|
الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية(مشاريع) بصدد المجتمع الديمقراطي والايكولوجي - 1
عبدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1093 - 2005 / 1 / 29 - 08:18
المحور:
القضية الكردية
B – أفكار تخطيطية (مشاريع) بصدد المجتمع الديمقراطي والأيكولوجي لقد ولج نظام المجتمع العالمي مساحة الفوضى البينية اللازمة للتغيير، حصيلة انهيار الاشتراكية المشيدة في 1989 لأسباب بنيوية. ثمة فوارق نوعية بين أزمة النظام الرأسمالي السابقة، وبين أزمته الحالية التي يمكننا تسميتها بالفوضى البينية. لا تحصل التغييرات الجذرية في المجتمعات نتيجة أي نوع من الأزمات، بل حصيلة الأزمات ذات النوعية المتسمة بالفوضى. ففرصة النظم في ترميم ذاتها – أي إعادة بناء نفسها على الأسس عينها – لتأمين استمرارها؛ تكون كبيرة في مراحل الأزمات العادية. بيد أن النظام الرأسمالي عرف كيف يرمم ذاته ويعززها أكثر في مراحل الأزمتين العامتين الأولى والثانية، اللتين مر بهما، بُعَيد الحرب. والسبب الموضوعي المهم الذي مكَّنه من تذويب – حتى – الاشتراكية المشيدة في بوتقته، منوط بنوعية الأزمة آنذاك. ورغم أن عجز التقربات الماركسية اللينينية عن الانقطاع التام عن القيم المهيمنة للمجتمع الطبقي يُعد عاملاً مؤثراً ومهماً؛ إلا أن أزمات النظام الذي ارتكزت إليه الاشتراكية المشيدة، كانت ذات نوعية يمكن تخطيها بالجهود والمساعي الذاتية. ولو لم يكن المؤثر الموضوعي المحقِّق للانهيار بهذه النوعية، لما جرى هذا الاستسلام الذي يكاد يكون الأسوأ من نوعه. بل وإنها انتظرت الخلاص من النظام الحاكم ذاته. إن البلدان الرأسمالية المتقدمة هي التي أعاقت حدوث النتانة والاهتراء الأسوأ. حتى هذه الحقيقة المعاشة كافية لتلقيننا الكثير من الدروس في إيضاح تأثير الاشتراكية المشيدة الضارب للنظر في تخطي النظام القائم أزمته، وانتهائه بالفوضى، على حد سواء. لو لم تنقسم الرأسمالية إلى مذاهب، نتيجة ثورات عام 1848، لربما كانت دخلت مرحلة الفوضى مبكراً. لقد تخطت القرن العشرين على وجه الخصوص عبر ثلاثة مذاهب. فمذاهب الاشتراكية المشيدة والديمقراطية الاجتماعية والتحرر الوطني، ساعدت على تأخير ولوج النظام القائم مرحلة الفوضى قرناً كاملاً على أقل تقدير. ولو أن الحال استمرت حينها دون تغيير، لكان اضطر النظام لدخول الفوضى البينية ذات أزمات التحولات الجذرية، في بدايات القرن العشرين. يجب النظر إلى تسليط النظام الحروبَ المروعة – بما فيها الذرّة – على رأس البشرية، وخلقه الوحوش الاستعمارية، القوموية، الفاشية والتوتاليتارية، وقيامه مقابل ذلك بإناطة التحرر الوطني والاشتراكية المشيدة والديمقراطية الاجتماعية بدور الحل؛ على أنه ليس سوى مناورات تاريخية وسياسية وعسكرية لإطالة عمره، لا غير. تعبِّر الفوضى البينية عن التعقيد والاختلاط اللازم من أجل التغييرات في بنى الظواهر، من قبيل الشكل، النوع، والبنية الجديدة. حينها تكون الجوانب المتضاربة في ظاهرة ما قد وصلت حالة لا يمكنها فيها الاستمرار في علاقاتها مع بعضها البعض، ولا مواصلة بناها الموجودة. والشكل عندئذ لن يصون المضمون، بل سيكون ناقصاً، ضيقاً، ومخرِّباً. في هذه الحالة تبدأ التساقطات، ويتولد الشغب (الفوضى). لقد أنقذ المضمون نفسَه من الشكل. لكنه لم يبلغ بعد شكله الجديد. والشكل القديم المتمزق لا يجدي نفعاً سوى في كونه لازمة تُستَخدَم من أجل الأشكال الجديدة. وكأن مبدأً كونياً يعمل في هذه المساحة البينية. تنتقل أجزاء بنية الكون إلى تسْويات جديدة، عبر التغيرات السريعة أثناء الفوضى المبلوغة. وإذا