أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - الأفق الفلسفي والأفق العلمي في علم الكون والفيزياء الفلكية















المزيد.....



الأفق الفلسفي والأفق العلمي في علم الكون والفيزياء الفلكية


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 3721 - 2012 / 5 / 8 - 17:49
المحور: الطب , والعلوم
    


عندما يجري الحديث عن الفيزياء يتجه التفكير فوراً إلى الذرة والسلاح النووي مما يعني أن الإنسان العادي يربط في لا وعيه بين تأثير هذا المجال العلمي وتبعاته الخطيرة على البنى السياسية والعسكرية في العالم ويتناسى أو يغفل عن دور الفيزياء المعاصرة في تحقيق المنجزات العلمية والتكنولوجية المعاصرة مثل نظام تحديد العناوين والرصد بواسطة الأقمار الصناعية GPS والقنوات التلفزيونية الفضائية والانترنيت والهاتف المحمول والحاسوب المتطور، أي في المجالات الصناعية والتكنولوجية. بيد أن الغالبية العظمى من الناس ما تزال غارقة في نمط التفكير والعقلية التقليدية التي لا تتقبل بسهولة الأفكار الجديدة المبنية على الحقائق والاكتشافات العلمية التي تنجزها العلوم الطبيعية اليوم، لا سيما في البلدان التي يهيمن عليها نمط التفكير الديني الثيولوجي والأفكار الفلسفية الكلاسيكية والتقاليد والأعراف الاجتماعية والتفكير الجمعي المحلي. والحال أن الفيزياء المعاصر تتعاطى مع مفاهيم جوهرية مثل فكرة الواقع وحقيقة الزمان والمكان، مما يمكن أن يقودنا إلى مواجهة بين أفقين متمايزين، التقليدي المتشبث بالماضي، من جهة، والمعاصر المتطلع إلى المستقبل، من جهة أخرى.
أعتقد أن أفضل طريقة لمعالجة مشاكل الفيزياء المعاصرة، وعلى راسها الفيزياء الفلكسة والكوزمولوجيا، تتمثل في عرض تاريخ المسالك التي اتخذتها النظريات الفيزيائية، وأهمها نظرية النسبية لآينشتين ونظرية الكم أو الكوانتا، التي وضع اساسها بلانكفي السنة الأولى من القرن المنصرم، القرن العشرين. ومن الجدير بالقول أن ميكانيك الكم أو الكوانتا ، رغم كونه لايمثل سوى جزء صغير جداً من العلم الحديث، هو الذي أنتج التغيرات الأكثر عمقاً وجوهرية وبفضله تطورت الفيزياء النووية بشقيها المدني والعسكري استناداً إلى تجهيزات ومعدات مختبرية غاية في الدقة والتعقيد والكلفة، تتطلبها الأبحاث في مجال الفيزياء النووية والفلكية. بيد أن العلماء لايستطيعون مخاطبة الجمهور العريض بلغة العلم الجافة المليئة بالمعادلات الرياضية والتخاطب بالمصطلحات والمفاهيم العلمية البحتة، فهم مرغمون على التبسيط والتحدث بلغة مفهومة يستوعبها العامة تتناول مداركهم للحياة والواقع المتخمة بالمعتقدات الروحية والدينية الغيبيةوالباحثة عن الأصل والعلة الأولى .فلا يمر مؤتمر علمي مكرس لعلم الكونcosmologie ، يكون مفتوحاً للجمهور العريض وليس للنخبة العلمية المتخصصة فقط، إلا ويطرح فيه سؤال يتوج باقي الأسئلة ألا وهو: " أين الله من كل ذلك؟" وينتظر الجمهور من العالم المحاضر جواباً شافياً، أو على الأقل معرفة ما إذا كان هذا العالم المحاضر مؤمناً بالله أم لا. وفي أغلب الأحيان يتملص العالم المحاضر من هذا الفخ الذي يتوقعه قبل البدء بمحاضرته، على غرار العالم الفرنسي الشهير الماركيز بيير سيمون لابلاس Le Marquis Laplace Pierre Simon عندما سأله الإمبراطور نابليونNapoléon معقباً على بحث لابلاس العلمي حول الكون الذي قدمه لنابليون عندما سأله هذا الأخير :" وأين الله من كل ذلك؟ فأجاب لابلاس:" ياسيدي لست بحاجة إلى هذه الفرضية Hypothèse . إن مثل هذا الرد لا يدل على تصريح علني بالإلحاد كما يعتقد كثيرون بل هو مجرد اعتراف باللاأدريةagnostique وإن هذا النوع من الأسئلة لا يقع في نطاق الحقل العلمي البحت. فعلم الكون يكتفي بإعادة تشكيل وترتيب الأحداث في الماضي والحاضر في التاريخ الكوني Histoire Cosmique. انطلاقاً من الملاحظات والمشاهدات والرصد والتجارب المختبرية والنماذج النظريةModèles théoriques المفترض بها أن تقدم أفضل تصور ممكن للكون المرئي في إطار نماذج البغ بانغ ـ الإنفجار العظيم Big Bang وتحاول أن تقترب أكثر ما يمكن من الظروف التي سبقت ظهور المكانespace والزمانTemps والمادةMatière إبان وقوع حدث عممextrapolé في الماضي ألا وهو حدث الإنفجار العظيمBig Bang .
إن الصيغة الرياضية mathématiqueلهذا الحدث ـ اي الفرادة ـsingularité ، حيث إنحناءة الزمكانcourbure de L’espace-temps ، تكون لا نهائية infinie ، وتنطوي على بديهية علمية تقول أن الانفجار العظيم لا ينتمي إلى المتغير الهندسيvariété géométrique للزمكان، وبالتالي لا يعتبر الكثير من العلماء الانفجار العظيم حدثاً وإنه لم يقع أو لم يحدث بالصورة التي قد يتخيلها الناس، ومن هنا فهو يفلت من حقل نظرياتنا الافتراضية. لا ينبغي أن نرى في هذا المصطلح الغامض وغير القابل للاختراق وسبر أغواره وكشف سره مجازاًmétaphoriquement مرادفاً لعملية الخلقcréation أو صنواً أو تجلياً لتفكير الله pensé de Dieu حسب تعبير بعض الكتاب. فعلم الفيزياء لا يعمل على كشف مساهماتattributions أو نوايا الخالق بل يوفر وسيلة لفهم الطبيعة والسيطرة عليها من خلال اكتشاف قوانينها المسيرة لها وذلك عبر سيطرتنا على الأحداث والظروف وفق رغباتنا وتمنياتناnous souhaits .
بيد أن هذا لا يمنع من طرح سؤال كوزمولوجي أصيل وهو:" هل للكون المرئي أو المادة المكونة له بداية أو أصل زمني origine temporelle ؟ مع الأسف الشديد حولت هذه المسألة العلمية الشائكة، وبطريقة مشوهة ومزيفة fallacieuse et déformé ، إلى مشكلة خلق وخالق، أي مشكلة روحانية، ثيولوجية، وجودية، غيبية، ماورائية وميتافيزيقية. وإن هذا الانزلاق الخطير يستند على فكرة الخلق وبالضرورة إلى تدخل عامل خارجي agent extérieur أو علة من خارج العالم الفيزيائي cause externe. لذلك استغلت المؤسسات الدينية هذا اللبس، إذ أن نموذج الانفجار العظيم وفرضه لوجود بداية للكون المرئي في زمن محدد في الماضي، توحي لأول وهلة بوجود عملية خلق على يد خالق وبسبب ذلك جاءت ردود فعل عكسية معارضة لهذه الفرضية أو النموذج من قبل علماء مرموقين من جراء الانحرافات الميتافيزيقية لأنصار نموذج البغ بانغ ومحاولات التجييرrécupération التي قام بها الثيولوجيين les théologiens ورجال الدين لهذا الموضوع. وسرعان ما تعدت الاعتراضات الإطار العلميcontre versé le cadre scientifique وانحرفت به إلى ما عرف بالجوانب والملامح الفلسفية aspects philosophiques والدينية religieux للانفجار العظيم - البغ بانغ.
كان العالم الفيزيائي الشهير الكسندر فريدمانAlexandre Friedman من أوائل من صاغ بعبارات نسبوية relativistes مفاهيم الكون المتمددunivers en expansion والفرادة الكونيةsingularité cosmique ، ولم يمنع نفسه من أن يرى في هذا الحدث تبعات وإسقاطات ميتافيزيقية في الحديث عن خلق العالم من لا شيء. وفي مذكراته نعثر على مسودة لم تنشر وقد ضاعت أصولها، تحمل عنوان :" عملية الخلقcréation ، لا أحد يعرف ما هو مضمونها ولكن من المحتمل أن فريدمان ، الذي كان مؤمناً متحمساً، قد طور فيها وجهة نظر فقهية ثيولوجية théologique أكثر مما هي علميةscientifique في حين تعمد العالم والراهب البلجيكي جورج لوميتر Georges Lemaitre، المبتكر الثاني لفرضية الإنفجار العظيم، وضع فصل حاد وراديكالي بين العلم والدين مؤكداً بأننا لا يمكننا أبداً إختزال الكائن الأعظم" الله" في خانة فرضية علمية. ورغم ذلك لم يحمه موقفه من شكوك آينشتين Einstein حيال موضوعيته بخصوص هذه المسألة، أي مسألة الخلق الرباني المستقل والمباشر كما ورد وصفه في الكتب الدينية المقدسة كسفر التكوين.
في سنوات الخمسينات من القرن العشرين المنصرم استخلص عالمان في انجلترا وهما إدوارد ميلن Edward Milne وإدموند ويتاكير Edmund Wittaker تداعيات conséquences ثيولوجية خطيرة hasardeuses من الكوزمولوجيا النسبية الآينشتينية cosmologie relativiste كما فعل نفس الشيء البابا بي الثاني عشرPie XII في 22 نوفمبر سنة 1951 مستغلاً نظرية أو فرضية الانفجار العظيم لدعم تأكيده أمام أكاديمية الفاتيكانAcadémie pontificale ليثبت وجود خالق للكون من خلال تصريحه:" يبدو في الحقيقة أن العلم اليوم يعود القهقري لملايين من القرون، وقد نجح في أن يكون شاهداً على هذا العزم أو القرار الطوعي الرباني Fiat Lux الأصلي أو الأساسي initial، أي لتلك الحقبة التي انبثق فيها الكون cosmos من بيد يدي الله الخالق بفعل إرادة ربانبة". إلا أن العالم لوميتر أصر على أن تبقى نظريته الكونية خارج أي مسألة ميتافيزيقية أو دينية إذ أن لهذا التجيير المسيحي لفرضية البغ بانغ الانفجار العظيم تبعات وتأثيرات كارثية كما كان الحال في الاتحاد السوفيتي إبان العهد الستاليني حيث كانت العقيدة الرسمية تقول أن الكون لا نهائي في المكان والزمان وبالتالي وجهت أصابع الاتهام لكوزمولوجيا البغ بانغ cosmologie de Big Bang باعتبارها انعكاسreflet لنزعة مثاليةidéaliste برجوازية رجعية . وقد أبدى العلماء الروس في ذلك الوقت اشمئزازهم من الانخراط في دراسات كوزمولوجية من هذا النوع. حتى أن مثقفاً علمياً ذو تأثير كبير على الثقافة العلمية باعتباره رئيس تحرير المجلة العلمية ذائعة الصيت وهي مجلة الطبيعةNature وهو جون مادوكسJohn Maddox قد صرح أن كوزمولوجيا الانفجار العظيم غير مقبولة فلسفياً لأنها تبرر وجهات نظر أنصار عملية الخلق الإلهيles créationnistes .
