أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - خالد حسين سلطان - من وثائق الكونفرنس الثالث للحزب الشيوعي العراقي / تقييم سياسة حزبنا وخطه العام بين المجلس ( الكونفرنس ) الحزبي الثاني 1956 والمجلس الثالث 1967/ الجزء السادس















المزيد.....


من وثائق الكونفرنس الثالث للحزب الشيوعي العراقي / تقييم سياسة حزبنا وخطه العام بين المجلس ( الكونفرنس ) الحزبي الثاني 1956 والمجلس الثالث 1967/ الجزء السادس


خالد حسين سلطان

الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 03:04
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


5ـ المقاومة المسلحة ضد انقلاب شباط 1963
لماذا فشلت المقاومة المسلحة البطولية في 8 شباط 1963، هل لمجرد أننا لن نهيئ العدد الكافي من الغدارات والمسدسات والاطلاقات. أم أن هناك سبباً آخر أكثر خطورة ؟ سبباً ليس فنياً ضيقاً الى هذا الحد بل استراتيجياً ورئيسياً ؟
ان العامل الرئيسي في فشل المقاومة المسلحة ضد انقلاب 8 شباط يكمن ليس فقط في الخطأ الاستراتيجي لسياسة الحزب العامة. بل في خطة الدفاع السلبي التي اعتمدها الحزب في صد المؤامرات، لقد كانت خطتنا ان لا نكون المبادرين الى النضال المسلح قط، ان لا نستخدم هذا الاسلوب الكفاحي ضد حكومة وطنية [ حكومة قاسم ]، ان لا نلجأ الى النضال المسلح لا للدفاع عن هذه الحكومة في حالة تعرضها الى انقلاب مسلح رجعي. لقد استندت خطة حزبنا على هذه الاساس الخاطئ. لقد تركنا المبادأة للعدو، لثورة الردة. لتختار أنسب لحظة، للقضاء، ليس على قاسم فحسب، بل للقضاء على حزبنا كما كانت تحلم، ولتسحق الحركة الثورية الديمقراطية .
ان أربع سنوات من الدفاع السلبي، من الانتظار لحين يبادر العدو ـ ثورة الردة ـ الى اشهار السلاح، هي كافية لتدهور أي جيش سواء في الحروب العادية أم الحروب الأهلية، سواء كان هذا الجيش سياسياً ثورياً مسلحاً أو غير مسلح، أو كان جيشاً عسكرياً مسلحاً. أربع سنوات واليد على الزناد بانتظار اول طلقة من العدو لا تؤدي الا الى الملل والغفلة والنوم العميق في لحظة هجوم العدو، وعندما تستيقظ على لحظة الرصاص تجد ان الزناد لا يعمل اذ قد علاه الصدأ. كانت خطتنا تفترض ان قوانا في الجيش وبين العمال والفلاحين، هي بمثابة القوات العسكرية الموضوعة تحت الانذار على استعداد للحركة، لتخوض المعركة رهن اشارة القيادة. لكن الجيش السياسي الثوري ليس جيشاً عسكرياً، ليس احتياطا عسكرياً، يعمل دائماً وأبداً رهن اشارة القيادة العامة. ولذلك عندما أعطى حزبنا في 8 شباط الايعاز : الى السلاح !، لم تتحرك الا نخبة صغيرة من الطليعة، وبقيت القوى الاساسية جامدة لم تتحرك، ان الجيش السياسي الثوري ـ وكان لدينا مثل هذا الجيش ـ يتكون في ظروف تاريخية معينة، ظروف ثورية استثنائية ولا يمكن الحفاظ عليه في حالة تعبئة لمدة طويلة، ما لم ينغمر في الممارسة العملية المتواصلة للكفاح الثوري.
