|
التقدم الفضائى
ميشيل نجيب
كاتب نقدى
(Michael Nagib)
الحوار المتمدن-العدد: 1094 - 2005 / 1 / 30 - 12:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نجاح بعض القنوات الفضائية العربية فى نوال الشهرة والنجاح بين الشعب العربى مع التحفظ على السلبيات والإيجابيات فيها ، دليل واضح على العطش الذى عانى منه المواطن نتيجة للمحرمات السياسية التى فرضتها الأنظمة السياسية فى منطقتنا العربية ، كل فرد لم يكن من حقه التعبير الحر عن رأيه السياسى أو أن يعارض مشروعاً أو خطط أو الأوضاع السيئة والفساد المتفشى فى أجهزة المجتمع ، وكان واضحاً غياب الحوار السياسى الذى يعتمد على أن الديمقراطية طريقاً طبيعياً للوصول إلى دور طبيعى لكل فرد فى المجتمع . أستطاعت بعض تلك القنوات الفضائية أن تجذب إليها الكثيرين بنوعية البرامج التى فتحت أمامهم ما كان لديهم من أفكار مكبوتة ومخزونة ، وأستطاعوا أخيراً أن يروا أفكارهم ومشاعرهم مجسدة على الشاشة التلفزيونية ، وأستطاع المشاهد العربى رؤية حوار مختلف يخرج عن إطار الأنماط المألوفة لديه ولدى النظام الإعلامى ، حيث سأم المواطنين مشاهد المراسم والأستقبالات الملوكية والسلطانية والرئاسية وحواديت بطولات الحكام ومشاريعهم العملاقة التى هى حبر على ورق . أمام هذا الإعلام الذى يمجد الأنظمة القائمة المتقوقع فى المحليات الروتينية والشخصيات المتكررة ، أراد المشاهد البسيط أن يصرخ فى وجه هذا القمع اليومى للتلفزيون الحكومى وأن يعبر عما يدور فى داخله ، لكنه لم يجد خلاصاً إلا فى تلك القنوات الفضائية الجديدة المواكبة لحياة العصر والتى تقول بدلاً عنه ما يريد أن يقوله بأيديولوجية جديدة وبأسلوب علمى مدروس ، ونظراً للتهافت على نوعية معينة من البرامج يعشقها القلب العربى لأنها جزء من تراثه ، وجدنا السم مدهون بالعسل وحروب خفية تدار فى كواليس تلك القنوات وتلك البرامج ، ولم يستطيع المواطن العربى التمييز بين النقد كأسلوب طبيعى فى الحوار الإنسانى وبين الشتائم والتجريح والإهانات كأسلوب مريض متطرف لا يقبل إلا بأحادية الرأى وتعبير خفى عن طغيان الأنظمة وتأثيرها السلبى على فكر المواطنين . أصبح الحوار ثقافة غريبة لأنه فى ذهنية العربى مرتبط بالآخر الذى من صفاته العدو والمتآمر والمفسد والمحتل الذى يريد الأستيلاء على ثرواتنا ويدمر أخلاق شبابنا ، من هنا وجد الذهن العربى الذرائع الكافية لرفض ثقافة الحوار والأنفتاح على الآخر ، تلك الثقافة التى تعمل على إيقاظ طاقاتات الإبداع وإخراجها من مقبرة الطغيان الأحادى للفكر العربى الذى يعمل على أحتقان المشاعر لتقود الفكر فى عمليلة تضليلية يصبح معها عاجزاً عن التقدم والإصلاح وأكتشاف سلبياته لمعالجتها وينكب على تراثه القديم يعوض به فشله وعجزه عن مسايرة التطور ، وأصبح المواطن مقتنع بالحوار الدائم مع نفسه فقط لأسترضاء ذاته وقناعاته الفردية متلذذاً بكلمات الماضى : أمجاد يا عرب أمجاد . الإبداع الإعلامى صاحب الشعارات القومية أفرز أنتاج برامج تحاكى الركود والرتابة ، برامج وأحاديث تنتهج أفكار عدائية للآخر وكل برنامج يقدم شخصيات هزلية تمجد التراث والتخلف الحاضر فى نواحى الحياة العربية بأعتبار العرب هم قادة العالم فى الحضارة ، فهو برنامج جيد وطنى قومى يعكس أحلام الأجيال الحاضرة الغائبة ،وأصبحت هذه البرامج تعكس الأضطراب والأرتباك التى تعانى منه الشخصية العربية فى وقتنا الراهن ، وأصبح الشباب فى حيرة من أمرهم لا فكر لهم ، يرددون ما يقال على مسامعهم فى دور العلم ودور العبادة وفى وسائل الأتصال الجماهيرية بكوادرها العتيقة . بعد مرور سنوات على هذا " التقدم الفضائى " ، لم نجد الدول العربية تقدم قفزة نوعية فى قنوات إخبارية أو ثقافية بالمستوى العصرى المطلوب حتى يتسع سوق المنافسة الشريفة الذى يخدم فى المقام الأول والأخير المواطن العربى وتقدمه " الإنسانى " ، على سبيل المثال الدولة المصرية التى تملك قمرين صناعيين تفخر بهم وكأنهم يضارعان هرم خوفو وخفرع ومنقرع ، كان فى إمكانها تقديم بعض القنوات الفضائية الإخبارية على نفس المستوى الذى نال شهرة بين الشعوب العربية أو أكثر منه جودة بأعتبار تلك النوعية من القنوات التلفزيونية هى الأكثر واقعية وقبولاً وجاذبية بين المشاهدين وكان من الأفضل والأكرم لوزارة الإعلام المصرية أن تسارع بعمل قنوات إخبارية تحترم عقل المشاهد لتكون فى المقدمة ، لكن النظام الإعلامى المصرى مسجون فى سجن الروتين والشخصيات العتيقة الذين يتوارثون مناصب وزارة الإعلام والمسئولين فيها وهى العاهة التى دمرت كل إبداع مصرى حقيقى وأصبحت الطاقات الشبابية لا مفر لها من الهجرة أو الرضى بالقليل أى البقاء فى دواوين الحكومة ومؤسساتها الرسمية " إن فاتك الميرى أترمغ فى ترابه " ، وأرتضى النظام الإعلامى المصرى أن يكون فى مؤخرة التقدم الإعلامى وعن قريب سيعلن عن ولايته الخامسة للجلوس على كرسى التخلف الإعلامى العربى فكل شئ فى حياة المصريين أصبح بالوراثة.
#ميشيل_نجيب (هاشتاغ)
Michael_Nagib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رأى وتعليق
-
حائط المبكى العربى
-
العلم نور
-
برلمان محو الأمية
-
ألفين وأربعة فى أيامه الأخيرة
-
الأقباط والمسلمون إخوة ؟
-
منتدى المستقبل العربى
-
الصحافة الألكترونية فى عالم الحوار
-
إلى متى يستمر الإحباط القبطى
-
الملك عبد الله وإغلاق المنابر
-
الجراد البشرى
-
قتلوها ولكن شُبه لهم
-
مصادرة الأحلام الإنسانية
-
البيان الأممى وجنون الإرهاب
-
أين سلطة القضاء السورى ؟
-
إفطار الوحدة الوطنية
-
طريق الألف ميل
-
للبيع فى المزاد العلنى
-
مناظرات الرئاسة العربية
-
ما هو ذنب الكنائس ؟
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|