خليل البدوي
الحوار المتمدن-العدد: 3727 - 2012 / 5 / 14 - 16:35
المحور:
الادارة و الاقتصاد
قال تعالى في سورة النور أية (44): "يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار" فالحركة والدوران قانون من القوانين الكونية الإلهية التي أبدعها الخالق - عز وجل - ولما كانت أجرام السماء والكواكب والنجوم في حركة دائبة فهل في الإمكان أن تكون الحركة ضمن سياسات إدارة الموارد البشرية في منظمات القطاعين العام والخاص ،حفاظاً عليها من الفناء في عصر المعرفة وعصر العولمة والعصور التي تليها
يعد التدوير الوظيفي Job rotation أحد أساليب وتقنيات التطوير الوظيفي والتغيير التنظيمي وهو أحد الأساليب الإدارية الحديثة التي تمارس لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من العاملين في ممارسة أكثر من عمل منظم سواء في الأعمال الفنية أو الإدارية أو في مجال الإشراف أو الإدارة أو القيادة.
والتدوير الوظيفي يعني أن يعد الموظف أو العامل أو المدير لممارسة أعمال أخرى بشكل منظم ومجدول وفق خطة إدارية مدروسة وتحديد سنوات لممارسة العمل الجديد، سواء للوظيفة الإشرافية أو الإدارية أو القيادية أو الوظائف الفنية أو الإدارية الأخرى, أي إعطاء الفرصة للموظفين العاملين لممارسة نشاطات أخرى بشكل منظم خلال سنوات محددة قد تكون أربع أو خمس ومن ثم تحويلهم إلى وظائف أخرى بعد هذه السنوات.
إن التدوير الوظيفي أسلوب ذكي للاستثمار والاستفادة من الموارد البشرية في مستوياتها كافة. وغالبا ما يستخدم هذا الأسلوب في الوزارات والمؤسسات والشركات الحديثة التي تسعى إلى استثمار الخبرات والإبداع والابتكار في أعمالها, كذلك يطبق التدوير الوظيفي في المؤسسات التعليمية والصحية والصناعية والإعلامية التي تضم مجموعة متشابهة في الوظائف والمؤهلات العلمية لمواردها البشرية, وذلك للقضاء على البيروقراطية والروتين والرتابة في الأعمال الفنية والإدارية. وذلك لأن أسلوب التدوير الوظيفي يكشف عن مزايا وقدرات وإبداعات الموظفين, ويتيح فرصة لهم للتعبير عن قدراتهم ومواهبهم وكوامنهم في وظائف ونشاطات أخرى مثل الوظائف الإشرافية والإدارية والقيادية، كما يكشف للإدارة والقيادة في الوزارات والمؤسسات والشركات عن الفروق الفردية لموظفيها ومواردها البشرية.
إن التدوير الوظيفي يعد محفزا قويا للكفاءات الشابة لممارسة الإشراف والإدارة والقيادة, وإبراز قدراتهم وإبداعاتهم في أعمال وإدارات وممارسات ومواقف مختلفة. هذا إلى جانب أن التدوير الوظيفي يساعد متخذي القرار في الوزارات والشركات على التعرف على قدرات ومواهب الموظفين والتعرف على جوانب قوتهم وضعفهم من خلال الأعمال الإشرافية والإدارية والقيادية التي يمارسونها ومنحهم فرصا للنمو والتطور والترقي إلى وظائف عليا في الوزارة أو الشركة أو في غيرها من الأعمال..
إن اليابان تعد إحدى الدول المتقدمة التي تمارس التدوير الوظيفي, إيمانا منها بأهمية الموارد البشرية, والاستفادة من مهاراتها, كما تؤمن بأهمية تساوي الفرص بين هذه الموارد البشرية في الوظائف الفنية أو الإدارية أو الإشرافية أو الإدارية أو القيادية، وكذلك إيمانهم بالإبداع والتجديد والتطوير من خلال التدوير الوظيفي.
