|
الصحافة المصرية بعد الثورة.. -أعطني حريتي أطلق يديا-
محمد أبو زيد
الحوار المتمدن-العدد: 3731 - 2012 / 5 / 18 - 17:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل قيام الثورة المصرية، بأشهر قليلة، قام رئيس حزب الوفد، السيد البدوي، والذي كان مرتبطا بعلاقات وثيقة مع النظام، بشراء جريدة "الدستور"، التي كانت الأعلى صوتا ضد مبارك، ومشروع التوريث، وبعدها بأسابيع قليلة قام بإقالة رئيس تحرير الجريدة، إبراهيم عيسى، وأطاح بمعظم صحفييها، لتدخل الجريدة التي طالما عارضت نظام مبارك، ثلاجة التحنيط. ما حدث زاد الاحتقان في الشارع الصحافي المصري، لكن الجميع كان يعرف أن هذه هي طريقة أمن الدولة، في الإطاحة بمعارضيها، إما بحبسهم، أو إغلاق صحفهم، او تهديدهم، وإن أمكن شرائهم، وكان الجميع يعلم أن مبارك يريد تكميم فم الصحافة تماما، فالصحافة القومية "الرسمية"، التي تسبح بحمده، لم تعد هي المؤثرة في المصريين، بل برزت صحف أخرى خاصة، كانت بمثابة المؤرق للنظام. ساهمت الثورة، في رفع سقف حرية الصحافة تماما، بل يمكن الإطاحة بهذا السقف تماما في بعض الأحيان، حتى الصحف القومية، الأخبار والأهرام والجمهورية، والمعروفة بولائها التام للحكومة، رغم غرقها في الدفاع عن نظام مبارك إبان أيام الثورة الثمانية عشر، إلا أنها بمجرد إعلان خطاب التنحي، كانت أول من يهتف ضده. صحيفة الأهرام التي خرجت بعد اليوم الأول للثورة في 25 يناير، بمانشيت رئيسي يتحدث عن مظاهرات في إيران، وفي اليوم التالي لموقعة الجمل، كان مانشيتها الرئيسي يتحدث عن الملايين التي تبايع مبارك في الشوارع، لكنها في اليوم التالي للتنحي، خرجت بعنوان كبير يقول "الشعب أسقط النظام"، كان هذا هو لسان بقية الصحف الحكومية. حالة الارتباك التي حاقت بالدولة المصرية، بعد الثورة، لحقت بالصحف القومية، التي فقدت من كانت تدين له بالولاء، فأخذت تتخبط، لكن بوصلتها، عادت مرة أخرى للتوجه، إلى المجلس العسكري، الذي أصبحت تدين له بالولاء وتدافع عنه، وبعد الانتخابات البرلمانية أصبحت تدين بالولاء لجماعة الإخوان المسلمين، وأصبح قيادات الجماعة التي كانت تصفها هذه الصحف ب"المحظورة"، قبل الثورة، هم نجومها، وكتاب مقالاتها، وأبرز من تجري معهم الحوارات، بل إن صحيفة الأهرام، نشرت أول مقال في تاريخها، الذي يمتد لأكثر من 130 عاما، مقالا للمرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع، مع إشارة في الصفحة الأولى، وهو ما اعتبره محللون، التحول الأكبر في الصحف القومية. صعود الإخوان في الصحافة، لم يأت بسيطرتهم على الصحف القومية، ولا بتأسيسهم أول صحيفة يومية باسم حزبهم "الحرية والعدالة"، ولكن ظهر أكثر وضوحا مع سيطرتهم على نقابة الصحافيين، بعد أن تم اختيار ممدوح الولي، المعروف بانتماءاته الإخوانية، نقيبا. لكن الصحف القومية، المكبلة بإرث إداري، لم تتخل تماما عن مشاكلها الداخلية، وولاءاتها القديمة، حتى مع تغيير رؤساء تحرير صحفها، ومجلاتها، والذين لم يحدثوا تغييرا يذكر في المحتوى المهني، حيث ظلت تعاني من فساد إداري ومالي قديم، وشهدت عددا كبيرا من الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات ضد مسئوليها، ويتردد أن الدستور القادم، قد يتجه إلى خصخصة هذه الصحف، وفصل ملكيتها عن الدولة. الكاتب الصحافي الكبير، محمد حسنين هيكل هو الظاهرة الأكثر بروزا، بعد الثورة، فبعد أن كانت الصحف القومية، تنشر صفحات للهجوم عليه، إرضاء لهيكل ونظامه، عاد هيكل ليصبح هو نجم الصحافة الأول، وتتنافس الصحف، على نشر تصريحاته في صدر الصفحات الأولى، والتنافس على الحوار معه، وقبل أيام نشرت جريدة الأخبار حوارا معه على ثلاث حلقات، سبقته حملة دعائية استمرت حوالي أسبوعا. شارع الصحافة، عقب الثورة، شهد ميلاد عدد جديد من الصحف الخاصة، لكن كان المشهد الأبرز هو الصحف المحسوبة على التيار الإسلامي، فلأول مرة تشهد مصر، صحيفة يومية ذات ميول إسلامية، وهي