|
الضربة القاضية - إنتخابات الجزائر التشريعية 2012
عمر دخان
الحوار المتمدن-العدد: 3728 - 2012 / 5 / 15 - 17:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ضربة قاضية تلك التي تلقاها الإسلامويون في الجزائر (بكافة تياراتهم) يوم العاشر من مايو الفائت. ضربة قاضية بحق وجهها الشعب الجزائري لكل إسلاموي لازال يراوده حلم إقامة إمبراطوية الظلام الإسلاموية على أرض الجزائر، و حلم تحويل الجزائر إلى دولة خلافتهم الموعودة، حيث تقطع الرؤوس و الأطراف، و يجلد العشاق و تكسر الحانات، و حيث يعتبرون هم و مقربيهم مواطنين درجة أولى، و يحتل مساندوهم المغرر بهم المرتبة الثانية، بينما يحتل بقية الشعب الجزائري المرتبة الثالثة (و هو الأساس الذي تتعامل به الأحزاب الإسلاموية مع كل من ليس مسانداً لها، أو "أخاً ناشطاً" معها). جاءت تلك الضربة لتخرس كافة جماعات الإسلام السياسي في الجزائر، و هي الجماعات ذاتها التي كانت تتشدق حتى الحظة الأخيرة قبل الإنتخابات بأن "الشعب في جيبها" و بأنها "ستفوز بالأغلبية الساحقة" نظراً لأن الأمر محسوم لصالحها، و تمادى الكثير من قادة تلك الجماعات الإسلاموية في ذلك الهراء الإعلامي إلى الحد الذي جعل أحدهم يصرح لجريدة جزائرية بأنهم قد قاموا بتشكيل الحكومة القادمة مسبقاً، و هم الآن فقط ينتظرون النتائج ليقوموا بتعيين وزرائهم. كل تلك التصريحات الغير منطقية التي سبقت الإنتخابات لا يفسرها سوى إحتمالان. الأول، أن قادة الأحزاب الإسلاموية يعيشون في عالم آخر يحبه فيهم الجميع و تستعد الشعوب فيه للتضحية من أجلهم، لأن جولة سريعة في شوارع أي مدينة جزائرية (أؤكد، اي مدينة جزائرية) ستجعلك تدرك مدى كراهية الشعب لهم، و لكل من يستخدم الخطاب الديني لتحقيق فوائد سياسية ككل. أما الإحتمال الثاني فهم إدمانهم الكذب على الجميع، حتى على أنفسهم. حيث أنه بالرغم من إدراكم بأن الخسارة حتمية و لا مفر منها، يواصلون التظاهر بأنهم هم المنتصرون، و يواصلون توعد كل من يقف ضدهم في المنافسة بالخسارة و الثبور، و هو الأمر الذي حصل لهم هم أنفسهم في الأخير. مازاد من وقع الصدمة عليهم بعد الإنتخابات هو إعتراف العالم أجمع بنزاهة تلك الإنتخابات و شفافيتها. حتى بعض الدول و الجهات التي تدعم الإسلامويين لم تجد مفراً من الإعتراف بنزاهة الإنتخابات و إستحالة حدوث تزوير فيها أو تلاعب بنتائجها، و بأن هذه الإنتخابات كانت تعبيراً صادقا عن شعور الشعب الجزائري تجاه الإسلامويين، و هو شعور يلخصه الرفض التام و الحاسم لكل الخدع و الألاعيب الإسلاموية المغموسة بالعسل المسموم. تأثير الصدمة جعل الكثير من الإسلامويين يفقدون التوازن و ينطلقون في إطلاق التصريحات و التهديدات العشوائية، و بلغ بعضهم حد إطلاق ما يشبه التهديدات ضد الدولة و الشعب الجزائريين، مهدداً بإتخاذ "إجراءات صارمة" إن لم تقم الدولة بإلغاء نتائج أكثر الإنتخابات نزاهة في التاريخ الجزائري الحديث. إسلامويون آخرون من خارج الجزائر أطلقوا مختلف أنواع الشتائم على الشعب الجزائري لمجرد أنه لم يصوت لهم و لزبانيتهم، ناسين أنه هذا هو الشعب ذاته الذي لم يتوقفوا عن مدحه في إنتخابات 1992 لمجرد أنه سمح لهم بخداعه و صوت لهم. أسباب هزيمة الإسلامويين كثيرة، و لكن ما لعب دوراً مهما فيها هو نفاقهم المفرط و تلون مواقفهم بشكل مثير للإشمئزاز، هذا بالإضافة إلى قصص فضائح الإسلامويين المادية و الأخلاقية و التب تنتشر بكثير في أوساط المجتمع الجزائري، و هو ما ساهم في زيادة بغض الجزائريين لكل إسلاموي يأمرهم بشيء، و يقوم بعكسه دون حياء أو خجل. أيضاً، الثراء الذي ظهر فجأة على الكثير من القيادات الإسلاموية، وإدمانهم للمآدب و الولائم و تقديم الخدمات لأصحاب المال و النفوذ على حساب المواطن البسيط، و تفرغهم للنكاح و جمع الأموال، كل ذلك جعل الشعب الجزائري يدرك حقيقتهم أكثر فأكثر. هذا طبعا دون أن ننسى فشلهم الذريع في إدارة كافة المدن التي حصلوا عليها في إنتخابات سابقة، حيث لاحظ الكثير من الجزائريين الفرق الشاسع في وضعية المدن قبل و بعد إستلامهم لها. و الأمر الآخر هو السياسة العنصرية التي يمارسونها مع كل من لم يكن من "الجماعة"، حيث أنهم يقدمون محسوبيهم و أتباعهم و مريديهم قبل بقية المواطنين، و بشكل فاضح لا يحاولون حتى إخفائه. فهم مسلمون (مواطنون) درجة أولى، و "العامة" - كما يطلقون هم عليهم - أو بقية الشعب الجزائري هم مسلمون (مواطنون) درجة ثانية. تهديدات الإسلامويين الجزائريين – خاصة الذين ينشطون من داخل الجزائر – ليس لها أي معنى أو مفعول حقيقي، لأن أي تحرك من طرفهم لتهديد إستقرار البلد سيقابله الشعب بقوة، و أستند في كلامي هذا إلى واقع ردود فعل الكثير من المواطنين الذين تحدثت معهم بعد إطلاعهم على بعض البيانات الوعيدية من بعض الأحزاب الإسلاموية. أما السبب الثاني لكونها عديمة المعنى فهو أنهم يدركون جيداً أن النظام الجزائري لا مجال للعبث معه عندما يتعلق الأمر بأركان النظام الجمهوري القائم في الجزائر، خاصة و أن الإسلامويين هم الوحيدون الذين يريدون تدمير النظام برمته و إستبداله بنموذجهم الخاص المستورد من أفغانستان و إيران، أما أحزاب المعارضة الأخرى فهي تسعى إلى إبقاء النظام السياسي القائم و تغيير الوجوه السياسية فقط، و هو مطلب مشروع لأي معارضة سياسية سلمية. أضف إلى ذلك، معظم الأحزاب الإسلاموية المشاركة في الحياة السياسية اليوم لا تملك أي شعبية حقيقية تهدد بها النظام السياسي، و كل مسانديها ليسوا سوى مستفيدين منها بشكل مباشر أو غير مباشر، أما بقية الشعب الجزائري فهو رافض لوجودها من الأساس. حصول الجبهة على ذلك العدد الهائل من الأصوات هو أمر منطقي تماماً إذا أخذنا في الإعتبار بعض المؤثرات و العناصر، على سبيل المثال: • عدم وجود أي بديل حقيقي على الساحة السياسية الجزائرية، و خاصة في أحزاب المعارضة التي تدعي حملها لرسالة "التغيير" بينما هي لا تمارسه إطلاقاً، سواء على المستوى الحزبي أو المستوى السياسي بشكل عام. • خطاب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة و الذي جاء قبل الإنتخابات بأيام قليلة، حيث حفز خطاب الرئيس الكثير من الجزائريين على التصويت بشكل عام، و على التصويت للجبهة بشكل خاص، نظراً لأن الرئيس الجزائري ينتمى لحزب جبهة التحرير الوطني منذ شبابه، و يحظى كشخص بشعبية معتبرة ساعدت الجبهة في الحصول على المزيد من الأصوات. • الكثير من قدماء المحاربين و أسرهم يرون في جبهة التحرير على أنها الأقدر و الأجدر بحكم البلد، بحكم دورها الرئيسي في الثورة الجزائرية و نجاحها في الإستمرار حتى الآن، كما أن الكثير منهم غير متابع للسياسة أساساً – أقصد قدماء المحاربين - و لا يفهم معنى تعدد الأحزاب، لأنه بالنسبة له الحزب واحد، و هو حزب جبهة التحرير و فقط. • إختيار الجبهة لمرشحين معروفين و أكفاء على المستوى المحلي، و الكثير منهم قدم الكثير من المساهمات لسكان مدينته. على سبيل المثال مرشح الجبهة في مدينة المسيلة الجزائرية هو صاحب مصانع للحليب وفرت الآلاف من مناصب الشغل للأسر، كما أنه دعم القطاع الفلاحي عن طريق إشراك المواطنين في عملية صناعة الحليب بتوزيع الأبقار عليهم و من ثم شراء منتوجهم من الحليب، و هو بهذا يحظى بسمعة طيبة جداً