كان مع الحزب آلاف الجنود والضباط، وكانت معظم قواعد الجيش ضد الانقلاب بما فيهم اولئك الذين احتفظوا بصورة قاسم على صدورهم ولم ينتزعوها بعد موته بأيام الا تحت طائلة التهديد. ولكن حالة الدفاع السلبي لمدة أربع سنوات وترك المبادأة بيد العدو. قد جمد هذا الاحتياطي الفعال للمقاومة المسلحة ضد الانقلابيين، ونفس الشيء ينطبق على عشرات الالوف من الفلاحين المسلحين .
وفي الواقع لم يهيء الحزب اسلحة يعتد بها لمثل هذه الحالة. حتى لأعضائه الفعالين الذين يعول عليهم لإشعال فتيل المقاومة المسلحة، بل حتى لكوادره وهذا تقصير كبير. ولكن الأهم، النقص الرئيسي هو الدفاع السلبي وترك المبادرة للعدو. ومن النواقص التكتيكية الجدية ايضاً. ان حزبنا لم يتقن بما فيه الكفاية ولم يطبق تعليم لينين لكسب الجنود في الحالات الخطيرة كيوم 8 شباط. لقد علمنا لينين ان نشن كفاحا مستميتاً وحازما لكسب القطعات المسلحة، وان نتعلم من العدو كيف نكسب القطعات المسلحة. لقد داهم الانقلابيون العسكريون المتقاعدون معسكر الرشيد مثلا، دون ان تكون لهم فيه قاعدة يعتد بها، لقد ارتدوا الملابس العسكرية والرتب وحملوا غداراتهم، وبتأثير الهيبة العسكرية والوعد والوعيد استطاعوا الاستيلاء على المعسكر. ولم تفعل العناصر الديمقراطية الشيء نفسه. وحتى بعض المعسكرات كانت تخلو من قياداتها الرسمية المناهضة للانقلاب في اللحظات الحرجة. كان يجب ان تتوجه مثلا مجموعات من المناضلين الصامدين على راس المظاهرات او بدونها، نحو المعسكرات في 8 شباط للاستيلاء على المشاجب وتوزيع السلاح على الجنود والجماهير وتحريك المقاومة من قبل الجيش والشعب، لقد جرت حالات بطولية كهذه بمبادرة بعض الرفاق على نطاق ضيق جداً في معسكر الوشاش ومعسكر سعد في بعقوبة ( مقر الفرقة الثالثة يومئذ ) وفي الكاظمية .
لقد عولنا في حسابات المقاومة المسلحة، قبل 8 شباط 1963 على رفاقنا الفلاحين المسلحين، ولم نكشف الا بعد الانقلاب نواقصنا في هذا الميدان الحيوي، فمن النواقص الجدية اننا كنا نفتقر الى ( فرق صغيرة جداً ) من مناضلين متفرغين ـ للنضال المسلح ومدربين مسبقاً ويتوفر لديهم الحد الادنى من السلاح ـ ليكونوا النواة أو المغناطيس الذي يجتذب ويقود جماهير الفلاحين في نضال مسلح. وكان لموقف قيادة الثورة الكردية المتساوم مع انقلابي شباط دوراً هاماً في اضعاف المقاومة للحركة الانقلابية سواء الفت في عضد الحركة الديمقراطية ككل أو خلق صعوبات جدية بوجه محاولات المقاومة في كردستان .
ومن المبررات الخاطئة التي ظهرت في حزبنا لتخطئة موقف الحزب من انقلاب 8 شباط القول بانه لولا المقاومة المسلحة الفاشلة ضد الانقلاب لاستطاع حزبنا الحفاظ على قواه، داخل الجيش وخارجه ليستخدمها في الوقت الملائم ( في 13 ــ 18 / تشرين الثاني / 1963 مثلاً )، ومثل هذه الاوهام ليست بمعزل عن التشخيص الخاطئ لطبيعة انقلابي شباط وعن الفهم الخاطئ لطبيعة الجيش السياسي كما سبق بيانه، وقد حاول الانقلابيون ايضاً ان يدخلوا في أذهان الجماهير والشيوعيين بأن همجيتهم إزاء القوى الديمقراطية والحزب الشيوعي كانت بسبب المقاومة المسلحة في 8 شباط ولكن الانقلابيين انفسهم في أكثر من وثيقة أو تصريح رسمي قد فندوا دعواهم هذه والمؤكد انهم كانوا عازمين على تصفية الحساب مع حزبنا والحركة الديمقراطية مهما كان الموقف الذي تتخذه من انقلابهم ومن الادلة على ذلك موقف الانقلابيين من الثورة الكردية التي تعرضت للهجوم الشرس الذي شنوه عليها بعد ان استتب لهم الامر رغم مهادنة قيادة الثورة لهم في بداية الانقلاب .
لقد بادر الانقلابيون الى اعتقال كل ضابط يشكون في ولائه حتى اذا كان من القابعين في بيوتهم في 8 ـ 9 شباط. واعتقلوا عدة مئات من الضباط فقط. وشملت اجراءات القمع عشرات الالوف من المواطنين التقدميين [ قدر عددهم بحوالي 100 ألف ]. ان محاولة طمس هذا التصميم المسبق في موقف الانقلابيين تجاه الشيوعيين والديمقراطيين الآخرين، هي امتداد للمحاولة اليائسة من جانب اعداء الحزب في القاء تبعة البدء بالعنف والعدوان على عاتق الجماهير وحزبنا اثناء مؤامرات الشواف ولتبرأة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبتها الرجعية العميلة والقوميون اليمينيون المتطرفون بحق الحزب والقوى الديمقراطية في شباط 1963 .
لقد اختارت قوى الردة انسب لحظة لإمرار المؤامرة، ففضلاً عن استغلال الظرف السياسي، يعني الأزمة التي يمر بها حكم قاسم بسبب موقفه المعادي للديمقراطية، وبالأخص الحرب التي لا مخرج عنها بأي قرار عسكري، ضد كردستان، بالاضافة الى ذلك استثمرت أيضاً عامل المباغتة التكتيكية التي هي عادة بجانب الفريق المبادئ بالعدوان، يعني الفريق المهاجم وقد نبه حزبنا في بيان عام، قبل الانقلاب بخمسة اسابيع حذر فيه من الانقلاب بشكل ملموس لم يسبق له مثيل، ومع ذلك فان قيادة الحزب لم تتخذ الخطوات العملية الملموسة والضرورية استعداداً للخطر الماثل وقد مرت المنظمات الحزبية، بما فيها لجان المناطق، بذلك البيان بصورة اعتيادية كما لو كان بياناً اعتيادياً في حين كانت منظمات الحزب منهمكة في الحملة الجماهيرية لإيقاف القتال في كردستان، كمهمة رئيسية وفي نشاط تنظيمي واسع يستهدف رص التنظيم وتهيئة الحزب والمنظمات لمجابهة حالة الانتعاش النسبي في وضع الحركة الجماهيرية آنذاك .
في خريف 1962 ظهرت في الحزب تحليلات خاطئة، وحيدة الجانب لطبيعة الوضع الناشئ آنذاك. فقد ورد في افتتاحية مناضل الحزب ما مفاده ان الجبهة المعادية للشيوعية قد تفتت وفقدت عنجهيتها وعادت الى عناصرها الاولى، وهي مصابة باللهاث والخور. لقد اعطى هذا التقدير قبل الانقلاب ببضعة اشهر بالضبط في وقت كانت هذه القوى المعادية تكمل تعبئة صفوفها وتتهيأ للانقضاض على الشعب مستثمرة ازمة الحكم وعزلته. كان الخطأ السائد في قيادة حزبنا عند تحليل الوضع، هو التقليل من الخطر، والمبالغة في القدرة على صده، استنادا الى الخطة القديمة والمستندة على انتظار مبادأة الجانب الآخر. وفي التطبيق العملي لم تستنفذ الامكانيات الفعلية لتهيئة الحزب لهذه المهمة. لقد انكشف الأمر عن نتيجة مؤلمة صدمت الرفاق والجماهير وولدت خيبة أمل كبيرة .
