أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع)بصدد المجتمع الديمقراطي والايكولوجي - 2















المزيد.....

الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع)بصدد المجتمع الديمقراطي والايكولوجي - 2


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1094 - 2005 / 1 / 30 - 11:45
المحور: القضية الكردية
    


يجب أن يكون الصراع الذهني متماشياً مع القيم المعنوية. فإذا ما لم تُكتَسَب المعنويات والأخلاق مع الذهنية، سيكون ثمة شكوك وريبة في الحصول على النتائج، أو تأمين ديمومتها. إذا ما وضعنا نصب العين حقيقة النظام القائم في تجريده المروِّع المجتمعَ من الأخلاق، سنجد أنه من الضروري أن تمثل السلوكيات والشخصيات والمؤسسات الأخلاقية الكافية والضرورية للمجتمع، ذاتَها فيه. فأي تواجُه مع الفوضى يكون مفتقراً إلى الأخلاق، قد ينتهي بابتلاع الفرد والمجتمع على السواء. على الأخلاق ألا تتغاضى إطلاقاً عن التقاليد الاجتماعية، بل وأن تضيف أخلاق المجتمع الجديد بما يتناغم ويتوافق معها. من الضروري بعد الآن إيلاء أهمية خاصة للسياسات والوسائل اللازمة في عملية إعادة بناء المجتمع أثناء مرحلة الفوضى، تجاه مؤسسات ووسائل السياسة المقحَمة في حالة الأداة الديماغوجية على يد النظام المهيمن.
على الأحزاب والانتخابات والمجالس والإدارات المحلية أن تتداول المشاكل العالقة شكلاً ومضموناً، وأن تجد وسائل الحل اللازمة لها، باعتبارها المؤسسات السياسية القادرة على لعب دورها المنوط بها في تحقيق بناء المجتمع الديمقراطي والأيكولوجي. يجب أن تكون أواصر التنظيم السياسي والعملية السياسية على قدر من الكفاءة والكفاية مع المجتمع الديمقراطي والمشاعي والبيئي. ثمة حاجة ماسة لتجسيد هذه التقربات العامة بشكل ملموس ومرئي، إزاء مرحلة الفوضى. يمكن أن تجري عمليات خروج النظام والشعب من الفوضى في حال امتلاكها القُدُرات التحولية. فقد تسفر المداخلات الصغيرة عن نتائج مهمة. وقد تكون مرحلة الخروج من الفوضى قصيرة أو طويلة المدى (بشرط ألا تقل عن عشر سنين، وألا تزيد عن خمسين سنة).
إذا ما حاولنا إسقاط احتمالات الحل للأطراف المعنية ضمن هذا الإطار، فسنجد أنها ستحدَّد وفقاً للصراع القائم بين القدرات التحولية لقوى النظام المهيمن في الخروج من الأزمة والفوضى بالزعامة الأمريكية من جهة، وبين قدرات الشعوب التحولية في الخروج منها من جهة ثانية. فالأزمة لا تجلب معها الانهيار التلقائي للأنظمة الموجودة وتأسُّس الجديدة منها. بيد أن الانهيار أو التحطم ذو معنى نسبي. فالتقييمات الباطلة التي سادت الآداب الاشتراكية في الماضي، من قبيل "الرأسمالية الزائلة"، و"الإمبريالية أسَدٌ من ورق"، و"لن تخرج من الأزمة والوهم مرة ثانية"؛ لا تذهب أبعد من كونها قيمة دعائية. من جانب آخر، فالتقربات المشحونة بالإيمان والاعتقاد بـ"إمكانية الانتقال إلى أشكال أكثر تقدمية" كضرورة لا بد منها، محدودة في سريانها. فالانحسار والتقهقر أيضاً ممكن، وبكل سهولة. علاوة على أن تحديد مدى تقدمية الرأسمالية ككل متكامل، لا يزال موضوع جدالات محتدمة. وقوى النظام المهيمن، نسبةً إلى قوى المجتمع، تعد أكثر تزوداً وتسلحاً بالمعلومات، ومعبأة بالجيش والسلطة، ومتميزة بالتجربة والخبرة. كما أنها تستحوذ على ثروات واسعة وفيرة بين يديها. ثمة مجالات واسعة النطاق لتأسيس النظام الجديد، أو لقمع النظم المعادية؛ وإلا فشراء ذمتها، أو التساوم والوفاق معها.
