أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سنان أحمد حقّي - بين الدعوة والتبشير..!















المزيد.....


بين الدعوة والتبشير..!


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 3725 - 2012 / 5 / 12 - 10:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بين الدعوة والتبشير..!
الصراع بين أمم الشرق وأمم الغرب ليس شيئا جديدا ولا هو غائبُ عن أذهان أهل الثقافة والعلم وقد تميّز بمميّزات متعددة منها تجاور هذه الأمم جميعا مما لا يدع مجالا لتفادي التفاعل والإحتكاك الحضاري بأشكاله المختلفة ومنها أنواع الصراع من أجل الثروات الطبيعيّة وكذلك ولسبب مهم آخر وهو ارتباط الأمم الغربيّة روحيا بالمنطقة العربيّة الإسلاميّة حيث ظهرت معظم بل جميع الرسالات السماويّة في هذه المنطقة وكذلك لتوفـّر فرص للتلاقح الحضاري منذ عصر فجر السلالات أي منذ ماقبل التاريخ تقريبا وحتّى يومنا هذا وليس خافٍ على اللبيب مدى اهتمام الأمم الأوربيّة بهذا الجانب الجذ ّاب أنثربولوجيا
وقد لا يعرف معظم المثقفين أن كثيرا من أمم الشرق لم تكن يشغلها الوصول إلى المناطق الغربيّة أو الشماليّة كثيرا لأسباب عديدة منها أنه لم تكن هناك حضارات ملحوظة وقتذاك ومنها أيضا أن العرب لم يكونوا يُحبّون المناطق شديدة البرودة وأن الفراعنة مثلا لم يُحاولوا الخروج لغزو الأمم الأخرى إلاّ نادرا وبهدف تقويض أو إجهاض عدوان متوقّع ولم يتصرّفوا بأي شكل عدواني تجاه الأمم الأخرى المجاورة منها أو البعيدة بل أن الأمم الأخرى هي التي كانت على طول أو مدى التاريخ تقصدهم وتجمع الحملات العسكريّة وتحاول غزو بلاد الفراعنة وكذلك كان الأمر بالنسبة للسومريين والبابليين فبالرغم من تفوّقهم الحضاري آنذاك ألاّ أنهم لم يفكّروا بغزو الأمم المجاورة أو غير المجاورة واكتفوا ببناء القلاع والحصون عندما كانوا يفكّرون بحماية أنفسهم ويبدو أنه الأسلوب الوحيد الذي كان ممكنا والمفضّل ذلك الزمان لأن الصينيين أيضا استخدموه فيما بعد كذلك .
وخاضت كلٌّ من أمم الشرق عامّة وأمم الشرق الإسلامي والعربي على الخصوص مع أمم الغرب المختلفة صراعا طويلا معروفا بدأ بصورته الجليّة عند ظهور الإسكندر الأكبر وفي غزواته الكبرى في الشرق ومازالت خطوط تحرّكاته وحملاته تتضمن أسماءً غير عربيّة ترتبط بالحضارتين الرومانيّة والإغريقيّة ويعتدّ الغربيون إلى يومنا هذا بهاتين الحضارتين ويعتبرون أنهما مصدر أو موئل الحضارات في التاريخ الإنساني ويفخرون بها على الأمم الأخرى ومن ناحية الفخر فلهم كل الحقّ بالشعور بالفخر بتلك المنجزات الحضاريّة التي خلّفتها تلك الحضارات العريقة والمدهشة ولكنّ فريقا آخر يثبت يوما بعد يوم أن أمم الغرب قد تأثّرت في تلك الحضارات بحضارات وادي الرافدين ووادي النيل خصوصا وفيما وجدت من إنجازات ماديّة وروحيّة ( نقصد جميع ما ينطوي عليه هذا التعبير من معاني أي ما تعني من بنى فوقيّة مثل الفنون والقوانين والتشريعات والأخلاق والآداب والأنشطة العقليّة المختلفة ونقصد معها أيضا الفكر الفلسفي والأديان أيضا)ذلك لأن اللقى والدراسات الآثاريّة المتقدّمة أثبتت وتثبت يوما بعد يوم أسبقيّة حضارتي وادي النيل ووادي الرافدين على الحضارتين الإغريقيّة والرومانيّة ، ويتميّز الشرق بمزايا وخصائص أكبر جاذبيّة وتأثيرا وهي الرسالات السماويّة وكلّها ظهرت في بقعة متقاربة ومكان متّصل ببعضه وهي المنطقة الممتدّة بين وادي النيل غربا ووادي الرافدين وجبال زاغروس شرقا وجبال أرارات شمالا ( وهي منابع الرافدين) وجنوب جزيرة العرب جنوبا .