كانت تسوية الشكل الجديد مناسبة للإمساك بالأجزاء، فإنها تتحول إلى بنية ثابتة راسخة، يتولد في أطرافها نظام جديد. لنوضح الأمر في عالَم الظواهر المادية البسيطة: إن جزيء (H2O) هو شكل معين. ويقال لهذا الشكل "الماء". فعندما يتحد جزيء الهيدروجين (H2) – الذي يشكل أحد عنصرَي الماء – مع ذرّة الأوكسجين (O)، يتشكل الماء. علاقة الفعل ورد الفعل القائمة بين نظام الجزيئيات الأصغر من الذرّة، والموجودة في العنصرَين، وبين جزيء الماء؛ تؤمِّن الحالة السائلة المتدفقة والمنسابة إلى أبعد الحدود. أما حالة التمزق، فتعني بداية الفوضى. فإذا ما بقيت كل ذرّات الهيدروجين (H) والأوكسجين (O) طليقة، وإذا ما دخل بينها عناصر غريبة كالكربون أو الكبريت (على سبيل المثال)؛ فستظهر بعد ارتكاس وجيز اتحادات كثيرة جديدة إلى الميدان. إنه يعني البناء الجديد. حيث تتشكل العديد من الغازات والسوائل السامة عوضاً عن الماء، مثل (CO2 CO,، وبعض الحموض مثل asit – baz). قاعدة البناء والتكوُّن الكونية سارية المفعول من أجل المجتمعات أيضاً. فتَبعثُر البنية القديمة ضرورة لا بد منها من أجل البنى الجديدة. لكن، لا يمكن وضع التبعثر والاختلاط بمفردهما مكان البنية. إنه ضرب من العجينة، أو شيء أشبه بالحساء، يتطلب عجنه وإعطاؤه شكلاً معيناً. فلنعطِ مثالاً هنا من المجتمع: كان النظام (والذهنية) الإقطاعي قد تبعثر في أواخر القرن الخامس. وكانت الطبقات الجديدة والبرابرة متخذة أشكال عديدة من التكوينات الإقطاعية قبل اعتناقها المسيحية. في حين أنها، وبعد انهيار الإقطاعية تقمصت الكثير من الأشكال الديمقراطية والرأسمالية البيروقراطية. كثيرة هي طروحات المعطيات المشيرة إلى تبعثر المضادات مع النظام الرأسمالي في أعوام التسعينات. وأولى تلك الإشارات هي التكاثف الأكبر لعولمة رأس المال في الميدان التمويلي. والنظام التمويلي يعني إتيان المال بالمال. بمعنى آخر، فقد بلغ حالة القِمار. ولن يكون ذلك إلا عنصراً للتبعثر والتناثر. إن التمويل يبعثر البنى الراسخة للرأسمالي كما يتناثر قطن الحلاّج. ولا تقف المؤسسات القومية عندئذ على أرجلها بإرادتها الذاتية، بدءاً من الدول وحتى الأيديولوجيات، ومن الاقتصاد وحتى الفن. لكن، كلما عَكَسَت عولمة القوة والإمبراطورية الأمريكية عدمَ جدوى القيم والبنى القديمة الموجودة على الصعيد العالمي بالنسبة إليها؛ تفسح المجال بذلك إلى بروز الأزمات والمآزق والانقلابات والصراعات الإثنية والدينية الدموية، في الكثير من مناطق العالم والدول القومية. يعجز النظام القائم عن تخطي توتراته الداخلية، أياً كانت الوسائل. وتعاش حالة دائمة من الحزازيات والاضطرابات والخلل، وفي مقدمتها فيما بين أمريكا – الاتحاد الأوروبي، أمريكا – اليابان – الصين، والاتحاد الأوروبي – اليابان – الصين. أما الصراع المسمى بالتناقض الشمالي – الجنوبي، فيستمر متجذراً على شكل انقسام بين الدول الأكثر فقراً – الدول الأكثر غنى. وما يشاهد في كلا الظاهرتين يتسم بماهية من الأزمة المتفاقمة والفوضى الدائمة. ويتعمق انقطاع الشعوب عن مؤسسات الدولة تصاعدياً. وتتطور عزلة الظاهرة المسماة بالدولة يوماً بعد يوم، كلما تم الاستيعاب بأنها تواري في مضمونها قوة السلطة القتالية، وتشكل مصدر الاستعمار والقمع والعنف؛ بعد أن كانت سابقاً – وعلى مر آلاف السنين – مهضومة بأنها المَلك الإله أو الإله الظل أو الإله ذاته (والذي يمثل الدولة البورجوازية لدى هيغل). لقد باشرت الشعوب ترى الدولة على حقيقتها المعرّاة من كل ستار، كمثال الطفل الذي يرى المَلك عارياً فيصرخ منادياً "أمي، انظري. إن المَلك عارٍ". إنها بداية مهمة للفوضى. الموضوع الآخر البالغ الأهمية هو حالة البطالة. حيث تزداد البطالة ذات الخصائص البنيوية، كلما استمر النظام السائد. فالنظام بحد ذاته يعني زيادة البطالة كالسيل الجارف. حيث لم يسقط السكان والأهالي في مثل هذه الحالة من البطالة في أي نظام آخر للمجتمع. من هنا، فأولى الظواهر القادرة على الإفصاح عن ماهية الفوضى للأزمة المعاشة، وبأفضل الأشكال، هي البطالة. فأينما تكون البطالة كثيفة ومركَّزة، تكون هناك حالة متطورة من الفوضى. والبطالة، إلى جانب العديد من السلبيات، تفيد بحالة الخروج من المجتمعية. إنها ضرب من دفع المجتمع إلى الإفلاس. من جانب آخر، لا يتم تَشَرُّب أو امتصاص زيادة العرض مع التقنيات الإنتاجية المذهلة. المسألة ليست مسألة عَوَز أو فاقة. بل على العكس، فمن جهة ثمة حشد غفير من السكان المعانين من مجاعة أنكى من الفاقة، ومن الجهة الأخرى ثمة كل شيء من زيادة العرض المتكدسة كالجبال. لا يمكن أن تتشكل ماهية فوضى أكثر لفتاً للأنظار من هذه. هذا وثمة تمدن متعاظم ومنتشر كما السرطان. وتعاظم المدينة هو أحد أكثر الأمثلة سطوعاً عن السَّرْطَنَة (أي الإصابة بعدوى السرطان) الاجتماعية، والتي لا علاقة لها بالمدينة بالمعنى السوسيولوجي للأمر. فالمدن تخرج من كونها مدناً، بتعاظمها بما لا معنى له، وبتحولها القروي أيضاً على حد سواء. تعاش الفوضى في المدينة على نحو أكثر كثافة. إذ يتم تبضيع المجتمع برمته، بحيث لا تبقى فيه قيمة، إلا وتكون موضوعاً للبيع والشراء. ويتحول كل شيء إلى سلعة: القدسية، التاريخ، الثقافة، والطبيعة وكل شيء. هذه الحقيقة ليست سوى سَرطَنة اجتماعية تقود بدورها إلى الفوضى. أما تلوث البيئة ودمارها، فيبرهن بشكل قاطع على إحاطة خاصية الفوضى بكل البيئة، كمحصلة لجميع ماهياتها الأخرى. وما داء الصَّرَع، انشقاق طبقة الأوزون، تلوث المياه والهواء، والانقراض المفرط للكائنات الحية؛ سوى رموز منفردة بذاتها تدل على ذلك. أما الظاهرة الأيكولوجية الحقيقية، فهي تحول العلاقة الكامنة بين المجتمع والطبيعة إلى هوّة شاسعة. وإذا لم تُغلَق هذه الهوّة قبل لحظة، فستكون النتيجة هي التحول إلى ديناصور اجتماعي. من الضروري رؤية الانفجار السكاني أيضاً كحصيلة لبنية النظام القائم التناقضية العامة. فسياسة النسل لدى الرأسمالية ترتكز إلى مبدأ "كلما قَلَّت قيمة الإنسان، كلما تكاثر وكثر". وكلما بقيت الرأسمالية موجودة، فستستمر مشكلة التضخم السكاني في تفاقمها طرداً. تأتي مسألة الانفجار السكاني في صدارة الخصائص المضخِّمة للفوضى والمفاقِمة إياها. تشهد بنى المجتمع الموجودة في القطب المضاد للنظام السائد حالة مشابهة من التساقط والتشوش. وقبل كل شيء، تعيش العائلة التبعثر الأكثر كثافة في تاريخها المديد. فقرابة نصف الزيجات تبطل وتفسد، مما تقود إلى تعاظم العلاقات الجنسية غير المضبوطة واللاأخلاقية، كالسيل الجارف. وكأن عمر "الزواج المقدس" قد انتهى. أما الأطفال، العجائز، وعلاقات الوالدين، فقد وقعوا في حالة نتنة فاسدة لا معنى لها من الناحية الاجتماعية، باعتبارهم الضحية المؤسفة للتبعثر ارتباطاً بوضع العائلة. كلما انسدل الستار عن الممارسات القمعية والاستغلالية المطبقة على المرأة منذ القديم الغابر، كلما تحولت قضية المرأة إلى أزمة متفاقمة، بكل ما للكلمة من معنى. وكلما تعرفت المرأة على ذاتها، كلما تحولت إلى العنصر الأكثر تأثيراً في علاقة الفوضى التامة، بما يختلجها من نقمة ونفور على إقحامها في وضع السقوط والتردي. إن انهيار المرأة يؤول إلى انهيار المجتمع. وانهيار