صحيفة المصريون، فضلا عن صحيفة الحرية والعدالة، الإخوانية، وصحيفتين أسبوعيتين، هما النور، الناطقة باسم حزب النور السلفي، وصحيفة الفتح، التابعة للشيخ محمد حسان المحسوب على الجبهة السلفية. شهدت أيضا مصر ميلاد، جريدة التحرير، التي رأس تحريرها، إبراهيم عيسى، بعد أن أطاح به نظام مبارك، من رئاسة تحرير جريدة الدستور، قبل الثورة، وربما تبدو هي الصحيفة الأكثر تمايزا وسط عدد من الصحف الأسبوعية الصادرة، وإن كانت غير مؤثرة، مثل فيتو، والمشهد، فضلا عن تحول موقع اليوم السابع، إلى جريدة يومية. الاهتمام الشبابي بالثورة، وبصناعة القرار السياسي في مصر، جعل المشهد الأكثر بروزا في شارع الصحافة المصرية، هو ظهور الصحافة الشبابية بشكل أكثر واضح، ففضلا عن أن الصحيفتين الأسبوعيتين الشبابيتين عين، ووشوشة، تحولتا إلى السياسة، التي أصبحت تدعم الشباب الثوري، ظهرت عدد من المجلات الشبابية، التي يحررها شباب ثوريون، مثل الثورجية، يمكن اعتبارها ناطقة باسم ميدان التحرير، فضلا عن تحول مجلتي "إحنا"، و"كلمتنا"، الشبابيتين لذات الهدف. التنوع الصحفي، في مصر، ربما يمكن رصده، من خلال حملات دعم مرشحي الرئاسة التي تنظمها بعض الصحف، فمن المعروف أن جريدة اليوم السابع، تقوم بتلميع المرشح للرئاسة الفريق أحمد شفيق، بينما تقوم جريدة التحرير بالاعتناء بالدكتور محمد البرادعي، بينما تميل جريدة الكرامة إلى حمدين صباحي، فيما تنتظر الصحف القومية المرشح الذي سيدعمه المجلس العسكري، لمساندته. لعبة المال السياسي، في الفضائيات، استطاعت أن تجر الصحف في طريقها، عن طريق فرق إعداد البرامج، فقناة CBC استطاعت أن تسحب ثلاث رؤساء تحرير إلى صفها، عن طريق تقديمهم برامج، وهم مجدي الجلاد رئيس تحرير المصري اليوم، ولميس الحديدي رئيس تحرير جريدة العالم اليوم، وعادل حمودة رئيس تحرير جريدة الفجر الأسبوعية، والتي يقال أن مالك القنوات سيدعمه لتحويلها إلى صحيفة يومية، ويرى البعض أنه بهذا الشكل يستطيع رئيس القناة أن يضمن ثلاث صحف تروج له ولقنواته، نفس الأمر يتكرر مع قنوات الحياة، التي يسيطر على فرق إعدادها صحفيو جريدة المصري اليوم، وقناة النهار، التي يقدم رئيس تحرير اليوم السابع خالد صلاح برنامجها بها، ويروج لها في جريدته وموقعه، إلى آخر التربيطات الأخرى. لكن التربيطات تم الكشف عنها بصورة فجة، عندما كان يقدم الإعلامي حافظ الميرازي برامجا باسم توقيت القاهرة، على قناة دريم، وعرض شريط فيديو قديم لمجدي الجلاد رئيس تحرير المصري اليوم، وهو يؤيد جمال مبارك، لكن القناة في الإعادة حذفت هذا الجزء، وعندما هدد الميزازي بترك القناة، كان رد المحطة أنها لا تريد أن تخسر علاقاتها مع الصحيفة ورئيس تحريرها. المشهد الصحفي في مصر، على الرغم من ذلك، يبدو متشابها، ما بين الصحف القومية، والصحف الحزبية، والصحف الخاصة، التي قد يحركها في بعض الأحيان، أهداف صحاب رأس المال، لكن سقوط مبارك، الذي كان يسبح البعض بحمده، ويعاديه البعض الآخر، جعل العدو واحدا، وهو النظام السابق، لكن الولاءات مختلفة.
#محمد_أبو_زيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
برامج التوك شو .. -من يصرخ أعلى-
-
سينما باراديسو
-
الأول من أيار ..... عيد العمال العالمي
-
ناصية باتا..لعبة اسمها الحياة
-
رئيس لكل مواطن
-
منصور حسن..رئيس في الوقت بدل الضائع
-
رشح نفسك للرئاسة .. واكسب بالونة هدية
-
رمانة ميزانة الليبراليين أمام تحالف الإسلاميين
-
القصيدة الخراب
-
ركوب الموجة
-
الضنا غالي
-
ليس كمثله شيء
-
هل أنقذ الله اليونسكو من الفنان فاروق حسني ؟
-
أسباب وجيهة لكراهية المثقفين
-
لا عزاء للسيدات
-
سأقابل الله وأشكوكم له
-
وثائق طه حسين السرية .. ليست سرية
-
يوتوبيا الشعر
-
الكتابة بأسماء مستعارة في الصحافة المصرية بين الحاجة و تصفية
...
-
هل تنتظر الصحافة القومية في مصر رصاصة الرحمة ؟
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|