أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الانتظاريون ليسوا بمرجئة















المزيد.....


الانتظاريون ليسوا بمرجئة


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 19:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هناك ملاحظة اساسية ينبغي التنبيه لها وهي الى العقل العربي السياسي يعود الفضل في اطلاق وصف الإنتظارية والمرجئة . الوصف الاول يرجع الفضل في اطلاقه الى اليسار الماركسي السبعيني ، والوصف الثاني يرجع الفضل في اطلاقه الى العقل العربي السياسي الذي اهتم بالأزمة السياسية التي هددت الخلافة منذ مقتل عثمان بن عفان . واذا كان الوصف الاول المراد منه التشنيع والتقليل من قيمة الخصم ، اي الجماعات السياسية التي اطلق عليها هذا الوصف ، وهي ما يسمى بالأحزاب الاصلاحية الممثلة في الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية ، فان الوصف الثاني كان الغرض منه تصنيف الجماعات السياسية عن بعضها البعض بسبب موقفها من النزاع حول مشروعية رأس الخلافة ، وقد درج المؤرخون للمرحلة على تصنيف الجماعات السياسية آنذاك الى يساريين جذريين وهم القرامطة والازراقة والخرمية والمزدكية ، والى يساريين راديكاليين وهم الخوارج ، و الى يساريين تقدميين وهم الشيعة الامامية الذين انقسموا الى شعبتين ، امامية اثني عشرية وإماميه اسماعيلية التي علا شأنها حتى احتوت الامامية ألاثني عشرية . اما حزب الوسط فهو الذي مثله المرجئة والمعتزلة ، في حين مثل اليمين الحزب الاموي الهرقلي والحكومة العباسية الكسروية .
واذا كانت الانتظارية عبارة عن وصف اطلقته الحركة الماركسية على الاحزاب الاصلاحية ، فان هذا الوصف كان في غير محله ، لأنه اْطلق على تنظيمات لم تكن في الواقع تنتظر شيئا ، لكنها كانت تقوم بما كان يمليه الدور الجديد في اللعبة السياسية ، حتى عندما استنفدت الادوار اغراضها ، وصلوا الى ما وصلوا اليه ، فكانت قمة هذا الوصول ان اصبح عبد الرحمن اليوسفي وزيرا اولا في حكومة لم تكن انتقالية كما كان يحلم بذلك ، بل كانت استمرارا لسابقاتها تحت عنوان عريض هو ضمان الاستمرارية وضمان انتقال سلمي للعرش ، وتجنب الاخطار الخيالية الوهمية التي كان يلوّح بها بسبب فزّاعة الاسلاميين ( جماعة العدل والإحسان ) الذين حافظوا على النظام ولم يصدر عنهم ما يهدد الاستقرار العام بالمملكة بعد وفاة الحسن الثاني رحمه الله . ان السؤال الذي يتعين طرحه هنا : هل الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية هي وحدها كانت ( تنتظر ) ؟ واذا كان الامر كذلك فماذا كانت تنتظر ؟ ام ان قاعة الانتظار اتسعت لتشمل ( الرفاق ) الذي اطلقوا وصف الانتظارية عمّن خالفهم الرأي والمشورة ؟ واذا كان ( الرفاق ) يهدفون من اطلاقهم وصف الانتظارية للتقليل من قيمة الخصم والحطّ منه ، فهل لا يزال وصف الانتظارية يحمل نفس الحمولة القدْحية ، خاصة وان من اطلق هذا النعت ، ومن حيث لا يشعر كان بدوره ينتظر في غرفة الانتظار التي توّجت في العشرية الاولى من الالفية الثالثة بالارتماء وبدون مقدمات ولا شروط في مؤسسات الدولة التي كانوا ينظرون للقضاء عليها ، ام ان الانتظارية حرام على الاخر وحلال عليهم لوحدهم تحت مسوغة العقلنة والتكيف والرشد السياسي والخلاص من الملك الذي كانوا ولا يزالون يطلقون عليه الطاغية ؟