ثمة نقطة أخرى مهمة تستدعي تنويرها، ألا وهي أن انتقاد الرأسمالية لا يعني تعتيمها من الجذور. وأن كل الرأسماليين – كأفراد – ليسوا متساوين كأسنان المشط. فقد يقوم النظام الرأسمالي بالانطلاقات على مختلف أنواعها:
أولاً؛ بإمكانه ترميم ذاته، بيد أنه فلح في ذلك بُعَيد الحربين العالميتين الأولى والثانية. هذا وقام بالترميم أيضاً بعد حروب عدة بلدان أخرى. ثانياً؛ بإمكانه تحديث مذاهبه التي جرَّبها سابقاً، ليحقق انطلاقته. هذا وبالمقدور تسيير التسلسل المحافِظ الاجتماعي المجرَّب بكثرة، ضمن أشكال أكثر جذرية. فالنظام يمتلك قدرات تحولية واسعة النطاق. وهو خبير في تطوير النماذج. ثالثاً؛ بإمكانه عقد وفاق واسع الإطار مع القوة المناهضة له، كطريق وسط، لدى رؤيته أنه سيتكبد الخسائر الفادحة. رابعاً؛ من المحتمل أن يرى مناسباً القيام بتغييرات كبرى، عوضاً عن فقدان كل شيء. وقد قامت النظم الحاكمة على مر التاريخ بالعديد من التغييرات المشابهة في أوقات الأزمة الحرجة. كما وأُحدِثَت تغييرات على هذه الشاكلة، وبكثافة، في تاريخ الرأسمالية أيضاً.
إن المفهوم القديم القائل بأن "النظام صلب. فإذا ما ولج الأزمة، سيصعب عليه الخروج منها"، ليس واقعياً كثيراً. ومثل هذه المفاهيم هي يمينية الفحوى، رغم مظهرها اليساري. حيث تسفر عن حالة من الانتظار الفارغ للانهيار التلقائي، وكأنها تود التربع على ما هو جاهز. فحتى الفاكهة المستوية لا تؤكل ما لم تُقطَف. الأنكى من ذلك، أنه عندما لم يَنهَر أو يتحطم النظام كما كان منتظَراً، بات أصحاب تلك المفاهيم يشككون في أفكارهم وعقائدهم في هذه المرة؛ مع أن ما جرى هو تعريف خاطئ للنظام، وعدم صياغة الفرضيات الصحيحة لتغيرات النظم وتحولاتها.
إن مساعي النظام الأمريكي في إدارة ذاته داخل الأزمة واضحة للعيان تماماً. فهو متنبه لمسؤولياته كي لا يصاب فيها بجرح بليغ. وفيما يتعلق بذلك، تعد التقييمات المفرطة القائلة بتوسيعه إمبراطوريته؛ إنما هي ناقصة الفحوى. إذ لا جدال في أن النظام يشير إلى الكثير من الأمارات التي شوهدت لدى انهيار الإمبراطورية الرومانية، ويقوم مثلها بالعديد من الترميمات والتحديثات. من الجلي أن التقطب الأحادي لقوة النظام الإمبراطورية بحاجة ماسة لجهود إضافية. فالتوسع الحاصل بعد انهيار السوفييتات عام 1990، كاد يكون تلقائياً، مهما كان. لكن على النظام الاعتراف بأن هذا التوسع لا ينبع من قوته، بل من عدم قبوله أي فراغ.
علينا التبيان بأهمية بارزة، بأن الإمبراطورية ليست نظاماً ابتكرته أمريكا، بل إنها لاقت أمريكا مع اتخاذها شكلها الأخير مع الرأسمالية، بعد تاريخ مديد طيلة النظم البارزة. إنها مجرد استلام من الإنكليز. والإمبراطورية هي التي وجدت أمريكا، لا أمريكا هي التي وجدتها. لربما كانت أمريكا القوة الأسهل تحولاً إلى الإمبراطورية، في العالم أجمع. وقد جرى توسع الإمبراطورية بغير رغبة منها نسبياً من جهة، وكضرورة فرضت ذاتها عليها نسبياً من الجهة الثانية. لكنه لن يقود إلى خروجها من الأزمة. بل على النقيض، سيساهم في غرقها فيها أكثر فأكثر. فالمناطق التي تم التوسع فيها، تتميز بفوضاها العميقة. والأزمات الإضافية التي ستتسبب فيها كل من العراق وأفغانستان لوحدها، ساطعة أمام الأنظار.
خلاصة، لا مفر لأمريكا في أعوام الألفين من تكوين أشكالها الجديدة اللازمة لها كقوة تُعتَبَر هي الأدنى إلى الإمبراطورية. وهذا ما لا يتوافق وحقيقة السلطة القتالية. إذ ليس بمقدورها التراجع إلى الخلف بالقوة العسكرية والاقتصادية والمعلوماتية المحدودة التي بحوزتها. تتمثل وظيفتها الأولى في إدارة شؤون النظام داخل الأزمة. هذا ما مؤداه إدارة التوترات والحزازيات الموجودة – دون أي صراع – ضمن علاقات ودية قريبة مع كل من الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وروسيا وغيرها من الدول المشابهة. أي عدم تكرار الدخول في صراعات مع قوى النظام، مثلما جرى في الحربين العالميتين. إضافة إلى عدم الدخول في حروب ملتوية مع بعض القوى بما يشابه حرب فييتنام. بل، وعلى العكس، السعي لتأمين مشاركات تلك الدول في تشاطر عبء النظام العام. لهذا الغرض يتوجب عليها القيام باستخدام الأجهزة الإقليمية والدولية، من قبيل صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، والمنظمة التجارية العالمية. من هنا، فستتوخى الحساسية الفائقة لإبعاد أمريكا اللاتينية وأفريقيا عن سلوك أية مواقف قد تجذِّر أزمة النظام فتحرجه. وكذلك الانتباه لعدم السماح بأية انقطاعات راديكالية من حلقاتها الضعيفة. وما برز للوسط في كل من كوبا، فنزويلا، هاييتي، وليبيريا، وغيرها من البلدان؛ ليس سوى فرض الرقابة على القوى المناهضة للنظام، والمحتمل ظهورها، بل وحتى سحقها إن تولدت الظروف الملائمة.
يتم إعداد مشروع جديد على الصعيد الجيوبوليتيكي بالنسبة لأمريكا، في البلدان الإسلامية الواقعة في منطقة الشرق الأوسط المترامية الأطراف، والمسماة بالمنطقة الأعمق في أزمتها؛ بحيث يكون هذا المشروع أشبه بمخطط مارشال الثاني للنظام الرأسمالي. يبدو أن هذه المحاولة المسماة بـ"مشروع الشرق الأوسط الكبير" ضرورة لا بد منها كي يتمكن النظام الخروج من الأزمة، قبل تلقيه الضربة القاضية. وبدون إلحاق هذه المنطقة بالنظام السائد، فإن مصادر الطاقة الأولية من جهة، والظواهر الاجتماعية الثقافية والدينية من جهة ثانية؛ ستُقحِم أمريكا في حالة لن يهدأ لها بال فيها. ولن تقف القوى المتميزة بمرتبة الإمبراطورية مكتوفة الأيدي إزاء هذه الحقائق. لذا، بُذِلَت المساعي لإدارة المنطقة بشكل استعماري وشبه استعماري رأسمالي، خلال القرنين الأخيرين. وكُبِتَت أنفاس شعوب المنطقة بالاعتماد على بنى الدولة الاستبدادية. لكن – ومع ذلك – لم يحصل إلحاقٌ ذو معنى بالرأسمالية. وتجذَّرَ الصراع العربي – الإسرائيلي الاستراتيجي أكثر فأكثر. وتحامل الإسلام الراديكالي على خالقتِه أمريكا. أما أنموذج الدول القومية المؤسَّس ضمن حدود مرسومة ومُقاسة بالمسطرة؛ فأسفر عن انغلاق ثابت قالبي ورجعي. في حين أن القوموية والديانوية والدولتية كادت تخنق مجتمعات الشرق الأوسط كدرع محصن لا مثيل له في العالم. من هنا، ثمة حاجة لفكرة المشروع الجديد. المهم هنا هو، كيف ومع أي من القوى سيرى هذا المشروع النور؟ وأي نظام سياسي واقتصادي سيتخذه أساساً؟ وكيف ستردُّ شعوب المنطقة عليه؟
هذه هي المسألة الأساسية. بالتالي التناقض الأولي، على الصعيد الجيوبوليتيكي، بالنسبة للنظام بالزعامة الأمريكية، سواء بحلفه الناتو، أو بهيئته للأمم المتحدة. فالهدف المستهدَف الآن هو "الإسلام الصلب" أو "فاشية الإسلام" (عوضاً عن الفاشية والشيوعية سابقاً). إن قوى النظام وأذياله يشعرون بالضيق والسخط من موجة "العولمة" التي يتم إعلاؤها بالزعامة الأمريكية. نخص بالذكر هنا تزايد ردود فعل الجمهوريات والديمقراطيات الأوروبية مع مرور الأيام. حيث تولي العناية الفائقة لعدم السماح بسحق الدول القومية وجهازها العلوي (الاتحاد الأوروبي). وتُبذَل المساعي على قدم وساق لتجربة البدائل المتمثلة في حقوق الإنسان والبورجوازية الديمقراطية تحت ظل ترسانة (مِجَنّة) الاتحاد الأوروبي. والتوازن الأمريكي هو السياسة الأساسية المتبعة. هذا وتصب جهود روسيا والصين واليابان والبرازيل في نفس المصب.
بشكل عام تشكِّل الدولة القومية المؤسسةَ الأكثر ملاقاة للمصاعب تجاه الميول الإمبراطورية الأمريكية. في الحقيقة، فالدول المتوسطة الحجم – والأصغر منها – والتي كان من الواجب أن تصبح دولة ولاياتية واحدة منذ زمن بعيد؛ تشبه في مساعيها – نوعاً ما – التجذيف عبثاً بعكس وجهة التيار. من المحتمل أن تعترف أغلبية تلك الدول – وبكل صدق – بتبعيتها من جوانب عديدة، وأن تتخلى عن غرورها القوموي القديم، لتمتثل لقواعد العولمة الجديدة. وما من خيار آخر أمامها. حيث تكاد تنعدم الظروف الداخلية والخارجية المساعدة على المواجهة والتحدي اعتماداً على خوض تجربة "سوفييتية" ثانية، وعلى الاستمرار في صون استقلاليتها المحدودة. فأحلام اليقظة للثورة القديمة لم تعد تمثل "التقدمية" إزاء النظام القائم، بل تمثل التزمت والتعصب. وكأن البيروقراطية المتزمتة لن تقدر على الحصول على قسط وافٍ من التأمين والضمان من التحرر الوطني التقدمي. حيث لا النظام الموجود، ولا أمريكا، ولا حتى الشعوب القابعة في الأسفل؛ قادرة على بلع ذلك وهضمه. ومرحلة الاستبداد والتنمُّر والأوليغارشيات القومية المعتمدة على التوازن الأمريكي – السوفييتي قد أُوصِدَت أبوابها.
إلى جانب تمتع النظام القائم بأفق يمكِّنه من توسيع إطار العلم والتكنولوجيا أكثر، إلا أن الشروط الاجتماعية تشكل عائقاً حقيقياً أمامه. فزيادة العرض على الطلب تُبقي العلم والتكنولوجيا غير فعالين من حيث التجديدات. مع ذلك فبمقدورهما لعب دورهما في حل مشاكل الحشود الغفيرة من الشعوب. هذا بدوره غير ممكن إلا بالمجتمع الديمقراطي والأيكولوجي.
إنْ نظرنا إلى مستقبل النظام بالزعامة الأمريكية خلال ربع وحتى نصف القرن الآتي، فمن المحتمل ولوجه في مرحلة الجزر، لا المد. فكل الدلائل تشير إلى أن عناصر الجَزْر تضاهي بفارق ملحوظ عناصر الصمود أو الاستمرار كما هو عليه. وحتى إذا شاء مواصلة وجوده الحالي، فلن يمكنه ذلك إلا بتقوضه وتقزمه، لا تعاظمه. لأجل ذلك، سيستمر في التقوض في كيانه العسكري البالغ أبعاده العملاقة، تجاه الاتحاد السوفييتي والحركات التحررية الوطنية، وسينتقل إلى زمن الجيوش التقنية الأصغر حجماً.
رغم ما يقال بأن الهدف هو البؤر الإرهابية والمخدِّرة من جهة، والأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية التي تصنِّعها الدول المهذارة الطائشة من جهة ثانية؛ إلا أن خطر انكسار النظام وانقصام ظهره، يكمن أساساً في المستجدات العليا الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط. وكون هذه المستجدات متخطية للإمبريالية والاستبدادية، ودانية أكثر إلى النظم الديمقراطية والمشاعية؛ إنما هو الاحتمال الأقوى، عوضاً عن كونها ذات نوعية إسلامية راديكالية كما يُظَن. فإذا ما لم يوضع الشرق الأوسط تحت المراقبة والضبط عبر الأنظمة الاستبدادية والقوموية والديانوية والدولتية؛ فقد تقوم البنى الجديدة بدور ريادي للأمثلة الحلاّلة في الخروج من الفوضى. فالتحركات الاجتماعية المبتدئة في أفغانستان والعراق، والتي ستستمر في موضوع إسرائيل وفلسطين أولاً، لتتجذر أكثر في كردستان؛ إما أنها مضطرة للعثور على أمثلتها الحلاّلة، أو إنها ستلعب دورها في تجذير الفوضى الموجودة أكثر فأكثر.
بالتالي، فإن القوة العسكرية للنظام الحالي، وفي مقدمتها حلف الناتو والائتلاف الموجود في العراق وهيئة الأمم المتحدة ككل متكامل؛ سوف تبحث عن الحل في هذه الأرضية الجيوبوليتيكية.
تتطلب طبيعة التناقضات في المنطقة الأساليب الاقتصادية والديمقراطية أكثر منها العسكرية. فإن حصلت المساندة الاقتصادية والديمقراطية بالأرجح، والمداخلة العسكرية بأقل تقدير، وحققت خروج منطقة الشرق الأوسط من الأزمة التي هي فيها؛ فسيتبين لحد ما، نموذج العالم خلال الخمسين سنة القادمة كتقدير أوسطي. يتمثل مضمون هذا الأنموذج في "النظام الاقتصادي والديمقراطي المتعاظم، مع دول وجيوش محَجَّمة". إذ من غير الوارد احتمال خروج النظام من الأزمة، ما لم تُحجَّم الدول من جانبها الذي تكون فيه كمستودعات للمصاريف الهائلة (الأزمات المالية، الخلل في الميزانيات). وكأن التقدم على خلفية مجتمع المعلوماتية واقتصاد الشركات المتعددة القوميات، وتطوير الإدارات المحلية العامة، وتخطي الدول القومية المتبقية من القرن التاسع عشر؛ يمثل المنهاج المشترك للنظام بزعامة أمريكا. وقد تبرز اتحادات استبدادية إقليمية أوسع نطاقاً من صنف الاتحاد الأوروبي. ومن المحتمل – كجزم نظري مسبق – بروز الاتحادات العالمية والإقليمية إلى الأمام، في حين لا يُنتظَر اندلاع حروب عالمية جديدة. وقد تتخلى الدول والشركات والقوميات والأيديولوجيات المتبقية من القرن التاسع عشر عن مكانها، لتحل محلها الكيانات السياسية (شبة الدولة، شبه الديمقراطية)، والاتحادات الاقتصادية الفَوقومية (فوق القومية)، والمجموعات الثقافية الإقليمية، والذهنيات والسلوكيات الفلسفية الاجتماعية التي تضع الأخلاق في المقدمة.