ولم نسمع بظهور أنبياء أو رسل أو رجال ادّعو أنهم مرسلين من السماء ومبعوثين برسالات إلى البشر أو جزءٍ منهم خاصّة ولا في أي منطقة أخرىفي العالم .
وتعاقبت أطوار وأنماط الصراعات بين أمم الشرق والغرب على جميع حقب التاريخ اللاحق وكلها انطوت على هجمات متعاقبة على أمم الشرق إبتداءً من الغزو الروماني لمملكة آشور وقيام الحكم الروماني في سوريا بعد تقويض الحكم الآشوري وكذلك انهيار مملكة بابل العظيمة التي ورد ذكرها في الكتاب المقدّس ،ومعلوم جدا ما جرى قبل ذلك وأثناء ظهور الرسالة الموسويّة ونقصد بذلك بدء محاولات التصاهر الرافديني والمتمثّل بأبناء إبراهيم بالفراعنة وحتّى ظهور السيّد المسيح ( ع) والدعوة إلى السلام بين الناس أو بين الشعوب .
السيد المسيح (ع) لم تكن له ذريّة أو أبناء ولهذا لم يُستخلف باسمه أحد وليست هناك ذراري ترث من بعده أيّة ولاية على الناس إلاّ بعضا من أصحابه الذين نشروا رسالته من بعده . ولكن محمدا ( ص) خلّف من بعده أسباطا وذريّة فكان أن تنافست الذريّة التي تخلّفت من بعده على الولاية سواء في العلم أو الحكم ولكن الإسلام والشريعة الإسلامية أشركت من صَلـُحَ من أصحاب محمد (ص) وأتباعه في جميع الولايات الموصوفة فكان من يتصاهر مع الدوحة المحمديّة يدخل فيها وله أن يرث العلم والحكم بسبب تولّيه على بنت من بناتهم وله معهم كما لهم في أبنائهم بسبب أن البنات لا يقمن ( القوامة)على ولاية أنفسهم بأنفسهم بل أزاوجهم لهم أن يفعلوا وهكذا وبعد المصاهرات المختلفة ظهرت أسماء بألقاب غير هاشميّة ولا محمّديّة بالنسب لتتولّى الحكم والولاية العلميّة والحكم فأصبحنا نسمع بألقاب وأسماء جديدة! وكان المسلمون في فتوحاتهم يثبّتون الملوك والحكام على ممالكهم وإماراتهم إن دخلوا في الإسلام أيضا . ولكن الغزوات الغربيّة لم تكن تتّسم بأية عقائد أو أفكار أي لم تكن لديهم في الماضي أيّة رسالة لا سماويّة ولا حضاريّة بل كان الهدف هو الأطماع والثروات ولا يُشجعون على مشاركة سواهم من الأمم في الحكم ولا حتّى بالمصاهرة ولا غيره واتّسمت غزواتهم بهدف الإستيلاء على الأرض والثروات ومحاولات استعباد من هم تحت أيديهم وكررت أمم الغرب محاولاتها في الهيمنة على الشرق العربي والإسلامي قبل رسالة السيد المسيح(ع) وبعدها مرّاتٍ ومرّات.
