكايات الصحافة وأراجيفها.

لكن، هذا هو الواقع الحقيقي الذي ينبغي التسليم به، فأمستردم رغم بهائها ورونقها وتفردها، فإنها تملك وجها آخر كله مساويء ومثالب، حيث تشير الإحصائيات إلى أنها أول مدينة من حيث جرائم القتل على المستوى الهولندي، هذا ناهيك عن السلوكات المنحرفة الأخرى، كالسرقة والاغتصاب والمتاجرة في المخدرات أو تعاطيها وغير ذلك، لكن اللافت للنظر أن هذا الوجه السلبي لمدينة أمستردم، كثيرا ما يعتبر الإعلاميون أو السياسيون الهولنديون أنه نتيجة للوجود الأجنبي بهولندا بعامة والوجود الإسلامي والعربي بخاصة، فاغلب الجرائم المسجلة يتم نسبها إلى المهاجرين من أصول إسلامية أو عربية، دون التحري الموضوعي لأسباب وملابسات ما يرتكب من سلوكات منحرفة، إذ كلما نزلت نازلة بالمدينة إلا وهب الإعلام ليشير بأصابع الاتهام إلى أبناء المهاجرين المشاغبين، فيصطف المواطنون الهولنديون في صفه، فيصيرون ضحايا للمؤسسة الإعلامية المتواطئة مع الأجهزة السياسية، وهم لا يدركون أن ذلك المسلك الذي تنتهجه الصحافة الهولندية إنما يزيد الطين بلة، فكلما توغل الإعلاميون في اتهام مكونات الجيل الأخير، ووصمه بالانحراف والتمادي إلا وكان رد فعله أثقل على المجتمع الهولندي عموما.

وحتى نكون منصفين، يجب أن نثبت أن الجرائم التي تقترف داخل مدينة أمستردم أو غيرها من المدن الكبرى، لا يذهب ضحيتها دائما الهولنديون الأصليون، بقدرما تكون نتائجها سواء بسواء، لكل الأطراف التي تشكل المجتمع الهولندي المتعدد الثقافات، وآخر جريمة قتل كانت مدينة أمستردم مسرحا لها خير شاهد على ذلك، حيث ذهب ضحيتها شاب من أصل مغربي لم يبلغ بعد سنه العشرين، غير أن الإعلام الهولندي وحتى بعض السياسيين راحوا - كما نعهد منهم دوما - يوجهون الحدث وجهة غريبة حيث صار الجلاد هو الضحية، والضحية هو الجلاد! فعوض ما يتم تناول الجريمة من حيث هي جريمة وبموضوعية ولو نسبية، نرى أغلب الوسائل الإعلامية تركز على سبب الجريمة وملابساتها، وهل يستحق الضحية أن يصنع به ذلك أم لا، ولماذا فعل ذلك، والبادئ أظلم وغير ذلك من المبررات والذرائع، التي لا نلفى لها أثرا في الصحافة الهولندية، إذا كان الضحية أو المقتول تيو فان خوخ أو أستاذ تيرا كوليج الذي قتله التلميذ ذو الأصل التركي أو غيرهما من النماذج. وهذا الحدث يجعلنا نستحضر مقتل امرأة هولندية مدمنة قبل أكثر من سنة على يد بعض الشباب من أصل مغربي، وذلك نتيجة السرقة التي قامت بها تلك المدمنة، حيث أقام الهولنديون، سلطة وإعلاما وشعبا، الدنيا وأقعدوها، رغم أن تلك المرأة مذنبة، فلم يقولوا أن هذا القتل إنما كان بسبب جريمة السرقة التي اقترفتها، ولم يرددوا مثل هذا الكلام الغريب الذي تطالعنا به اليوم وسائل الإعلام الهولندية المختلفة.

بشاعة الجريمة بين نفاق المسؤولين ورياء الإعلاميين

ما حدث للشاب المغربي (علي البياتي) الذي قتل مساء الاثنين16 يناير 2005، من قبل امرأة هولندية تبلغ 43 سنة، يجب اعتباره جريمة شنعاء بكل المقاييس، حيث تحكي امرأة من أصل تركي عاينت من شرفة منزلها كل أطوار سيناريو القتل، أن الجانية رجعت إلى الوراء بسيارتها، فصدمت بقوة جسد الضحية الذي صار محبوسا بين مؤخرة السيارة وبين شجرة تنتصب على جنب الشارع، وراحت تحرك سيارتها إلى الأمام ثم ترجعها إلى الخلف لتوجه ضربات قاتلة للجسد المحجوز بالشجرة، حتى زهقت روح الضحية، وأثناء مجريات هذه الجريمة كانت تلك التركية تصرخ بكل قواها في وجه القاتلة علها تعود إلى صوابها وتقلع عن فعلتها، هكذا وصفت تلكم الشاهدة تفاصيل ذلك القتل، الذي قالت عنه الصحافة الهولندية وعلى لسان أكثر من مسؤول وسياسي أنه لم يكن متعمدا، وأن الضحية تلقى صدمة واحدة بالسيارة فمات على إثرها! ثم ما يمكن ملاحظته هو أن الصحافة ركزت على سبب القتل لتخفف من وقع الجريمة، الذي هو سرقة محفظتها اليدوية من سيارتها، فتقرأ سواء في العناوين المخصصة للحدث أم في المضامين عبارات وإشارات تجمع على مقتل لص وليس مقتل مواطن، كأن ليس ثمة قانونا يسري على جميع المواطنين، كيفما كانوا، شرفاء أم غير شرفاء، مستقيمين أم منحرفين، إلا أن الإعلام يمارس سلطته كما تسوغ له أهواؤه الأيديولوجية.

