|
الإبداع المصرى فى مجموعة (عيب إحنا فى كنيسة)
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3731 - 2012 / 5 / 18 - 03:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإبداع المصرى فى مجموعة (عيب إحنا فى كنيسة) طلعت رضوان هل يمكن للأدب أن يُعيد صياغة الواقع الاجتماعى إبداعيًا ؟ خاصة اذا كان هذا الواقع يفرض لغة أحادية ، تحرص على إقصاء المختلف ، وتُكرّس للأنا (الصواب المطلق) الذى يرى المختلف معه أنه (الخطأ المطلق) ؟ وهل يحق للمبدع أن يدخل الى حقول الألغام المحظورة ، خاصة اذا كان انتماؤه للعقيدة التى يؤمن بها ، ولكنه يرفض التعصب الذى يمارسه غيره من المؤمنين بذات العقيدة ؟ تداعت فى ذهنى هذه الأسئلة بعد قراءتى للمجموعة القصصية (عيب إحنا فى كنيسة) للباحث والأديب روبيرالفارس الذى كنتُ أعتقد أنه متخصص فى الدراسات الاجتماعية فقط ، فإذا به أيضًا يكتب أدبًا قصصيًا متميّزًا. والكتاب صادرعن دارميريت للنشر2009 . البطل فى قصة (نكت الملائكة) طبيب يهجرالطب ويدخل الدير. ورغم أن رئيس الدير كلفه بتقشيرالثوم ، ورغم مبدأ الطاعة العمياء ، فإن كبرياءه ظل أصل وجوده. وكان استدعاء رئيس الديرله لإنقاذ سائحة جاءت فى زيارة للديروهى على وشك الوضع ، المفجرالذى سيحسم اختياره. يقول لرئيس الدير: إننى طبيب باطنة. ثم كيف وأنا راهب أخدش نظرى بجسد امرأة عارية ؟ فيكون رد رئيس الدير: أن الريفيات الأميات يمارسن توليد الحامل ولم يتعلمن الطب فى الكليات. أما اذا كنتَ تخشى النظرالى جسد المرأة فعليك أن تقلع عينيك. هذا هو الحل. وبعد أن يقوم الطبيب / الراهب بمهمة التوليد ، فإنه ينزع ملابس الرهبنة وتُشرق ملامح وجه زميلته وفاء تُنيروجدانه. وقال لنفسه : إن كانت قد تزوّجت فالبنات كثيرات ، ودفء الأطفال منتهى اللذة. مفتاح فك الغموض الفنى فى قصة (خنق رقاب الملائكة) فى نهايتها ، البطل فى البداية يذهب الى الكنيسة للصلاة. وهويكتب الشعرالذى يراه (أبونا يوحنا) مخجلا. وأثناء الصلاة فإن عقله يذهب به الى حبيبته التى تم اغتصابها وماتت أمام عينيه. القصة لاتهتم بذكرهوية المغتصبين ، وتًركز على الحالة الوجودية للبطل الذى تطارده روح حبيبته القتيلة المغتصبة. وأنها هى ملاكه الحارس. ولكن هذا الملاك (فى ذهن البطل المضطرب نتيجة صدمة الاغتصاب والموت) يراه مربوطًا فى عمود ، ثم يتحول الملاك الى صورة حبيبته وهى تقف شبه عارية وجسدها يترقرق كالعسل الأبيض المذاب فى البخور. وفجأة يرى السياف ينزل من سيارة بى. إم. دبليو. ويُخرج سيفًا ويأخذ فى ذبح الحمام. وعندما يرى الملائكة لاتفعل شيئًا يهجم عليها ويخنقها. ويستمرعقله الباطنى فى الربط بين الدم النازف من حبيبته التى يراها فى عمود الكنيسة فى شكل ملاك ، وبين الدم النازف من الحمام المذبوح. وحتى بعد أن عاد اليه وعيه ، ورغم العلاج فى المستشفى ، فإنه يقول للأب يوحنا أن حبيبته ظهرت له فى الكنيسة وهويصلى ، فينفجرالأب قائلا ((الكنائس لا تظهرفيها غيرالعذراء مريم . متى تفهم هذا ؟ الحب ومحنة اختلاف الديانة فى القصة الثانية من (ثلاثية فرعونية) يُعالج الكاتب مشكلة الصراع الأبدى بين العشاق الذين يُرفرف الحب فى سماء وجودهم ، ويُمزقه التعصب الناتج عن اختلاف الديانة. تبدأ القصة بظهورنجم أخناتون (وهوالاسم الذى اتخذه لنفسه آمون / حتب الرابع 1372- 1354ق. م ابن آمون / حوتب الثالث وزوج نفرتيتى) والذى كتب عنه علماء المصريات أنه اشتهرككاهن ، أما كملك فكان نكبة على مصر. وعندما عاد المصريون الى عبادة آلهتهم المتعددة ، بما فيها عبادة آمون ، أطلقوا على أخناتون (مجرم أخيتاتون) لأنه تخلى عن مقاومة الحيثيين أعداء مصر. وأنه ألغى التعددية ((ومحا الأساطيرالتى كانت تقول بأن النيل هوالإله أوزيرالذى تم تجاهله فى كل الوثائق الأخناتونية)) وأنه كان يريد ((دينًا عالميًا ، يحاول أن يحله محل القومية المصرية التى سبقته)) (برستد- فجرالضمير- من ص 312- 336) الفتى العاشق فى القصة دخل أهله فى الدين الجديد ، والفتاة العاشقة يتمسك أهلها بعبادة آمون. ويقول الفتى لها : لماذا لاتًغيرون عقيدتكم وينتهى الأمر؟ وعندما يدافع عن أخناتون تقول له : عليه اللعنة. لقد زرع الفرقة والتعصب. قبله كان كل من يشاء يعبد ما يشاء. فلماذا يريد أن يفرض إلهًا بالقوة علينا ؟ تمسّك كل من الفتى والفتاة بعقيدته. وبعد عدة أيام من هذا اللقاء حرق أتباع آتون معبدًا لآمون أثناء الصلاة. وعندما علم الفتى بما حدث جرى الى حطام المعبد. أخذ يُفتش بقلب متفحم بين الجثث المتناثرة. وجد ضفيرة حبيبته السنبلية وعليها حروف اسمه. هذه الضفيرة بدأ بها الكاتب قصته فكتب ((ضفائرها سنابل قمح فى عيونه للأبد بدعوات الأم المقدسة. تكون مخلصة كإيزيس وأنت حكيم كحورس . ويبعد عنكما كل (عين) ست بركة رع)) وهكذا قضى- ولايزال- التعصب الدينى على الحب . الحب والصراع بين جمال الروح وقبح الجسد فى قصة (الحرب مع مارى) تنويعة أخرى للتعصب. الفتاة أميمة تهجرالديربعد أن دخلته برغبتها. وتُعذبها عيون الجيران الذين لم يغفروا لها هجرالديربعد أن كانت ستصبح ((أمنا الراهبة)) ولكنها تقول إن ((حال الديرلم يُعجبنى)) كما يُعذبها جسدها ، فهى تصف شعرها بنبات الحلفا الشيطانى. وعينيها أضيق من حظها فى الحياة. وجسدها كليف النخل ((لم تجد الطبيعة أى رمزأوغصن أو ورق أنثوى تعطيه لى)) أما أنفها فأفطس وأكبرمن ((حقدى على مارى)) فمن هى مارى ؟ إنها غريمتها الجميلة التى تزوّجها ابن خالتها وفضّلها عليها. تبدأ القصة بوصف الوحدة القاتلة التى تعيشها أميمة. وأنها حبيسة غرفتها ومنقطعة عن العالم الخارجى. يأتى ابن خالتها (الذى غيّراسمه من سامى الى القس الأب يوسف) وكانت تحبه وتأمل فى الزواج منه ، جاء ليُخرجها من عزلتها ويحصل على اعترافها. فى هذا اللقاء تعترف أميمة لنفسها بأن مارى أجمل منها ((فشعرها نهروعيناها خمر)) ولكن لماذا تركها ابن الخال وتزوّج مارى ؟ تقول لنفسها ((ما الذى جعلنى لا أصلح لك. هى تحمل مؤهلا عاليًا وأنا كذلك. ثقافتى الدينية أفضل منها. ولكنك أردتَ امرأة تتباهى بها وتليق فى الهيئة الاجتماعية كزوجة لكاهن)) لذلك فإن أميمة بعد تجربة الديرترى نفسها ((لقد شعرتُ أنه ليس لى مكان على الأرض أوفى السماء. أردتُ أن أسكن فى نجمة وأحترق معها لعلّ نارها تطبخنى من جديد أنثى جميلة)) ولم يكن ابن خالها الذى هجرها الى جمال الجسد السبب الوحيد فى تعميق مأساتها مع دمامة وجهها ، لأن أمها أيضًا ساهمت فى هذا الإحساس بقولها ((كل فوله مسوّسه ولها كيّال أعمى)) وتتعمق المأساة أكثرعندما تقول لابن خالها الذى جاء ليحصل على اعترافها أنها أحبته وأنه لمّح لها بهذا الحب ، فإنه يرد عليها بالرد الصاعق : ليس ذنبى. وهل هى جريمتى أنا ؟ ثم قال لها (( لقد تحوّلتُ الى (أب) وهذا يعنى أن جميع البنات بمثابة بناتى فإسمعينى يا ابنتى)) فإن المونولوج الداخلى لهذه النفس المعذبة يتواصل ((هل أتمكن بهذه السهولة أن أنزعك من دمى وكيف لى أن أخرجك منه. كيف لى أن أبترالخلايا التى تسكنها وأحرق روحى)) وعندما يئس منها قال لها : عليك بالصلاة والصوم . فقالت لنفسها : الشياطين فقط هى التى تخرج بالصوم والصلاة وليس الحب. تُريدنى أن أعترف يا أبى ؟ وتكون ذروة هذا الموقف الإنسانى لهذه النفس البائسة عندما تقول ((أنت يا أبى خطيئتى الكبرى. جعلتنى أكره ملامحى . سامحك الله)) . أدان روبيرالفارس التعصب. وكانت رسالته- بلغة الفن- أن الأحادية تقتل الحب بين البشروأن الحياة لاتزدهرإلاّ بالتعددية. *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحب والتعددية فى مواجهة الكره والأحادية
-
مِن القومية الإسلامية إلى القومية المصرية : لماذا ؟
-
ثورة يناير والإبداع الروائى
-
الأعياد المصرية : الماضى وآفاق المستقبل
-
الطبقة العاملة واليسار المصرى
-
مجابهة الأصولية الإسلامية
-
التقويم المصرى
-
الحضارة المصرية : صراع الأسطورة والتاريخ
-
السوداء والمشمية - قصة للأطفال
-
الشخصية اليهودية والروح العدوانية
-
ثروت عكاشة : دراما العلاقة بين الثقافة والسياسة
-
الجذور التاريخية لمأساة الشعب الفلسطينى
-
درس من خبرة الحركة الوطنية
-
صياغة التعصب الدينى بالإبداع
-
دستور وطنى دائم أم شخص الرئيس
-
شواطىء العدل والحرية عند رمسيس لبيب
-
السفر الأخير - قصة قصيرة
-
مجابهة التخلف الحضارى
-
الإبداع بين الدراما والسياسة
-
أوديسا التعددية الثقافية
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|