أغلب الأدبيات المكرسة لموضوع الكون والفلسفات التي تتعاطى مع موضوع الكوزمولوجيا تقع في سوء فهم وخلط دائم في تفسير السؤالين الخطيرين التاليين: هل للكون الفيزيائي المرئي أصل زماني؟، وإذا كان الجواب بالإيجاب فماذا تقول لنا الكوزمولوجيا الفيزيائية بهذا الصدد؟ وثانياً :" ماذا يقول لنا العلم الحديث بهذا الشأن؟؟ السؤال الأول علمي قح حتى لو كانت بعض الإجابات ليست كذلك. أما السؤال الثاني فهو ليس علمي بتاتاً بل يتضمن نفحة فلسفية ـ دينية ـ ثيولوجية . فمسألة الخلق تختلف وتتميز عن مسألة الأصل question d’origine الزماني والمكاني . فليس لأن معرفة الأصل علمياً غير ممكنة في الوقت الحاضر نكون مضطرين لطرح قضية الخلق الإلهي. فعدم القدرة للتوصل علمياً لمسألة الأصل تترجم حقيقة أنه حتى بوجود أفق لمعارفنا الرصدية ومشاهداتنا connaissances observationnelles فإنه يوجد أفقhorizon لمعرفتنا النظرية . لقد اعتقد علماء الفيزياء في الماضي، في سنة 1830، أن علم إسحق نيوتن قادر على كشف ماضي وحاضر ومستقبل الكون وبإمكانه الإجابة على أي سؤال، لكنهم كانوا مخطئين بالطبع . وحتى في زماننا الحالي، وبالرغم من كل التقدم العلمي والتكنولوجي، ما تزال توجد حدود جوهرية للعلم حيث أن البشر لا يكتفون بالمعرفة بل يبغون الوصول إلى اليقين كما قال برتراند رسلBertrand Russel . الأمر الذي بات جلياً اليوم هو أن الكون المرئي بدا أكثر غرابة وغموضاً أكثر فأكثر كلما تقدم العلم في مجال علم الكونيات وكشف حقائق جديدة تستدعي مراجعة جوهرية كاملة لتصوراتنا ومفاهيمنا عن الكون. خاصة فيما يتعلق بالمادة السوداء matière noire والطاقة المعتمة énergie sombre حيث ماتزال ماهية كل منهما مجهولة رغم دورهما الجوهري في عمل الكون وصيرورته واستمراره في البقاء. فالمادة المجهولة في الكون تشكل نسبة 85% بالمائة من مكونات مجرتنا درب التبانة على سبيل المثال وهي نفس النسبة تقريباً في باقي مجرات الكون المرئي أي أن المادة المرئية تمثل 15% من مكونات كوننا المرئي. كرست عالم الفلك الأمريكية فيرا روبن Vera Rubin حياتها لمراقبة مجرة آندروميدا Andromède الأقرب إلى مجرتنا درب التبانة La Voie lactée بعد أن قدمت أطروحتها للدكتوراه عن توزع المجرات في الكون المرئي سنة 1955 وماتزال إلى يومنا هذا وهي في عمر 83 عاماً من أجل تفسير ظاهرة شخصتها عبر سنوات طويلة من الرصد والمشاهدة والتصوير منذ سنة 1967 إلى يومنا هذا حيث لاحظت هذه العالمة أن مجرة آندروميدا لا تتنقل وفق ما يفرضه قانون الجاذبية أو الثقالة la loi de la gravitation فالمنطق يقول لنا أن السرعة التي تدور فيها النجوم حول مركز مجرة ما يتناقص حسب المسافة التي تفصلها عن المركز كما هو الحال مع كواكب نظامنا الشمسي لأن قوة الجاذبية أو الثقالة بين جسمين تنقص كلما ازدادت المسافة بينهما. بعبارة أخرى إن تجمع النجوم الكثيف في مركز مجرة ما يمارس قوة ثقالة أضعف على النجوم البعيدة المتواجدة في أطراف المجرة مما يعني أن سرعات تلك النجوم يجب أن تكون أبطأ من سرعات النجوم القريبة من المركز. والحال أن ما شاهدته ورصدته فيرا روبن فيمجرة آندروميدا مختلف عن هذه البديهية النظرية فالنجوم الواقعة في أقصى أطراف مجرة آندروميدا تدور بسرعات هائلة لا تقل سرعة عن النجوم الواقعة في مركز المجرة كما لو أنها تخضع لقوة ثقالية أخرى . ولتوضيح سر هذا اللغز استخدمت العالم الأمريكية المذكورة جهزاً متطوراً صممه زميلها العالم كنت فورد Kent Ford وهو سبكترومتر spectromètre فائق الحساسية والدقة قادر على تحليل كافة مناطق المجرة وبدفة لا متناهية وذلك من خلال تكثيف الإشعاعات الضوئية الكترونياً مهما كانت ضعيفة. ومن ثم يقوم الجهاز بتفكيك تلك الإشعاعات الضوئية إلى طيف لوني spectre de couleurs يسمح بحساب وقياس سرعات النجوم أياً كان موقعها حيث كلما ابتعد النجم عنا مالت أشعته إلى اللون الأحمر أكثر فأكثر.وبفصل المعطيات التي تجمعت لدى العلماء توصلوا إلى حساب الكتلة الضرورية اللازمة لمجموعة امن النجوم لنشر هذه القوة الجاذبة الهائلة force d’attraction وجاءت النتائج مذهلة ومحيرة وغير متوقعة إذ صار يتوجب على مجرة آندروميدا أن تحتوي على عشرة اضعاف ما لديها من مادة أكثر مما أظهرته الصورة المسجلة من جراء الرصد والمشاهدة ، من هنا اقترح بعض العلماء فرضية وجود مادة غامضة ومجهولة وغير مرئية تخرج عن نطاق الرصد والمراقبة هي التي تشكل 85% من محتويات مجرة آندروميدا وقد سميت هذه الأخيرة بالمادة بالمادة السوداء matière noire أو المادة الداكنة أو المعتمة matière sombre ويقابلها بالانجليزية Dark matter وهناك من يسميها المادة الخفية أو غير المرئية matière invisible. وإلى جانب لغز المادة السوداء جاء لغز غامض آخر طرح تحدياً إضافياً على علماء الفيزياء وأرغمهم على مراجعة نظرياتهم. ففي سنة 1998 اكتشف فريقان من العلماء حقيقة علمية هزت أركان المسلمات العلمية السائدة حتى ذلك التاريخ. من خلال دراسة انفجار النجوم البعيدة، ومشروع دراسة الانفجار السعري السوبر نوفا Supernova Cosmology Project الذي قادده عالم الكونيات ساول بيرلموترSaul Perlmutter، وبحث العالم آدام رايس Adam Riess حول السوبر نوفا High-Z Supernovae Search Team ، تم الاستنتاج العلمي القائل بأن أن تمدد وتوسع الكون l’expansion de l’univers تسارع accélérée خلال الخمسة ميليارات الأخيرة من عمره الكون المرئي، وهو الاكتشاف الذي أدى إلى منح العالمين الأمريكين المذكورين جائظة نوبل في الفيزياء سنة 2011. إن هذا التنامي المفاجيء للكون أرغم العلماء على إعادة النظر بش|أن ما يعرفوه عن مكوناته. فلا يمكن تفسير مثل هذا التسارع إلا بإدخال عامل جديد nouveau facteur لم يكن معروفاً من قبل وهو عبارة عن قوة غامضة force mystérieuse أعطاها العلماء إسم الطاقة السوداء أو المعتمة énergie noire ou sombre وبالانجليزية Dark energy وهي لاتقل غموضاً عن قرينتها المادة السوداء في طبيعة ماهيتها، واعتبروها المسؤولة الأولى عن التمدد والتوسع المذهل للكون المرئي حتى لو كانوا مايزالون يجهلون أين تختفي هذه الطاقة الغامضة ومن أين جاءت حيث ثبت بالحسابات النظرية أن هذه الطاقة تمثل ثلاثة أرباع الطاقة الموجودة في الكون وإن الربع الأخير موجود على شكل مادة وفق معادلة آينشتين الشهيرة الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء E=MC2 إذ أن المادة ليست سوى شكل من أشكال الطاقة ويبقى لغز المادة السوداء والطاقة السوداء قائماً إلى أجل غير مسمى ويأتي بعده اللغز الأهم في الكون المرئي ألا وهو لغز الزمان.
الزمان الكوني والزمان البشري:Le temps cosmique et le temps humain
قال أحد الحكماء أن أهم وأعقد كائن عضوي في الوجود هو العقل إلا أنه مايزال عاجزاً أمام لغز الزمان. كما سئل أحد كبار فلاسفة الدين المسيحي:" ماذا كان الله يفعل قبل خلق البشر، أجاب الفيلسوف ورجل الدين المسيحي الشهير:" أنه كان يعد جهنم لمن يطرح مثل هذه الأسئلة".