كانت حكومة قاسم قد توجت موقفها العدائي من القوى الديمقراطية والحزب الشيوعي، بأن كرست الاسبوع الأخير من حياتها بحملة مركزة ضد الحزب دعائية بوليسية، بسبب حملته النضالية من أجل الحل السلمي في كردستان وهذا ما يؤكد مسؤولية البرجوازية الاساسية في التفريط بمستلزمات تعبئة قوى الشعب لصد اخطار المؤامرة. ان القوتين الاساسيتين اللتين على اتحادهما كان يمكن التعويل في صد الانقلاب الرجعي، وهما الديمقراطية وعلى رأسها حزبنا وسلطة الدولة البرجوازية الوطنية، كانتا منهمكتين في صراع ضد بعضهما، منشغلتين به عن الخطر الداهم، الخطر الملموس الذي لم يقصر الحزب في تشخيصه في بيان [ كانون الثاني 1963 ] وتشخيص حتى الوحدات العسكرية التي ساهمت فعلاً في انقلاب شباط .
لقد اعلن قاسم الهدنة ومددها مرة بعد اخرى، مع الثورة الكردية. وكذلك أصدر قائمة بإحالة عدد من الضباط المتآمرين على التقاعد، ربما تحسساً منه بالخطر، ولكن مجمل موقفه واجراءاته لم تكن تنم سوى عن الغفلة البرجوازية القاتلة والمستهترة ازاء المخاطر التي تهدد حكمها وتهدد القوى الديمقراطية.
وعندما جرى استعراض القوى من جانب المتآمرين لجس النبض وتقوية المعنوية، في اضراب الطلاب البعثيين والقوميين [ وتأييد البارتيين ] في جامعة بغداد، اكتشف حزبنا الطابع التآمري لذلك وعلاقته بالانقلاب المبيت والتهديد الصريح للقوى الديمقراطية بالمذابح (( الاتية لا ريب فيها )) ومع ذلك فقد اهتم حزبنا بالمخاوف من ان يخدُم دكتاتورية قاسم فضح ومكافحة هذا الاضراب التآمري المفتعل. ان هذا التعقيد قد بدا يتكون في آخر فترة من عهد قاسم، فترة الاستعداد المباشر الفني لانقلاب 8 شباط، وهو تعبير عن تبلور اليأس في معسكر القوى الديمقراطية، وفي الحزب من قاسم. ولكن بعد فوات أوان رسم خطة مستقلة للحزب أثبتت تطورات الوضع ان تلك العقدة كانت مشؤومة. فان الوضع لم يكن يتحمل مثل هذا التردد مطلقاً. كانت تلك الفترة حرجة بمعنى الكلمة، كما اثبت الواقع. كان يجب التوجه بحزم للإعداد الحزب والحركة الشعبية لمجابهة الخطر الداهم والتضامن مع قاسم فترة اخرى ريثما يتم دحر العدو المشترك، ودون تزكية سياسة قاسم والعمل على تعريته تدريجياً حتى خلال النضال لدحر المؤامرة .
كانت بعض اللجان الحزبية القائدة قد توصلت قبل الانقلاب بعدة شهور الى ان الدفاع عن حكم قاسم ضد مؤامرة رجعية لم يعد ممكناً، وان الجماهير ليست على استعداد للتصدي لمؤامرة كهذه. ولكن الحزب رفض رفضاً قاطعاً تبديل سياسة المقاومة المسلحة ضد المؤامرة. وكان الحزب على حق ما دام البديل هو (( الحياد )) .