وعندما قرر فريق من ( الاصلاحيين ) في يوم من الايام الاّ ينتظر شيئا ، او انه ملّ من الانتظار وأراد اختزال الزمن واختصار المسافة والجهد الذي تتطلبه ( الثورة ) ، وحاول في ليل بهيمي الركوب على الواقع بسرقة الحكم ( احداث 16 يوليوز 1963 وأحداث 3 مارس 1973 ) ثارت ثائرة ( الرفاق ) في وجه فريق المندفعين الذي قرّر ألاّ ينتظر ، فأزبدوا وارغدوا ، ولم يكفيهم فقط اطلاق اوصاف قدْحية من قبيل الانتظارية ، بل تمادوا في سخطهم وغيّهم مرددين اوصافا من قبيل الانقلابيين والبلانكيين والدكتاتوريين ، بل ذهبوا ابعد من ذلك حين وصفوا ما حصل بالإرهاب ، وان القائمين عليه ارهابيين ( انظر موقع النهج الديمقراطي – ادبيات منظمة الى الامام " الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية " ) واعتبروا ان هذا الخطّ قد فشل وانه ذهب بلا رجعة ، وهو نفس التقريع تعرض له جناح من الماركسيين عندما رفعوا شعارا اكثر من حجمهم يدعو الى حمل السلاح والصعود الى الجبل -- (نسوا ان الجبال صلعاء وان طائرات الميراج والفنتوم يمكن ان تحولها الى رماد ) -- للمشاركة في ( الثورة ) التي اشعلها صقور الفقيه محمد البصري من الجزائر ( تنظيم لنخذم الشعب الماوي الذي انشق عن منظمة 23 مارس ) فحوصر التنظيم وحورب بدعوى الانقلابية والمغامرة التي تجاوزت الثورة الشعبية بقيادة الطبقة العاملة التي يحلم بها ( الرفاق ) ). اذن اذا انتظر المنتظرون مشكلة ، واذا قرّروا ألاّ ينتظروا وعوّلوا على الحركة مشكلة . فما المخرج اذن ؟ . بما ان الصراع السياسي كان يدور فقط حول الحكم ( النظام الملكي ) وليس على الحكومة ، وبما ان البلانكيين ارادوا اختزال الوقت لإقامة جمهورية برلمانية على الطريقة العربية واعتماد الانقلاب الفوقي ولو بالتحالف مع الجيش ( انقلاب 1972 ) للوصول اليها ، فان هكذا مخرج كان يزعج الماركسيين الذين كانوا يدْعون لجمهورية ديمقراطية شعبية تحت دكتاتورية البروليتارية . وبما ان ( الرفاق ) هم من الانتلجانسيا المثقفة الثورية وليسوا من العمال ، فان الدكتاتورية التي كانوا يبشرون بها لم تكن دكتاتورية الطبقة العاملة غير الموجودة اصلا ، بل كانت ستكون ، ان نجحت ، دكتاتورية تلك النخبة البرجوازية المعادية للطبقة العاملة وللفلاحين الفقراء . فما الفرق بين دكتاتورية مجموعة البلانكيين الذين قرّروا ألاّ ينتظروا ، ودكتاتورية الماركسيين التي ظلت حبرا على ورق ؟
ومنذ التغيير الذي طرأ على اليسار الجذري بسبب الانشقاقات والانقسامات ، حيث تحوّل الى شتات يغرق في ارخبيل من النسيان ، خبا استعمال مصطلح الإنتظارية والانتظار يون ، خاصة بعد ان توسّل الكاوتسكيون اليمينيون في منظمة الى الامام من وزارة الداخلية الاعتراف بهم بالترخيص لهم بالتحرك والحركة ، وهو ما كان لهم فعلا بفضل الاستاذ ياسين المنصوري الذي كان يشغل آنذاك والي مدير عام للمديرية العامة للشؤون الداخلية . ان هذا الوضع الجديد للكاوتسكيين جعل اليسار الجذري الممثل في الاستمرارية التنظيمية والإيديولوجية لمنظمة الى الامام ، وهم النهج الديمقراطي القاعدي ، لا يتردد في اطلاق نفس الوصف ( الانتظاريون ) على حزب النهج الديمقراطي ، ويعتبر الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة احزابا يمينية انتظارية تقوم بنفس الدور الذي كان يقوم به الاتحاد الاشتراكي منذ انفصال 1972 وبعد المؤتمر الاستثنائي في سنة 1975 ، ويقوم به حزب التقدم والاشتراكية بعد تغيير اسمه من حزب التحرر الى حزب التقدم والاشتراكية .
واذا كان نعت الانتظارية الذي اطلقه الماركسيون للتقليل من شأن الخصم قد جانب الصواب ، لأن لا احد كان ينتظر ، فهل يمكن اعتبار انتظاريةْ ، اقتناص الجماعات الاسلاموية للتغيير الذي فرضه ( الربيع ) الشتاء العربي ، ام ان الامر لا يعدو ان يكون مصادفة لم يكن احد يعلم بوقوعها الذي فاجئ الجميع بما حدث للبوعزيزي بسبب الحكرة ، وفرار بنعلي وسقوط مبارك والقدافي وإبعاد صالح والحبل على الجرار كما يقولون ؟ . اذا كانت جماعة الاخوان المسلمين في مصر مشهود لها بمجابهة نظام مبارك ونفس الشيء بالنسبة لجماعة الاخوان المسلمين في سورية وليبيا ، اي انهم كانوا يتحركون وينشطون حسب الظروف والمعطيات ولم يكونوا ينتظرون ، فان ظفر عبدالاله بنكيران بمنصب الوزير الاول ودخول اعضاء من حزب العدالة والتنمية الى الحكومة كان مفاجئة غير متوقعة من قبل المهتمين ، خاصة وان المسكين ، اي بنكيران وحزبه لم يكن يتوقع في يوم من الايام ان تجود عليه السماء بهذا العطاء الذي لم يكن يستطيع حتى تخيله او الحلم به في المنام مثل ربْحة في الّلوطو . ان عبد الاله بنكيران لم يكن ينتظر شيئا حتى يقال انه كان يحضّر لشروط التغيير ، لكن بفضل حركة 20 فبراير التي لم يكن احد يتوقع ميلادها في الاسراع بتعديل الدستور الذي حوّل الملكية من نظام سياسي رئاسي على طريقة النظام السياسي للولايات المتحدة الامريكية ، الى نظام شبه رئاسي مثل النظام السياسي الفرنسي ، وبفضل مرونة ( الطبقة السياسية ) التي قبلت الجلوس الى جانبه في الحكومة ، وهي التي كانت تعتبره خطا احمرا يستحيل التعامل معه ، وبفضل ارادة جلالة الملك تطبيق بنود الدستور بالحرف عندما كلف بنكيران بتشكيل الحكومة رغم ان الدستور لا ينصص بالحرف على ان يكون الوزير الاول هو رئيس الحزب ، تمكّن بنكيران كرئيس للحزب ولأول مرة في تاريخ المملكة من شغل منصب الوزير الاول ، وتمكن حزب العدالة من ان يدخل الحكومة بوزراء كانوا الى وقت قريب لا يترددون بطريقة غير مباشرة في تقريع الملك من خلال تقريع محيطه . واذا كانت حركة 20 فبراير صدفة مكنت حزب العدالة والتنمية من الحصول على نسبة كبيرة من المقاعد البرلمانية ، مما اهلّه حسب منطق التعديل الدستوري ان يتبوأ رئيسه راس الحكومة ، فان الحركة التي لم يكن احد يتنبأ بحصولها قد خدمت الاستقرار بالمملكة وليس العكس . فاذا كان ( الربيع العربي ) في البلاد العربية قد تمكن من ابعاد رمز النظام مع بقاء هذا الاخير من خلال الفلول والأذناب التي تقاوم ، فان المنطق السليم لتعامل اجهزة الدولة باحترافية عالية مع الحركة جعلها ، اي الحركة تجنّب المغرب هزات قوية كانت ستكون آثارها قوية على المستقبل السياسي للدولة . ان التجمعات الاسبوعية التي كانت تنظمها الحركة في ربوع المملكة ، كانت بمثابة سوق اسبوعي يلتقي فيه الاشخاص ليمارسوا طقوس الجذبة والحضرة ، حتى اذا افرغوا ما بداخلهم و ارتاحت اجسادهم وسويت عقولهم عادوا الى قواعدهم لتحل النقاشات الحميمية والعائلية ، عوض الشعارات التي روّجت في التظاهرات والمسيرات . لقد جنّبت الحركة المغرب ، السقوط في المنزلقات التي لا تزال العديد من البلاد العربية تعاني منها الى اليوم ، وبذلك يكون المغرب قد اجتاز وبنجاح تكرار احداث يونيو 1981 بالدارالبيضاء ، وأحداث 1984 بشمال المملكة وبجنوبها بمراكش ، ولو حصل ان تكرّرت تلك الاحداث في جميع مدن المغرب ، وبنفس القوة التي حصلت في ابّانها ، لكنّا لا نزال الى الآن نعيش الحالة السورية ، وربما بدرجة اشد وابلغ . واذا كان بعض شباب 20 فبراير قد رفع شعار ملكية لا يسود فيها الملك ولا يحكم ، وهو ما يعني تحويل الملك الى لا شيء مع ما قد يفسر بأنه انقلاب على الاختصاصات التي يعطيها للعاهل المغربي الدستور وعقد البيعة ، كما يمكن اعتباره انقلابا على نظام العاهل محمد السادس لصالح نظام ابن عمه الذي ساند الفبراريين الذين وصفهم بالأنبياء الشعبيين وساند التنسيقيات التي نشطت ضمن الحركة بحسابات سياسية ضيقة مختلفة ومتباينة وانتهازية ، اي تغيير نظام بنظام لكن داخل الدولة العلوية ، اي الملكية ، فان حسابات التنسيقيات الانتهازية التي تراوحت بين الانقلاب على اختصاصات الملك وتجريده منها لصالح الاحزاب الضعيفة التي تقتات من خيرات الدولة وتتنكر لها ، او الانقلاب على الملك لأنه من سلالة الحسن الثاني ، لصالح ابن عمه الامير هشام الذي هو من سلالة الامير مولاي عبدالله ( الحزب الاشتراكي الموحد ، حزب الطليعة اضافة الى بعض الصحافة (المستقلة ) مثل موقع دومان ، لكم ، اخبار اليوم ... ) او الذهاب بعيدا في المجابهة بعدم تحديد سقف معين للمطالب التي يمكن ان تصل الى مطلب الجمهورية اذا اراد الفبراريون ذلك ( حزب النهج الديمقراطي ، العدل والإحسان ) او الدعوة جهارا الى الجمهورية الديمقراطية الشعبية ( النهج الديمقراطي القاعدي والجماعات السياسية التي تقف على يسار النهج الديمقراطي ) فان هذه المطالب والدعوات ذهبت ادراج الرياح ، لان احترافية الاجهزة المختلفة في التعامل مع حركة 20 فبراير، اكد بالملموس الاستثناء المغربي الذي شكك فيه بعض قاصري النظر والإدراك . لقد انتهت الحركة بانسحاب جماعة العدل والإحسان منها ، وانتهت بسبب الحسابات الانتهازية الضيقة للتنسيقيات حين عوّلت على الحركة لتغيير وجه الدولة التي تقوّت كثيرا منذ التصويت الشعبي وبالأغلبية المطلقة على مشروع تعديل الدستور ، وعند المشاركة الواسعة في الانتخابات التي افضت بان يكون عبدالاله بنكيران على راس الحكومة كوزير اول . لقد غابت حركة 20 فبراير من الشارع ، كما غابت من اعمدة الصحف الالكترونية ( لكم ) ومن الجرائد الورقية ( اخبار اليوم ) لأنها ادت مهمتها بنجاح ، وهي المشاركة في استثبات الامن والاستقرار بالمملكة ، بدل الدفع بالأوضاع الى الهاوية . ان عدد الحضور الذي شارك في الوقفة الاخيرة باسم 20 فبراير بمدينة طنجة لم يتجاوز العشرين نفرا ، وهو نفس الشيء لوحظ في مكناس ، القنيطرة وبالعديد من المدن . كما ان الحضور الذي يلتئم اليوم في بعض الساحات باسم حركة 20 فبراير لا علاقة له بالحركة التي رفضت اكثريتها انضمامهم اليها . ان فلول هذا الحضور بعد انسحاب جماعة العدل والإحسان ينتمون الى الجمهوريين من ماركسيين متعددين ، النهج الديمقراطي الذي ترك باب المطالب مفتوحا ودون تحديده بسقف ، والنهج الديمقراطي القاعدي الماوي مع فلول اليساريين الذين يتموقعون على يسار النهج الديمقراطي ، الذي كانوا يرفعون شعار اسقاط النظام الملكي ( نظام العاهل محمد السادس ) وإسقاط الدولة العلوية لصالح جمهورية دكتاتورية على رأسها الم’دبلمون والمثقفون الثوريون . لقد خاب ضن الجميع الذي راهن على الحركة لتغيير النظام وتدمير وتخريب المغرب، في حين ربح الشعب و حركة 20 فبراير اللّذان راهنا على الاستقرار والأمن بالمملكة .
اذن اذا كان الانتظاريون لا يؤجلون عمل اليوم الى الغد ، بل ان وظيفتهم هي اقتناص الفرص والركوب عليها لسرقتها ، فان ما افرزته حمولات العراك المغربي وبالطريقة المغربية التي كانت استثناء اعترف به الجميع ، جعل من التنسيقيات التي خاضت غمار التغيير الجذري الذي ’أجهض في المهد ، تفاجئ بالحركة التي ظلت في واد والتنسيقيات الانتهازية في آخر . وهو ما يعني ان وصف الانتظارية الذي اطلقه اليسار الماركسي اللينيني في سبعينات القرن الماضي على القوى الاصلاحية للتقليل من قيمتها ، لا يختلف في شيء عن وصف اليسار الجذري ممثلا في النهج الديمقراطي القاعدي وفي التيارات اليسراوية التي تتموقع على يسار النهج الديمقراطي الكاوتسكي ، اي انه لم يكن صائبا او محقا ، لان لا احد كان ينتظر ، بل هي فقط الصدفة والمصادفة التي اوجدت جميع التنسيقيات داخل الحراك الشبابي لعشرين فبراير ، كما ان الصدفة والمصادفة هي التي كانت وراء تبوّء عبدالاله بنكيران منصب الوزير الاول ، ودخول العدالة والتنمية بأكثرية نسبية الى البرلمان ومنه الى الحكومة .
واذا كان الانتظاريون قد بدؤوا مسارهم ( كإصلاحيين ) اشباه ( ثوريين ) تغلب عليهم التجربة وحب التقليد ( وصف احد الماركسيين من منظمة 23 مارس ( ح ط ) الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بان لا نظرية نظريته والتجريبية ممارسته ) وانهوه ليس كإصلاحيين ، بل ابعد من الرجعيين الذين تراجعوا عمّا روجوا له من افكار الهمت القاصي والداني ، في حين كانت فقط مجرد أضغاة احلام ، فان المرجئة وعلى عكس ( الانتظاريين ) كانت بداية مشوارهم تبريرية اصلاحية ، وانتهت الى ثورية حين انضموا الى الثوار في مجابهة الحكام الغلاض الشداد ، وهو ما يفيد ان الانتظاريين ما انتظروا شيئا حتى لا يقال انهم كانوا يحضرون لشيء في الخفاء ، في حين ان المرجئة كانوا تيارا سياسيا آثر الحيطة والحذر بسبب الظروف والمعطيات المتبدّلة والتي لم تكن تناسب الفعل . لذا استعمل وصف المرجئة للتمييز بين الفصائل العاملة في الحقل السياسي ، ولم يستعمل مثل الانتظارية للتقليل من قيمة الخصم والحط من شانه . لذا تختلف المرجئة عن الانتظارية بسبب الزمن من حيث الاستعمال والتداول اللفظي ، وبسبب العامل الموضوعي المتوخى من التسمية . لذا فاذا كان من السهل حصر لفظ الانتظارية في درجة القنص والاقتناص للفرص والمناسبات فان تحول المعتقدات التبريرية عند المرجئة الى ايديولوجيات ثورية ( من المهادنة الى الثورة ) تعانق الواقع الاجتماعي وتعمل على تغييره ، تبقى ظاهرة تسترعي الانتباه ، وهي واضحة لمن يرصد تطور الفكر السياسي عند المرجئة . وإذا لم يكن قد غاب عن الدارسين لتاريخ الفرق والجماعات الاسلامية ما انطوت عليه عقائد الشيعة من محتوى سياسي ، فان قليلا منهم قد فطن الى تلك الحقيقة فيما يتعلق بحزب الوسط المرجئة والمعتزلة ( الانتظاريون لم يكونوا وسطيين ولا يمينيين ولا يساريين بل كانوا تجريبيين مغامراتيين ) ، فقد درسوا المرجئة كفرقة مذهبية إعتقادية تدور عقائدها حول مسالة الكفر والإيمان ، كما ان الدراسات عن المعتزلة لم تتجاوز الجانب الميتافيزيقي الكلامي في تناول مسائل الآلهيات . ولعل اغفال الجانب السياسي فيما يتعلق بالمرجئة راجع الى تأخر ظهورهم تاريخيا فضلا عن تضاؤل دورهم السياسي بالقياس للدور المتعاظم الذي قام به اليسار التقدمي ( الشيعة ) و اليسار الراديكالي ( الخوارج ) واليسار الجذري ( القرامطة ، الازارقة ، الخرمية والمزدكية ) وقام به الحزب اليميني ( الحزب الاموي والحزب العباسي ) . فالقوى الاجتماعية التي مثلت حزب الوسط لم تكن بطبيعتها ثورية مثل اشباه ( الثوريين ) الانتظاريين في بداية انطلاقتها ، كما افتقرت الى زعامة قوية تستطيع ان تنافس على الصدارة اليمين الاموي واليسار المعتدل والراديكالي والجذري ، لذلك لم تحفل كثيرا بتغير الوضع القائم قدر اهتمامها بالحفاظ على مصالحها . ولمّا كانت هذه المصالح عرضة للخطر اذا ما انتصر اليسار بمختلف اقطابه ، تعاطفت المرجئة مع اليمين دون ان ينضموا اليه صراحة ، فلما انتصر اليمين ، انحازوا له وبرّروا لوجوده ولم يشاركوا اليسار معارضته ، وهذا يفسر اعتزال المرجئة والمعتزلة معترك الصراع السياسي في النصف الاول من القرن الهجري الذي كان بامتياز عصر الشيعة والخوارج والمعارضة الجذرية . وكشأن احزاب الوسط دائما ، راقب المرجئة عن كثب الصراع بين اليمين واليسار ، فلما بدا في الافق ترنح اليمين تحت الضربات المتلاحقة التي وجهها له اليسار ، مالوا ناحية اليسار لمشاركته مكاسب النصر الذي اضحى وشيكا ، فاشتركوا في كثير من الثورات التي قامت ضد بني امية وناصبوهم العداء . لكن لما قمعت تلك الثورات عوّلوا على العمل السري المستقل والمنظّم ، ولم يكونوا مثل الانتظارييين انتظاريين ، وكما فعل اليسار الراديكالي والجذري والتقدمي اتجه المرجئة نحو جماهير الموالي لنشر مذهبهم بعد تثويره وتطويعه بما يتّسق ويتماشى مع طبيعة التطورات الاجتماعية ، حتى اذا ما نجحت دعوتهم بمضمونها الاجتماعي الجديد ، قاموا بالثورة التي اسفرت عن اضعاف نفوذ اليمين في الشرق ومهدت لسقوط بني امية في النهاية ، وهكذا كان التطور السياسي في فكر المرجئة استجابة لمتغيرات الواقع الاجتماعي ، وضرورة اوجبتها طبيعة تكوين تنظيمهم السياسي كحزب انتهازي وصولي يجدد مواقفه وفق ما يناسب اغراضه ومصالحه شأنه شأن احزاب الوسط عموما .
ان البحث عن اصول هذا الاتجاه المحايد الانتهازي والوصولي من الصعوبة بمكان ، خاصة وأنهم تعرضوا لمجزرة واضطهاد في العصر العباسي المعروف بعصر التدوين التاريخي ، لأنه اذا كانت كتب المعارضة السياسية الراديكالية واليسارية ، من خوارج وشيعة وقرامطة وازارقة وخرمية ومزدكية ، تزخر بروايات وأحاديث مصطنعة او منحولة يستشف منها النبتة الاولى للتيار الذي تبنّوه قبل ظهورهم كأحزاب سياسية ، فليس ثم من روايات مماثلة يمكن ان تكشف عن جذور التيار الارجائي . غير ان الاستاذ احمد امين (احمد امين : فجر الاسلام . ص 270 ) ذهب الى ان هذا التيار يمكن تلمسه بين بعض الصحابة الاول كابي بكر وعبدالله بن عمر وعمران بن حصين وغيرهم ممن وقف موقف الحياد في النزاع الذي وقع في اواخر خلافة عثمان . وحجته في ذلك الحديث الذي رواه ابوبكر عن النبي حيث قال " ستكون فتن القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي اليها ، وإلا فإذا نزلت او وقعت ، فمن كان له ابل فليلحق بإبله ، ومن كان له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كان له ارض فليلحق بأرضه " . يلاحظ ان الحياد هنا كما اعتقد الاستاذ احمد امين قائم على اساس ديني وليس سياسي ، مبعثه الشك في قضية مشتبهة . ان هذا الموقف الحيادي القائم على اساس الشك في عدالة مواقف القوى المتصارعة لا ينسحب على المرجئة لوحدهم ، بل انه موقف يخص جماعة من كبار الصحابة كعبدالله بن عمر وسعد بن ابي وقاص وغيرهما ممّن زهدوا في النزاع وآثروا العافية في دينهم . اما المرجئة الانتهازية والوصولية ومثل الانتظارية فقد اعتزلوا الصراع ايثارا للسلامة في دنياهم والحفاظ على مصالحهم على ما يبدو ، فقطاع منهم كما يبدو من الحديث السابق رأى الحكمة في الانصراف الى امور دنياهم والاهتمام بزراعتهم وقطعانهم ، وقطاع آخر كان مواليا لعثمان قبل مقتله ، فلم ينضموا للثوار ، كما لم ينحازوا لمعاوية خشية على مصالحهم ايضا ، لان الموقف في بدايته كان في صالح علي ، وهو ما يفهم معه ان الاعتزال كان من باب التريث الانتهازي الحذر ، لكن لمّا تمخّض الصراع عن تدهور مركز علي ، وبدأ نجم معاوية في الظهور لم يتقاعسوا عن نصرته ، فاعترفوا بشرعية خلافته وبرّروا لسياسة الامر الواقع ، لذلك حقّ للنوبختي ان يصفهم بأنهم " اهل الحشو وأتباع الملوك وأعوان كل من غلب ، فسموا مرجئة لأنّهم توالوا المختلفين جميعا وزعموا ان اهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان " ( احمد امين : فجر الاسلام . ص 271 )
يتبين مما سبق ان ( الانتظارية ) ليست هي الارجاء . الانتظاريون يراهنون على اقتناص المناسبات والفرص دون المساهمة في احداثها ، لذلك فهم يبدؤون ( اصلاحيين ) مصلحيين وأشباه ( ثوريين ) وينتهون الى رجعيين عمّا روّجوا له من افكار بسبب النقل وحب التقليد ( تقليد الانظمة البعثية والناصرية وتقليد الاحزاب الشيوعية التي كانت ترفل تحت المظلة السوفيتية الاتحاد ألوطني/ و الاشتراكي بعد 1972 ، و حزب التقدم والاشتراكية بعد تجربة الحزب الشيوعي والتحرر الاشتراكية و ينضاف اليهم اليوم حزب الطليعة والحزب الاشتراكي الموحد ) . اما المرجئة وبخلاف الانتظارية التي كان يقصد منه التقليل من قيمة الخصم ، فهي تصنيف سياسي لجماعة سياسية سميت بالحزب الوسطي الذي بدأ اصلاحيا مهادنا لدمشق وبغداد للحفاظ على مصالحه ، وانتهى ثوريا حين ثار على الخليفة الاموي والعباسي حين اكفهرت سمائهما بالغيوم والسحب ، فهم تارة مع اليمين في اوج قوة النظام ، وتارة مع اليسار بسبب الضربات الموجعة التي كان يسددها للدولة . واذا كانت الجماعات الماركسية اللينينية قد دأبت على وصف ( اشباه ) الثوريين و ( الاصلاحيين ) المصلحيين بالانتظاريين ، فان هذا الوصف لم يكن في محله ، لأن لا احد كان ينتظر ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى لان قاعدة الانتظار قد اتّسعت لتشمل حتى اولئك الذين كانوا يقفون وراء اطلاق تسمية ونعت الانتظارية والانتظاريون .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملف - المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة ودورها ،والعلاقات م ...
- المثقف
- العراق بين مخاطر التقسيم والانقلاب العسكري واللّبننة ( 2 )
- العراق بين مخاطر التقسيم والانقلاب العسكري واللّبننة ( 1 )
- الشبيبة
- ملف المراة : آفاق المراة والحركة النسوية بعد الثورات العربية
- حقوق الانسان المفترى عليها في الخطاات الحكومية وغير الحكومية
- اغلاق خمارة ( اسكار) بالدارالبيضاء
- الرجعيون والتقدميون في الاسلام
- القرامطة وافلاطون
- بلشفيك الاسلام . هل هم قادمون ؟
- الديمقراطية بين دعاة الجمهورية ودعاة الخلافة
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 8 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 7 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 6 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 5 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 4 )
- منتصف الطريق فالإجهاض
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 3 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 2 )


المزيد.....




- بضمادة على أذنه ترامب يحضر مؤتمر الحزب الجمهوري بعد ترشيحه ل ...
- ليتوانيا: إعصار قوي يقتلع أسطح المنازل ويدمّر السيارات
- الأسد لـRT: لا نضع -شروطا- لإعادة العلاقات مع تركيا بل نتحدث ...
- ترامب يظهر في مؤتمر الحزب الجمهوري بضمادات على أذنه (فيديو) ...
- وسائل إعلام أمريكية تكشف تفاصيل غير متوقعة حول مطلق النار عل ...
- إصابة 3 إسرائيليين بإطلاق نار قرب مستوطنة شافي شومرون بقضاء ...
- بايدن لوسائل الإعلام: ترامب كذب 28 مرة فلماذا تركزون على فشل ...
- بايدن يعقد اجتماعين مع أجهزة المخابرات منذ محاولة اغتيال ترا ...
- انقلاب ناقلة نفط قبالة سواحل سلطنة عمان
- اليوم الأول لمؤتمر الحزب الجمهوري: ترامب يعلن اختيار نائبه و ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الانتظاريون ليسوا بمرجئة