إن مفهوم الزمن في الفيزياء وعلم الكونcosmologie أمر معقد ومتطور دوماً. فما هو الزمان؟ لم يتمكن، لا الفلاسفة ولا العلماء ولا رجال الدين، من تقديم إجابة شافية وافية ونهائية على هذا السؤال. يمكننا أن نضع تحت المجهر مختلف الرؤى، وعدد كبير من المفاهيم والتعريفات الخاصة بالزمن وفق تعاطي رجال العلم معها عبر مختلف مراحل تطور العلوم والنظريات العلمية. فلقد تطور مفهوم الزمن علمياً منذ عصر نيوتن إلى عصر الكوزمولوجيا الحالي، مروراً بالمفهوم الآينشتينيEinsteinienne للزمان. يحضرني بهذا الصدد قول الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه حينما قال مازحاً :" هل ياترى لدى الزمان ما يكفي من الوقت؟".أي علينا أن نفرق بين الزمن والوقت . فغالباً ما يثير مفهوم الزمان الحيرة لدى البشر. ويتساءل كثيرون، أما كان من الأجدر والأبسط أن يتصرف الزمان على نحو بسيط كما هو حال المكان، ويصبح بإمكاننا وببساطة العودة إلى الوراء في الزمان وتصحيح خطأ ما أو اقتناص فرصة ضاعت علينا؟ ولماذا لانستطيع شراء قطعة من الزمان كما نشتري قطعة من المكان خاصة مع ازدحام المواعيد ومرور الوقت بسرعة مذهلة؟ الحقيقة المرة هي أن الزمان يتحكم بحياتنا. فكل شيء يسير بسرعة دون أن ننتبه أننا نستهلك المستقبل. وبعد أن يعصرنا الزمان ويرغمنا على الاستعجال يمر بنا وهو غير آبه، مستمراً في طريقه بالرغم من كل من يعتمد عليه. هذا هو إحساس كل واحد من البشر ممن يفكرون بالزمان ولو لبرهة قصيرة. ونتساءل لماذا يختلف الزمان عن المكان كما نعتقد، في حين أثبتت نسبية آينشتين أن الزمان ملازم للمكان ومندمج به وإن بإمكان أحدهما أن يتحول للآخر، أي أن يصبح الزمان مكان والمكان زمان؟
مفاهيم الزمان Les concepts de temps
الزمن كما ندركه ونفهمه نحن البشر ونتعاطى معه كل يوم باعتباره الوقت الذي يمر علينا، يتميز بسيره الذي لا يقاوم وإن كان بصورة غير منتظمةirrégulière وإن هذا التقدم باتجاه واحد هو الذي يفصل أو يميزdistingue بين الماضي والمستقبل بوضوح. فلدى كل واحد منا ذاكرة وذكرى واضحة عن أحداث الماضي مما يجعلنا حساسين ومدركين لمفهوم المستقبل. فالماضي القريب جداً هو في الحقيقة مستقبل الماضي البعيد. وإن بعض الوقائع والأحداث، مهما كانت عادية وتافهة، إلا أن لها تأثيرات مباشرة مما يجعلنا نشعر وندرك علاقات السببيةcausalité ويحدونا للتفكير بأن تسلسل الحوادث يمكن أن يتكرر أو يحدث مرة أخرى إما بصورة متطابقة أو مختلفة بشكل طفيف.
كان موضوع الزمان من المحرمات لفترة طويلة لأنه بالضرورة سوف يتطرق لموضوع الله وهل إن هذا الإله قابع خارج الزمان أم داخله؟ وهل الزمان يسبق الوجود الإلهي إذا كانت هناك عملية خلق للوجود؟ وكثير ما طرح الفلاسفة السوفسطائيين في سجالاتهم السؤال المحرم والخطير وهو :" إذا كان الله هو الذي خلق الكون وما فيه فمن الذي خلق الله؟ وبرغم المحذورات والمحظورات الدينية لم يمتنع البشر عن التساؤل دوماً عن مفهوم الزمان الحقيقي، وتكون إجابة الإنسان العادي غير العالم أو غير المتخصص:" أن الزمان هو قياس للمدة أي قياس للتغيير ولما حدث ويحدث بين الماضي والحاضر والمستقبل. وفي هذه الحالة فإن الزمان مشخص من خلال دور الفعل النفسي ـ السايكولوجي للإنسان تجاه العالم المحيط به ويعتمد على الشعور بانقضاء المدة durée الذي يحس به الكائن البشري داخل وعيهconscience في حين يتمثل الزمان بالنسبة لعالم الفيزياء بأنه مجرد ثابتة محددة تتوقف عليها دالة رياضية من المتغيرات المستقلة paramètre أو معيار مفيد لوصف وشرح وتفسير تصرف أو سلوك المادة من المجال الميكروسكوبي اللامتناهي في الصغر إلى المجال الماكروسكوبي أو الكوزمولوجي اللامتناهي في الكبر. أما بالنسبة للفيلسوف فإن الزمن هو بالضرورة أعمق وأعقد بكثير مما يشعر به الإنسان وذلك بفضل التصور والتمثلreprésentation الذي يقوم به الإنسان تجاه الكون والمكانة أو الموضع والموقع الذي يحتله هو فيه ، بينما يعتبر عالم الاجتماع sociologue وعالم الانثروبولوجيا الأنسنة anthropologue أن الزمن ليس سوى وسيلة لقياس مدى تطور المجتمعات البشرية ويمكن لعالم الأحياء البيولوجياbiologiste وعالم طبقات الأرض الجيولوجيا géologue توسيع مفهوم الزمن وربطه بتطور الأنظمة الحياتية البيولوجية والجيولوجية أي بما يتعلق بعمر جسدنا البشري وعمر كوكبنا الأرض.
سنعرج خلال هذه الرحلة مع الزمان على مفاهيم، الزمان الذاتي والموضوعي، والزمان الخاص والعام، الزمان النسبي والمطلق، الزمان الحالي والقادم، الزمان المحلي والكوني، ، الزمان المنتهي واللامنتهي، الزمان المحدود واللانهائي، الزمان المعنوي والزمان الرياضي، ومفاهيم القبل والبعد والأثناء والخلال التي تتعلق بالوقت، الخ...
هناك تمييز بين مفهومين أوليين للزمان، أحدهما ذاتي subjectif والآخر موضوعيobjectif فالزمن الذاتي هو وصف لإطار مرجعي يتعلق بموضوع عام في حالة تفاعل interaction مع العالم وهو ليس بالضرورة موضوع بشري. إن الرد الفيزيائي الفوري الناجم عن هذا التحديد بشأن كيان يعتبر جزءاً من العالم المادي مثل الساعةHorloge ، على سبيل المثال، يتأثر بصيرورة متطورةprocessus évolutif مثل سريان أو عمل النابض الميكانيكي للساعة الذي هو زمن ذاتي. وعلى العكس فإن القياس الذي نستخدمه لتسهيل التعبير عن مثل هذه الإجابة، مثل خلق ترابط مع سلم الزمن échelle de temps يكون متوازناً ومضبوط عيارياً calibrée وهذا ينتمي للزمن الموضوعي. يمكننا أن نتخيل الزمن عبارة عن سلم échelle موجود في مكان غير محدد الأبعاد ــ فراغ ــ لا نعرف بداية ـ أسفله الممتدة في اللانهاية ، ولا نعرف له نهاية ـ أعلاه ـ الممتد في اللانهاية أيضاً، أي ممتد من نقطة لا نهائية أو موجودة في حيز لا نهائي إلى نقطة لا نهائية. ويمكننا أن نتخيل إنسان أو شخص يتسلق هذا السلم في موضع ما في هذا السلم حيث يضع قدميه على إحدى درجات السلم ولا نعرف في أية لحظة بدأ التسلق. فالسلم هنا هو التمثيلrépresentation الكلاسيكي للزمن المطلقabsolue والإنسان يتنقل على سلم الزمن الذي يمكن أن يمتد إلى اللانهاية نحو الماضي وإلى اللانهاية نحو المستقبل، أما لحظة وضع قدم الإنسان على درجة السلم فهي لحظة الحاضر. فالزمن المطلق من هذا المنظور هو بحد ذاته كيان أو كينونةentité موجود ومستقل بذاته سواء تسلقه إنسان أم لا فهو موجود بمعزل عنه.
بلغة الفيزياء، يجري التعبير عن هذين المفهومين كالتالي: بما أن الخصائص الثابتة أو اللامتغيرةinvariants للعالم هي موضوعيةobjectifs بطبيعتهاpar définition فإن الأجوبة المثارة تجاهها بمظاهرها par leur manifestations تعتمد أو تتبعdépendent للصفات أو الملامح الخاصةtraits particuliers للكينونات الفيزيائية entités physiques التي تجيب. ويمكن لكينونة فيزيائية أن تعبر عن رداتها الذاتيةréactions subjectifs على الخصائص والسمات الموضوعيةcaractères objectifs للعالم وذلك باللجوء إلى لغة يمكنها التعبير شمولياً أو كونياً de façon universelle بصورة تجعل باقي الكينونات الفيزيائية تتفاعلréagir وترد على تلك الخصائص ويمكنها أن تترجم لغاتها داخل هذه اللغة الكونية. وبهذه الطريقة فإن كل واقع réalité قادر على الإجابة أو رد الفعل réaction على خاصية فيزيائيةcaractère physique للعالم يمكن أن تتفق بشأن الطبيعة الموضوعية nature objective لتلك الخاصية الفيزيائية بمعنى أنها مستقلة عن طبيعة تفاعلاتها مع العالم. يمكننا وضع هذين النوعين من الزمان على علاقة فيما بينهما في ظرف محدد، مثلاً أن نضع الزمان المبرمج على مينا الساعةcadran ( الزمان الموضوعي temps objectif ) وسير زنبرك أو نابض هذه الساعةressort ( الزمان الذاتيtemps subjective ) لهذا نتحدث عن الزمان في الحالتين بنفس التعبير. على أنه من المهم عدم الخلط بين المفاهيم المتميزة بعضها عن البعض الآخر. بعبارة أخرى، إن الزمن الموضوعي هو إجراء تجريدي mesure abstraite يستخدم لتسهيل التعبير عن قوانين الطبيعة، أما الزمن الذاتي فيتماشى أو يتناسب مع رد الفعل الفيزيائي لجسيم مادي أو التعبير من قبل فرد بطريقته عندما يعي مدة معينةdurée أو فترة زمنية لنمعن بعملية تحدث لنا يومياً وهي أن نقرأ الزمن على ساعة اليد إذ أن ما نلاحظه في واقع الأمر هو الرنين المستمر لزنبرك أو نابض معدني ـ الحلقة المعدنية أو الوشاحruban وضعت بصورة اصطناعية داخل مظهر أو هيئةconfiguration للطاقة العالية وهي الممدودة نحو الحد الأقصى énergie maximale; المتروكة لنفسها أو السائبة وهي تنحو للعودة إلى حالتها من الطاقة الأدنىénergie minimale . ولو ربطنا عجلات مسننة بعقارب بنزبرك أو نابض فإن عقارب الساعة تبدأ الحركة والدوران وتؤشرpointer لمجموعة من الأعداد المرسومة على مينا الساعة بصورة تتقاطع مع رنين النابض على فترات متساوية ومنتظمة ، أي أننا اخترعنا سلم اصطناعي للزمن يسمى بسلم الزمن échelle de tmps الذي يتيح لنا قياس أو حساب المدة أو الأجل الزمني لصيرورات فيزيائية أخرى بمقارنتها بنبضات النابض وينبغي أن يكون ماثلاً أو حاضراً في الذهن أن سلم الزمن ما هو إلا اتفاق convention أو عرف وضع من أجل وصف تطور الصيرورات الفيزيائية. لقد قارنا الزمن الذاتي بتظاهر أو تجليmanifestation التفاعلات والتداخلاتinteractions الفيزيائية وقارنا الزمن الموضوعي باللغة ولكن ما المقصود باللغة؟ اللغة العادية هي عبارة عن مجموعة كلمات مرفقة بقواعد النحوsyntaxe أي ببنية منطقيةstructure logique تسمح بالربط بين الكلمات وبدونها لن يكون هناك معنى لمجموعة الكلمات . فالزمن الموضوعي بالنسبة للعلماء هو أيضاً لغة بالمعنى الذي عرضناه أعلاه أي أداة تتكون من النقاط أو النسق والإحداثياتcoordonnées تشبه الكلمات أو تقارن بالكلمات وبحروف الجر والضمائر وبالبنية المنطقية الرابطة، ولهذه الأخيرة جزء جبريalgébrique وجزء هندسيgéométrique ومحدد للعلاقات والجزء الجدي يسمح بتعدادénumérer النقاط الزمنية les points temporels ويحدد قوانين تركيبتهاcombinaison .
