|
قراءة فى القومية والوحدة
منال فاروق
الحوار المتمدن-العدد: 3725 - 2012 / 5 / 12 - 10:48
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
الشعب، الأمة، الدولة، القومية، وأخيرًا الوحدة؛ كلمات، تم إطلاقها في محيط الوطن العربي، ويغص بها الخطاب السياسي العربي في محاولة لإعادة حلم يفرضه واقع الوطن العربي. كلما علا الصوت بذلك الخطاب، انخفض الفعل السياسي نحو تلك الوحدة، باتجاه التجزئة، والفرقة، والمشاحنات بين أطراف الوطن العربي. مع انصرام أول عقود الألفية الجديدة، وبدء العقد الثاني، كان لابد من وقفة تتم فيها إعادة النظر، وقراءة الواقع العربي، وما يطرحه هذا الواقع حول هذه المفاهيم، على طول الوطن العربي ، في محاولة لوضع أسس وقواعد علمية، يتم عبرها العمل على عودة الوعي، ومحاولة النهوض بالمجتمع العربي،اقتصاديًا، واجتماعيًا، وسياسيًا. هذه القراءة، ليست من منظور نخبوي، لكنها قراءة لواقع المجتمعات العربية، للوقوف على المعوقات التي تقف في سبيل مشروع الوحدة ، خاصة مع علو الأصوات التي تنادي بالقوميات العرقية، وأيضا ما يقابل هذا الأصوات من أحدث يتم اختلاقها داخل ساحة الوطن العربي، وأزمات يتم افتعالها تعود بالمجتمعات العربية إلى الخلف عقود. أولًا: طبيعة المنطقة الأيكلولوجية يمتاز الوطن العربي بمجموعة من العناصر، على المستوى الجغرافي والبيئي، فهي منطقة تمتد"اثنتي عشر مليون كيلو متر مربع تقريبًا"(1). هذه المساحة الشاسعة، تغطي مجموعة من المناطق المناخية، والزراعية المختلفة، ومع توسط المنطقة العالم القديم، حيث تقع ما بين المحيط الأطلسي غربًا، إلى حدود إيران شرقًا، ومن جبال طوروس وسواحل البحر المتوسط الجنوبية شمالًا، إلى المحيط الهندي، ومشارف إفريقيا الوسطى جنوباً2). هذه الطبيعة الجغرافية فرضت تنوعًا في السكان، كما فرضت تنوعًا في نظم التفكير، الناتجة عن تنوع المنطقة البيئي، والذي يلعب دورًا أساسيًا في أنماط التفكير الناتجة عن طبيعة الحياة الاقتصادية، التي فرضت على سكان كل تجمُّع؛ كما مارست البيئة دورها، المتمثل في مناطق حضارية، بينها صحاري، تعد من أكبر الصحاري الحارة في العالم هذه الصحاري مارست حالة من الفصل بشكل ما بين أجزاء الوطن العربي، كما مارست نوع من نزوح القبائل البدوية إلى المناطق الحضارية في فترات متعاقبة ...الخ من العناصر الأيكلولوجية التي تناولتها الكتب بالدرس والتحليل، من حيث فرضها أنماطًا معيشية، تطورت مع تطور المجتمعات العربية الحديثة، سوء أكان هذا النمو، والتطور ناتجاً عن طفرة، في بعض مناطق الشرق العربي، أو تطور طبيعي في مناطق أخرى،لا سيما مناطقه ذات الطابع الحضاري والثقافي، الذي يميِّز بعض دول المنطقة؛ كما فرضت طبيعة المنطقة خاصية أخرى، لابد من التطرق إليها، وهي انقسام سكان المنطقة بين ثنائيتين متضادتين، سيأتي الحديث عنهما ( البدو- الحضر/ الريف – المدينة)(3)،هذه الثنائية لها دور مهم ولايزال في الواقع العربي اليومي والمعاش. فرض موقع الوطن العربي، قديمًا وحديثًا، دورًا مهمًا في تشكيل العالم، ومع الثورة الصناعية، رزحت المنطقة تحت نير الاستعمار الغربي، والذي كان له دور فاعل في إذكاء روح القطرية بالمفهوم الغربي، الذي ظهر في منتصف القرن التاسع، هذه الروح القطرية، لم تمنع العرب من المناداة بالوحدة، والتي كانت أحد أهم طرق مجابهة الاستعمار، وإن فرضت القطرية سيطرتها، بعد التحرر، لأسباب كثيرة. قبل الحديث عن فكرة القومية، وما نتج عنها من محاولات نادت بالوحدة، ومحاولات للوحدة تمت، بالفعل، واجهضت، أو استمرت بشكل ما، لا بد من التوقف عند تحديد بعض المصطلحات التي ستتطرق إليها الدراسة، ذلك أن إشكالية المصطلح، واضطرابه في الوطن العربي، تقف أمام اتخاذ خطوات فعلية للتطوير. ثانيا: مصطلحات الدراسة تعتمد الدراسة على مجموعة من المفاهيم الاصطلاحية، التي يحدث بينها خلط، خاصة مع اختلاف منحى التوجه السياسي " إسلامي، قومي، ناصري، بعثي، يساري"، وهي طرحات تفاعلات داخل الحياة اليومية للمجتمعات العربية، هذه التوجهات فرضت نوعًا من الروئ على هذه المصطلحات، بما يخدم أهدافها من هنا كان تحديد المفهوم، مهمًا وضروريًا. إن تحديد مفهوم القومية أمر صعب فهو مفهوم "لمركب معقَّد من المعاني السياسية، والاجتماعية والتاريخية و اللغوية...الخ"(4)، هذا المركب العصي على التعريف، لتداخله مع مجموعه من التشابكات، والتي تبداء بتداخل مع مفهوم الشعب، لتصل إلى مفهوم الأمة، منتهية بفكرة الدولة، والتي تحمل – الدولة- مجموعة من القيم القومية، متمثلاً في الروح القومية، الوعي القومي، الطابع القومي، هذه التداخلات تطرح أول ما تطرح تحديد مفهوم الشعب، والذي تطور مع تقدم المجتمعات إلى الأمة، وأخيرا الدولة. 1- الشعب: هو فئة الناس معنية بتطور المجتمع إلى الأمام، والتي تلعب الدور الحاسم في إقامة نظام جديد يتألف من فئات تتفاوت اجتماعيًا، وهو، أيضًا، تلك الظاهرة التي ترتبط فيها الأفراد بنظام سياسي معين(5). وقد عرف الشعب، أيضًا، بأنه عامة الناس الذين يشتركون في رصيد إنساني من التراث، وتربط أفراده مصالح مشتركة(6). 2- الأمة: جماعة من الناس تتشكل تاريخيًا...، وتتميز الأمة بالظروف المادية المشتركة للحياة الاقتصادية، وجماعية اللغة، والتكوين النفسي(7)، مما يعنى أن الأمة حقيقة تاريخية عميقة الجذور(8). 3- الدولة: هي الحيز الجغرافي "الإقليم": وهو الجامع لأفراد الدولة إذ فيه يتحقق لهم الاستقرار والأمان، ومن خلالها تتحقق وحدتهم، وينمو ضميرهم الجمعي وتتأكد فكرة الوطن(9)، الشعب، التنظيم السياسي:وهو التنظيم للطبقة السائدة في الاقتصاد، غرضها حماية النظام القائم، وقمع مقاومة الطبقات الأخرى، وظهرت الدولة مع انقسام المجتمعات إلى طبقات(10) ، يضاف إلى ذلك، أن الدولة تنظيم سياسي، ونظام حكم، يتم تنصيبه فوق المجتمع، وتوكل إليه مهمة حماية النظام العام(11)، فالدولة هي حصيلة تداخل هذه العناصر الثالثة لتكون الأمة، والتي هي تطور طبيعي للمجتمعات الإنسانية، وبالتالي يختلف التنظيم السياسي باختلاف الأمم،و بحسب الظرفية التاريخية التي تعيشها كل أمة. تلك المصطلحات الثلاثة تتداخل فيما بينها، وخاصة مع ربطها بمفهوم القومية؛ والذي هو مفهوم، في حد ذاته، صعب التحديد، لما يحتويه من مراوغة إنشائية، وخطابية، ذلك أن هذا التداخل بين مفاهيمم كل من الشعب، والأمة، والدولة مع مفهوم القومية، يُحدث نوعًا من الخلط، عندما تحول الخطاب من اصطلاحي إلى خطاب سياسي، خاصة في الوطن العربي؛ لأن فكرة القومية، بمفهومها الحديث، انبثقت في وجه الاستعمار، بعد أن كانت تبلورت في المواجهة بين القومية التركية، والقومية العربية، بعد أن حاولت الأولى صبغ المنطقة بالطابع التركي، كما أن العالم الإسلامي القديم لم يعرف الحدود السياسية القومية، التي تحدده فكرة القومية، بشكلها الحديث، من أنها دول ذات حدود سياسية بحرية، جوية، برية، محددة المعالم والتفاصيل بحدود تتفق عليها الدول فيما بينها، ويحكمها قانون دولي، وأن تعامل مع فكرة القومية ككيانات بشرية قائمة بذاتها، تسكن الأرض التي فُتحت وتقبلت التعريب، أو احتفظت بلغتها الخاصة، أو احتفظت بديانتها التي كانت عليها قبل دخول العرب إليها، مثل القومية القبطبة، القومية البربرية... ألخ، من القوميات التي كانت موجودة، في المناطق التي فتحها العرب، ومن ثمة انصهرت في بوتقة واحدة، وهي القومية إلإسلامية العربية، وأن احتفظت بكيانها قائمًا بذاته. من جانب آخر، تتداخل المصطلحات مع تداخل العناصر المحددة لكل مصطلح على حدة، فمثلا حددت عناصر الأمة بأنها(12)، الوحدة الجغرافية؛ والعوامل اقتصادية؛ الدولة، والوحدة العنصرية، والدين، والتاريخ. يرى بعضهم بأنها تشتمل، مضافًاً، إلى هذا كله، عدداً معيناً من الأفراد (شعب)، بينهم اتصال وثيق، وكذلك مجموعة من المصالح المشتركة(دولة)، بين أعضاء الجماعة (أمة)، ودرجه من الشعور المشترك(أمة/ شعب)، والإرادة المشتركة. هذا على مستوى محددات مصطلح الأمة، وعناصر تكوينه، لتقسم بعد ذلك الأمة، كمفهوم نظري، إلى ثلاثة أقسام، لتتداخل هذه الأقسام في ما بينها على أرض الواقع، كما أوضح ذلك مفكر اجتماعي سوري مرموق؛ حيث يرى أن المجتمع العربي تتداخل فيه هذه الأقسام لتكون واقع هذه المجتمعات دخل الدولة (الشعب/ الأمة)، لتكون الثنائيتين (الريف/المدينة، البدو/ الحضر) بما تحملانه من خصائص اقتصادية، واجتماعية، ذات تداخل يحتاج إلى دراسة وإعادة نظر جيده، وهذه الأقسام الثلاثة، التي يرى الباحث السوري، أن المجتمعات العربية كأمة(مجتمع) تتكون منها هي(13): أ- المجتمع فسيفسائي. ب- المجتمع التعدي. ج- المجتمع المتجانس. هذا التنوع في بناء (الشعب/ الأمة)، انعكس على واقع المجتمع العربي (الدولة)، بتباين مختلف، في مدى قرب أو بعد مجتمعاته عن هذا التقسيم الثلاثي لفكرة المجتمع في الدول العربية، خاصة مع محاولة الكيانات الاستعمارية، والتي تختفى في أشكال عده، من إذكاء روح فكرة العرقية"الأقلية"، وهي جماعات فرعية في ظل جماعة أكبر(14)، بإدخاله تحت مظلة مصطلح القومية، ليختلط الحابل بالنابل، في إطار فوضى المصطلح في الوطن العربي، وعبر وجود أكثر من تعريب للمصطلح الأجنبي تفسه. مع اختلاف مدى حرص الكيانات العربية القطرية – الحديثة- على التطور داخليًا لمجتمع متجانس، بفرض مفهوم الدولة المدنية، الذي يحترم تنوع واختلاف الطبقات، والكيانات المجتمعية المكونة له، من مجتمع ريفي، مجتمع شعبي، مجتمع حضري، مجتمع بدوي ، ومع ما تقوم به النظم السياسية العربية،الحاكمة، من حسابات خاصة بين الأطياف المكونة لمجموع الشعب، في محاولة لاختلاق نوع من الحساسية تجاهها، لتدعم به نفسها داخل المجتمع "الدولة"، كنظام سياسي قادر على القيام بخلق التوازن المطلوب داخل المجتمع؛ وإلى أن يتطور مفهوم الدولة، عبر آليات تخدم المجتمعات المدنية الحديثة، وتسعى إلى استيعاب الأطياف العرقية، واللغوية في المجتمعات العربية، تبقى الدول العربية القطرية بين ذهاب وإياب داخل التقسيمات التي تم ذكرها في الفقرة السابقة؛ والسؤال هل تحدث في أقطار الوطن العربي محاولة لتغليب الدولة المدنية ومؤسساتها؟ هل يتم إلغاء فكرة الأقلية، سواء الدينية، والعرقية، واللغوية لتقوم فكرة الدولة المدنية الحديثة؟! 4- القومية: مبدأ يعكس أفكاراً وتصورات عن التفوق القومي(15)، وهي وعي هذ الأمة بوحدتها، وذاتها، ومكانها في الوجود، وبالروابط المادية والمعنوية التي تربط بين أبنائها، والتي تشدهم إلى مواقفهم من الحياة(16). هذا المفهوم للقومية، والذي هو الوعي بالتفوق، مضافًا إليه الوعي بوجود الروابط المادية، والمعنوية، وحدة اللغة، المساحة الجغرافية المشتركة، التكوين النفسي، والاجتماعي المتناغم، إن القومية ليست هذا فحسب، بل هي أعمق من هذه العوامل وأرسخ، فهي من صنع أجيال وقرون، وهي نتيجة تراكم طويل، هذا المفهوم للقومية، لم يدرس واقع المجتمعات العربية، وما طرأ عليها من تغير في السلوك، نتيجة لاحتكاك هذا المجتمعات بالوافد الثقافي، على تنوعه واختلافه. ومع هذا كله تظل العوامل الداعية إلى الوحدة العربية، كثيرة وقوية، فلماذا تحدث التفرقة إذاً رغم الدعوات الكثيرة للوحدة؟ إن مفهوم الوحدة، كتكتل ذا بناء سياسي، اقتصادي، اجتماعي،عسكري، من الممكن أن يُفعََّل داخل الوطن العربي، خاصة مع وجود العناصر الداعمة لهذه الوحدة, والسؤال هنا ما العائق دون إكمال عملية الوحدة، بشكل تكاملي، أو حتى جزئي بين أجزاء الوطن العربي؟ ما المشكلة التي تقف وراء التمسك بالقطرية، في وجود التكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى على مستوى العالم، هل هي الذهنية العربية، وما تحمله من جينات؟ هل هو الخطاب العربي الحماسي، بلا تفعيل عقلي، وعلمي لفكرة الوحدة؟ هل هو الاستعمار، وما يقوم به من بذر التفرقه بين أجزاء الوطن العربي؟ هل هو التفاوت الاقتصادي والثقافي بين اجزاء هذا الوطن؟ هل هو افتقاد قوى إقليمية عربية فاعلة وحقيقية تحرك هذا المشروع؟ الأسئلة كثيرة، وإجابتها تحتاج إلى الكثير والكثير من الدراسات للمجتمع العربي من الداخل؛ رغم وجود مشاريع ثقافية قامت بقراءة ونقد الذهنية والخطاب العربيين، فأن هذه المشاريع ظلت حبيسة الأدراج أو حبيسة عقول النخب المثقفة فى الوطن العربي، ولم تفعل، لماذا؟! لا يعنى هذا أن مشروعات الوحدة لم تتم، بل كانت هناك مشروعات تمت، ولا تزال قائمة، منها مشروع دولة الأمارات العربية المتحدة، ومشروع توحيد شطري اليمن. لكن لماذا - على سبيل المثال لا الحصر- اخفق مشروع الوحدة بين مصر وسوريا، في عز المد القومي العربي؟! لماذا طرح أكثر من مشروع وحدوي، ولم ينفذ؟! هذا يحيلنا إلى قراءة سريعة في فكرة القومية، بالمفهوم المشرقي والمغربي لها، مع محاولة لعرض طولي لتاريخ تطور المفهوم في الوطن العربي، لنعرِّج منه على تحليل هذا الخطاب وصولا إلى التوصيات والاقتراحات التي قد تكون ذات صدى ما. ثالثا: تاريخية مفهوم القومية إن فكرة القومية مرتبطة بالبحث عن الحرية، كفكر وسياسة، فهي في جوهرها، شعور، وهي -كما يعرّفها باحث قومي لبناني- " وحدة شعور بين أفراد الأمة"(17)، هذا الشعور هو حالة خاصة تحملها الجماعات الإنسانية، وقد ارتبطت القومية بفكرة الهوية، والتي هي علاقة ديالكتيكية بين الشعب، وتاريخة، الذي يتراكم مع تطوره المجتمعي، هذاالمجتمع هو بدوره نتاج "مجموعة من القيم وقواعد السلوك المشتركة"(18)، هل من الممكن هنا أن نقول: إن الحركة القومية العربية هي حتمية تاريخية؟! ظهر مفهوم القومية- كما هو معرف- في القرن التاسع عشر، مع الثورة الفرنسية، وبدء ظهور اللغة الإيطالية، كلغة منفصلة عن اللاتينية، لينتقل إلى الوطن العربي، والذي كان كتلة سياسية واحدة تحت حكم العثمانيين، دول ذات كيان سياسي بسيط التكوين، منفصل عن المركز، وإن وجد هذا المركز في الخلفية السياسية، ليبدأ الصراع بعد الاستعمار، لتبدأ المناداة بالقومية القطرية، بالمعنى الحديث، لتكون هذه الخطوة طريق للاستقلال والتحرر من الاستعمار، الحديث، وقبلها ومن فكرة التتريك، التي حاول العثمانيون فرضها على الشعوب العربية، خاصة في منطقة "الهلال الخصيب" ومصر، ليختلف، من هذا التوقيت، النظر إلى مفهوم القومية، والذي ارتبط بمفهوم الوحده عند المشرق والمغرب العربيين، كل بمفهومه الذي أراده، ورغب في الوصول عبره إلى حلم السلطة. انقسم الوطن العربي إلى مجموعات، "منطقة الهلال الخصيب"، وتشمل كل من القطر السوري –فيما عرف بسوريا الكبرى- والعراق، وهي منطقة تجمع في تكوينها بين ثنائيين" البدو/ الحضر، والريف/ المدينة"، بجانب كونهما المقر القديم للحضارة العربية بشقيها الأموي والعباسي، وكانت فكرة القومية العربية لدى حكام هذا الجزء من الوطن العربي، هي الوحدة بين أجزائه، والخروج من عباءة الترك، ولاستعمار. ثم "منطقة شبه الجزيرة العربية"، وهي بطبيعة تكوينها مجموعة من القبائل والعشائر العربية، التي يربطها التعصب العشائري، ولم تعرف فكرة التمدن والدولة، إلا من خلال قرى بها نوع من التحضر – ثناية البدو/ الحضر. إذاً فمنطقة "الهلال الخصيب" لم تكن تخلوا من فكرة العشائر والقبائل البدوية، بل كانت تعاني من فكرة البداوة، في مقابل الحضر، ذلك أن منطقة "الهلال الخصيب" هي عبارة عن امتداد جغرافي طبيعي لشبة الجزيرة العربية، و لقرب المنطقتين، مما ساعد على سهولة الترحال بين القبائل والعشائر البدوية في ربوع هذا الجزء من الوطن العربي. لنتقل إلى "مصر" وهي بطبيعتها مجتمع مستقر ذا شخصية خاصة قادرة على تذويب الغير، وهي ذات تقسيم مجتمعي مختلف- ثنائية المدينه/ الريف-، لهذا تأرجح مفهوم القومية لدى المصريين بشكل خاص بين القومية العربية، والقومية المصرية؛ لطبيعة مصر الحضارية والثقافية. وأن طرح في السنوات العشر الماضية الثنائية الثانية- البدو/ الحضر- عند كل من بدو سيناء، وقبائل أولاد علي، وغيرهم في الصحراء الغربية، بما تحمله المنطقتان من بؤر صراع ملغم داخل مصر وخاصة أن المنطقتين حدوديتين، واحدهم – سيناء- تمثل مرتكز خطر في الصراع العربي – الإسرائيلي، ثم "منطقة المغرب العربي" والتي تبدأ من ليبيا مرورًا بتونس، فالجزائر، وأخيرًا المغرب، وقد قام مفهوم القومية لدى هذه المجموعة من الدول على أساس ارتباطها بفكرة دولة واحده متصلة سياسيًا، وإقليميًا بالدولة العثمانية، أولًا: لبعد هذه الدول عن السيطرة الفعلية للسلطنة العثمانية، وثانيًا: لطبيعة الاستعمار الاستيطاني، والذي قام بمسخ الهوية القومية، كما حدث في الجزائر، على سبيل المثال، مع وجود كل من ثنائية البدو/ الحضر ، والريف/ المدينه، في هذه الجزء من الوطن العربي، ذلك لطبيعة المجتمع في هذه الدول، فهو مجتمع به عرقيات مختلفة، ويطل على صحراء تصله بمناطق مختلفه في تكوينها المجتمعي عن الوطن العربي- إفريقيا جنوب الصحراء- وإن كان هذا المجتمع امتداد لمجتمع المغرب العربي - دولة الموحدين مثلًا-، مما أضفى صيغة مجتمعية خاصة بين هاتين الثنائيتين، وكذلك لاتصال هذه المنطقة بأسبانيا (الأندلس)، ونزوح المسلمين إلى هناك مع سقوطها، ليكون المجتمع معبَّرا عن كافة الأشكال المجتمعية مع المد الاستعماري، وبدء حركات التحرر، كان أول من نادى بفكرة القومية، لبنان، ومصر، "وكان رفاعة رافع الطهطاوي هو الأكثر نفوذًا في الفترة الواقعة بين 1834، ومنتصف ذلك القرن... نشر الطهطاوي الأفكار عن أن الأرض تتكون من بلدان لها خصائصها الخاصة بها"(19)، لطبيعة تكوين المجتمع فيها. ثم كان الكواكبي، فساطع الحصري، من أوائل من نادوا بفكرة القومية العربية، كحل للنهوض بالمجتمعات العربية؛ ليحمل بعد ذلك المفهوم مجموعة من الأبعاد المختلفة، ليرتبط بمفهوم الوحدة، وخاصة مع ثورة 1952 المصرية، والتي تعد نقطة تحول فارقة في نقل هذا المفهوم خطوة قوية وفاعلة؛ لتكون البداية الحقيقة لتفعيل فكرة القومية، مرتبطة بالوحدة، لتتمثل بقوة في وحدة مصر وسوريا، والتي يتم فصل عراها، بعد ذلك. مر الوطن العربي بمجموعة من المنعطفات، خلال الستين عامًا المنصرمة، تراوحت ما بين انكسارات، انقلابات عسكرية، حروب بين الدول العربية ودول الجوار(العراق – إيران)، لتكون الإنكسارة الكبرى بغزو العراق للكويت، ثم ضرب العراق وتدمير بنيته العسكرية، والاقتصادية، أزمات مفتعلة بين الاقطار العربية، وفي كل مرحلة من هذه المرحل يعلو الصوت بالقومية والوحدة، لتحدث بعدها الانتكاسات، ويتم تدمير المشروع، من أساسه، ما حدث بين مصر والجزائر من تصعيدات بعد مباراة كرة القدم إياها في الخرطوم! إن كل ما مر به الوطن العربي، على الأقل في العقود الستة الماضية، يجعلنا نتساءل لماذا لم تفعَّل فكرة القومية، ومن ثم الوحدة كنتاج طبيعى لها؟ مع شدة احتياج الوطن العربي لهذه الوحدة!
رابعا: مفهوم الوحده وخطابها
تعريف الوحدة أرتبط مفهوم الوحدة، وهي التجمع في كيان سياسي مشترك، في الوطن العربي، بفكرة القومية، وكانت القومية بمفهومها وحدة الدين، واللغة والمساحة الجغرافية المشتركة، و الشعور الجمعي، هي الخطاب السائد في فكرة الوحدة العربية حتى الآن، وكان كل من" حزب اللامركزية الإدارية العثماني"، و"عصبة العمل القومي"، "حزب الاستقلال"، "حزب البعث العربي الاشتراكي"، "حركة القومين العرب"، "فالناصرين" (20)، هم من حمل لواء الوحدة في إطار القومية، ليمر العمل الوحدوي القومي، بعد هذا بمنعطفات تأثرت، بما يحدث في العالم العربي من أحداث. لتطرح مجموعة من الأسئلة في هذا الإطار، خاصة مع بدء خطاب النهضة العربية الحديثة، والاتجاه إلى تفعيل القطرية، وأن ظهر على السطح خطاب الوحدة؛ هذه الأسئلة هي(21):
- ما هي النهضة؟ - ماذا تشكل؟ - ما هو النظام السياسي الأفضل؟ - ما هي طبيعة الصراع القائم؟ ولماذا الصراع؟ - أين نبدأ؟ - من يقوم بمهمة التغير التاريخية؟ - ما هي طبيعة التغير الذي نريد؟ ولمصلحة من وعلى حساب من؟ - ما هي الأولويات؟ - يقاوم التغير ومن يعمل للتغير؟ - من هم الأصدقاء ومن هم الأعداء؟ - أي طرق نسلك في التحرر وبناء النظام السياسي؟ - كيف نحدد علاقتنا بالغرب؟ - كيف نحقق الوحدة وما طبيعتها وما مقوماتها؟ - ما هو النظام الاقتصادي المفضَّل؟ هذا الأسئلة السهلة الممتنعة هي الإطار الذي دار فيها الخطاب القومي الوحدوي، خلال قرن من الزمن، لتختلف الإجابة، بعدًا أو قربًا من فكرة القومية وفكرة الوحدة، وفي بعض الأحيان بالالتفاف حوله الفكرة، في محاولة للي عنق الكثير من الحقائق، في إطار من الغنائية والحماسة اللفظية، والميل إلى الحلم دون تطبيق واع، أو دراسة حقيقية لطبيعة الواقع العربي المعاش،وهذا لطبيعة العربي العقلية من غلبة الخطاب العاطفي على الخطاب العقلي. من هنا كان لا بد من تحديد مفهوم الخطاب؟ ثم العروج على طبيعة الخطاب العربي؟ وكيف يتم تطويره؟ لنصل بعد ذلك إلى طرق تفعيل خطاب الوحدة. لقد طرح مفهوم الوحدة عبر أكثر من اتجاه سياسي، وبأكثر من مفهوم وتعريف، منها المفهوم الميتافيزيقي، وهو يحدد عبر تركيب نفسي وعقلي ثابت ينطلق منه بغض النظر عن الأوضاع الاجتماعية، أما المفهوم السوسيولوجي، فهو ثابت وإن تطور مع حركة التاريخ. " أن خصوصيات أي شعب هي نتاج عوامل التاريخ الدينامكية كالاحتكاك الثقافي والحروب والهجرة ..."(22) . من هنا طرح مفهوم الوحدة إشكالية على المستوى السياسي، وعلى مستوى التنظيم، ذلك أن " غياب المصلحة المحسوسة بالوحدة لدى طبقات معينة يجعل حديثها الوحدوي (نظريا) أي فذلكة"(23). أن مفهوم الوحدة يحيلنا إلى طبيعة المجتمعات التي ستقوم الوحدة بين أجزائها، ذلك أنها " ترتبط بمواءمته – مشروع الوحدة- بحركة الواقع الاجتماعية... أي هل يمثل هذا الحلم انعكاسًا لحركة الواقع الاجتماعية، بأبعادها المختلفة أم لا؟"(24) . هذا الاحتياج للوحدة الذي يقبله واقع مجتمعي، يميل إلى التفتت بحاجة، إلى خطاب يرسِّخ الوحدة كضرورة، وخطوة هامه، من هنا كان تناولنا لمفهوم الخطاب كخطوة تالية له. مفهوم الخطاب خاطب فلان فلان، أي تحدث ونقل شيئاً ما، أن تخاطب شخصاً وتتحدث معه، لا بد من أن تملك ما يساعدك على هذا، فالخطاب هنا هو تقنية الحوار، وتبادل الآراء بين الأشخاص، دون حجر طرف على طرف، وأعتبار طرف أضعف في مقابل طرف أقوى، هذا الخطاب هو وليد ثقافة يملكها طرفي الحديث، من هنا يمكن تعريف مفهوم الخطاب العربي بأنه وليد حقيقي للثقافة العربية، بجميع آفاقها وأصناف مسمياتها، فهو خطاب يعبّر عن الذهنية العربية، في حال تطلعها إلى الرقي والإجراءت المتخذه في سبيل بناء الوطن العربي. الخطاب، إذاً وليد ثقافة ما، لمجتمع ما، بما تحمله هذه الثقافة من عناصر مادية ومعنوية، وكذلك ما تحمله هذه الثقافة من منجز ما، وليد تفاعل هذا المجتمع(البشر) والعناصر المحيطة به. من هنا طُرح الخطاب العربي مجموعة من الإشكاليات، ناتجة لما خص به هذا الخطاب من جمعية