والطامة الكبرى أن بعض السياسيين والمسؤولين المهمين يتخلون في تفسيرهم لمثل هذه الأمور عن الجانب الموضوعي، فينطلقون مما تمليه عليهم عواطفهم الجياشة، كأنهم يشتغلون على كتابة نص إبداعي يقتضي الفهم الذاتي والعاطفة الفياضة، كما فعل وزير المالية خريت زالم في أعقاب مقتل فان خوخ، حيث قال بصريح العبارة (هولندا في حرب) فكانت النتيجة وخيمة، إذ تعرضت العديد من المؤسسات الإسلامية للحرق والتخريب. على نفس المنوال سارت وزيرة الاندماج والقضايا الأجنبية ريتا فردونك في تعاملها مع مقتل الهولندي من أصل مغربي (علي البياتي)، عندما لم تدن تلك الجريمة، ورأت أن الضحية لو لم يسرق لظل حيا، أو بالأحرى لظل من على دراجته النارية! وقد راح الوزير الأول بالكيناند يدافع عن وجهة نظر الوزيرة، وصرح بأنها لم تبرئ ساحة القاتلة، إلا لتخفف من التوتر الذي قد يشهده الواقع الاجتماعي، كما أنه رأى أن ملاحظتها، حول أن الضحية لو لم يسرق لبقي حيا، جد صحيحة. في حين ذهب البرلماني المستقل فيلدرس، الذي يسعى إلى تأسيس حزب معادي للإسلام والمسلمين، بعيدا عندما ماثل بين هذا الأمر وبين قضية الإرهاب، كما استغرب أن تتابع هذه الجانية قضائيا. لكن وزير العدل دونر استخلص أنه إذا كانت قضية ما في يد العدالة، فالمألوف أن لا تطلق بشأنها الملاحظات. ونفس الأمر أكده الخبير في القانون الجنائي ب. تاك، الذي قال أنه على السياسيين أن يحبسوا ألسنتهم ويدعوا الأمر للقضاء.

إن ما صرحت به وزيرة الاندماج أثار انتباهي، وجعلني أغير نظرتي إليها، لأنني إلى حدود ما قبل تصريحها هذا، كنت أكن لها احتراما كبيرا، ولو أنها تنتمي إلى حزب ذي توجه يختلف والقناعة التي أومن بها. لقد اغتنمت فرصة وجودي بإحدى المناظرات التي قامت بها أواخر العام الماضي جمعية FORUM بمدينة أمستردم، والمناظرة كانت بعنوان:(إرهاب أو تقليد، نحو رؤية معاصرة حول الإسلام في هولندا) انطلاقا من البحث الذي قام به الكاتب جابريال فان دن برينك، حيث كانت الوزيرة حاضرة، وألقت كلمة معتبرة لها صلة بموضوع المناظرة، وبعد اختتام المناظرة قمت بتعارف شخصي معها، وتم نقاش جانبي بوجود مجموعة من الشباب المغربي حول بعض القضايا المهمة، فتبين لي أنها بالرغم من انتمائها إلى ذلك الحزب، فهي تحترم الآخر وتقدره وتتعامل معه على أساس من التعاون والتواصل الإيجابي، وفي الأخير سألتها بعض الأمور الخاصة على انفراد، فمنحتني عنوانها الإليكتروني ونصحتني بمراسلتها.

غير أن هذا الموقف الأخير الذي سجلته الوزيرة بخصوص هذه الجريمة النكراء، جعلتني أتساءل بمرارة؛ كيف يعقل لإنسان محنك يقف على رأس مؤسسة حساسة تتبنى مشروعا ليس بالسهل، يسعى إلى إدماج الأجانب والجنوبيين في بنية المجتمع الهولندي إدماجا إيجابيا، يخدم مصلحة الكل على أساس من الأخذ والعطاء، من نيل الحقوق وأداء الواجبات، كيف يعقل له أن يتفوه بكلام لا يقوله إلا المسرحيون قصد النفاذ إلى ذوق الجمهور وتلبية رغبته بالفرجة والإثارة ونحو ذلك؟ لو أن إنسانا عاديا قال مثل هذا الكلام لسلمنا به، لأنه لا يمس بفحوى ذلك الكلام إلا مخاطبيه المعدودين، أما أن يتردد هذا على لسان وزيرة الاندماج والقضايا الأجنبية، وعبر شتى وسائل الإعلام مكتوبة كانت أم مرئية أم مسموعة، فهذا معناه أن تلك المبادئ المثالية التي يتباهى بها المجتمع الهولندي من ديموقراطية ومساواة وحرية رأي وحقوق إنسان، أضحت ضربا من الخداع والخيال والتضليل...



#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)       Tijani_Boulaouali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر داء
- الموت على طريقة الكوبوي! نرجسية الأمريكي بين ولاء الآخر وتحد ...
- الموت على طريقة الكوبوي! نرجسية الأمريكي بين ولاء الآخر وتحد ...
- الموت على طريقة الكوبوي! نرجسية الأمريكي بين ولاء الآخر وتحد ...
- نشيد الغضب
- أزمة الإعلام البصري الوطني وتحديات المستقبل
- حوار مع المفكر العربي د. حسن حنفي
- بنية الثقافة الهولندية والحضور الأجنبي
- أيها الأفاضل؛ هنيئا لكم ولو كنتم حزانى!
- رغيف الأسى - شعر
- ثقافة الحوار أساس التعايش الإيجابي بين كل مكونات المجتمع
- مقاربة موضوعية لكتاب انهيار الصنم للكاتب العربي د. خالد شوكا ...


المزيد.....




- هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش ...
- القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح ...
- للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق ...
- لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت ...
- مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا ...
- رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
- الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد ...
- بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق ...
- فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
- العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - التجاني بولعوالي - -حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة -1