هل للشعب الكردي مصلحة في " الحوار غير المقطوع ولكن غير النشيط " مع النظام الديكتاتوري ؟
في حديث لصحيفة ( الرأي ) الأسبوعية العراقية الصادرة يوم الأحد الماضي تناول السيد طه ياسين رمضان، نائب رئيس النظام العراقي، طائفة من القضايا، من بينها الوضع في " منطقة الحكم الذاتي " بحسب تسميته الواردة في المقابلة.
يبدأ السيد رمضان بالإشارة الى أن الحوار بين الحكومة العراقية والأحزاب الكردية في الشمال – حسب تعبيره – " غير مقطوع ولكنه غير نشيط " . ولكنه يطور تحليله ورؤيته للأمور قافزا فوق مجموعة من الحقائق التي أفرزها الوضع الميداني وتطوراته على الأرض، بعد إنتفاضة أذار المجيدة عام 1991 ، والصيغة التي تم التوصل اليها في كردستان فيما بعد، وأقصد بها الفيدرالية ومصادقة البرلمان الكردستاني الموحد عليها في حينه. ويبدو من حديث السيد رمضان أنه مازال يفكر بعقلية لم تتجاوز عام1970 عندما صدر " قانون الحكم الذاتي ". حين نشير الى هذه النقطة لا نريد أن نتهم السيد رمضان أو نقوّله، بل أنه في حديثه الذي أشرنا اليه أعلاه يقول وبملء فمه وبالحرف الواحد : " الحكم الذاتي في إطار عراق واحد، هو النموذج الأمثل لتسوية وضع الأكراد ". هكذا، إذن، وبعد أكثر من 30 عاما يعود السيد رمضان لبلوي عنق التاريخ ويعيده الى الوراء، مقدما " فتواه " الجديدة بأن " الحكم الذاتي " هو النموذج الأمثل لتسوية وضع الأكراد. ولا ندري كيف إستخلص السيد رمضان " نموذجه " الأمثل هذا لتسوية وضع الأكراد، وإتفاق أذار لم ينفذ في حينه ولم يجف حبره بعد حين تم توقيع الإتفاقية السيئة الصيت بين نائب رئيس النظام العراقي أنذاك ( رئيس النظام حاليا) وشاه إيران أنذاك في الجزائر، تلك الإتفاقية التي عرفت بـ " إتفاقية الجزائر " التي " سوّت " ببراعة نادرة " وضع الأكراد " الذين تحولوا من شريك في تطبيق قانون الحكم الذاتي الى ما سمي في حينه بـ " الجيب العميل ". والتداعيات التي تلت هذا المسلسل الدرامي معروفة ولا تحتاج الى إعادة إلا بالنسبة لمن لا ذاكرة لهم، وهم ليس كثر، وفي مقدمهم السيد نائب رئيس النظام، الذي لا يطاوعه لسانة لتسمية شعب مناضل ذات تاريخ عريق يمتد مئات االسنين بإسمه : الشعب الكردي، بل يتحدث عن " وضع الأكراد " .
