|
في تمثيل الثورة السورية وواقعها (الثورة هي السياسة الصحيحة)
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3726 - 2012 / 5 / 13 - 23:21
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يغطي الثورة السورية من مواقع مؤيدة لها ثلاثة أصناف من المتكلمين. أولهم ناطقون إعلاميون ميدانيون من مواقع كثيرة داخل البلد، يتكلمون بأسماء صريحة أو بغيرها إلى أقنية فضائية عربية متعاطفة، هي مصادر التغطية الأهم لأنشطة الثورة. تتفاوت نبرات هؤلاء المتكلمين، لكنها منفعلة جزِعة عموما، ويقارب أكثرها نداءات استغاثة عاجلة. وينصب تركيز هذا الصنف من الناطقين على جرائم النظام، وعدد الشهداء والمعتقلين، وأعمال القصف والقنص، ويشيع أن تكون التغطية ذات طابع تحريضي. وبينما توفر هذه التغطية معلومات تفصيلية عما يجري هنا أو هناك في هذا الوقت أو ذاك، إلا أنها جزئية تعريفا، لا تحيط بغير الوضع الآني في المنطقة المعنية. غير هؤلاء المتكلمين الميدانيين، هناك صنفان من المتكلمين السياسيين. صنف متماه مع الثورة، لكن بصيغة انفعالية، وبنبرة جزعة وتقارب الاستغاثة بدورها، لا يكاد محتواها يختلف عما يقوله الإعلاميون الميدانيون، وتعتمد في معلوماتها عليهم، وعلى ما قد يتوفر في مواقع إعلامية مرتبطة بالثورة. لكن سياسة هؤلاء تمزج بين مقاربة الناشط الميداني الجزئية، وبين ما لا سيطرة لهم عليها من مستجدات سياسية، تتصل بأفعال النظام السياسية أو بمواقف دول وهيئات دولية حيال الأوضاع السورية. صنف ثان من المتكلمين السياسيين يجمع بين ابتعاد عن وقائع الثورة ومساراتها وبين تصورات مجردة لما ينبغي أن تكون الثورة، وما يفترض أن تنضبط به من مبادئ وتوجهات. لكن دون حساسية للزمن، ودون جهد يذكر لتبين الأوضاع الفعلية، ولكيفية التأثير على هذه الأوضاع في الوجهة المرغوبة وبما يوافق القيم المعلنة. هذا الموقف جامد، وعاجز عن الفعل بفعل جموده. ولا يندر أن يضيف إلى الافتقار إلى معرفة التفاصيل افتقارا إلى التعاطف أيضا، أو ازدواجا في العاطفة. تتنوع أساليب المتكلمين ودرجات حضورهم وقدراتهم الإقناعية، لكنهم منذ بداية الثورة حتى اليوم يتوزعون على واحدة من هذا التنويعات الثلاث. وما يغيب ويزداد الشعور بالافتقار إليه هو موقع قريب من الثورة، دون أن يكون منفعلا وجزئيا من جهة، أو خارجيا وجامدا من جهة ثانية، بحيث يبقى على إحاطة بتعقد الأوضاع الجارية في البلد، ويمكن أن يساعد في محاولة التأثير عليها في الاتجاهات المرغوبة. لا تصلح من أجل ذلك مقاربة الناشطين الميدانيين الجزئية. لكن لا تصلح أيضا مقاربة جامدة تفرض قوالبها الخارجية على واقع متغير ومتزايد التعقيد، ولا مقاربة ملتصقة بوقائع الحراك اليومي، لكنها مفتقرة إلى نظرة عامة لا بد منها. تلزم مقاربة ديناميكية وتفاعلية، تحاول الإحاطة ببنية الثورة وتكوينها، وبامتدادها الجغرافي، وبمراحلها خلال نحو 14 شهرا، وبتموجاتها وتنوع وسائل مقاومتها، وتربط ذلك بالهدف المباشر، إسقاط النظام، والهدف اللاحق، سورية الجديدة الحرة. وينكشف قصور هذه المقاربات الثلاث من ملاحظة التفارق بين ما يطبعها من قلق أو تشاؤم وبين واقع الثورة المستمرة وتقدمها الثابت في إرهاق النظام واستنزاف قواه. مفهوم أن تعطي تغطيات الناشطين الميدانيين انطباعات قلقة، لأنهم يتكلمون بينما تتعرض مناطقهم للقصف أو يسقط عندهم الشهداء أو تقع مجازر. مع ذلك يؤكد أكثر هؤلاء المتكلمين لسامعيهم أن الثورة مستمرة ولن يوقفها شيئا، رغم الآلام والأكلاف الباهظة. والحالة النفسية لبؤر الثائرة تجمع بين التفاؤل والعزم، وليس بحال التشاؤم والقنوط. أما تشاؤم المتكلمين المتماهين بالثورة فينبع من