|
عدالة المساواة، لا عدالة الإنصاف
محمد هالي
الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 20:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في زمن اختلاط المفاهيم، و كثرة التأويلات المقدمة في هذا المجال، يتبين أن أكثر المفاهيم تشوها، هي تلك المرتبطة بالسياسة، ربما لأنها تسخر إيديولوجيا، لكي تقوم بتدويخ الأدمغة، و خلط الرؤى لدي غالبية الناس، ، كمفهوم العدالة، و الديمقراطية، و الحقوق، و الحرية ...إلخ. و عادة ما نسمع ب"الدول الديمقراطية"، و "دول حقوق الإنسان" و"دول الحرية و العدالة"... ‘لخ و يقصد بها في الغالب، الدول الغربية الرأسمالية، لكن مبحث القيم هذا، وما يتميز به من صورية، و غموض، قد يتحول قي كثير من الأحيان، إلى حقائق، و تصبح تلك الدول، مثالا للحرية، و العدالة الاجتماعية، يجب الاقتضاء به، و هذا الفهم مغلوط إلى درجة الغثيان، هل يمكن أن نتغطى بالغربال لكي نحتمي من الأمطار؟ إن العدالة كما يقال هي مقياس للحقوق، و لعل أرقى الحقوق تتمثل في الحقوق الاقتصادية، و التي تتفرع عنها باقي الحقوق الأخرى. ماعدا إذا أردنا أن نتحدث عن العدالة كإنصاف، لا كمساواة، و هذا مخزي، يضر بالعدالة نفسها، و يشوه صورة الواقع المشوه أصلا، ألا يمكن اعتبار الفوارق الطبقية المتفشية في المجتمعات الغربية، و تشرد نسب عالية في كنف البطالة، يضر بالديمقراطية، و حقوق الإنسان المزعومين؟ هل العدالة تختزل في حرية التصويت، و الانتخاب ، و حرية الإعلام أم يجب النظر إلى كل هذا من زاوية المساواة في كل شيء، لا التوقف عند البنية الفوقية للمجتمع، و ندعي الحرية، و العدالة، و الحقوق، و الديمقراطية؟ . إن العدالة الاجتماعية مطلب نسعى إليه، نتمناه، يوجد خارج إرادة الشعوب، لأن العدالة بهذا المعنى ترتبط بالقوانين، و فصول هذه الأخيرة، هي بمثابة حقوق، و كلما سعينا للحقوق، و حققناها، توجهنا لا محالة صوب العدالة، لكن المشكل يكمن أصلا في التماثل القائم بين الحقوق، و القوانين، من أجل نحث العدالة، و العيش في كنفها، لأن صانع القوانين موجه، و مفبرك، بأيدي المصالح الطبقة المسيطرة، فيوزع الحقوق بفصول قوانين توجه العدالة لصالح انتمائه الطبقي، و بهذا تكون مثالات الغرب كصانع للحقوق، و العدالة، أسطورة يحاول صنعها من طرف المطبلين للغرب، و ديمقراطيته، و عدالته، و من قيمه النبيلة التي هي جسر الحرية و المساواة في الرأي، لا في الاقتصاد. إن المجتمع الرأسمالي هو صانع لهذه القيم حقا، رغم أن المعنى المفهومي عريق في الفلسفة اليونانية الغربية أيضا، لكن توظيفه في عصر النهضة الأوربية، كان من أجل غاية نبيلة، و هي الإطاحة بالإقطاع، المتسم بالتخلف، و القمع، و الانحطاط، فكان لا بد من حمل مشعل القيم، للتمرد على قيم الفيودالية العتيقة، و التي لم تعد صالحة للمجتمع الطامح للتجديد، و التغيير، و التوجه إلى الصور القيمية المتعالية، كمسعى لبناء مجتمع النقد، و الحرية، و الديمقراطية، و لعل فلسفة الأنوار حافلة بهذه الشعارات القيمية، الراقية، و شرحها و تفسيرها، كالأخوة، و العدالة، و الحق، و الديمقراطية، لكن هذه المطالب الصورية من وجهة نظر القيم، ظلت كما هي، تحاول التنطع في المجتمعات ، و الدخول إلى الأفراد كعقائد جديدة، بدل العقيدة الدينية الإقطاعية البالية، لكنها تحاول أن تحافظ على سكونيتها، و ثباتها، لأن العدالة هنا طبقت عبر حقوق طبقة، على حساب طبقة أخرى، فحافظت العدالة هنا على الطابع الفوقي، سمحت بحرية النقد و التعبير... لكن خطؤها أنها سمحت بحقوق التملك للأقلية، و أقصت الأغلبية، لهذا الاعتبار تسعى التوجهات الليبرالية إلى الإقتداء بفوقية الغرب، لعله يغير واقعية الشرق. إن السعي نحو العدالة ضروري، و مطلب أساسي، لكن يجب فهمه ضمن ما هو شمولي، و لا يجب الاكتفاء بعدالة الإنصاف، و نسيان عدالة المساواة، و هذا ما لاحظناه يطبق، في الدول التي حاولت أن تغير الأنظمة العربية الأكثر ضراوة من الإقطاع الغربي المطاح به، في الغرب، إن الحركات الاحتجاجية في العالم العربي الآن ترفع نفس الشعارات الأوربية "كرامة، حرية، عدالة اجتماعية"، و هي شعارات محقة في جوهرها، لكن يجب فهمها في سياق عدالة الحقوق، لا حقوق العدالة، لأن هناك بون كبير بينهما، مادام أن الأولى، مطلب و مسعى نبيل، تطمح إليه الشعوب، و تتمناه، و ذلك بتوزيع الحقوق بطريقة عادلة، أما الثانية، فهي ما وصلت إليه كل من التحركات الجماهيرية، في كل من تونس، و مصر، أما اليمن فتلك قصة أخرى، لأنها توقفت عند النقطة التي انطلقت منها، رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها نظرا للتكالب الخليجي، و الإمبريالي عليها، هل ستصل هذه الشعوب إلى عدالة الحقوق أم أنها ستكتفي بعدالة حقوق العدالة؟ سؤال ستجيب عنه الشهور القادمة، إن لم نقل السنوات القادمة، لهذا يجب فهم عدالة الإنصاف الغربية هذه، و تحويلها إلى عدالة المساواة، و ذلك بالتوجه لعدالة الثروة، لا عدالة القيم، لأن حرية التعبير، و حرية النقد، و حرية الرأي، ... إلخ، هي مجموع حريات، تدخل ضمن العدالة، لكنها لا تغير شيئا في كنف السيطرة الطبقية، المعتمدة على حقوق فئة اجتماعية على حساب فئة أخرى.
#محمد_هالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجهة نظر في -الربيع العربي-
المزيد.....
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
-
الخارجية: روسيا لن تضع عراقيل أمام حذف -طالبان- من قائمة الت
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|