المادة والزمن في الفيزياء الكلاسيكية matière et temps dans la physique classique
ترجم نيوتن في القرن السابع عشر الزمن الموضوعيtemps objectif باعتباره سلماً مطلقاً échelle ينبغي استخدامه لقياس مدة أو فترة durée تحد الأشياء، واعتبر مثل هذا السلم بمثابة كينونة في الكون حيث أن جميع الأشياء المادية موجودة هي أيضاً داخل هذا الكون. فلو عدنا إلى مثالنا السابق عن الشخص الذي يتسلق سلم الزمن يمكننا أن نحدد أين يوجد بمجرد تشخيص القضيب الذي يشكل العتبة أو الدرجة barreau التي يضع عليها الشخص قدمه والتي وصلها أثناء تسلقه، لكننا نستطيع القول أن السلم موجود هنا بمعزل عن الشخص سواء تسلقه هذا الشخص أم لا، إنه محورaxe للزمن الموضوعي. يمكن أن تكون هناك نقطة إنطلاق على السلم ، أي بداية للزمن أو أن نتخيل سلم لا نهائيinfinie يمتد بلا حدود وبما لا نهاية نحو الماضي ونحو المستقبل من نقطة ما في الحاضر حيث يقف الشخص.
إستناداً لنيوتن يمكن وصف القوانين التي تحكم وتسير الطبيعة بمعادلات الحركةéquations de mouvement التي تتيح لنا أن نتنبأ ونتكهن prédire أو نتوقع عمل مختلف الذرات في الكون وتفاعل الواحدة مع الأخرى، مكملة بشروط على الحدود المفروضة على حلولها أو مخارجها ومفاتيحها، وبأن تلك المعادلات هي التي تتوقع أو تتكهن بمسارات جميع العناصر المكونة للكون بكل ما فيه من مجرات ونجوم وكواكب وغازات كونية، وكتل مادية مرصودة في مواقع ما، أو أجسام مضيئة، ومادة مرئية، ومادة سوداء، وطاقة ملموسة ومقاسة، وطاقة معتمة أو داكنة أو مظلمة، وسدم ومواد وطاقات أخرى خفية وغير معروفة أوغير مكتشفة بعد. لو عدنا إلى ما قبل نيوتن بألف عام، في فترة الإغريق القديمة، نجد أن الفيلسوف أرسطوAristote أدخل مفهوم الزمن الموضوعي ولكن بطريقة مختلفة. فالزمن كان مقياس للحركة واعتبرت الحركة ذاتها ككيان مجرد أو تجريديentité abstraite وأنها تحدد وتوسم قدرة الجسم المادي على الانتقال se déplacer إذا تعرض لظروف خاصة وإذا تواجد في موقع أو مكان محدد وخاص في المكان أو الفضاء، و لا توجد أية صيغة هندسيةgéométrique ترافق هذا المفهوم للزمن وإن تحقق الحركة الكامنةpotentialité de mouvement هو الذي يوسم بالتنقل والتحرك locomotion. فأرسطو يعتقد أن جسم ما يكون في حالة حركة لأنه تلقى تلك الحركة من مصدر خارجي أي أنه لا توجد بداية للحركة مما ينطوي على ذلك مد extension لا نهائي للزمن نحو الماضي ونحو المستقبل، وفي هذه الحالة يغدو من المنطقي القول أن المادة ـ الكيان المستقل عن الزمان ـ ممكن أن تتشكل في لحظة محددة من الزمان، محتوية حركة كامنة تبدأ من الزمن نفسه باعتباره مقياس لهذا الكمونpotentialité الحركي للجسم المادي يمكنه أن يمتد ويتحركse mouvoir من لا نهاية الماضي إلى لا نهاية المستقبل . وبعد مرور 1500 سنة في العصور الوسطى عارض الفيلسوف والفقيه الثيولوجي اليهودي الميمون Maimonide أفكار أرسطو وقال، استناداً إلى مبدأ الخلق من العدمcréation ex nihilo ، بتعريف للزمان مخالف لتعريف أرسطو. فبالنسبة للفيلسوف اليهودي إن الزمان ليس سوى تجليmanifestation للمادة فعند عدم وجود مادة فلا مجال للحديث عن الزمان لأنه هو أيضاً سيكون غير موجود وحسب النصوص العبرية المقدسة، عندما خلقت الطبيعة من العدم خلق معها الزمان والفرق في مفهوم الزمان بين أرسطو والميموني يشبه الفرق بين التعريف الكلاسيكي للزمان المطلق الذي قدمه نيوتن والتعريف الأحدث الذي قدمه آينشتين وفق معايير نظريته النسبية وهو بالطبع تعريف نسبوي ثوري لأنه أدمجه بالمكان في وحدة عضوية وجعله بعداً رابعاً لشيء جديد أسماه الزمكان espace-temps في وحدة موضوعية لا يمكن فصل إحداها عن الأخرى.
العلية والحتمية causalité et déterminisme
إن العلاقة التضمينية الناجمة عن تعريف الزمان وفق مبدأ العلاقة بين العلة والمعلول والسبب والنتيجة cause-effet قد نوقشت باستفاضة من قبل علماء ومفكرين منذ الفترة التي سبقت عصر النهضةla renaissance وبات من البديهي القول آنذاك أن السبب يسبق النتيجة la cause précède l’effet وإن إمكانية التمييز بينهما تفترض وجود نظامordre ونسق وترتيب في جريان وسريان الزمن déroulement des temps إلا أن صعوبات أو معضلات منطقيةlogiques ظهرت أو برزت عندما حاول البعض تعريف الزمان كاستمراريةcontinuum من العلامات أو النقاط de pointsوإن هذا التعريف الجديد ضروري إذا شئنا وصف الحركة باعتبارها تغير مستمر في عناصر التحديد أوالإحداثياتcoordonnées المكانية بالنسبة للزمان إذا ما تقبلنا أن المكان هو أيضاً استمرارية contenu. فالتمييز بين السبب والنتيجة أو العلة والمعلول ينجم عنه إختلاف خفيdiscrète بين لحظات القبلavant والبعدaprès والتي تؤشر أو ترسمdésignent الحدود الزمانية لتفاعل فيزيائي interaction physique ، في حين إذا كان الزمان مستمرcontenu فإننا سنمر بصورة تدريجية من السبب إلى النتيجة واللذين يصبحان أو يغدوان غير قابلين للتشخيص بسهولة. في فيزياء نيوتن يتعين علينا الفصل بين مفهوم الزمان والعلاقة، بين السبب والنتيجة، لأنه وفق هذه النظرية فإن السبب والنتيجة أو العلة والمعلول يحدثان آنياً وفي زمن واحدsimultanément على المستوى الجوهري للتفاعل بين العناصر المادية. فالقوة النيوتنية باعتبارها سبب خارجي عن الأجسام، هي التي تنتج الحركات لتلك الأجسام بصفتها نتيجة. فآنية simultanéité السبب والنتيجة تعود أو تعزى إلى أن التفاعل النيوتني لا يعتمد إلا على المسافة الموجودة بين الأجسام وليس على الزمن. فلو انزاحت الشمس أو ابتعدت عن موقعها الحالي بالنسبة للأرض ولو بألف كيلومتر فإن الأرض ستتبعها بلا أي تأخير. إن مفهوم الفعل من على بعد أو من مسافة ماaction à distance كان يمثل مشكلة لنيوتن نفسه صاحب النظرية لكنه تقبلها لأنها وفرت له وصفاً جيداً للطبيعة. فحسب مقاربة نيوتن فإن عاملparamètre أو دالة الزمان لا يمكن تحديده أو تعريفه نسبة لعلاقة السبب والنتيجة لأن السبب والنتيجة أو العلة والمعلول يتداخلان se confondent بل يمكن تحديده وتعريفه نسبة لحركة جسم مادي على امتداد مسارtrajectoire معين مثل المدار الحلزونيorbite elliptique أو اللولبي للأرض حول الشمس . فالمسار يحسب ويتوقع بدقة وفق معادلات الحركة. فلو وضعنا على هذا المدار جسم مادي فإن التغييرات في موضعه أو موقعه على طول المنحنى الهندسيcourbe géométrique الذي يتبعه، يمكن أن يشخص بعامل أو دالة هي ما أصطلح على تسميته بالزمان وهذا ما يقودنا إلى أن نشخص مفهومياًconceptuellement الزمان والحتميةdéterminisme . بعبارة أخرى يحدد الزمان نسبة إلى الحالات الممكنة لحركة المادة ضمن الشروط التي تحدد تأثير جسم مادي على جسم مادي آخر حيث يجب أن يكون مسار هذا الجسم الثاني محدد بدقة سلفاً بلا أي غموض وعرفت هذه النظرية بالنظرية الحتمية théorie déterministe والتي جاءت نظرية الكوانتا أو الكمthéorie quantique لتنسفها من جذورها.
الزمان حسب الميكانيك الكوانتي أو الكمومي ومبدأ اللاحتمية
La mécanique quantique et le non déterminisme
بعد ظهور الميكانيك الكوانتي أو الكمومي لم يعد هناك سبب بأن تكون قوانين الطبيعة حتمية. ففي الوقت الذي طبقت فيه قوانين هذه النظرية لوصف تطور الجسيمات الأولية للمادة، فإن الميكانيك الكوانتي أو الكمومي بات يرفض فكرة أن سلوك المادة يمكن أن يكون أو أن يوصف على نحو جوهري وفق المسارات المكانية المحددة سلفاً بدقة لأنها نظرية غير حتميةthéorie no déterministe لذا لم يعد ممكناً في هذا الإطار أن نحدد ونعرف الزمان بواسطة النظرية النيوتنية théorie Newtonienne وبدلاً من ذلك يتم تحديد وتعريف الزمان وذلك بتحديده من بين جميع الخصائصpropriétés القابلة للقياس في نظام معين، وهي مجموعة من المزايا والخصائص التي تقاس في آن واحدsimultanément . فالمقارنة بين خاصيتين غير محسوبتين آنياً في نفس الوقت أو في آن واحد مثل التموضع أو الموقعposition وكمية الحركة أو السرعة للإلكترون باتجاه محدد أو معطى يعادل المقارنة بين حالة نظام في لحظتين أو وقتين مختلفين . من هنا جاءت فكرة إدخال وحدة زمنية une séquence أو معلومة مبرمجة من الزمن في وصف المادة. إن هذا التحديد أو التعريف يكون في تناقض مطلق مع المفهوم الكلاسيكي الذي يقول أن جميع خصائص المادة مبدئياً خاضعة للقياس الآني mesurable simultanément وبدقة تقارب ما تصبو إليه. سنعود للاستفاضة في شرح مفهوم الزمان في الميكانيك الكوانتي أو الكمومي لأنه متشعب وفيه البسيط والمركب ، الواقعي والمتخيل الخ.. ولنعد إلى الزمان الذي نستخدمه عادة في وصف الكون المرئي الفيزيائي بمجمله ونبحث عن التبعات التي تنطوي عليها المقاربة الحتمية لنيوتن في مجال علم الكون أو الكوزمولوجيا .
الزمان الكوني والزمان المحلي أو المرحلي: Temps cosmologique et temps locale
حسب النموذج الكونيmodèles cosmologiques الحالي الأكثر شيوعاً، فإن الانفجار العظيم حدث في زمان صفرtemps Zéro حين تعرضت مادة الكون المكثفة في نقطة لا متناهية في الصغر ودرجة حرارة مذهلة، إلى تقلبات كمومية أو كوانتية fluctuations quantiques. وبناءاً على هذا المفهومconception فإن جميع الحركات اللاحقة لكافة الأجرام والأجسام السماوية محددة سلفاًprédéterminés ، وبالتالي جميع التطورات اللاحقةultérieures للمادة من تشكل النوى أو النويات Noyaux ( جمع نواة) والذرات المركبةatomes complexes والخلاياmolécules والأنظمة العضوية systèmes organiques بما في ذلك الكائنات الحية وبالطبع النجوم والكواكب والمجرات. فإذا كانت جميع حركات الجسيمات المادية معروفة ومحددة سلفاً prédéterminés فهذا سينطبق على الكون المرئي برمته. وفي هذه النظرية لا يحدث أي شيء في سلوك المادة بدون سبب أو علة . فحوادث خاصة تقع في منطقة صغيرة ما في الكون يمكن أن تبدو للمراقبobservateur بأنها عفوية مثل التحلل الإشعاعيdésintégration radioactive لعنصر في أحد المختبرات الأرضية على سبيل المثال. إن مثل هذا الاستنتاج لا يعكس سوى الجهل بسلسلة كاملة من الأسباب والعلل المتعلقة بالشيء المرصود أو المراقبobservé وهناك أحداث وحقائق تجريبية كثيرة لتثبت أو تسند وتدعم فرضية أن الكون الحالي يعيش في حالة تمدد وتوسع وهي تقودنا إلى تحديد وتعريف ما يعرف بـ " الزمان الكوزمولوجي أو الزمان الكوني temps cosmologique " الذي يتيح لنا فرصة وصف تطور الكون المرئي بأكمله، في حين أننا إذا أردنا وصف أي من مكوناته فإننا نلجأ إلى قياس الزمان المحلي أو المرحلي temps local . فالمعنى العميق للزمان الكوني ليس هو نفسه للزمان المرحلي أو المحلي، فالأول يرتبط بالزمان المطلق أو الموضوعيtemps absolu ou objectif، وهو الزمان الذي يخص الكون بأكمله، ولا يمكنه أن يكون نسبي بالنسبة لأي شيء آخر فبداية الزمان الكوني هو لحظة الزمان صفرtemps zéro وهي لحظة بدء الخلقcréation أو لحظة الانفجار العظيم وهي تتواءم مع المفهوم النيوتني عن الزمان المطلق. ونيوتن نفسه هو الذي ميز وشدد على الاختلاف بين الزمان المحلي النسبي والزمان المطلق الذي يجب أن تقاس أو تحسب كل المددdurées بالنسبة له. وقد تعرض ليبنزLeibniz الفيلسوف المعاصر لنيوتن Newton لهذه الفكرة بشأن الزمان المطلق واعتبر أنها غير قابلة وغير خاضعة للاختبارات أو التجارب المختبرية وبالتالي غير قابلة للتدقيق مختبرياً ولكن أدواتنا وأجهزتنا ومعداتنا العلمية والتكنولوجية اليوم سمحت لنا بتشخيص الزمان الكوزمولوجي مع تمدد وتوسع الكون المرئي بحيث لو كان ليبنز حياً لتبناه .
الزمن الأنثروبي: Temps anthropique
لو عدنا إلى مثالنا في قياس الزمان المحلي بمساعدة تفكك أو تحلل إشعاعي لعنصر ما، فإن ذلك سيقودنا إلى عملية تأمل إضافية، لأننا في هذه الحالة سنكون إزاء ظاهرة إحصائيةstatistique تضع في موضع الشك والمراجعة عدد كبير من النوى أو النوياتnoyaux ، فالزمان الملازم أو المميز لهذا التفكك أو التحللdésintégration الإشعاعي هو وقت متوسط أو وسطيmoyen ، بعبارة أخرى أن الزمان هنا لا يحدد بتطور جسيم منعزلisolée للمادة و لا بتطور الكون بمجمله. ففي هذا المثال فإن الزمان يعطي تمثل أو تمظهر représentation معياري أو قياسيparamétrique ثابتي لتطور عدد كبير من الأشياء غير المستقرةinstables ويصف تغييراً نحو حالة أكثر فوضوية أو أكبر من الفوضىdésordre أي أن الفوضى القصوى هي الحالة الأكثر إحتمالية. بعبارة أدق إن هذا يعني أننا إذا تركنا نظاماً خاضعاً لتطوره العفوي لفترة من الزمان فسيكون لدينا كحد متوسط من التحريض والتهييج و إحتمالية أكبر للعثور على نواة مؤسسة constituante فاقدة لطاقتها التحريضية لأن نتاجاتproduits تفككها وزعت عشوائياً بدلاً من بقائها في حالة استنفار وتهيجexcité أكثر انتظاماً. وهذا التحديد أو التشخيص يطبق على كل الأنظمة التي تحتوي على عدد ما من الأجسامN. Corps وبشكل خاص الأعضاءorganismes البيولوجية ، عندها يغدو الزمان مقياس لصيرورة processus مستمرة أو متصلة وغير قابلة للارتداد أو الانعكاس irréversible لإعادة الانبعاث الخليويcellulaire ومن الناحية التقنية فإن الكمية quantité التي توسم أو تميزcaractérisant درجة الفوضىdésordre لنظام، تسمى الانثروبيentropie . وإن قانون الطبيعة الذي يقول أن نظاماً منعزلاً ما ينحو مع الزمن نحو حالة الأنثروبي القصوى ويسمى هذا القانون بالمبدأ الثاني من الترموديناميكthermodynamique .
الزمان في النسبية الخاصة: Temps et relativité restreints
فرضت نظرية النسبية لآينشتين في القرن العشرين تغيراً مفهومياًconceptuel جوهرياً وهاماً فيما يتعلق بتفسير وفهم الزمان. فكل المفاهيم والتعريفات السابقة للمفهوم النسبي التي استعرضناها أعلاه عن الزمان، برغم تنوعها إلا أن لديها نقطة مشتركة وهي أنها تعتبر الزمان كشيء قائم بذاتهune chose en soi حتى لو كان مقياساً للمظهر أو الجانب الفيزيائيaspect physique للمادة. ففي النسبية يكون للزمان والمكان معنى آخر مختلف كلياً عما يعرفه أو يألفه العامة من الناس، فلا يعودان عبارة عن كيانين أنتولوجيين entités ontologiques أي واقعين يتمتعان بوجود مستقل عن المادة. ففي النسبية نجد إن عناوين وإحداثيات المكان والزمان ليست سوى عناصر لغة مخصصة لتسهيل التعبيرexpression عن قوانين الطبيعة ، اي التعبير عن نظام تحتي غامض sous – jacent لكنه يظهر في كافة مظاهر الكون الفيزيائي من مجال الجسيمات الأولية إلى المجال الكوزمولوجي الكوني الواسع. إن نظرية النسبية مبنية أو مؤسسة fondée على بديهية أو زعم جازم assertion بسيط يقول أن مبدأ النسبية يؤكد موضوعيةobjectivité قوانين الطبيعة. بعبارة أخرى، كل واحد من هذه القوانين يجب أن يكون مستقلاً عن مرجعية مكانية référentiel محددة يجري التعبير عنه من خلالها. ومن هذا المنظورoptique فإن هذا أو ذاك من العناصر المتفاعلة فيزيائياً في الطبيعة يمكن وصفها بالمراقبobservateur أو الموضوع المرصودsujet observé أو الشيءobjet . فالتمثيل représentation الكامل لأي قانون يجب أن يبقى ثابتاً لا متغيراً inchangé عندما تتبدلintervertit وتنقلب أو تنعكس المتغيراتvariables المميزة للمراقب والمشاهد الراصد والشيء المرصود أو المراقب. إذ يجب تأمين موضوعة الوصف وإن التفاعلinteraction بين الشمس والأرض، كمثال على ذلك، يجب أن يتم كما هو الحال في التفاعل بين جهاز القياس في المختبر والإلكترون.
في النظرية النسبية تكون الأحداث أو المحددات والعواملparamètres أو الدالات، ذاتيةsubjectifs وهي الوحيدة التي تعتبر نسبية والتي هي إحداثيات المكان أو نقاط تعليم وعناوين coordonnées في المكان والزمان. ولكن لا يجب أن نستنتج من ذلك وجود كيانات entités فيزيائيةphysiques مشوهة أو قابلة لتشويهdéformables المكان والزمان اللذان يتغيران من مراقب لآخر. فالمقصود بذاتيةsubjectivité المرجعية المكانيةréférentiel ة تعني أن مستوياتéchelles إحداثيات coordonnées الزمان والمكان يجب أن تتنوع من مرجعية إلى أخرى، إذا أردنا أن تحافظ قوانين الطبيعة على موضوعيتهاobjectivité . ومن الناحية المفهومية فإن هذا التغيير في مستوى يشبه analogue ما يحدث عندما نترجم من لغة إلى أخرى للتعبير عن نفس الحقائق أو الحوادث الفيزيائية.
الآنية النسبية : simultanéité relative
في الصيغة الأولى التي أعدها آينشتين لنظريته اعتبر نظام المرجعية المكانية référentiels في حالة حركة مستقيمةrectiligne وموحدة الشكل uniforme الواحد بالنسبة للآخر والتي عرفت فيزيائياً بـ مرجعية القصور الذاتي référentiel d’inertie وهذا الجزء من النظرية عرف بإسم النسبية الخاصة وفي هذا الإطار ناقش آينشتين مفهوم النسبية الجديدة للآنية simultanéité وإذا كانت هناك مسافة أو بون وفاصل intervalle زماني ذاتي أي مرتبط بالإحداثيات المكانية المرجعية référentiels المختارة أو المنتقاة choisi عندها فإن حدثان آنيان بالنسبة لمراقب ما موجود داخل هذه المرجعية المكانية référentiels لن يكونا نفسهما بالنسبة لمراقب آخر موجود داخل مرجعية مكانية référentiels آخرى متحركة أو في حالة حركة منتظمة ومتسقة أو متجانسة uniforme مقارنة بالمراقب الأول. إن هذا المستوى من الزمان الذي يتوائم مع لغات مختلفة إلا أنها تعود لنفس الاستنتاجاتconclusions المتعلقة بالظواهر الفيزيائية المطعون فيهاmise en cause . وعلى الصعيد الفلسفي فإن نسبية الآنية في نظرية آينشتين لا علاقة لها بالنسبويةrelativisme فهذه الأخيرة أي النسبوية تؤكد أن الحقيقة والدافع نسبيان بالنسبة للمشاهد أو المراقب، إذ أن ما هو واقعي وحقيقي بالنسبة لفرد ليس بالضرورة واقعي وحقيقي بالنسبة لفرد آخر، وبالنسبة لآينشتين المقصود هو فقط القبولadmettre بنسبية لغات مختلفةdifférents langages . وهي لغات تستخدم للتعبير عن وقائع وحقائق موضوعية على شكل قوانين طبيعية. إن هذه اللغات ليست نسبية إلا بالنسبة للمرجعية المكانية référentiels المختارة لصياغة القوانين على العكس من فلسفة النسبوية philosophie du relativisme فإن نظرية النسبية تفترض أو تقتضي وتستلزم présuppose التحلي بموضوعية تامة خاصة وإن هذه الأخيرة تتجسد في القوانين العميقة أو الجوهرية profondes للطبيعة وليس في الانطباعات والإدراكاتperceptions الفوريةimmédiates التي يمتلكها المرء عن الظواهر الطبيعية . فلقد اكتشف آينشتين أن العرض أو التمثيلreprésentation الموضوعي لقانون فيزيائي يدخل، في بعض المرجعيات المكانية référentiels فقط، إحداثيات زمنية coordonnées temporelles تكون ضرورية، وتتطلب في المرجعية المكانية référentiels الثانية أن تكون في حالة حركة بالنسبة للمرجعية المكانية référentiels الأولى وذلك باستخدام خليط من الإحداثيات المكانية والزمانيةcoordonnées spatio- temporelles . وبهذا المعنى أدخلت نظرية النسبية تعميمات ينطوي عليها دمج المكان والزمان في كينونة واحدة هي الزمكان L’espace-temps .
إن مفهوم الزمكان شحذ مخيلة كتاب الخيال العلمي عندما تخيلوا إمكانية استخدام الزمن كما نستخدم نحن اليوم المكان أو الفضاء، بعبارة أخرى، بما أننا يمكن أن نسافر في المكان من موضع إلى آخر، يمكننا أن نسافر في الزمن نحو الماضي أو نحو المستقبل ولا ينقصنا سوى تصنيع الآلة التي تحقق لنا هذا الحلم أي السفر عبر الزمان. ولكن، من وجهة النظر العلمية البحتة فإن السفر داخل المكان الفيزيائي أو داخل الزمان الفيزيائي هو عملية تعاقب للتجارب. والحال أنه في النظرية السنبية لا يكون محور الزمنAxe de temps في حد ذاته تعاقب تجارب، إنه فقط لغة تعبر عن قوانين الطبيعة وإن تلك القوانين تمثل علاقات السبب والنتيجة أو العلة والمعلول التي تسمح لنا بالتنبؤ أو توقع وشرح الوقائع الفيزيائية الواقعية .

الزمن في النسبية العامة: Le temps dans la relativité générale
تستخدم نظرية النسبية الخاصة وكذلك الميكانيك الكلاسيكي للتعبير عن قوانين الطبيعة الهندسية الإقليديةgéométrie euclidienne وفي هذه الهندسة الإقليدية تكون العلاقات المترية القياسيةrelations métrique بين نقاط في الزمكان هي عبارة عن لامتغيراتinvariables وفق مبدأ القصور الذاتيinertie الذي وضعه غاليله ونيوتن. والذي يقول : لا يتحرك جسم مادي ساكن في خط مستقيم وبسرعة ثابتة إلا في الفراغ ـ سنشاهد لاحقاً أن الفراغ في فيزياء الكوانتا physique quantique ليس فراغاً تماماً ـ وإن أي جسم مادي في العالم الفيزيائي في حالة حركة خاضع لعملية تفاعلinteraction مع أجسام أو أجزاء من المادةmatière . وحسب نظرية النسبية العامة، فإن منطق الزمكانl’espace-temps يمثل بعض العلاقات المتنوعة والمتغيرةvariables للمادة المكونة للكون، وبالتالي من الناحية المبدئية ، فإن الهندسة الإقليدية لا تتلائم مع منطق الزمكان الآينشتيني الذي يسمح بوصف الأحداث الفيزيائية . وهذا يجرنا إلى القول بأن النسبية الخاصة relativité restreinte لا تسمح بوصف سوى حالات مثالية أو نموذجيةidéales لا تنجز في الطبيعة. ورغم ذلك فإن هذه النظرية مفيدة: فمن الناحية الشكلية formel فإنها مقاربة أو تقريب رياضي approche mathématique لنظرية النسبية العامة. ووفق هذه الأخيرة، فإن الشكل العام لقوانين الطبيعة يجب ألا يكون متغيراً أو قابل للتغيرinvariantes ولا تكون موضوعيةobjective مهما كانت التحولات الحادثة أو المعمولةopérées بين أنظمة الأبعاد والإحداثيات الزمكانية للمرجعية المكانية référentiels التي تنتقلse déplaçant الواحدة إزاء الأخرى بصورة غير منسقة أو غير نسقية non uniforme . لذا من الضروري استخدام نظام هندسي يسمح بالتنوع والتغيرvariabilité وبالعلاقات القياسيةrelations métriques من نقطة إلى أخرى في الزمكان l’espace-temps .
إن الهندسة اللاإقليديةgéométrie non euclidienne التي استخدمها آينشتين في تطبيقاته الأساسية الأولية applications initiales كان قد وضع أسسها في القرن التاسع عشر العقل المبدع وهو العالم ريمانRiemann . فمعادلات الحقل أو المجالéquations de champ التي أعطاها آينشتين تربط بين المحتوى المادي لنظام فيزيائي والعلاقات المترية القياسيةrelations métriques المتغيرةvariables للزمكان الريماني l’espace-temps riemannien .
في الفيزياء الكلاسيكية لا ينتقل الجسم المادي في مسار منحني إلا إذا تعرض لفعل ناجم عن قوة خارجية، ومن جهة أخرى، لاحظنا أن مسار جسم منعزل في مكان ريماني هو أيضاً منحني أو محدبcourbe . ومن ثم قام آينشتين باستبدال الوصف الكلاسيكي للتفاعل بين جسمين ماديين يؤثران على بعضهما عن بعد في مكان غير إقليدي ملائم أو مكافيء قادر على تمثيل فعل جسم مادي عندما يتسبب أو يكون السبب بحركة جسم مادي آخر وهذا هو مبدأ التكافؤprincipe d’équivalence . وللتحقق من صلاحية وصحة هذا المبدأ القائل باستبدال المادة بمجال هندسيchamp géométrique لا بد من التحقق من أن المسار المنحني لجسم حر في مثل هذا المكان هو نفسه المرصود تجريبياًexpérimentalement مثل مسار أو مدار الأرض حول الشمس ولهذا فإن معادلات الحقل أو المجال الآينشتيني لا تعطي فقط الحلول المتوافقة تماماً مع نظرية نيوتن حول الجاذبية أو الثقالة الكونية gravitation cosmique فحسب، بل وكذلك يتوقع أو يتنبأ ويتكهن بتأثيرات ثقالية فريدة غير مرتبة أو متوقعة من جانب النظرية الكلاسيكية. وهذه التأثيرات تتمثل بانحناء الإشعاعات الضوئية القادمة من النجوم عندما تمر بالقرب من الشمس حيث يحدث انزياح dérivation في الموجة والتردد المعروف في الفيزياء بـمبادرة الاعتدالين لنقطة الرأس بين كوكب أو مذنب، من جهة، والشمس، من جهة أخرى précession du périhélie والذي يحدث مع انحراف dérive التردد المحسوب mesurée لشعاع عندما يخضع الجسم المشع المرسل للشعاع لتغيراتvariations كمون ثقاليpotentiel gravitationnel وهكذا استبدل آينشتين وبنجاح المفهوم النيوتني للفعل عن بعد بمجال هندسي متصل ومستمر يسمح بتمثيلreprésenter القوى الثقالية أو الجاذبية forces gravitationnelle .
النسبية العامة والنماذج الكوزمولوجية للكون المرئي: relativité générale et modèles cosmologiques de l’univers
إن نسبية قياسات الزمان والمكان ينبغي أن تضفي رفضاً لكافة النماذج الفيزيائية التي ينطوي عليها التعاطي مع زمان ومكان، أو تتحدث عن مكان وزمان، مطلقين، لهذا فإن نماذج كوزمولوجية مثل البغ بانغ الانفجار العظيم أو نموذج الحالة الساكنة أو الوضع الساكن والثابت للكون état stationnaire لا تتلائم أو لا تتوافق incompatibles مع النسبية العامة وهذا ناجم عن الافتراض أو الفرضية الإضافية التي أدخلت للنموذجين المذكورين والتي تقول أن المادة موزعة على نحو منتظم ومتناسق وبتماثل uniformément في المكان أو الفضاء espace وهو المبدأ الكوزمولوجيprincipe cosmologique لنموذج الانفجار العظيم، أو أن يكون ذلك حادثاً حتى داخل الزمان والمكان حسب المبدأ الكوزمولوجي المتقن للحالة المستقرة ، état stationnaire وفي الحالتين نفترض أن قياس الزمن الكوزمولوجي المتوازنcalibré بالمقارنة أو نسبة لسيرورة التوسع أو التمددexpansion للكون، تكون مطلقةabsolue حيال التحولات التي تتنقل من مرجعية مكانية référentiels إلى آخرى حتى وإن كانت المجرات في حالة تحرك أو حركة غير منسقة أو متماثلةuniforme بعضها بالنسبة للبعض الآخر. وحسب قواعد المصطلحات والمفاهيم لنظرية النسبية يعتبر من الممكن التعبير عن كون في حالة تمدد وتوسع ـ الأمر الذي ثبت بالرصد والمشاهدة والتجربة ـ دون الحاجة للجوء إلى مفهوم الزمن المطلق. فهذا التمدد والتوسع بدا وكأنه بدأ في أزمان مختلفة بالنسبة لمراقبين يتواجدون في مرجعية مكانية référentiels مختلفة من الكون إلا أن هذا يتطلب منا أن نتخلى عن فكرة التوزيع المتسق والمتجانس répartition homogène isotorpe للمادة في المكان والزمان.
إن مفهوم الزمان المشترك لدى البشر في الحقيقة غاية في التعقيد والغموض ولا ينبغي خلطه بالزمان الرياضيtemps mathématique الذي يصف الطبيعة باستقلالية عن ذاكرتنا. الزمن يشبه الـ Tops في الفيلم السينمائي، أي الذين لا يلعبون أدواراً، أولا يؤثرون على سير الأحداث فيه بل يظهرون نظام الأشياء ضمن مبدأ العلية. فنحن نتمثل مواضع الأشياء في الفيزياء الكلاسيكية ونتمثل وظيفة أو دالة الموجة في نظرية الكوانتا أو الكم . نفس الشيء يحدث في النظرية النسبية العامة، وإن كان الزمان فيها يلعب دوراً أكثر فعالية ونشاطاً ويمكن أن يشهد نهاية ما كما يمكنه أن يتحول إلى مكان كما اشرنا أعلاه، وهو لا يخضع إلى التدريج graduation المطلق، فهذا يعتمد على المراقب أو الراصد observateur ، فهو الذي يشير أو يحدد أي الأحداث كانت نتيجة لأحداث أخرى وهو الذي يحدد متى لا تكون هناك صلة سببية أو عليةcausalité التمثيل الرياضيla représentation mathématique للزمن مفيدة للأبحاث البحتةrecherches pure لكننا نبالغ في تقييمه. لأن ما نراه ليس هو الزمان بل المادة التي تغير موقعها وشكلها. مثل موقع الشمس في السماء أو موقع زنبرك أو نابض ساعة على مينا الساعة . فكل الساعات صنعت من المادة وخاضعة لقوانين الطبيعة ولتأثيرات مواد أخرى . فهناك ساعة جيدة لأنها مصنوعة من مادة جيدة تقاوم التأثيرات أو العوامل الخارجية، إلا أن هذه التأثيرات موجودة دائماً فالزمان المنفصل عن المادة غير واقعي وغير موجود، فالحركة الحقيقية والواقعية تنطوي على علاقات بين العناصر مثل تأرجح رقاص الساعة المرتبط بالنابض في الساعة. لذلك ما نشاهده دائماً هو المادة في تغيرها وليس الزمان. إن لهذه الملاحظات معناها عندما تستخدم في مجال علم الكون الكوزمولوجيا. ففي المراحل الأولى للكون المرئي، ونظراً للكثافة الشديدة التي كانت عليها المادة، فإن كافة العناصر المادية كانت في تفاعل قوي فيما بينها وإن العناصر الوحيدة آنذاك القادرة على قياس الزمان هي عناصر كوزمولوجية مثل حجم الكون وهو في حالة تمدد وتوسع.
وفي حال تحدثنا عن زمان رياضيtemps mathématique أو زمان فيزيائيtemps physique فإن القوانين الطبيعية تتحكم بالسلوك العام لأي نظام. وإن الشروط العامة هي التي تحدد وتثبت الحالات الخاصة الدقيقة، مما يترجم مباشرة بمعادلات تمايزيةéquations différentielles فلو حددنا وعرفنا مواقع وسرعات أساسيةinitiales لكوكب في لحظة محددة، فإن قوانين النسبية العامة تزودنا باتجاهاتها أو مساراتها حول الشمس والطريقة التي تقطعها في الزمان، عندها لا نتحدث عن ماضي أو مستقبل، فلو أوقفنا الحركة في لحظة من لحظات اتجاه السرعات وعكسنا السرعة فإن النسبية العامة تزودنا بنفس المسارات أو المدارات trajectoires بالضبط ولكن باتجاهات معاكسة. فكيف يمكننا الحديث عن ذاكرة وتميز الماضي عن المستقبل في مثل هذا العالم؟
إتجاه أو سهم الزمن:La Flèche du temps
كان موضوع اتجاه الزمان أحد أهم ألغاز الفيزياء المعاصرة وعلى نحو خاص في مجال علم الكون أو الكوزمولوجيا. وقد قيل أن مبدأ الأنثروبيentropie هو الأصل أو الأساس لاتجاه الزمانsens du temps . وحسب هذا المفهوم فإن اللانظام أو الفوضىdésordre في الكون تتنامى باضطراد والمستقبل يتميز عن الماضي أو العكس، بيد أن تفسير معنى واتجاه الزمان لا يستقيم إذا لم نأخذ بالاعتبار حقيقة أن مشاهداتنا هي جزئياً ميكروسكوبيةmicroscopiques . وفي الواقع أن الأنثروبي يعتمد على الدقة التي نتواخاها أوالتي نتوسلها في إجراء المشاهدات وعمليات الرصد والمراقبة والطريقة التي ندرج فيها تلك النتائج في إطار وصف نظريdescriptions théorique . وهذا لا يتواءم بالضرورة مع الظواهر العادية أو اليومية المألوفة حيث يدفعنا الزمان بلا انقطاع وبلا هوادة نحو الأمام وبدون استراحة ولا تراجع ممكن نحو الخلف. ولو تمكنا بدقة من تسجيل كل ما يحدث للذرات في الكون فسيكون بإمكاننا العودة في الزمن إلى الوراء حسب مبدأ الإنعكاسية في الفيزياءréversibilité على المستوى الذريniveau atomique. ولكن وحسب مبدأ السهم والاتجاه الزمنيflèche du temps لا يمكننا عكس اتجاه الزمان والسؤال هو لماذا لا نستطيع أن نفعل ذلك؟ بغض النظر عن إمكانية السفر داخل الزمان كما تم عرضه في مخيلة كتاب الخيال العلمي وكما هو معشش في مخيلة البشرية، نلاحظ أنه خلال رحلة داخل الزمان بالمعنى التقليدي المعتاد، فإن الزمان لا يجري بالاتجاه المعاكس، وهو لا يتغير إلا بالنسبة لبعض الأشخاص. لنتخيل وجود شخص ما أو مجموعة أشخاص محتجزين داخل حيز مكاني مغلق ومنعزل كلياً عن الخارج، ولنفترض أنه بسبب صيرورة غامضة يجد هذا الشخص أو الأشخاص أنفسهم في الماضي ولكن في نفس الظروف المحيطة بهم قبل حدوث هذه الصيرورة processus. نستطيع القول أن الزمان لم يتقهقر أو يعود إلى الوراء لا بالنسبة للأشخاص المحتجزين داخل الحيز المكاني ولا بالنسبة للأشخاص الموجودين خارج ذلك الحيز المكاني ولا حتى بالنسبة للمسافرين داخل الزمان حيث لا يحدث تغيير في أعمارهم، وكل ما حدث هو عزل مجال أو حيز مكاني عن العالم الخارجي وإخضاعه لتطور مختلف للزمان. وبالرغم من إن المسافرين في الزمان المغلق والمغلف بالظروف المحيطة بهم إلا أن هذه الظروف تستمر في تطورها كما لو أن شيئاً لم يحدث، والمسافرون لا يحتفظون بذاكرة وذكريات عن ماضيهم حيث يوجد جزء منه الآن في مستقبل الظروف المحيطة بهم وهم لا يتحولون إلى شباب ولا يموتون إذا عادوا ووصلوا إلى حقبة زمنية تسبق ولاداتهم. ويبقى السؤال لماذا يكون الزمان، على عكس المكان، ذو اتجاه وحيد ؟ وهذا الأمر مستقل عن إمكانية السفر داخل الزمان؟. وعندما تسأل لماذا لا يعود الزمان إلى الوراء فإننا نخطيء باستخدام المفردة التي تخلق سوء الفهم هذا. فالتجربة تبدأ بالحركة، ليس في المكان وحده ولا في الزمان وحده بل في الزمكان الآينشتيني. فلا معنى للحديث عن الحركة في المكان خارج أو بمعزل عن الزمان ولا عن الحركة في الزمان خارج المكان أو بمعزل عنه فالحركة هنا هي عبارة عن تغير في الموضع خلال فترة زمنية معينة معطاة لأن الزمان والمكان مرتبطان عضوياً ولا يمكن الفصل بينهما استناداً للنظرية النسبية. وبالاستقلال عن أية نظرية نسبية فإن أية حركة ستكون مستحيلة إذا قررنا أي اتجاه للمكان وأي اتجاه للزمان بصورة مستقلة أحدهما عن الآخر، فالزمان كما يبدو لنا، إنطلاقاً من الحركة، ومستقلاً عن المفاهيم الأنيقة كمفهوم الذاكرةmémoire ، ليس معياراً أو عاملاً جامداً بل طريقة لوصف التغيرات والحركة . غالباً ما نستخدم في الفيزياء صورة صيرورة تحدث على مدى زمن رياضي ، وما نقيسه في الحقيقة هي الروابط بين بعض القياسات وغيرها من القياسات. فنحن نقيس الزمان بواسطة الساعة والقياس الفيزيائي مثلاً يقيم الصلة بين موقع شيء أو جسم أو نابض الساعة على لوحة الأرقام أو مينا الساعة. لذا فإن إدخال مفهوم الزمن ليس سوى اتفاق أو تسوية لغوية. نفس الشيء في مجال علم الكون الكوزمولوجيا فنحن لا نقيس التمدد والتوسع للكون وفق الزمان، حتى لو كانت هذه هي نتيجة النسبية العامة، فنحن نقيس مثلاً موقع أو سرعة هروب نجم ما بفضل فارق أو انزياح، تردد طيفه الضوئي المنبعث منه. والبنية العامة هي التي تنتج الربط بين العاملين وترجمتهما بأنهما تمدد وتوسع للكون أثناء أو خلال الزمان ومن ثم وضع المعادلات الرياضية الخاصة بهما.