كان حزبنا أمام بديلين، فأما حمل السلاح ضد حكم قاسم، قبل الانقلاب الرجعي طبعاً وفي نفس الوقت الذي كانت تدور فيه رحي الثورة الكردية بالتضامن معها. وقيادة الحركة الشعبية من أجل حكم ديمقراطي، وهذا هو الموقف الصحيح، وهو ما لم يلجأ اليه الحزب بسبب الجذر الفكري الخاطئ ـ عدم جواز حمل السلاح أو الثورة ضد حكم برجوازي معاد للاستعمار ! أما البديل الآخر فهو الاستعداد الكلي لخوض القتال جنباً الى جنب مع حكم قاسم مهما كانت عزلته لمجابهة الخطر المشترك ودحره. ان البديل الأخير لم يكن الطريق الاسهل ولا مضمون كما اثبتت الحياة نفسها، ولكن ما دام الحزب اختاره، فكان يجب السير فيه وفق ما كانت تمليه تلك الظروف وحتى يعود من الممكن والصحيح طرح الحل الآخر. وقد سار الحزب فعلاً في هذا الاتجاه، ولكن دون ان يستنفذ الامكانات من اجل الاستعداد له، ولم يحسب حساباً لأسوأ الاحتمالات، توقعه لها. فمثلاً في حالة مرور المؤامرة ونجاح الانقلاب واقامة حكم رجعي في بغداد، فما العمل ؟ بالرغم من توقع الحزب مثل هذا الاحتمال الأسوأ، في السنة الأخيرة من حكم قاسم. لم يضع بديلاً، أو تكملة لخطة المقاومة القديمة التي مضى عليها ثلاث سنوات ونصف السنة ـ منذ حادث رأس القرية في 7 / 10 / 1959 وكانت خلاصتها ان القرار الحاسم في بغداد، وبالأخص في المعسكرات، في حين تقوم الجماهير بالإسناد، ان هذه الخطة كانت ناقصة وحيدة الجانب ولم تكن تتوقع حرباً أهلية، طويلة الأمد نوعما ولا إثارة مقاومة مسلحة في الريف. بصرف النظر عن مصير بغداد .
ان الزعم بأن الحزب كان يعتمد على الجماهير العزلاء في خوض الدفاع المسلح ضد المؤامرات، انما يخالف الواقع. لقد كان الاعتماد على الفلاحين المسلحين وعلى القوى الديمقراطية القاسمية في صفوف الجيش وهذا ما كشفه البيانان اللذان أصدرهما الحزب في 8 / شباط / 1963 وفي وقت كان الحكم بيد البرجوازية الوطنية. وفي وقت كانت فيه مجموعة الضباط التقدميين والوطنيين ( القاسميين ) ما تزال، رغم اجراءات القمع القاسمي ذات وزن يعتد به داخل الجيش، فضلاً عن كون القاعدة الجماهيرية، الجنود وضباط الصف ليست ضد التآمر الرجعي فقط. بل منظمة تنظيماً لا بأس به أيضاً في هذه الحال لم يكن من بأس في الاعتماد على الجيش، بالأحرى على القوى الوطنية فيه في المقاومة المسلحة ضد الانقلابيين. ولكن تعليق كل شيء على تحرك الجيش للمقاومة تلقائياً. في ظل الحكم البرجوازي أو بأمر قاسم أو حتى بإصدار بيان من الحزب وتأجيج المظاهرات الشعبية، كان تكتيكاً غير واقعي كما ثبت فعلاً للأسباب التي سبقت الاشارة اليها .