ذهنية، تحمل من الاختلاف، قدر ما تحمل من تماثل، كما يحمل هذا الخطاب من التناقض الكثير، منها كونه خطاباً ثنائي التوجه – مع/ ضد-، وهو خطاب شديد التباين، والتغير، والتقلب، ذلك لطبيعة الذهنية العربية التي حملت الرساله إلى الأصقاع المحيطة بها، فهي ذهنية صحراوية، شبه مدنية، في بعض مناطق منها، بما تحمله الصحراء من طبيعة فرضتها على تكوين ساكنيها، لهذا فهي حينما احتكت بمناطق الحضارة المدنية، أنشأت ثقافتها الخاصة والتي كانت مزيج من علوم مختلفة. يشير أحد باحثينا العرب البارزين، في مجال دراسة العقل العربي، إلى فروع العلم التي قام عليها العقل العربي، بأنها ثلاثة فروع هي(25): علوم البيان: وشملت علم النحو، علوم الفقه، وعلوم الكلام والبلاغة...الخ، فيما عرف بالمعقول الديني. علوم العرفان: وشملت علوم التصُّوف، الفكر الشيعي، بما حمله من فلسفات، التفسير الباطني للقرآن، والمعرفة الإشرافية... الخ، فيما عرف بعلوم أللا معقول العقلي علوم البرهان: وشملت علوم المنطق، الرياضيات، الطبيعات، والميتافيزيقا...الخ، فيما عرف بالمعقول العقلي. هذه العلوم اكتملت مع تطور المجتمع العربي، بخلاف علوم البيان، التي اكتملت مع عصر التدوين، وكانت لغة الإعرابي القادم من البادية العربية، هي المقياس الصحيح لصحة اللغة، بما حملته هذه اللغة من طبيعة المنطقة الصحراوية القادمه منها، ولم تتطور هذه اللغة، واحتفظت بالقواعد النحوية كما اخذت من البادية، وأن قعَّرها المولدون، وهم ليسوا أصحاب اللغة الحقيقيين، وتم تجاهل لغات ولهجات المجتمعات التي حلت عليها اللغة العربية، لتغلق اللغة، ومعها ينغلق البحث، في أثر تمازج اللغة العربية، باللغات المحلية، وكيف تولَّد عن هذا الخليط لغات ولهجات محلية مختلفة، تطورت مع تطور المجتمع العربي، ليقف الدرس النحوي، ومعه علوم اللغة العربية، عند فصاحة لغة البادية وقوة لفظها، ليدور العقل العربي فى حدود تلك القواعد، التي انعكست على التفسير، ليصبح العقل العربي متمسكاً بالنص، على حساب الاجتهاد. مما ،ثر بعد ذلك، على الخطاب العربي المعاصر، فها نحن نصل إلى العقد الثاني من الألفية الجديدة، ولا نزال ندور في فلك الثنائيات القديمة نفسها، والفكر نفسه، و تقنيات التعبير ذاتها، الخطابة، الشعر، والتجاهل التام لعلوم البرهان، لنستعيرها من الغرب كمتلقين، بعد أن وضع أسسها العلماء العرب، مقتفين اثر العلماء السابقين عليهم. وحتى مع تطور المجتمعات العربية ، تظل تستجلب التكنولوجيا والتقدم ، بلا محاولة فعلية لتطوير منجزها العلمي ولا تزال هذه المجتمعات مستهلكة مفعول بها، وليست فاعلاً. طبيعة الخطاب العربي يحمل الخطاب العربي، كما سبق وأشرت، مجموعة من الإشكاليات، فهو خطاب يجنح إلى جماليات اللغة، مع افتقار للمعرفة العلمية، كما أنه خطاب يعظِّم القديم، ويتحسر عليه، في مقابل رفضه أو القبول على مضض، لكل جديد، وهو خطاب يدور في حلقة تبدأ ولا تنتهي، حيث طرح المشكلات نفسها، من غير أن يضع لها حلولاً جذرية، ليدور في ذات الحلقة، وهو خطاب طوبوي مثالي، يطرح حلماً، قد لا يناسب الواقع، ويظل ينسج حول هذا الحلم الكثير، ليفيق على صدمة تعيده إلى الوراء (هزيمة 1967م، غزو العراق للكويت). إنه خطاب دائم التحرك بين ثنائية الأصالة (التراث)، المعاصرة (الفكر الغربي بما يحمل)، والتي جاءته مع الحملة الفرنسية، ثم مع الاستعمار. ليظل خطاباً حالماً أيديولوجياً بلا دراسة لواقع واستشراف للمستقبل"ما يلفت النظر في الفكر العربي الحديث والمعاصر هو ضحالة الخطاب السياسي فيه... كما يتخذ الوعي العربي المعاصر نقطة انطلاقه من المستقبل دائما ليتجه بعد ذلك إلى الماضي، من أجل إعادة بنائه بالشكل الذي يجعله في خدمة قضيته"(26). هو خطاب دائم الرجوع إلى مرجعية القديم، ومرجعية أنه الأسبق، دون أن ينتبه إلى أن المجتمعات تنمو، وتتطور، نتيجة لاحتكاكها بما حولها. انعكست طبيعة هذا الخطاب الثنائى، الانشائي، الدائم العودة إلى القديم، على مفهوم القومية العربية، وبالتالي على مفهوم الوحد بين ارجاء الوطن العربي. من هنا يطرح السؤال كيف يتم تطوير خطاب القومية و الوحده العربيتين؟ خامسا: رؤية مستقبلية " إن عقل الأمة نسبي تاريخي، مكوناته بشرية وليست مفارقة،أو خارقة، لأنه منتج اجتماعي مشروط بثقافة وفكر ولغة، ونشاط أية فعالية اجتماعية مطردة ومواجهة، أو صراع بقاء في زمان ومكان محددين"(27). كما نرى فالعقل /الادراك الذي يربطنا بالعالم ونتاج لصراع في زمان ومكان محدد،وهو نتاج لطبيعة مجتمعه، من هنا كان لا بد من تطوير للعقل العربي، عبر تطوير وسائل تلقيه المعرفه، وعبر تطوير وتطويع ثقافته. طُرح مفهوم كل من القومية والوحدة العربيتين، في منتصف القرن الماضي، بلغة طوباوية، فهي القدر والمصير، وهي الحتمية التاريخية الضرورية، وهي الأساس الذي عبره سيحرر الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وهو الأساس الذي به سيطرد الكيان الصهيوني من فلسطين، لتعود محررة وقوية، إلى غيرها من الكلمات الرنانه التي ملأت السماع والخطاب الاعلامي، مع ظهور التلفزه في ستينيات القرن الماضي، لتتحطم كل هذه الأحلام على هزيمة مصر سنة 1967م، وحرب إيران والعراق، ثم غزو العراق للكويت، وقبلها انتكاسات مختلفه ومتنوعه، لنصل إلى القرن الحادي والعشرين، ونحن كدول عربية، لم نفعل حتى السوق المشتركة، أو نلغى على الأقل فكرة الحدود بين الدول العربية، وإن تم إلغائها بين منظومة دول" مجلس التعاون العربي". هذه كله ترك تركمات سلبية بين ابناء الوطن العربي، حاول بعض علمائنا ومثقفينا طرح حلولاً عبر قرأة الواقع العربي، وقاموا بطرح رؤى تأسس لواقع عربي جديد، يتجاوز أزماته المفتعلة، ويقوم بكسر حاجز تلك الثنائية الاجتماعية ( البدو/ الحضر، الريف/ المدينة)(28)، التي ما تزال قائمة في الوطن العربي، بما تفرضه ثنائية (البداوه/ الريف) من قيم لا تتناسب مع منطلقات العصر الحديث، وبما تفرضه من سيطرة سلبية، لكونها بما تحمله من قيم وموروثات، قد تتنافى مع الجديد وتحاربه، لا يعني هذا الرفض لهذه الثنائية، وما تحمله من قيم، ولا رفضها، كخيط مهم وحيوي في نسيج المجتمعات العربية، لكن بمعنى العمل على النهوض بهذه الثنائية – البدو/ الريف- عبر تطوير آلية الخطاب، وعبر تطوير المجتمع العربي وتحديثه، من هنا كان لا بد من ربط الفكر العربي بواقعه عبر" تحليل الواقع تحليلاً يهدف إلى الكشف عن بنيته، واستخراج ثوابته ومتغيراته، واستخلاص نموذجه الحقيقي، وتحليل صورة الواقع (العامية)، كما تنعكس في واعي الناس"(29). اخيرا: 1- اتسام الخطاب العربي باليوتوبيا، وهو خطاب يعتمد على جماليات اللغة. مما انعكس بالسلب على خطاب القومية والوحده العربيتين. 2- تحجر اللغة العربية، وإيقاف تطوير طرق التدريس، والوقوف بالعلوم التي تدرس اللغة العربية، عند مرحلة الجرجاني وما قبله، دون تطوير لها، إلا في إطار اجترار القديم، وعدم وضع نظرية نقدية عربية، أدى إلى تحجر لغة الخطاب وإتسامها بالمبالغة، وبعدها عن واقع المجتمع. 3- الانفصال التام بين الإيديولوجيات، التي طرحت في الوطن العربي، وواقع هذا الوطن المعاش عجّل بانفصال السياسة عن المجتمع، ليصبح السياسيون العرب، كما شعرائهم ومثقفيهم- إلا من رحم ربي- في دائرة بعيده كل البعد عن هذا المجتمع. منها، أطرح بعض التوصيات 1- إعادة قراءة التراث الإسلامي العربي، وما حمله من علوم وثقافة، ليكون معبرًا لدراسة المجتمع العربي، وتطويره، دون جعله هو السند في الحكم، والمرجعية الأساس. 2- إعادة قراءة المشاريع النهضوية العربية، (الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية)، والتي عبرها تم تحليل المجتمع العربي، ودراسته، مع استكمال هذه المشاريع بدراسة المجتمع العربي بطبقاته، ودراسة كيفية تطويره. 3- محاولة تفعيل الفلكلور والتراث الشعبي العربي، ذلك لاهمية هذا التفعيل في ربط العرب ثقافيا عبر مشتركهم الثقافي والذى هو وليد البيئة المحلية بما تحمله من تشبه واختلاف، وليد طبيعة كل منطقة. 4- طرح خطط عشرية، عبرها يتم تفعيل منظومة الثقافه العربية.