حتّى وصلنا إلى عهد حروب الفرنجة! والتي ترد في التاريخ الأوربّي باسم الحروب الصليبيّة أي التي يباركها الصليب ويدعو لها ودار ما دار بين أممنا وأممهم المختلفة من احترابٍ طويل وقاسٍ قدّمت فيها أمم الغرب خيرة شبابها ورجالها وقدّم الشرق العربي والإسلامي ما يعادله أو يزيد حين ظهورقيادة رجل غير عربي وهو صلاح الدين الأيوبي الذي إسترخص أضخم التضحيات ليس على سبيل الذود عن الدين وراية الله أكبر فحسب بل عن الأرض والثروات ونيابة عن شعوب الشرق العربي والإسلامي برمّته وبضمنه مسيحيي الشرق.
وظهر تناقضٌ يثير الإستغراب إذ كيف يدعو السيد المسيح ( ع) إلى السلام والعفو والتسامح والهيئات الدينية التي تمثّل كل ذلك وتتوارثه شرعا تؤجج الحروب وتقود الحملات العسكريّة العدوانيّة.
وإذ انتصر صلاح الدين وتم أخذ المواثيق على أن لا تتكرر مثل تلك الحملات مقابل أن تتم حماية الحجاج والزائرين والترحيب بهم في المناطق المقدّسة أي وقت يشاؤون ، ولكنهم عادوا واختلقوا مختلف الذرائع ليدخلوا المناطق المقدّسة وغير المقدّسة بل بسطوا في الوقت الحاضر هيمنتهم على عموم مناطق الشرق الإسلامي والعربي واستولوا على كافة الثروات بشكل مباشر أو غير مباشر أو بالواسطة وأشعلوا نيران الحروب والمآسي ونشروا التخلف والجوع مباشرة أو بالواسطة وتعمّدوا إشعال نار حربين عالميتين كونيّتين هدفها ثروات المنطقة والهيمنة عليها وبذات الذرائع والأفانين بل بما زاد عليها .
وفي عقر دار العرب والمسلمين بدأ رجال التبشير حركاتهم التي تدعو إلى إعادة غير المسيحيين إلى حضيرة الكنيسة بهدف تنصير المسلمين ومعاودة ما تم فعله في الأندلس بعد إجلاء العرب منها ولو بعد ثمانمائة سنة من دخولهم إيّاها،وإخراجهم من دينهم ليتمكّنوا من تصفية أهم مرتكزات المقاومة للنفوذ والهيمنة الغربية وعندما ظهر لهم بعض المسلمين يدعون لرفض التبشير أظهر المبشرون مرونة وطالبوافي حريّة كل طرف في الدعوة لدينه وأن المسلمين يستطيعون كذلك أن يدعون لدينهم في أي مكان وإذ صدّقهم كثير من الناس وذهبوا إلى المجتمعات الغربيّة المختلفة ليدعون لدينهم الإسلامي فقد إبتكر أئمة الفكر الغربي بدعة الإسلاموفوبيا وأخذوا يُخيفون الأمم الغربيّة من نفوذ الإسلام وساعدوا بعض المتطرفين في العالم الإسلامي على الظهور على مسرح السياسة ودفعوهم بممارسة ما يُخيف أمم الغرب من ممارسات التطرّف خصوصا لتكتمل الصورة وتظهر علينا أفكار الإسلاموفوبيا الملوّنة والتي لا تخلو من تبرير بسبب المنهج المتطرف الذي ينتهجه أو تنتهجه الزعامات الفاعلة على خشبة المسرح السياسي في الشرق الإسلامي .
والآن بدت المساومة واضحة فلكي تنتهي لعبة الإسلاموفوبيا هذه ويتوقّف تشويه الإسلام يجب أن تنتهي قصّة الدعوة إلى الإسلام في الغرب واحدة بواحدة ولكن التبشير سيكون بمنآى عن تلك المساومة ويبقى يمارس دعواته بضرورة إعادة الجميع إلى الحضيرة .وأشدّ أنواع التبرير لهذا التخويف أن الغرب والبدان التي تستضيف عددا كبيرا من المسلمين لها ثقافاتها الوطنيّة وأن الإسلام يؤثّر على تلك الثقافة ولكن نسوا أو تناسوا أن للبلاد الإسلاميّة جميعا ثقافاتها أيضا فلماذا لم يُفكّروا باحترامها حين دخلوا تلك البلاد وحين تم احتلالها من قبلهم منذ مطلع العهد الكولونيالي؟ إن هذا منهج سياسي محض ولعبة سياسيّة وليست رد عقائدي منهجي للحوار وصدق أحدهم حين قال( إن من يلعب مع الشياطين عليه أن يتحمّل كوابيسهم )
المعادلة المتوازنة هي أن يوقفوا التبشير مقابل إيقاف الدعوة إلى الإسلام وهذا مقابل واقعي وعقائدي وليس سياسي تسقط به دعاوى الإسلاموفوبيا عندها تماما وتفقد مبرراتها جملة وتفصيلا
إن أوجه التشابه بين الرسالتين أو الرسالات جميعا كبير جدا ولكن أوجه الإختلاف ليس محدودا أيضا فالإسلام لا يقرّ ولا يعترف بالكهنوت والأديان بالنسبة له هي الظلم الذي يمارسه رجال الكهنوت على أتباعهم والأموال التي يأكلونها بالباطل ولذلك كان ذلك العربيّ على حقّ عندما قال لكسرى ( جئنا لنُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ونخرجهم من ظلم الأديان إلى عدل الإسلام.) وهذا قول يعبّر عن جوهر الإسلام الحقيقي.
وبعد هذا يخرج علينا من يضرب لنا ببعض الفرق الإسلاميّة مثلا في اتـّباعهم الكهنوت أو التشبّه به وهذا ليس من الإسلام في شئ وما يفعلونه فهو شأنهم وحدهم أمّا كيف فالجواب فهو أن هذا الدين أي الإسلام جاء به رجل واحد وهو محمد بن عبد الله (ص) وكلُّ ما فيه مأخوذٌ عنه وحده وما يؤخذ عن غيره ويتعارض مع ما جاء به محمد (ص) فالأسلام منه برئ.
إن هذه الرسالة تمنع أن يؤخذ عن غير صاحبها منعا يبلغ حدّ التحريم ولا يمكن أن تتنزّل آيات أخرى أو مضافة إلى ما نزل عليه (ص) بدعوى غيره و إنتهى هذا الأمر.
إن كثيرا من الأفراد في الغرب يفهمون الإسلام فهما يتوافق مع الهوى والغاية فأحدهم يرى أن الإسلام من صنع مفكّر كبير وعبقري هو محمد وهذا ليس صحيح ولم يقل هو ذلك أبدافهو لم يكن يميز نفسه على غيره كما ورد في السنّة وهو (ص) لم يكن يُعرف بين مجالسيه لتواضعه فكان الرسل عندما يقدّمون بين يديه يسألون : أيّكم محمّد ؟ وكان يقول أنا لست بملك وإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكّة ( القديد هو اللحم المجفف وربما كان ما يفضل من الأضاحي وقت الحج فيتم تجفيفه وحفظه لأوقاتِ أخرى)وعندما كان يُشير على الناس بأفكار فذ ّة لم يكن ينسبها إلى نفسه بل إلى خالقه ويعتقد بعضهم لأنه ذكيّ فقد منع الخمور لأنها لا تناسب جو الجزيرة الحارّ جدا وآخرون يرون لأنه رجل عبقريّ قام بتأليف القرآن وآخرون يرون في الإسلام ثقافة كالبوذيّة والزرادشتيّة والهندوسيّة وغيرها وهذا كلّه بهدف عدم الإقرار بكونه رسالة سماويّة تماثل المسيحيّة ولو اعترفت تلك الهيئات الكهنوتية بالإسلام لانتهت المشكلتان سواء ما يتعلّق بالإسلام أم بالتبشير معا.