ولا ينحصر حديث السيد رمضان على الماضي، بل إنه معني بالحاضر أيضا. فهذا الشعب العريق لا يستحق أكثر من " الحكم الذاتي "لا غير، حسب السيد النائب. ويتجلى هذا في تأكيده على أن " الدعوة الى إقامة الفيدرالية هي غطاء للدعوة الى الإنفصال ". هكذا إذن تتحول الدعوة الى الفيدرالية كصيغة لتنظيم العلاقة بين الحكومة المركزية والإقليم المعني الى محاولة للإنفصال، لأن الأمر يتعلق بإعادة توزيع الصلاحيات لا يروق للسيد النائب ونظامه الذي تعود على مصادرة كل الصلاحيات وإخضاع الجميع لهيمنة المركز وجبروته القائم على الإرغام والقمع. لا يستغرب المرء من طرح السيد رمضان، لأنه وببساطة شديدة يمتلك تصورا خاطئا لمفهوم " الفيدرالية "، وهو بهذا التصور يتيح لنفسه ضمان راحة البال عبر إعتبار الأمر مجرد محاولة إنفصال أو غطاء لها. هكذا ، إذن، بدلا من أن يجتهد عقل السياسي للتفكير بخيارات صحيحة تنطلق من الواقع الملموس والسعي لتطويره، نرى السيد رمضان يكافح أي محاولة للقيام بهذا الجهد فيطلق عبارته الشهيرة أعلاه. وهو بهذا يريح عقله وينسجم مع نفسه في تأبيد مفهوم المركزية المطلقة والرأس الواحد الذي " يفكر " بالنيابة عن الجميع، من الذين يتم التعامل معهم بلغة القطيع وليس كبشر أحرار يحتاجون للتفكير بمصائر بلادهم كحاجتهم الى الماء والهواء والأساسيات الأخرى.
وفي عبارة شديدة الدلالة والحزم يشير السيد رمضان الى أن الدعوات الى الفيدرالية جاءت نتيجة " للمخاوف والظروف التي تواجه العراق ككل…… والحال الشاذة
في منطقة الحكم الذاتي ". هكذا إذن ينظر السيد رمضان الى هذه الدعوات، ويشطب على نضال الشعب الكردي من أجل حقوقه القومية المشروعة وكفاحه الدائب لبناء علاقة سليمة وصحيحة وحضارية مع الحكومة المركزية. والسيد رمضان بأطروحته هذه يريد أيضا خلط أوراق كثيرة، من بينها على سبيل المثال أنه لا يجيبنا عن أسباب " الحال الشاذة في منطقة الحكم الذاتي "، وكأنه يريد بهذا التحديد أن يخرج النظام الديكتاتوري القائم من دائرة المساءلة والحساب، رغم أنه أحد المتسببين الرئيسينن في هذه الحال بسبب سياساته وممارساته السابقة والراهنة.
والحق أن السيد رمضان كان شديد الصراحة عندما شدد في ختام كلامه على أن " بغداد تعاملت ولا تزال بحكمة مع هذه الظروف ". ومن هو على دراية ببواطن الأمور وظاهرها يعرف مدى " الحكمة " التي تعاملت معها بغداد ولا تزال مع الوضع في كردستان. النظام في بغداد " شديد الحكمة " عندما يبذل جهودا متواصلة ماضيا وحاضرا لتخريب الأوضاع في كردستان وتفجيرها من الداخل عبر عملائة وأجهزة مخابراته العديدة والناشطة على الدوام. النظام العراقي " شديد الحكمة " عندما يطبق الحصار الإقتصادي، بأشكال مختلفة، على " منطقة الحكم الذاتي " . وإضافة لذلك فإن المقطع السابق يضمر تحذيرا مبطنا لإستبدال الحكمة ليحل محلها السوط. والمشكلة أن النظام و" مفكريه " من طراز السيد رمضان لا يميزون بين الحكمة والعصى، وبذلك لا يتركان أي فرصة حتى لذلك " الحوار غير النشيط " الذي أشار اليه السيد رمضان في مقدمة حديثه الشديد الصراحة، الذي يتعين على الذين ما زالوا يراهنون على قدرة النظام الراهن في بغداد على إنتاج سياسة تعتمد الحوار والمنطق بدل السوط. الى هؤلاء نقول أن الطريق الى جهنم معبد بالنيات الطيبة. وفي السياسة ليست هناك من مكان للنيات الطيبة بل للمصالح الملموسة. فهل للشعب الكردي مصلحة في " الحوار غير المقطوع ولكن غير النشيط " مع نظام يتحين الفرصة للإنقضاض وتصفية كل ما تحقق من منجزات، على بساطتها وتواضعها، في كردستان العراق ؟ سؤال برسم الإجابة لمن يراهنون على وهم.