على مستوى المدينة. أيضا، مدينة برج بوعريريج التي كان فيها مرشح الجبهة صاحب مجموعة من أضخم المصانع في الجزائر ككل، و التي تشغل الآلاف من الجزائريين و تدعم الإقتصاد المحلي و الجزائري ككل. بمرشحين كهولاء، إستحقت الجبهة الريادة في البرلمان، و ليس كبعض الأحزاب الإسلاموية التي كان من أبرز "إنجازات" مرشحها هو دعمه للـ "القضية الفلسطينية" و كأنه مرشح في غزة و ليس في الجزائر التي تملك أولويات أهم على المستوى المحلي من أي قضية أجنبية. • هناك أيضا من قام بالتصويت للجبهة لإعتقاده بأن خبرتها الطويلة في الحكم تؤهلها للإستمرار فيه، و لإيمانه بأن الجزائر كانت بخير إلى أن ظهر الإسلامويون في سياستها و أرادوا بناء دولتهم الإسلاموية التي كادت تودي بالجزائر إلى التهلكة و أدخلوا الجزائر في دوامة من العنف و الإرهاب الإسلاموي المنظم. تلك بعض من الأسباب التي ساهمت في حصول الجبهة و التيار الوطني بشكل عام على نسبة كبيرة من الأصوات، و بالتالي العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان. إنه من المثير للإعجاب أن يصنع الشعب الجزائري الإستثناء و يوقف طاعون "الربيع الإسلاموي" الذي يريد القضاء على الأخضر و اليابس في منطقتنا العربية. الدرس الذي تلقاه الإسلامويون في الجزائر هو درس للإسلامويين في كل مكان، درس مفاده أن "حبل الكذب قصير" و أن الشعوب تسير نحو المزيد من الإنفتاح و بالتالي فهم الأساليب الإسلاموية الخبيثة في السيطرة على العقول و التلاعب بالأصوات. كما أنه درس لبقية شعوب المنطقة التي إرتكبت الخطأ الذي إرتكبه الجزائريون في التسعينيات حينما منحوا أصواتهم للإسلامويين في خطأ كاد يدمر البلد تماماً لولا وجود مؤسسة عسكرية قوية منعت حدوث ذلك. ما حدث في الجزائر هو "ربيع وطني" وقف بالمرصاد لـ "ربيعهم الإسلاموي" الدموي الذي كان يسعى للسيطرة على البلد. لم أصادف إلى يومنا هذا على أرض الواقع شخصاً يدعم الإسلامويين، و كل من أعرفهم في الجزائر صوتوا لصالح جبهة التحرير الوطني أو التجمع الوطني الديمقراطي، و على الرغم من ذلك لا زال الإسلامويون يتحدثون عن وقوع "تزوير" كبير لمجرد أنهم خسروا خسارة مذلة، منطلقين من مبدأ "إما أن نكتسح، أو إن هناك تزوير"، ناسين أو متناسين حقيقة مهمة جداً، و هي أنه لا جزائري في كامل قواه العقلية يحمل لهم أدنى إحترام أو من الممكن أن يصوت لهم و لأفكارهم المستوردة في يوم من الأيام. المافيا الإخوانية الإسلاموية في الجزائر تكاد تصاب بالجنون. فهي جربت كل شيء و أي شيء لتصل للحكم، و بإصرار رهيب يدل على عقدة نفسية كامنة في أنفسهم جميعا للسيطرة على الآخرين و التحكم بهم، و لكنها في كل مرة تصطدم بحائط جديد، فمرة المؤسسة العسكرية التي قامت – مشكورة – بإنقاذ الجزائر و الجزائريين منهم، و هذه المرة يصطدمون بحائط الشعب الذي إستيقظ أخيراً، و هو حائط أشد صلابة و قسوة على كل إسلاموي يريد إقامة "جزائرستان إخوانية" بالسيف.
#عمر_دخان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة من الجحيم
-
قردة و خنازير
-
المهزلة الإنتخابية
-
-إسرائيل هي السبب!-
-
كم يدفعون لك؟
-
سفاح تولوز و الدعم الوطني
-
الحرب القانونية القذرة
-
المشكلة
-
التعليم في مقابل التلقين
-
من كثر كلامه
-
يساريون إسلامويون
-
المفسدون في الأرض
-
أتركوا العراق لأهله...يا عرب!
-
حرام عليكم حلال علينا!
-
المكتوب
-
الوهم العربي
-
الفرق بين الطفل الصيني و الطفل العربي
-
أولاد الذوات
-
حقوق المرأة بين الرجعية و الإنحلال
-
تحليل بسيط لمقارنة سطحيه
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|