منال حمد النيل
الحوار المتمدن-العدد: 1094 - 2005 / 1 / 30 - 11:39
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
هذا الكتاب من الكتب المهمة التى تسلط الضوء على الازمة الراهنة فى دارفور . وهو كتاب تحت الطبع عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان.تناول فيه مؤلفه احمد ضحية جذور الازمة فى دارفور وتفاعلاتها ومآلاتها .. حيث ناقش فى الفصل الاول راهن الازم الوطنية الشاملة وراهن ازمة دارفور والبعد التاريخى لهذه الازمة..مستعينا بابحاث عدد من الباحثين العرب والاجانب حول السودان باعتباره يمثل نموذجا مصغرا لافريقيا , باعتباره قد حظى بموقع متوسط فى افريقيا ذات العوالم الثقافية المتعددة( اى افريقيا العربية -افريقيا الافريقية - افريقيا المسلمة - افريقيا المسيحية - افريقيا الناطقة بالانجليزية - افريقيا الناطقة بالفرنسية, الخ ..)وتعكس التغييرات او التطورات التى تجرى فى السودان , ما يحدث فى افريقيا عموما بشكل من الاشكال او تاخذ اشباها منها , ويعكس السودان افريقيا بشكل ما . لكن السودان يتميز بفرادته وسط الاقطار الافريقية , بمعنى انه عربى وافريقى فى نفس الوقت , وبينما تقدم التركيبة الداخلية للسكان السودانيين نموذجا مصغرا لافريقيا : طبيعيا وثقافيا واثنيا, فان فرادته تواجه ذلك , بهامشيته الساسية المتعددة , بوصفه لا عربى ولا افريقى ولا مسلم ولا مسيحىولا مسيحى , وهذا يضع السودان داخليا فى وضع مربك وحرج جدا , اذ ترغب نخبته المسيطرة , التى تنحدر غالبا من الشمال العربى , ان يكون عربيا ومسلما , وترغب نخبته غير العربية ان يكون افريقيا , وربما منبت عربيا ..ان هاتين الرغبتين المتعارضتين تقفان فى قلب الصراع السياسى الذى يكمن فى مركز تحلل الدولة السودانية, ولقد تطورت الازمة التاريخية لدارفور فى هذا السياق , بتضافر العديد من العوامل.ويمضى المؤلف الى القول ان وقائع الوضع الكارثى فى دارفور تشير الى ان انماط العنف الذى مورس ضد المدنيين تؤكد نية الحكومة فى السودان , اجبار السكان الاصليين الذين ينتمون الى قبائل غير عربية , على مغادرة اراضيهم واحلال القبائل العربية محلهم . وهو ذات ما تمت محاولته باشكال اخرى من قبل فى جنوب السودان . ويمضى المؤلف للتاكيد بان الحكومات المتعاقبة لم تسع بصورة جادة لحل متناقضات الواقع المازوم , ما جعل اعادة تدوير الازمة الوطنية امرا ميكانيكيا بين فترة واخرى , حيث يستعين المؤلف هنا باطروحة شريف حرير حول دولة الوسط او ما اسماه حرير بمثلث ( الخرطوم , كوستى , سنار )التى تقودها النخبة العربية الاسلامية انشات استعمارا محليا بعد خروج المستعمر الاجنبى فى 1956وكانت دولة عمادها مجموعة صغيرة من البشر اتخذت استراتيجيةسياسية قائمة على عنصرية بنائية بمعنى احتكار الممارسة السياسيةوابعاد الاخر عنها , سيرا على هدى الاستعمار الذى اقر الحاق البلد المستعمر بالبلد المستعمر , اى ان الاستعمار يعمل على الغاء التاريخ والثقافات الوطنية ويؤسس الاستلاب الثقافى , وبذلك فان الاستعمار الداخلى لدولة الوسطوالنخبة العربية الاسلامية , عمل على الحاق اطراف السودان , ولان هذه الاطراف قد تم الحاقها فان تاريخها وثقافتها قد تم الغائها , كمجموعات ذات شخصيات ثقافية مكتملة . وتاسيسا على ذلك مضى نظام الجبهة الاسلامية فى السودان للتعبير عن منتهى اشواقه الاستعمارية , وشهوة الهيمنة المستمدة من عقلية النهب والسلبوالغزو البدوية .. وبدا ذلك واضحا منذ الفترة الانتقالية ( بعد انتفاضة مارس /ابريل1985) فعناصره فى المجلس العسكرى الانتقالى مضت باتجاه تصعيد الحرب فى جنوب السودان . وفى محاولة نظام الجبهة الاسلامية الاستفادة من اخطاء تجربته مع جنوب السودان لجا الى لعبة الاستقطاب العرقى فى دارفور فاحيا فكرة المليشيات القبلية التى شكلت لاول مرة فى1956باسم " حراس الوطن "فمثلما استخدمت النزاعات الدائمة بين المجموعات الرعوية فى الشمال والجنوبسعت لاستخدام المجموعات الرعوية " العرب " فى دارفور ضد المجموعات الزراعية " الافارقة " ما ادى الى حروب اثنية محلية ..