هذا إلى جانب أن التدوير الوظيفي يساعد الشركات والمؤسسات ذات الموارد البشرية القليلة، بحيث يستفاد من الموارد البشرية المتوافرة في التدريب على مهارات جديدة لإنجاز الأعمال الأخرى عن طريق التدريب والتهيئة لسد النقص في بعض المجالات.
كما أن التدوير الوظيفي تمارسه بعض الشركات التي لا ترغب في توظيف موظفين جدد أو إضافة موظفين من شركات أخرى, فتستفيد من موظفيها الحاليين
إن التدوير الوظيفي تقنية إدارية حديثة من خلالها يمكن منح الفرص المتساوية للموظفين, والكشف عن المواهب والقدرات والإبداعات والكوامن البشرية, خصوصا المؤهلة منها, وكذلك القضاء على البيروقراطية ورتابة الأعمال التي تولدها الوظائف التي يمكث فيها أصحابها فترة طويلة مثل الوظائف الإشرافية والإدارية والقيادية، لأنه كلما طالت فترة القائد أو المدير أو المشرف في وظيفته تولدت البيروقراطية والروتين والتكرار والملل وانعكس ذلك على عمل الموظفين أو العاملين. لأن القائد أو المدير أو المشرف عندما يطول به المقام في الوظيفة يركن إلى العادية والرتابة وعدم التجديد والتطوير.
لنفترض مثلاً أن إحدى العاملات من ذوات الإنتاجية العالية والكفاءة في العمل تقدمت بطلب النقل من القسم الذي تعمل فيه إلى قسم آخر، معللة ذلك بشعورها بالملل بسبب ممارسة مهام الوظيفة لمدة طويلة، فهل سنرفض الطلب بحجة أن تحقيق رغبتها في النقل سيؤثر سلباً في إنتاجية القسم الذي تعمل فيه ؟ أم أننا سنقدر مشاعرها وحاجاتها ونقبل طلبها ونبدأ في البحث لها عن عمل خارج قسمها ؟
فإذا كانت الإجابة هي القبول، فهل سيكون أسلوب التدوير الوظيفي من الخيارات والبدائل التي نضعها عند اتخاذ القرار بشأن هذه العاملة؟
إن المؤسسات التعليمية والصحية والإعلامية والتجارية والصناعية المتطورة وذات العلاقة بخدمات العملاء أو المستفيدين هي في أمس الحاجة إلى التجديد والإبداع والتطوير في عملياتها وإجراءاتها وتطوير خدماتها للمستفيدين وبشكل مستمر، وهي في حاجة ماسة دائما إلى تطوير وتغيير مهارات وكفاءات القيادات الإدارية وبشكل مستمر لتضمن أفكارا ورؤى وتقنيات جديدة من قبل قادة ومديرين ومشرفين جدد.
تجارب عربية وعالمية ناجحة
من التجارب العربية الناجحة في التدوير الوظيفي التجربة في العراق بتحريك الوزير إلى أداء مهام مدير عام ومدير عام لدرجة نائب للوزير وهكذا...
وتجربة معهد الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية, التي بدأت في أواخر الثمانينيات الميلادية وما زالت مستمرة, حيث تبنت قيادة المعهد أسلوب التدوير الوظيفي على مديري إدارات المعهد, وبعض الوظائف الإدارية والفنية الأخرى مثل مديري الأقسام ومديري البرامج ومنسقي القطاعات، وكانت التجربة ناجحة ومفيدة للمعهد كمؤسسة تعليمية إبداعية.
وهناك تجارب عالمية ناجحة في اليابان وألمانيا والهند في مجال تدوير العمل, وتعد تجربة شركات الهند من أحدث التجارب المقبولة في التدوير الوظيفي, فعلى سبيل المثال نجد LG تجربة شركة إل جي للإلكترونيات الكورية في الهند قامت بتطبيق تدوير العمل على نطاق واسع شمل 2800 موظف مرتين منذ خمس سنوات, وهذه التجربة في سياسات إدارة الموارد البشرية للشركات في الهند كانت مثالا ناجحا على التدوير الوظيفي, وطبقت على وبعض شركات تقنية المعلومات شركات عالمية أخرى مثل شركة آي بي إم الأخرى كما تم التدوير الوظيفي طبق أيضاً على أعمال شركة مطاعم ماكدونالدز العالمية في الهند على وجه الخصوص ونجحت التجربة.