مر النظام الرأسمالي بحروب كبرى في القرن العشرين، بعد أن كان يوجِّه العالم برمته بإرادة أحادية – تقريباً – حتى أواخر القرن التاسع عشر. وأهم نتيجة نمَّت عنها الحروب هي العجز عن إدارتها العالم، رغماً عن إرادة الشعوب. فالشعوب، ورغم عجزها حتى الآن عن تأسيس نظمها الذاتية؛ إلا إنها بلغت الوضعية التي تخولها للإعراب عن إرادتها الديمقراطية إزاء سلطة الدولة والسياسة. الاحتمال الأكبر هو أن تشهد المرحلة المقبلة، خلال ربع وحتى نصف القرن، نشاطاً فعالاً في وجهة أنظمة الشعوب الديمقراطية. الاحتمال الآخر هو انتعاش ثقافاتها، التي هي بمثابة أثمن خزينة افتقدتها، في هذه المرحلة؛ وعودتها ثانية إلى حياتها وأوساطها الخاصة بها. فبَتْرُ الشعوب عن حقائقها الثقافية، ولَّد معه نتائج أشد حدة من المجازر الجسدية أو الاقتصادية، ومن عمليات النهب والسلب.
خلاصة الكلام؛ الاحتمال الأقوى هو أن المرحلة المقبلة قد فات الأوان فيها على زمان الإرادة الأحادية للرأسمالية. وأن ما ينتظرنا فيها هو تجاوز الشعوب للشوفينية والحروب المشحونة بالنعرات القوموية، وفرضها دمقرطة ذاتها وسلامها، والتحامها بحقيقتها الثقافية والمحلية. ما يندرج ضمن هذا الاحتمال هو عدم قيام الشعوب بذلك بمفردها. بل بالاشتراك مع النظام ذي الدولة النواة – ولكن ببناها المحجَّمة والمقوَّضة – وعلى خلفية مبادئ واضحة. وبدلاً من البنية الطبقية والجنسية والإثنية والثقافية السلطوية لحضارتنا؛ ستتحول خلال فترة تاريخية مصيرية إلى "الحضارة العالمية الديمقراطية" التي تعترف بقيم الشعوب الديمقراطية والمشاعية، والمنفتحة نحو الحرية الجنسية، والمتخطية للقمع الإثني والقومي، والمعتمدة أساساً على التعاضد الثقافي.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية(مشاريع) بصدد الم ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني اللب التاريخي للقيم المشاعية والد ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ - اللب التاريخي للقيم المشاعية ...
- الدفاع عن شعب الفصل الاول / ه- الدولة الراسمالية والمجتمع ال ...
- الدفاع عن الشعب الفصل الاول د- المجتمع الدولتي الاقطاعي ومجت ...
- الدفاع عن شعب الفصل الاول ج- المجتمع الدولتي وتكون المجتمع ا ...
- الدفاع عن شعب-الفصل الاول ب – المجتمع الهرمي الدولتي – ولادة ...
- الدفاع عن شعب -الفصل الاول آ – المجتمع الطبقي
- الدفاع عن شعب -الفصل الاول
- الدفاع عن شعب


المزيد.....




- هيومن رايتس ووتش: ضربة إسرائيلية على لبنان بأسلحة أمريكية تم ...
- الأمم المتحدة: من بين كل ثلاث نسوة.. سيدة واحدة تتعرض للعنف ...
- وزير الخارجية الإيطالي: مذكرة اعتقال نتنياهو لا تقرب السلام ...
- تصيبهم وتمنع إسعافهم.. هكذا تتعمد إسرائيل إعدام أطفال الضفة ...
- الجامعة العربية تبحث مع مجموعة مديري الطوارئ في الأمم المتحد ...
- هذا حال المحكمة الجنائية مع أمريكا فما حال وكالة الطاقة الذر ...
- عراقجي: على المجتمع الدولي ابداء الجدية بتنفيذ قرار اعتقال ن ...
- السعودية.. الداخلية تعلن إعدام مواطن -قصاصًا- وتكشف اسمه وجر ...
- خيام غارقة ومعاناة بلا نهاية.. القصف والمطر يلاحقان النازحين ...
- عراقجي يصل لشبونة للمشاركة في منتدى تحالف الامم المتحدة للحض ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع)بصدد المجتمع الديمقراطي والايكولوجي - 2