وبعد فقد طرحت الوحدة تحت مظلة القومية، وأن اختلاف ايهما أولًا، لتظل تلك الدائرة التي لا تنتهي، ومع فقد هذه اتسم الخطاب باليتوبيا، والمثالية، التي تصل إلى حد فجاجه الطرح، والسذاجة الأيديولوجية، ليكون الواقع تشرذماً، وقطرية، وإستعلاءً من البعض على البعض الآخر، ليكون الخطاب العربي خطابًا يرى أن كل قطر عربي هو الاحق بالقيادة، ما دام ذا صوت عال، ويملك وسيلة إعلامية، يعِّبر بها عما يريد، حتى وإن اتسم هذا التعبير بعدم الحيادية، ناسين أن هناك فرق ما بين القائد الحقيقي، والقائد المصطنع، والذي هو يشبه الثقافه النابعة من حضارة ووليدة بيئتها، والثقافه المفتعلة المجلوبة. كما أن الحديث عن القومية، والوحده العربية، في ظل تلك القطرية، والتي من الممكن جعلها مخاض من نوع ما نحوهما، ذلك لأن طبيعة المرحلة السياسية تتجه إلى التكتل في كيان سياسي، أو اجتماعي، أو اقتصادي كبير، ضْرب من الحلم، لكن من الممكن الدخول إلى فكرة الوحدة الاقتصادية، في الوقت الحالي وتأجيل فكرة القومية،مؤقتا حتى تنضج المجتمعات العربية سياسيًا، وتعي ضرورة الوحدة، في إطار القومية وأهميتها، ولقد بدأت إرهاصات تدل على توجه الدول العربية نحو المجتمعات المدنية، والتى هي التطور الطبيعي، بعد مرحلة الدكتاتورية، وحكم الفرد المديد في المنطقه. من هنا، وعلى الرغم من بعد حلم الوحدة فإنه يمكن التحقيق، ولكن في ظل وعي ناضج، وخطاب متطور، وحقيقى، وهو قادم ولا ريب. الهوامش 1- فؤاد عمرو، موضوعات الثورة العربية، بيروت: دار الرأي، سلسلة "الثقافة الشعبية"، (1)، نيسان / أبريل 1976، ص11. 2- المصدر نفسه، الصفحة نفسها؛علي محافظه، موقف الدول الكبرى من الوحدة العربية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، نوفمبر 1985،ص 467؛ محمود كامل، عروبتنا، القاهرة: دار المعارف، سلسلة إقراء، 1964، ص5. 3- محمد جابر الأنصاري، العرب والسياسة أين الحل؟ بيروت: دار الساقي 1998، ص9-10 وما بعدها. محمد عابد الجابري، مشروعه: قراءة في العقل العربي المعاصر. حيث تحدث كل منهما، فيما طرحا عبر مشروعيهما الثقافي، هذه الثنائية، ودورها في الثقافة العربية الإسلامية، وبنية المجتمع العربي، وقد شرحا ما يحدث الآن في واقع هذه المجتمعات مع توضيحهما لدور الاستعمار الحديث في تجديد هذا الطرح بأشكال مختلفة. 4- أيمن حافظ السعدني، يقظة الأمم، جامعة المنوفية: رسالة دكتورة غير منشورة،1999، ص 11. 5- المصدر نفسه ، ص 28. أيضا: المعجم الفلسفي المختصر، ترجمة:توفيق سلوم، موسكو: دار التقدم، 1986، ص 260. 6- إيكه هوليكرانس، قاموس مصطلحات الإثنولوجيا والفلكلور(ط2)، ترجمة: محمد الجوهري، حسن الشافعي، القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة: ذاكرة الكتابة (9)،1999،ص231 7- رونتال بودين، الموسوعة الفلسفية، ترجمة: سمير كرم، مراجعة: صادق جلال العظم، جورج طرابيشي، بيروت: دار الطليعة للطبعة والنشر 1974، ص 45. 8- السعدني، مصدر سبق ذكره، ص16. 9- عامر رشيد مبيض، موسوعة الثقافة السياسية الاجتماعية الاقتصادية العسكرية، مصطلحات ومفاهيم، دمشق: مكتبة الأسد الوطنية،1999،ص124. 10- بودين، مصدر سبق ذكره، ص184. 11- سليم، مصدر سبق ذكره، ص218-219. 12- نقولا زيادة، العروبة في ميزان القومية، بيروت: دار العلم لملايين، 1950، ص 560؛السعدني، مصدر سبق ذكره، ص 18. 13- حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، نيسان/ أبريل 1984، ص15. 14- معجم مصطلحات التنمية الاجتماعية والعلوم المتصلة بها، الجزء الثاني: مصطلحات العلوم المتصلة بتنمية الاجتماعية، القاهرة: جامعة الدول العربية، الإدارة العامة لشون الاجتماعية والثقافية، د.ت.، ص 192. 15- سلوم، مصدر سبق ذكره، ص376. 16- السعدني، مصدر سبق ذكره، ص16. 17- زيادة، مصدر سبق ذكره،ص 62. 18- نديم البيطار، جذور الهوية القومية(ط1)، بيروت: دار الوحدة، 1982،ص30. 19 – ناجي علوش، (إشراف وتحرير)، الحركة القومية في مائة عام 1872- 1982، القاهرة: دار الشروق 1997، ص12. 20- المصدر نفسه، ص6. 21- بركات، مصدر سبق ذكره، عرض الباحث على طول الكتاب مجموع هذه الأسئلة، وحاول الإجابة عنها، ينظر الفصل الثاني ص33 وما بعدها. 22- البيطار، مصدر سبق ذكره، ص 17-18. 23- سلامة كيله، إشكالية الحركة القومية العربية،(1)، دمشق: دار كنعان للدراسات والنشر ، 1991، ص100. 24- المصدر نفسه، ص103. 25- فتحي سيد فرج، نقد العقل العربي، الحوار المتمدن ، العدد( 2163)، 17/ 1/ 2008 www. Ahewar.org. 26- محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية 1990، ص 65- 73. 27- شوقي جلال، العقل الأمريكي يفكر من الحرية الفردية إلى مسخ الكائنات، القاهرة: مشروع القراءة للجميع، سلسلة الفكر، الهيئة العامة للكتاب 2010، ص7. 28- للمزيد من القراءة يمكن الرجوع إلى كل من: بركات، مصدر سبق ذكره، محمد عابد الجابري،في مشروعه الثقافي بنية العقل العربي، حيث طرح هذه الفكرة على طول مشروعه وأسهب فيها. الأنصاري،مصدر سبق ذكره، وأيضا كتابه، مراجعات في الفكر العربي، الكويت: وزارة العلام سلسلة كتاب العربي، العدد (55)، يوليو/ تموز 2004. 29- محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، أيلول/ سبتمبر 1990،ص 14.
#منال_فاروق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|