ومع ذلك فإن الإسلام لم يسعَ لتحويل المسيحيين ومعتنقي باقي الأديان إلى الإسلام بل تعامل معهم معاملة جديدة تضمن لهم الإحتفاظ بمعتقدهم ولم يتعامل الغرب هكذا ولا نقصد ما يجري الآن فقط بل ما حصل سابقا في البلاد التي احتلّوها ، وقد يسأل سائل عن الجزية ؟ وهي في الحقيقة كالبدل النقدي في هذه الأيام يدفعه من لا يرغب بالإلتحاق بالخدمة العسكريّة ولا يسألني أحدٌ فيما فعله بعض الساسة والقادة والحكام من مخالفات فهم يفعلون كل يوم وإلى هذه الساعة كل ما يحلو لهم دون أن يروا أو ينظروا فيما إذا كانوا به يخرجون عن الشرع أم لا ، وألأمرسيّان فالحاكم المسيحي الآن أو حتّى قبل قرنين من الزمان لا ينظر فيما إذا كان حكمه يوافق الكتاب المقدّس أم لا وهكذا ...
ومن النواحي التقدّميّة أي عندما ننظر إلى هذه المسألة من الزاوية الماركسيّة والنضال من أجل التقدّم والتحرّر وكقضيّة من قضايا السلم والإشتراكيّة نودّ أن نوضّح أن هدف المناضل التقدّمي بكل الفصائل التي تعتنق التقدّم والتطوّرالإجتماعي نقول إن الهدف الأساس للنضال هو ما كان ضد الفوارق الطبقيّة وضد الإستغلال أي إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان بكل أشكاله والنضال ضد التمييز الطبقي وضد التمييز العنصري بكل أشكاله أيضا وليست مهام المناضلين إحلال هدف جديد وهو النضال ضد الأديان أو نشر الإلحاد أو سوى هذه الدعاوى فهذه أمور وإن وجدنا أن بعض التوجهات الدينيّة تقف في صفّ أعداء الطبقات المستغلّة بفتح الغين ولكن الموقف الأساس أننا لا مصلحة لنا كمناضلين تقدّميين في أن نسخّر أنفسنا وتنظيماتنا في سبيل الطعن بالأديان والأفكار الدينيّة بل يجدر بنا أيضا أن نتحاشى الوقوف في صفّ دين محدد ضدّ آخر فهذه هي أخر ما يمكن أن يخدم قضايانا إن نشاط الدعوة إلى الإسلام لا يجب أن يتعارض مع نشاطنا في الدعوة إلى إزالة الطبقات والفوارق والنضال ضد الإستغلال وضد السرقات المستمرّة التي يقوم بها الرأسماليون وأن أهدافنا تقع ضمن الدفاع عن مصالح الشغيلة شغيلة اليد والفكر وعن حقوق عموم الشعب وعن حقّ الشعب الأساسي والأكبر في الحصول على مجتمع متوازن إقتصاديا واجتماعيا ينتهي فيه الإستغلال أو يُحجّم إلى حد بعيد وتُصفّى فيه التفرقة بكل أشكالها الطبقيّة والعنصريّة والتفرقة والتمييز ضد المرأة إن أهدافنا اليوم أشدّ ما تكون وضوحا من أي وقت مضى فشعبنا يواجه معاناة واسعة تتطلّب التوجّه إلى وضع حلول عمليّة وتنفيذها بأسرع ما يمكن بهدف وقف المعاناة الموصوفة وأن التوجّه أو تسخير القوى التقدّميّة وتنظيماتها باتجاه أهداف لا مصلحة لنا بها أمر في صلب الإنحراف إذ أن النضال الذي ندعو له ضد الإستغلال ومرة أخرى أقولها ضد الإستغلال وليس ضد الأديان ولا ضدّ دين محدد ولا مذهبٍ ولا ثقافة محددة ولا قوميّة بعينها وأجد أن ملء صفحات المواقع التقدميّة بالمقالات الموجّهة إلى نقد دين الإسلام بذاته دون أي دين آخر لا يخدم قضايانا الوطنيّة ولا الإقليميّة ولا القوميّة ولا أي هدف من أهدافنا الرئيسة ومن كان لديه موقف من هذا الدين أو ذاك فليلجأ إلى المواقع والقنوات والصحف الدينيّة وهي كثيرة جدا تفوق الحاجة في الوقت الذي لا توجد فيه قناة تلفزيونية واحدة تعبّر عن الأفكار التقدميّة وعن الإشتراكيّة أو الشيوعيّة ولا عن الفكر الماركسي ولا أخبار ونضالات المنظمات اليساريّة .