ان اقامة منظمات ثورية في صفوف القوات المسلحة شيء ممكن وسهل نسبياً أما المحافظة عليها لمدة طويلة في بلد تسوده الرجعية السياسية ويفتقر الى أبسط الحقوق لصعب جداً. أما استعمال القوى الثورية في الجيش من قبل قيادة الثورة ( الحزب ) حسب الطلب ففي غاية الصعوبة. ان قيادة الجيش العسكرية الرسمية أو الحكومية، هي غير القيادة الثورية، فالأولى تمتلك زمام الضبط العسكري الذي يمتاز بقوة العادة وهي قوة رهيبة. فالقائد العسكري يستطيع تحريك قواته بإيعاز واحد. أما قائد الثورة ( الحزب ) فيحتاج الى مزاج ثوري عال بين قواه الثورية والى عتلات قوية ومنظمات خاصة ( فصائل صدامية طليعية مسلحة ) لكي يستطيع تحريكها عند الضرورة، لقد تركنا تنظيمنا في الجيش من دون استعمال، اعتبرناه (( رأس الحاجة )) لليوم الأسود، ولكننا في اليوم الأسود لم نستطع استعماله، لم نحاول استعماله، أو تجربته على الأقل. وحتى بعد اندلاع الثورة الكردية أي خلال سنة ونصف قبل انقلاب 8 / شباط / 1963 رغم بعض اعمال التخريب البطولية ضد الحرب ورغم السخط الواسع في الجيش على الحرب فلم نحاول تحريض الجيش على التمرد ضدها، والامتناع عن القتال، لم نحاول دفع بعض قوانا مثلاً لتحويل البندقية من كتف الى كتف والانضمام الى الثورة الكردية ضمن خطة عامة، بينما خسرنا قوانا في الجيش بعد 8 / شباط دون ان نستطيع استخدامها في القتال الا جزئياً وليومين فقط .
اننا جيش ثوري مناضل لا نلطم الصدور على ما فات، انما ندرس اخطاءنا بموضوعية وعمق لان الجيش المغلوب كما يعلمنا لينين يستطيع ان يتعلم اكثر من الجيش الغالب. لقد خسرنا معركة في حرب وامامنا معارك. اما الخسارة الحقيقية فهي ضياع التجربة الغالية او تشويهها .
وبعد فشل المقاومة المسلحة الذي اتضح، من خلال اليومين الاولين، كان الوضع يتطلب القيام بعمل جريئ وحازم وسريع من اجل التراجع المنظم الوقتي واصدار التعليمات بسحب الكوادر والاجهزة الهامة الى اماكن امينة الى المناطق الريفية. ولكن تعليمات القيادة كانت تضرب على حديد بارد حول الامل القريب باستنهاض المقاومة. وضيع الحزب وقتا وقوى ثمينة وقد بادرت معظم منظمات الحزب بعد ضرب القيادة المركزية الى صيانة القوى الحزبية المتبقية واتخاذ الخطط الضرورية آنذاك ( في كردستان والفرات والكوت والعمارة ) .
لقد كانت استراتيجيتنا العسكرية استراتيجية القرار السريع، حسم الصراع بضربة فاصلة واحدة، فلم تكن لدينا خطة احتياطية لنضال مسلح طويل النفس، طويل الأمد نسبياً .
الخلاصة : اننا هنا بحثنا هل كان يجب على حزبنا ان يقاوم الانقلابيين أم لا ؟ فالمقاومة كانت ضرورية ولا مفر منها لا للدفاع عن شخص قاسم بل لهزم عدو اشد بطشاً ورجعية، لهزم مخطط استعماري بكامله استهدف تصفية جميع مكاسب تموز وكذلك من اجل الدفاع المشروع عن وجود حزبنا بالذات. ان الانقلاب وضع حزبنا والجماهير امام مقاومة أو عدم مقاومة دكتاتورية دموية فاشلة سافرة موالية للاستعماريين. ان نجاح المقاومة كان من شانه خلق ظروف ثورية مؤاتية لقيام حكم ديمقراطي ثوري، رغم انف قاسم ( لو افترضنا بقاءه بعد نجاح المقاومة ) وبالطبع فأن استمرار المقاومة في بغداد والمدن بعد رجحان كفة العدو بصورة حاسمة لم يعد ممكناً والدعوة الى استمرارها كان خاطئة ومضرة بالحزب وكان من الضروري اعادة تنظيم صفوف الحزب خلال الاشهر التالية .