المجتمع يفضي إلى انهيار النظام القائم أيضاً. الحالة النادرة جداً للأخلاق الاجتماعية مؤشر آخر على اللاأخلاقية العامة. فحالة الأخلاق المستهلَكة تكاد تؤدي إلى فردية محرَّرة من قيودها وضوابطها، وإلى فساد ودمار القيم الاجتماعية. توضَع الأخلاقية بالنسبة للرأسمالية في كفة مساوية لـ"الحماقة والسذاجة". إن مجتمعاً مفتقداً لمقوماته الأخلاقية (أي ضميره)، لا يعني سوى حالة من الفوضى. ولا يمكن تعريفه على نحو آخر. إن المشاكل الاجتماعية التي تسعى الدولة لإعاقتها عبر سياساتها الاجتماعية، عاجزة عن العثور على حل لها. بل وتتفاقم أكثر بسبب ندرة الموارد، وبسبب البنية العامة للرأسمالية. أما "المنفعة العامة", والتي تعتبر النشاط الوحيد المفعم بالمعاني للدولة، فهي تفقد مضمونها كلياً. و"الأمن العام" للمجتمع أيضاً يعاني من مهالك مشابهة. فتقرب الرأسمالية على أساس "جعل كل واحد ذئبَ الآخر" يقود إلى بروز مشكلة أمنية عامة. فالأمن الاجتماعي لا يُفسَد من الخارج فحسب، أي من الأشقياء أو من الجرائم التي تنص عليها القوانين؛ بل إن ما أدى إليه النظام يجلب معه الدوافع الأساسية للأمن، وعلى رأسها المجاعة والبطالة. إن ميدان التعليم والصحة أيضاً عاجز عن العثور على حلول لذاته، بسبب ارتفاع الأسعار من جانب، والتزايد السكاني من جانب آخر. وتتكاثر أمراض متسمة بالفوضى، وعلى رأسها داء السرطان، الأيدز، والأرق والإجهاد. والمجتمع الذي بات وجهاً لوجه أمام الانقطاع عن كافة أنواع عناصر الحياة التي لا غنى عنها، وفي مقدمتها البيئة، السكن، الصحة، التعليم، العمل، والأمن؛ أصبح – ولأول مرة في التاريخ – منتبهاً إلى عجزه عن إيجاد الحلول الجذرية لمشاكله، أي إلى ولوجه في مكبس الفوضى. إنها مرحلة تدوخ فيها العقول وتصاب بالدوار بسبب عقم الحل. إن الآليات الدفاعية، الفن، العلم والتقنية عاجزة عن لعب دورها بسبب الاحتكار المفرط للسلطة الرسمية إياها؛ رغم أنه من الواجب أن تؤدي وظائفها أكثر من غيرها في مثل هذه المراحل داخل أنظمة المجتمع التاريخية. وكلما انهار التعاضد المشاعي، كلما خارت قوة الدفاع التقليدي، لتتخلى عن مكانها للعنف الفردي والعنف العصاباتي. فمقابل إرهاب السلطة، يؤجَّج إرهاب القبيلة والعشيرة. وكلما تَعرَّت قوة السلطة القتالية في بنية الدولة، كلما تولَّدت حالة من الدفاع المشروع للمجتمع. من جانب آخر، وكلما غاب تطبيق قواعد المساواة بأعم أشكالها في دولة القانون، وكلما فُرِض الطوق والحصار على حقوق الإنسان وطرازات التعبير الديمقراطي عن الذات؛ فستتشكل بالضرورة قوى الدفاع عن الحقوق. مما ينمّ ذلك عن إقحام الأجواء في قوقعة العنف المتبادل الحلزونية. سيساهم ذلك في زيادة حدة الأزمة، عوضاً عن الخروج منها. ولدى التصعيد المفرط من قوموية الدولة، ستتطور القوموية الإثنية. هذا بالذات ما يشكل قناة أخرى للعنف. بدلاً من أن تُعبَّأ النشاطات المؤسساتية – كالرياضة والفن – وتُشحَن بآلياتها في المساهمة في العثور على الحلول، وفي تلطيف وتطويع العلاقات والتناقضات المادية وإيضاحها؛ تتحول، وعلى النقيض من ذلك، إلى وسائل مخدِّرة، لتشارك في التمخض عن حالة من الزيف والرياء. هذا وتُشحَن الأديان والمذاهب والطرائق بآليات وفاعليات مشابهة، لتشكل عائقاً أمام رؤية حقيقة المجتمع القائمة، وتُقحَم في وضعية معيقة على درب الحل الحقيقي؛ عبر تشكيل الجماعات المتزمتة فيها، إلى جانب مفهوم "العوالم الأخرى". وبفصل الرياضة والفن والدين عن جواهرها الاجتماعية التاريخية، تسود النظرة بعينٍ تضع أمام بصرها "منظار الحصان"، وتنظر إلى الأمور بفؤاد صفيحي. هكذا