|
الدولة البسيطة والدولة المركّبة
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3722 - 2012 / 5 / 9 - 20:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعل الاختلاف بين دساتير ما قبل الاحتلال العام 2003 وما بعده وأعني بذلك الدستور المؤقت “قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية” والدستور العراقي الدائم هو حول شكل الدولة وطبيعتها، فقد كانت جميع الدساتير السابقة تتعامل مع الدولة العراقية التي تأسست في 23 أغسطس/ آب العام 1921 كدولة بسيطة، ولكنها أصبحت بعد العام 2003 دولة مركّبة، أي اتحادية حسبما ورد في المادة الأولى من الدستور التي تقرر “جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ، وهذا الدستور ضامنٌ لوحدة العراق” .
وإذا كان برلمان إقليم كردستان قد أعلن الاتحاد الفيدرالي في العام 1992 من جانب واحد، فذلك لأن الدولة العراقية البسيطة والمركزية سحبت قواتها وإدارتها المحلية من مناطق كردستان في أواخر العام 1991 ونجم عن تلك الخطوة فراغ، قامت الجبهة الكردستانية بإملائه في حينها، ثم نظمت انتخابات سريعة لاختيار أول برلمان كردستاني، وهذا الأخير اتخذ قراراً في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 1992 بإعلان الاتحاد الفيدرالي، وهكذا ظلّت المناطق خارج السيطرة الحكومية تتمتع بشيء من الاستقلال بصيغة الاتحاد الفيدرالي المعلن من طرف الكرد .
مثل هذا الوضع الملتبس واجهه الحكم الجديد بعد الاحتلال، فأقرّ دستوراً فيدرالياً وتم الاستفتاء عليه، ثم جاءت بقية مواد الدستور لتؤكد التوجّه الفيدرالي في الحكم من حيث اللغات الرسمية المعمول بها في البلاد (م 4)، وكون الدستور الجديد نافذاً في كل أنحاء العراق ولا يجوز سنّ دستور إقليمي يتناقض معه (م 13)، وتحديد مؤسسات الحكم الاتحادي: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية (م ،47 م،48 م ،65 م89)، والهيئات والمجالس الاتحادية (م،105 م ،106 م107)، وكيفية توزيع الاختصاصات بين الحكومية الاتحادية وحكومات الأقاليم(م ،110 م ،111 م ،113 م،114 م115)، والآليات الدستورية لتكوين الأقاليم الجديدة في الدولة الاتحادية الناشئة (م ،118 م،191 م،120 م121) .
وعلى الرغم من الكثير من الألغام التي احتواها الدستور في ما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة وسلطات الاتحاد والأقاليم والمادة 140 بخصوص كركوك وما سمي بالمناطق المتنازع عليها، الاّ أنه في موضوع الفيدرالية انتبه “المشرّع” إلى الخلط الشائع بين الفكرة الفيدرالية وفكرة التقسيم، فقرر في المادة 109 التي نصت على أن “تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي” ولعل الهدف من هذا النص هو وضع صعوبات وعراقيل أمام بعض الرغبات الانفصالية، لكن ذلك لم يمنع الجدل والنقاش حول مشاريع التقسيم، سواءً عند إقرار صيغة قانون الأقاليم في الدورة الأولى للبرلمان بعد العام 2005 أو ما بعدها، لاسيما خلال الترويج لمشروع بايدن العام 2007 الذي صادق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية 75 صوتاً مقابل 25 لكنه لم يكن ملزماً، وقام هو بجولة على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وعرضها عليهم، وذلك قبل أن يصبح نائباً للرئيس أوباما في مطلع العام 2009 .
ولعل الحديث عن شكل الدولة، وخصوصاً بعد المطالبة من جانب عدد من المحافظات للتحوّل إلى إقليم يعيد إلى الذاكرة مشروع بايدن سواءً ما له علاقة أو بما ليس له علاقة . ويتلخّص هذا المشروع بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق أطلق عليها “فيدراليات”، وعندما أصبح نائباً للرئيس أوباما انشغل بالموضوع العراقي إلى حدود كبيرة . يكفي أن نشير إلى أنه حلّ “ضيفاً” مفاجئاً على بغداد ثلاث مرّات خلال فترة قصيرة، سبقت وأعقبت الانتخابات البرلمانية التي جرت في 7 مارس/ آذار ،2010 وكان آخر زيارة له (الرابعة) إلى بغداد للإشراف على اللمسات الأخيرة لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وبُعيد إطلاق دعوة الأقاليم أو الفيدراليات إثر مطالبة مجلس صلاح الدين للتحوّل إلى إقليم .