أمّا أن نكون علمانيين فهذا موقف نريد به إقامة دولة ذات مؤسسات محايدة بالنسبة للأديان والمذاهب فلا تقف ضد أحد منهم ولا تتوجّه ضد دين محدد أو مذهب بعينه ولا قوميّة بذاتها وهذا المطلب بالنسبة لنا مطلب مجرّبٌ في بلادنا وفي كثير من البلدان المجاورة سابقا وحاليا وفي كثير من بلدان العالم بسبب عدم وجود نوايا سلبية لدى القوى التقدميّة ضد أي دين أو مذهب وليس من أفكارنا تبنّي أي شكل من أشكال التطهير مهما كان نوعه أو حجمه ، أي أن تقوم الدولة على أساس المواطنة وحقوقها الكاملة لكل فرد يعيش في هذا الوطن بصورة شرعيّة ودائمة مع ضمان حقوق الإنسان كاملة سواء في التشريع أو التنفيذ أو التقاضي .
إنني أستغرب جدا أن نقوم نحن أبناء الشعوب التي عاشت تحت نير الإستعمار بتولّي مهمّة هي من مهام مواطني الغرب أنفسهم فقط وليس من الصحيح أن نتولّى نحن انتقاد انتشار الإسلام في الغرب والتوجّه ضد الإسلام في مواجهته مع التبشير إن مثل هذه الأمور تضعف مواقفنا الوطنيّة ونبدو من خلالها كأننا وكلاء للغرب أمّا إذا كان الغربيون متضايقون من الدعوة إلى الإسلام فليمنعوا التبشير وهذا هو الإجراء الواقعي ولكن ابتكار وسائل إعلاميّة، ومعروف أنهم يمتلكون وسائل إعلام متطوّرة جدا ونظريات إعلاميّة فاعلة لمواجهة الدعوة إلى الإسلام في الوقت الذي يستمر التبشير في مساره الطبيعي فهذه لعبة سياسيّة محضة .
عندما نلفت الإنتباه إلى التبشير يقول قائل هذا أمر شخصي ويعود للشخص نفسه وهو حرّ في أن يعتنق الدين الذي يعتقد به ولكن عندما نرى أن مواطنا غربيا يعتنق الإسلام تثور الثائرة ويظهرون علينا بالأسلاموفوبيا وإبراز التقاليد المتخلّفة وبشكل إنتقائي صرف ليدحضوا الإسلام ويشوّهونه في سبيل خفض عدد معتنقيه ولا نجد من يقول أنه أمر شخصي لا دخل لنا به .
الإسلام ليس سياسة وإن كان معنيّ بالسياسة كما هو الأمر بالنسبة لكافّة الأنشطة الأخرى ولكن في مجتمعنا معظم التقاليد الإجتماعيّة ترجع إلى النظام السياسي القبلي وهو مجموعة أعراف وتقاليد إجتماعيّة جرى التعامل بها لحقبة طويلة من الزمن وكانت القبائل ومازالت عبارة عن نواة للكيان السياسي فإن وجدت البيئة المناسبة نمت وبدأت بتكوين كيان سياسي صغير ما يلبث أن يكبر لتظهر إلى الوجود كيانات سياسية جديدة وتنشط وتنمو هذه الكيانات كلما ضعفت سلطة الدولة وتضمحل القبائل كلما اشتدّ عضد الدولة وبسطت نفوذها على كافة نواحي المجتمع وبسبب النوايا الأجنبيّة المختلفة فيما يتعلّق بعلاقات الدول فيما بينها
وللحقيقة نقول أن أغلب التقاليد والأعراف لا تمت للدين بصلة رغم أن أغلب القبائل تدّعي أن فرايضها مستمدّة من الشرع ولكن يبدو لنا عند متابعة أغلب الأعراف أنها ليست كذلك وتجدر الإشارة إلى أن المجتمع القبلي بطبيعته مجتمع طبقي ومن هنا ينشأ التعارض والتناقض بين المجتمع القبلي والمجتمع المنشود بناؤه وتنميته امّا الأديان أو الإسلام فلا نجد أنه يقرّ سوى الفوارق العلميّة فيقول القرآن الكريم ( بسم الله الرحمن الرحيم. هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. صدق الله العظيم ) وهذا أمرُ لا يختلف عليه أهل العلم والثقافة لحد الآن .