لقد بدا حكم الانقلابيين الدموي ينعزل داخلياً وخارجياً ويتمزق بأسرع مما كان مقدراً له. وقد لعبت المقاومة البطولية التي دعا اليها الحزب والفضح الذي مارسه دورا مهماً في تعرية الانقلاب وتمزق قواه في وقت مبكر. وفي 10 / حزيران 1963 استأنف الانقلابيون الحرب في كردستان بأعنف وأفضع مما كانت عليه قبل الهدنة. وقد وضع حد للآمال غير المبررة والخاطئة التي وضعتها بعض القوى الوطنية الكردية على الانقلاب واعتقادها بإمكانية ايجاد مخرج لمشاكل الثورة الكردية ومطاليب الشعب الكردي عن طريق مهادنة القوى الاشد شراسة وعدوانية الممثلة في انقلابي شباط. ومع تجدد الحرب في كردستان سادت الحركة الجماهيرية موجة انتعاش عظيمة، خصوصاً وان الجبهة الثورية في كردستان ضمت هذه المرة الشيوعيين الذين اعلنوا عن انخراطهم في الكفاح المسلح في كردستان، عاملين من أجل تذليل الصعوبات والعراقيل التي وضعتها القوى اليمينية في الثورة الكردية امام مشاركتهم فيها .
ومع تجدد الحرب في كردستان ودخول الحركة الثورية في فترة انتعاش فقد سنحت الفرصة امام الحزب للعمل من اجل اعادة تنظيم صفوفه ومركزته وتقويته باعتبار ذلك من الشروط الاساسية لخوض نضالات ثورية فعالة. ولهذا السبب فان بيان ( ل.م ) في حزيران 1963 كان خاطئاً في دعوته الى استئناف المقاومة المسلحة في كافة انحاء العراق في ظروف كان فيها الحزب يعاني من جراح عميقة .
وفي 3 / تموز / 1963 قامت انتفاضة ثورية بدأت في معسكر الرشيد ولكنها سحقت في نفس اليوم. ان هذه الانتفاضة التي نظمها وانخرط فيها اعداد غفيرة من الشيوعيين واصدقاء الحزب الذين انتظموا في فترة الانتكاسة كانت قد سجلت لأول مرة في تاريخ العراق تصميم الشيوعيين المباشر لأخذ السلطة. ان هذه الانتفاضة اكدت عجز اعنف موجة ارهابية على قتل الروح الثورية للشعب العراقي وعرت عزلة حكم انقلابي شباط في معسكرات الجيش التي كانت تحت قبضتهم. وكانت عملاً بطولياً حقاً وتجربة تستحق الدرس من قبل حزبنا. ولا يتنافى تثميننا لها مع كونها كانت عملاً متسرعاً الحق من الناحية العملية اضراراً وضربات جديدة بالحزب وبالحركة. وقد اثبتت من جديد على ضرورة خوض النضال الحاسم ضد العدو تحت القيادة الواعية للحزب .



#خالد_حسين_سلطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المناضل صاحب الحكيم والوجه الآخر للنجف
- من وثائق الكونفرنس الثالث للحزب الشيوعي العراقي / تقييم سياس ...
- من وثائق الكونفرنس الثالث للحزب الشيوعي العراقي / تقييم سياس ...
- من وثائق الكونفرنس الثالث للحزب الشيوعي العراقي / تقييم سياس ...
- من وثائق الكونفرنس الثالث للحزب الشيوعي العراقي / تقييم سياس ...
- من وثائق الكونفرنس الثالث للحزب الشيوعي العراقي / تقييم سياس ...
- الحزب الشيوعي العراقي من اعدام فهد حتى ثورة 14 تموز 1958
- الشمس التي غربت مبكرا*
- حسن عوينة الانسان والمناضل والشهيد
- الشهيد محمد الخضري . . . ثوري من الطراز الأول
- الشهيدة سحر أمين منشد نجمة براقة في سماء العراق
- حياة شرارة الثائرة الصامتة


المزيد.....




- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية


المزيد.....

- نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2 / عبد الرحمان النوضة
- اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض ... / سعيد العليمى
- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - خالد حسين سلطان - من وثائق الكونفرنس الثالث للحزب الشيوعي العراقي / تقييم سياسة حزبنا وخطه العام بين المجلس ( الكونفرنس ) الحزبي الثاني 1956 والمجلس الثالث 1967/ الجزء السادس