انفعالهم وجزئية منظورهم، وما يقترن به من جزع، وكذلك من انعزالهم عن عملياتها الفعلية وعدم تبينهم لمنابعها ومحركاتها (أكثرهم يقيم خارج البلد). ويتشاءم الناطقون السياسيون المنفصلون لأن الثورة لا توافق منظوراتهم، ولا تكف عن الخروج من القوالب التي كان يتعين عليها أن تنضبط بها. في واقع الأمر لا مبرر أبدا للتشاؤم. بنظرة عامة إلى البلد ككل و14 شهرا من العنف الدموي الذي واجه به النظام الثورة وبيئاتها الاجتماعية، والتعقيد الكبير للشروط الاجتماعية والسياسية الداخلية وللشروط الإقليمية والدولية حول سورية، فإن استمرار الثورة وما يظهره الثائرون من عزيمة متجددة هو معجزة بكل معنى الكلمة. ويبدو أن النظام أفضل من يدرك ذلك بعد أن جرب كل شيء في مواجهتها، وهو الذي يعرض قدرا متزايد من التشاؤم، على نحو ما تظهر التفجيرات الإجرامية التي وقعت في الأسابيع الأخيرة في كل من دمشق وحلب، ومنها بخاصة تفجيرا دمشق يوم الخميس10/5. نرجح أن النظام بات على يقين من أن استعادة السيطرة العامة ممتنعة، وأن الأجدى له التركيز على المدينتين الكبريين، وتخويف سكانهما من التحرك ضده، علما أن تحركهما لا يكف عن الاتساع. هذا بينما أضحت قوات النظام مرهقة تعاني من "فرط تمدد استراتيجي"، ويتسع ارتيابه بدوائر رجال الأعمال، وتقل موارده رغم التعويض الإيراني. إن صح ما نقول، فإن النقاط الأساسية في خطة الثورة في المرحلة المقبلة تتمثل في كسب المزيد من الوقت، واستنزاف المزيد من قوى النظام وأعصابه، و تكثير بؤر الثورة، والثبات على الهدف المباشر: إسقاط النظام. وليس في هذه الخطة ما هو جديد، وتكاد الثورة تسير عليها دون توصية من أحد. لكن من شأن العودة إلى البديهيات التي تقول إن الثورة في الداخل، وإن اتساعها واستمرارها هو السياسة الصحيحة، أن يضفي قدرا من الوضوح على تفكيرنا، ويحدد بصورة أفضل ما ينتظر من قوى المعارضة. فبما أن الثورة مستمرة والنظام يزداد عجزا في مواجهتها، فإن الوقت لصالحها، خلافا لما يقول معظم المتكلمين المعارضين. ويترتب على ذلك أن المبادرات الدولية مرحب بها طالما هي لا تمس في شيء استمرار الثورة. وبما أن استمرار الثورة يعني أكلافا بشرية ومادية كبيرة، ففي هذا تستطيع المعارضة أن تكون مفيدة، وذلك بالعمل على تأمين موارد تخفف أثر تلك الأكلاف أو تعوض ما يستطاع منها. ثم إن التخلص من التشاؤم، يوفر للمعارضين من الوقت والأعصاب ما يكفي لبلورة تصورات حول سورية الجديدة.هذا ما يفترض أن المعارضة تحوز ميزة خاصة فيه. لكن قبل كل شيء ينبغي أن تندار الأعناق نحو الداخل. لا شيء يجدي دون ذلك.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار في شأن الثورة والسلمية والعسكرة
-
عودة إلى النقاش حول الثورة والعسكرة
-
حوار عالماشي حول الثورة السورية
-
الثورة السورية بين النزاع الأهلي والصراع الجيوسياسي
-
الثورة والمعارضة في سورية... علاقة انفصام
-
عن الثورة والمستقبل والعلاقات بين السوريين/ حوار
-
ثورة في سورية، سورية في ثورة
-
عدالة الثورة لا تضمن عدالة الثائرين
-
النظام الطائفي ليس نظام طائفة
-
الإسلاميون السوريون... توجهات منفتحة وتناقض مقيم
-
الثورة كصناعة للأمل
-
حوار في شأن أصول الثورة السورية وفصولها
-
الحكم بالتذكر: من أصول المحنة السورية
-
هذا النظام، هذه الثورة، هذا العالم: حوار حول الشأن السوري
-
عن الطائفية ما بعد كرم الزيتون
-
لا عودة إلى بيت الطاعة الأسدي
-
عام من الثورة المستحيلة
-
عام من الثورة السورية: فلنسحق الخسيس!
-
من الأزمة السورية إلى المسألة السورية
-
سورية، إلى أين؟ أسئلة نارين دانغيان
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|