بصورة مختصرة نقول :الإسلام يبحث فيما يُعين الإنسان على الوصول إلى الجزاء الأوفى ونقصد الخلود والفردوس مقابل بضاعته وعمله في الدنيا أمّا تسخير الآمال الأخرويّة لمنافع وأغراض تستهدف الحكم أو المنافع الماديّة فليس هذا في الدين ولا الإسلام في شئ
وألخّص مقالي هذا في أنني لا أوافق على الطعن بالإسلام إذا كان الهدف هو الردّ على الدعوة إلى الإسلام في المجتمعات الغربيّة في حالة استمرار التبشير في الشرق الإسلامي وأن مهام التنظيمات التقدّميّة كافّة هو الدفاع عن مصالح الشغيلة شغيلة اليد والفكر وليست من مصالحنا مواصلة استهداف دين محدد إلاّ إذا ظهر لنا مواصلة دينٍ ما في التعرّض لمصالح الشغيلة وإدامة الإستغلال وموقفنا يبقى في حدود ذلك إذ أن الدعاوى السماويّة تنطوي على وسائل غير ما ديّة قد تستوجب الزهد واتباع التقشف والورع وغير ذلك مما لا يمكن التعامل معه في ظل عالم المصالح ولا العالم الدنيوي إلاّ إذا حصل تبادل التأثير بين عالم الدنيا والذي يُسمّيه أهل اللاهوت والدراسات الدينيّة بالعلمانيّة أي العلم المختص بأمور الدنيا دون الآخرة وبين العلوم المختصّة بالعالم الآخر أي عالم ما بعد الموت وهذه أمور تنفرد بدراستها العلوم الربّانيّة ولهذا خصائص يتخصص بها الدين فإن قال الكتاب أن العمل الفلاني فيه إثم فمعنى هذا أن مقترفه سيتلقّى عقابا في اليوم الآخر وتلك أمور لا نعلمها إلاّ بإخبار من المرسلين وخلافه فلا يجد مقترفها حرجا لولا ذلك الإخبار السماوي وهذا مبحث لا قبل لعلوم الأرض والعالم الدنيوي بها
وقد يكون للحديث صلة والسلام عليكم.



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدرسة! مباني يجب أن تناسب مهماتها..
- ما هي السياسة؟
- أفكار ومقترحات لتنظيم وتصميم المحور المركزي ، بصرة - عشّار(C ...
- السيدة ملك محمد ..مطربة شغلت أهالي بغداد ومازالت إلى يومنا ه ...
- مفهوم العلم في الدين .. وفي الدنيا..!
- بنية الطبقة العاملة بين المتغيرات الطبيعيّة ومحاولات الإلتفا ...
- الحتميّة والإحتماليّة !
- ما يهمنا من الشاعر شعره وليس سيرته!
- ما هو الأدب ؟ وماهي ما بعد الحداثة ؟ ووجهة نظر !
- عصر فجر الكولونياليّة !
- كوننا أصحاب قضيّة عادلة فهذا لا يكفي
- القصيدة الريفيّة
- مهدي محمد علي .. وانطلاقة النص من النقد أم النقد من النص؟
- ألمعرفة بين الدين وبين الفلسفة والعلوم!
- إلتزام الوعي والعفّة منهجٌ كفيل باجتياز المرأة للمنعطف الجاد ...
- أعلمانيّة ٌهي أم...؟/2
- تُرى ..هل أن إنسانا جديدا قادمٌ حقّا..؟
- أعلمانيّة ٌهي أم...؟
- صادقون مع شعبهم ..صادقون مع أنفسهم!
- فلسفة ماركس أم الفلسفة الماركسيّة ؟!


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سنان أحمد حقّي - بين الدعوة والتبشير..!