تعم البلادة واللامبالاة. وبخلق البراديغما المزيفة والخيالية، يُفرَض العقم على المجتمع، وكأنه قدره المحتوم. لكن مقاومات من هذا القبيل تجاه الفوضى، ستنمّ عن نتائج معاكسة، لتتجذر الفوضى أكثر فأكثر. أما فيما يتعلق بالعلم والتقنية، فلا يتم عكسهما على الحل الاجتماعي المرتقَب، بسبب الاحتكار المريع للسلطة إياهما؛ بدلاً من أن يلعبا دورهما المنوط بهما بالأرجح في مثل هذه الأوقات، في التنوير والإرشاد والتوجيه في عملية إعادة البناء، وإفساح المجال لتأمين كل ذلك. يُناط تعريف الفيل بوبره، بدور مشابه لسحق الفأرة بالفيل. علاوة على أن فرص الحل العظمى تُوجَّه صوب حروب وتسلح لا معنى لهما، وصوب الحظي بنتاجات تستهدف الربح المحض؛ مما ينافي احتياجات المجتمع الأولية. وهذا بدوره ما يفتح الطريق أمام السلبيات، ويُستخدَم بالتالي في تطوير الفوضى. بالمقدور التوسع أكثر في تعريفنا للفوضى التي مهّد لها النظام بإلحاقه المجتمع برمته بها. لكن هذا التعريف كافٍ ووافٍ لتلبية ما نرمي إليه هنا. بدون إيضاح حالة الفوضى بشكل مفهوم، بل والتفكير والتصرف وكأننا نعيش في نظام اعتيادي مألوف؛ لن ننجو من الوقوع في أخطاء أساسية، وبالتالي من معاناة تكرار العقم واللاحل، عوضاً عن الحل. ثمة حاجة ضرورية للمساعي التثقيفية والعقلية الشاملة في هذه المرحلة، بما يضاهي سابقاتها بأضعاف المرات. نخص بالذكر هنا زيادة قيمتها التنويرية بحق، بسبب ما يسفر عنه سوء فهم المجريات من حولنا – عوضاً عن فهمها – بوساطة البنى العلمية القديمة كالجامعات والدين. فالعلم والدين المرتبطان بالسلطة، يصبحان فعّالان إلى أقصى حد في إظهار الوسط على نحو مشوه ومنحرف، وفي طرح البراديغمائيات الزائفة. علينا في هذه المراحل أن نرى على نحو أفضل، الدور الذي يؤديه العلم والدين والفن والرياضة كثورة مضادة. تتزايد الحاجة بنسبة كبرى للعلم والبنى العلمية – مدارس وأكاديميات علم الاجتماع – غير المخادعة، والمتقدمة إلى المجتمع بمخططات ومشاريع وبراديغمائيات حقيقية. علينا كسب الصراع أولاً في الميدان التثقيفي العقلي، أي في الميدان الذهني. إننا في مرحلة اكتسبت فيها الثورة الذهنية أهمية مصيرية.
#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ- اللب التاريخي للقيم المشاعية و
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني اللب التاريخي للقيم المشاعية والد
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني آ - اللب التاريخي للقيم المشاعية
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الاول / ه- الدولة الراسمالية والمجتمع ال
...
-
الدفاع عن الشعب الفصل الاول د- المجتمع الدولتي الاقطاعي ومجت
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الاول ج- المجتمع الدولتي وتكون المجتمع ا
...
-
الدفاع عن شعب-الفصل الاول ب – المجتمع الهرمي الدولتي – ولادة
...
-
الدفاع عن شعب -الفصل الاول آ – المجتمع الطبقي
-
الدفاع عن شعب -الفصل الاول
-
الدفاع عن شعب
المزيد.....
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
-
عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي
...
-
غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب
...
-
أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
-
جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
-
مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري
...
-
جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة
...
-
الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|