ومستعينا " الكاتب " بالاحالة لعلى مزروعى وحلمى شعراوى يمضى للقول ان نظام الجبهة الاسلامية فى السودان بينما اخذ يشعل الحروب الاثنية مضى لانشاء دوةاشبه بدولة المرابطين فى المغرب بمعنى فرض الاسلام السنى بالقوة دون الاهتمام بالاسئلة التى يطرحها الواقع .. ويناقش المؤلف فى الفصل الثانى تراكم المشكلات وانفجار الازمة والمشروع الاسلاموى للجبهة الاسلامية ودوره فى الوضع الكارثى الذى وصلت اليه دارفور .. حيث يشير الى ان دارفور شهدت فترات اذدهار تخللتها فترات خراب نتيجة الصراع بين السلطة الحاكمة والخارجين عليها وبسبب القبائل المتناحرة الا ان خرابها كان دائما تاليا لهزيمة السلطة الحاكمة ابتداء بخرابها اثر هزيمة السلطان ابراهيم قرض على يد الزبير باشا فى 1874وصولا للهزائم المتلاحقة الان .. ويركز الكاتب فى الفصل الثالث على الصراع المسلح والحركات المسلحة فى دارفور كمظهر من مظاهر الفكرة الاستراتيجية للجبهة الاسلامية الحاكمة فى السودان , الفكرة المضادة للديموقراطية وحقوق الانسان , فمن خصائص المجتمعات الشمولية وبالذات النظرية النازية فى المانيا والفاشية فى ايطاليا والستالينية فى الاتحاد السوفياتى ابان مجده رسوخ فكرة المجتمع / الامة وهنا فى السودان نجد ان الجماعة الاسلامية هى المجتمع او الامة ..وقد اسفرت هذه الفكرة عن نفسها فى محاولات الغاء الاثنيات فى السودان قسرا " جبال النوبة , المجموعات غير العربية فى دارفور , جنوب النيل الازرق , الشرق .."بواسطة اليات العنف والعنف وحده ..حيث يناقش المؤلف هناالعنف الذى جابهت به الحكومة المدنيين فى دارفور مستعينا بالتقارير المختلفة لمنظمات الامم المتحدة حول الوضع الانسانى منذ انفجار الصراع المسلح لاول مرة فى 1991 وحتى اغسطس الماضى 2004موضحا من خلال شهادات حية مدى المجازر التى تم ارتكابها من قبل نظام الجبهة الاسلامية فى سبيل مشروع المجتمع الامة .. وفى الفصل الرابع من هذا الكتاب يناقش المؤلف من خلال وثيقة الاستقلال الثانى " نحو مبادرة للاصلاح الساسى فى العالم العربى "الصادرة عن مركز القاهرة لحقوق الانسان حقوق القوميات والاقليات فيما يتعلق بدارفور خالصا الى ان الازمة ليست ازمة دارفور وليست كما كانت تسمى دائما ازمة جنوب السودان بل هى ازمة شاملة وطاحنة تتعلق بكل السودان واى قراءة خارج هذا السياق قراءة زائفة بعيدة عن واقع الحال وليس بمكنتها استقراء المال .. لانها تغفل التعقيدات الاجتماعية للسودان وتتجاهل منحدراته ومرتفعاته الثقافية والاثنية.. وهى ازمة كما يقول دكتور منصور خالد تجد امتدادها فى صامت الخطاب الشمالى ومكبوتاته " خطاب الصفوة العربية الاسلامية "ما انعكس على كامل الجغرافيا وادى الى هذه الحالة المريعة من الحروبات التى تلد اخرى " الانكسار والتمزق والتشظى " بتعبير المؤلف . ومهمة العبور من هذه الحالة التى تؤول بالسودان الى التلاشى بحدوده المعروفة قانونا .. سودان الحروب والاضطراب والتمزق الى سودان لا يتم عبر رومانسية جديدة لهى مهمة عسيرة .. وفى ختام هذا الكتاب يقدم المؤلف توصيات لحل ازمة دارفوروفقا لما ينص عليه القانون الانسانى الدولى والميثاق الافريقى لحقوق الانسان والاعلان العالمى لحقوق الانسان .
#منال_حمد_النيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