واعتبرت التجربة في التدوير الوظيفي نموذجاً لحالة فريق العمل والشركة على حد سواء( يكسب – يكسب).
مزايا التدوير الوظيفي:
تتمثل أهم مزايا التدوير الوظيفي في التالي:
* زيادة الإنتاجية والرضا الوظيفي.
* الإثراء الوظيفي والتجديد والإبداع في العمل.
* زيادة دوافع وحافزية الموظفين والقيادات.
* إبراز المواهب والقدرات الكامنة للموظفين.
* التخلص من البيروقراطية والروتين.
* سد النقص في بعض المهارات المطلوبة
ولا شك أن التدوير الوظيفي يعد نوعاً من أنواع التغيير الوظيفي والتنظيمي, ويحتاج إلى تهيئة من خلال تدريب الموارد البشرية على مهارات فنية أو إدارية جديدة, وكذلك التهيئة والإقناع بأهمية ومدى الحاجة إلى "التدوير الوظيفي " وفائدته على الأفراد والمؤسسات على حد سواء, وذلك لضمان قناعة الموارد البشرية وتلافي مقاومة التغيير أو التدوير الوظيفي من قبل البعض, وضمان تحقيقه الأهداف المرسومة
إن البشر بطبيعتهم يقاومون التغيير, لأنه يقلقهم ويؤثر في أمنهم الوظيفي, كما أنه يهدد مصالحهم, ومتى ما نجحت الإدارة في إقناعهم بأهميته واطمأنوا على أمنهم الوظيفي أصبحوا داعمين ومؤيدين له, بل يكونون سببا في نجاح تطبيقه..
ودأبت بعض الدول على إصدار قوانين حول التدوير الإداري، ومنها على سبيل المثال الجمهورية اليمنية التي أصدرت قانون التدوير الوظيفي رقم 31 لسنة 2009م
والذي جاء في الفصل الثاني منه الأهداف التي جاء من اجلها القانون:
الأهداف
مادة (3) : يهـدف هذا القانون إلى تدويــر الموظفـين في وحدات الخدمة العامـة لتحقيق
ما يلي :
1 - تطوير الأداء وتعزيز قدرات القيادات الإدارية للموظفين بوحدات الخدمة العامة.
2- تعزيز الاعتماد على مبدأ التنافس تشجيعاً للكفاءات الإدارية الناجحة .
3- تعزيز عملية الإصلاح الإداري.
4- مساعدة الموظف ووحدة الخدمة العامة للخروج من دائرة الركود ومقاومة التغيير الناجم عن الاعتقاد بأن الوظيفة ملك للموظف .
5 - إحداث تدوير وظيفي من خلال تغيير مواقع الموظفين ووظائفهم استجابة لمتطلبات العمل في ضوء نتائج تقييم الأداء .
6 -تمكين وحدات الخدمة العامة من القيام بعملية تأهيل وتدريب مستمر للموظفين.
7- إكساب الموظفين معارف ومهارات لمواقع وظيفية جديدة.
8- تحفيز الموظفين وإطلاق قدراتهم الإبداعية وتطبيق المهارات والخبرات التي اكتسبوها من وظيفة إلى وظيفة أخرى .
9- استكمال منظومة القوانين المعززة للشفافية ومكافحة الفساد .
10- تهيئة وحدات الخدمة العامة للتكيف مع ما يستجد من تغيرات في مجالات العمل ومساعدتها على التجدد الذاتي .
11 - تجديد وتطوير الثقافة التنظيمية في وحدات الخدمة العامة لترسيخ مبدأ احترام الوظيفة العامة.
12- تجسيد مبدأ العدالة والإدارة النزيهة كمطلب حتمي لتعزيز جهود التنمية المستدامة .
#خليل_البدوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