لعل من أبرز تجليّات النظام السياسي الجديد بعد إطاحة النظام السابق تتلخّص في تغيير شكل الدولة من بسيطة إلى مركبة، ومن مركزية إلى فيدرالية، ثم العلاقة الجديدة بين الدين بالدولة، تلك التي لم تكتف باعتبار “الإسلام دين الدولة” كصيغة عامة احتوتها جميع الدساتير العراقية، وإنما توثقت الصلة واشتبكت بما هو أبعد من ذلك، في التشريع والأحكام والممارسة، التي اتخذت بُعداً مذهبياً أحياناً، خصوصاً في ظل نظام المحاصصة .
ولأن صيغة الدولة الجديدة تم وضعها من جانب بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي في العراق (13 مايو/ أيار 2003 ولغاية 28 يونيو/ حزيران 2004) وقامت على أساس المحاصصة المذهبية والإثنية، فإن التخريج النظري لها استند إلى ما يسمى ب “مبادئ الديمقراطية التوافقية” أساساً في الدولة الجديدة، لكن تلك الصيغة كانت التعبير الأكثر تهذيباً للتقاسم الوظيفي والمحاصصة السياسية الطائفية والإثنية، فعطّلت الكثير من القواعد الدستورية والقانونية، بحجة التوافق، بل إنها تجاوزت على الدستور في الكثير من الأحيان، فنتائج الانتخابات خضعت للتوافق والمناصب الوزارية كذلك .
وإذا كانت الديمقراطية التوافقية ضرورية لفترة محددة وانتقالية، لاسيما بعد تغيير الأنظمة وللانتقال من شكل دولة إلى آخرى، فإن استمرارها سيعني تعطيل هيكلية الدولة وقراراتها بإخضاعها للتوافق غير المتحقق في الكثير من الأحيان بسبب عنصر الشك والقلق على مراكز النفوذ وضعف الثقة بين الفرقاء، يضاف إلى ذلك التناقض في الدستور الذي أصبح بفعل كثرة أثقاله ومعوّقاته غير ممكن دستورياً، وزاده الأمر تعقيداً وجود نحو 50 مادة تقتضي إصدار قانون لكي يصبح تنفيذها ممكناً أو تحتاج إلى تفعيل، مثلما تحتاج أخرى إلى تعديل بتوافق الأطراف غير المتوافقة .
أما خارج نطاق العملية السياسية فقد التبس الأمر كذلك، فدعاة المركزية الشديدة وأصحاب الفكر الشمولي، كانوا ضد الفيدرالية كمبادئ ومفاهيم تحت عنوان وحدة العراق، والوقوف ضد التقسيم والانفصال وبعض دعاة اللامركزية والفيدرالية، تدريجياً انتقلوا إلى مواقع القبول بالتقسيم، بحجة الأمر الواقع والخوف من عودة المركزية والشمولية ونظام الاستبداد والعسف . وكلا الموقفين لهما علاقة بالقرب أو البُعد من السلطة .
أما الفكرة الفيدرالية ذات الطبيعة المتطورة والمطبقة في نحو 25 بلداً وينضوي تحت لوائها نحو 40% من سكان العالم فهي ليست موضوع جدل بين المعارضين أو المؤيدين، خصوصاً أن هذا الجدل سواءً استخدم الدستور أم لم يستخدمه فهو خارج نطاق القوانين الدستورية والدولية والقواعد العامة للنظام الفيدرالي . وهكذا اختلطت الأوراق بين ما هو فكري وسياسي، وبين ما هو مبدئي ومصلحي، وبين ما هو قيمي وما هو نفعي وبين ما هو مؤقت وطارئ وما هو استراتيجي وبعيد المدى .
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الربيع العربي والأقليّات
-
ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة
-
مواقف خاطئة للحزب الشيوعي
-
القضاء الدولي والقضاء الوطني: علاقة تكامل أم تعارض؟
-
نقد قيادة الحزب الشيوعي
-
50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني
-
مواطنة -إسرائيل-
-
عن ثقافة التغيير
-
رسالة الى الحزب الشيوعي السوداني
-
نعمة النفط أو نقمته في الميزان الراهن
-
السياسة والطائفة
-
حقوق الإنسان والمواقف السياسية
-
الأحزاب العراقية بلا قانون
-
3 تريليونات دولار خسرتها أمريكا في العراق
-
لا تقديم للنظرية على حساب الوقائع الموضوعية
-
الشيوعيون والوحدة العربية
-
الحرب العراقية – الإيرانية عبثية ، خدمت القوى الإمبريالية وا
...
-
الميثاق الاجتماعي العربي: تنازع شرعيتين
-
الحزب الشيوعي وتشكيل الجبهة
-
معارضة الحصار
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|