كانت دراسة وفحص حلول تلك المعادلات فيما يخص عدد من النجوم السعارية السوبرنوفا قد قاد إلى طرح فرضية الطاقة المعتمة أو الداكنةénergie sombre وهذه المقاربة تعتبر أساسية بالنسبة للجاذبية أو الثقالة الكمومية أو الكوانتيةgravitation quantique لكنها لا تجيب على سؤالنا بشأن الزمان لأن المكان فيها ذو طبيعة علاقاتية معطاة من قبل قياس المسافات بين الأجسام المادية وإن هذه الطبيعة العلاقاتية أو العلائقيةrelationnelle توضح أو تفسر الاختلاف الظاهر أو البادي بين مختلف اتجاهات المكان والزمان الممكنة. قد يبدو ذلك ملفتاً أو مثيراً للدهشة ولكن في علم يلعب فيه المكان والزمان نفس الدور، إما أن يكون الزمن موجه أو يستحيل وجود أية حركة. فمن المستحيل أن يكون لدينا مكان يسمح بالاختيار مسبقاً في المستقبل أو في الماضي، فلا مجال لعدة اختيارات . فماذا سيحدث لو قررنا ركوب الزمانremonter le temps والعودة إلى الوراء. فما حدث لي قبل خمس دقائق هو نتيجة لتأثير العالم على جسدي عندما وجدت في وضع معين يوسم حياتي قبل خمس دقائق. وفي ظرف آخر مختلف، سأعاني من الذاكرة أو أتعرض لتأثيرات أخرى لما عرف لدى العامة بتعبير نهر الحياة الجاري لأني أحتفظ بجزء من الأحداث والأوضاع والحالات الماضية. فالزمان بذاته هو عبارة عن معيار تجريدي مجرد أو مقياس أو عامل أختير بالتوافق يفيدنا أو يوظف في وصف الحركات المترابطة ببعضها لأنها علاقاتية ويصف علاقات معقدة بين الأشياء المختلفة وليس بين الشيء أو الجسم والزمن، ونفس الشيء بالنسبة للإدراك السيكولوجي لزمان يعمل على فرض النظام والترتيب في ذكرياتنا بواسطة اتفاق متجذر في العمق في دواخلنا ويكون حتمي ولا بد منه أو لا مفر منه لفهم واستيعاب الحركة . فلو يتمكن الزمان من تغيير اتجاهه فإن هذا الاتفاق سيفقد معناه ولا يمكننا أن نقرر تغيير الصلات والروابط أو العلاقات القائمة بين الأشياء حتى لو رغبنا أو تمنينا ذلك.
لو أردنا أن نفسر معنى الزمان فإننا سنقع على مشكلة أقدم من نظرية النسبية ومفهومها عن الزمكان ألا وهي حقيقة أو واقع الحركة والمتغيرات. كان الفيلسوف الإغريقي بارمنيد واعياً لذلك وادعى أن الحل الوحيد الذي وجده هو أنه اعتبر كل حركة ليست سوى وهمillusion وقد اجتازت فرضية الوهم عدة قرون وسادت فيها على العقول رغم مناقضتها للحس العام والمألوف وقد جذبت اهتممام الفيلسوف الإغريقي زينون Zénon ومن بعده الفيلسوف لوسيبleucippe أحد دعاة المذهب الذري ومعه ديموقريطوسDémocrite وصولاً إلى فلاسفة أقرب إلى عصرنا وأحدث عهداً من أمثال شوبنهاورSchopenhauer وعلماء فيزياء مرموقين مثل شرودينيغرSchrödinger . وما زالت هذه المشكلة تحتل اهتمام فلاسفة وعلماء معاصرين إلا أن الأمر تعدى الفيزياء التي من مهامها وصف التغيرات والحركات دون الاعتراض على وجودها.
حاول البعض البحث عن مهرب بشأن موضوع عكس اتجاه الزمان من جانب علم الكون الكوانتي أو الكمومي أي الكوزمولوجيا الكوانتيةcosmologie quantique ، وهنا يغدو من الطبيعي ، ولأسباب رياضيةraisons mathématiques أخذ حجم الكون كمعيار لوصف علائقيrelationnelle لحالة التغيرات الزمنية les changements temporels.
إن هذا الزمن يتقدم إلى الأمام طالما هناك حالة تمدد وتوسع للكون، ولكن ماذا سيحدث لو توقف التمدد والتوسع الكوني يوماً ما وحل محله انكماش crunch وانهيار وتقلص effondrement؟؟ سيتناقض الحجم ويتقلصrétracterait أو ينكمش وربما سيحصل ذلك للزمان أيضاً وفي آن واحد نظراً للارتباط العضوي بين الزمان والمكان. وكان توماس غولد Thomas Goldقد أدخل هذه النظرية سنة 1958 أي قبل ظهور وتطور علم الكون الكمومي أو الكوزمولوجيا الكوانتية.
نظرية النسبية تسمح بمثل هذا السلوك الذي يتبع الحجم حتى لو كانت المعايير والثوابت والدالات الكوزمولوجية الحالية تجعل هذه الانعكاسات الزمنيةrebroussements غير ممكنة أو غير قابلة للتصورinvraisemblable. هل في نقطة الرجوع سينعكس الزمن، ليس بفعل وإرادة مراقب بل بسبب تطور العالم نفسهévolution de monde ؟ لا يمكننا استبعاد هذه الإمكانية كلياً، لأن طبيعة الزمن في الجاذبية أو الثقالة الكوانتيةgravitation quantique لم توضح تماماً. الأقرب للتصور هو أن مثل هذا الانعكاس في اتجاه سهم الزمنflèche du temps ليس سوى وهم للنماذج الرياضية modèles mathématiques. فعندما تتقدم على الأرض صوب القطب الشمالي فإن العرض latitude أو الطول longitue يزداد أولاً ومن ثم عندما نصل للقطب الشمالي ونتجاوزه سينخفض العرض latitude مرة أخرى ولكن ذلك لا يعني أننا نعود القهقري فكل ما عملنا أننا غيرنا العرض latitude . نفس الشيء مع عكس تطور حجم الكون ولكن يتعين علينا استخدام معايير أخرى على غرار العرض latitude لتمييز الكون قبل وبعد بلوغه نقطة التوسع والتمدد القصوى extension maximal.
وقد برزت أصوات تنادي بنهاية العالم عند توقف التوسع أوالتمددexpansion وأنتجت نظريات جوهرية وراديكالية كوانتية كنظرية الأوتار. ونظرية الأوتار الفائقةthéorie des super cordes، بالرغم من نجاحاتها الباهرة، لم تتمكن من الإجابة على سؤال ماهو الزمن بالضبط وهل أن تقدمه avancement إلى الأمام حتمي لايمكن تفاديهinéluctable أم هو مرتبط بتطور الكونdéveloppement de l’univers . وكانت هناك نظريات قديمة ربطت بين اتجاه الزمن وتوسع أو تمدد الكون مخاطرة بتوقع إنعكاس الزمان وتنبأت أنه في لحظة توقف التمدد أو التوسع عند ذلك سنتذكر المستقبل ونتوقع أو نتنبأ الماضي on se souviendrait du future et on prédirait le passé . وإن هذه الرؤية للأشياء والأمور تتركز على بعض المتغيراتvariantes للكوزمولوجيا الكوانتية أو علم الكون الكمومي أو الكوانتي ولكن في كون بهذه الشساعة تبقى تأثيرات التمدد والتوسع ضعيفة، ولم يتمكن أحد أبداً من التحقق واختبار صحة هذه النظرية أي الثقالة الكوانتية.
إن لغة الزمكان التي نستخدمها اليوم بهدف التعبير عن، و تسهيل وشرح القوانين الموضوعية للطبيعة، ليست بالضرورة هي الأكثر ملائمة لهذه الغاية. فهناك برأي الكثير من العلماء الفطاحل في أرجاء كوننا المرئي الشاسعة حضارات كونية ومخلوقات أو كائنات فضائية تسبقنا بمئات الآلاف وربما بملايين السنين وهي بالضرورة أكثر ذكاءاً وأكثر تطوراً من الناحية العلمية والتكنولوجية وهي تعيش معنا في مجرتنا وفي كوننا المرئي، ولو أتيح لنا التواصل معهم بشكل مباشر ، وهو ما سيحدث حتماً في زمن لاحق، فسوف نكتشف بلا أدنى شك بأنه، لا مداركهم الحسية أو الشعورية، ولا لغاتهم، ولا طرق تفكيرهم، ولا منطقهم، يشبه ماهو موجود عندنا. ومع ذلك لو كانت قوانين الطبيعة التي اكتشفنا بعضها، وهو قليل لحد الآن، ما هي إلا تمثلات أو مظاهر خفية sous-jacent موضوعية لجزء من النظام الظاهر من الكون المرئي القابل للرصد والمشاهدة والمراقبة، وسنجد أن الصياغات المعطاة من قبلنا لهذه القوانين ستتوافق بشكل أو بآخر، مع الصياغات التي ستقدمها لنا تلك الكائنات للقوانين المتعلقة بنفس الظواهر الفيزيائية، وهذا هو أهم ما ينطوي عليه مبدأ النسبية.
الإنسان تجلي للكون: L’homme manifestation de l’univers
وربما سنطلع، باتصالنا بحضارات ذكية وعاقلة متطورة أخرى في الكون المرئي، على أن تفسيرنا لتطور أجسامنا على الأرض وفي الكون الذي نعيش فيه، من زاوية الزمان أو بصيغة الزمان المدركpercu أمر وهميillusoire ويمكن لعلماء الفلكastronomes أن يدعوا أنهم يرون الزمان الكونيtemps cosmologique وهو يجري تحت ابصارهم عندما يحللون مشاهداتهم باستخدام نموذج الكون المتمدد أو المتوسع والحال أنه وفق منطق نظرية النسبية فإن اي وصف موضوعي حقيقي للكون ككل يجب أن يكون مستقلاً عن اية مرجعية زمكانية خاصة référentiel . فالزمن الكوزمولوجي ـ الكوني الذي يستخدمه العلماء والفلكيون يمكن أن يشكل فقط تقدير أو تصور تقديريapproximation مقارنة بوصف موضوعي تامdescription totalement objective والذي في شكله الحالي لا ينطوي على أي قياسmesure موضوعيobjective للزمن.
يبدو للعيان أن موضوعية objectivitéالزمان الكوزمولوجي ليست دقيقة إذا ما اعترفنا بصحة وصلاحية نظرية النسبية، وبالتالي يترتب أو يتعين علينا أن نعود ولو جزئياً لمفهوم ما قبل كوبرنيكيpré copernicienne والذي يقول أن هناك في الفضاء أو المكان مركز خاص للكون المرئي وكذلك لحظة خاصة لبدايته وأصلهson origine . بمعنى أدق أن هناك أصل مطلق مكاني وزماني يمكن أن نتحدث عنه باعتباره حقيقة فيزيائية لها دلالاتها الخاصة بها، فوجود الكون المرئي فيزيائياً وبصورة مستقلة عن فهمنا وإرادتنا وإدراكنا، حقيقة وهو واقعي حسب الاستعمال اللغوي لوصفه، فكل مادة موجودة فيه ومكونة له ـ بما في ذلك نحن البشر كجزء اساسي وجوهري منه ـ يعتبر تجلي manifestation للكون المرئي وجزء منه ومن هنا لا يحتل الإنسان موضعاً متميزاً لا في المكان ولا في الزمان وهو ليس سوى جانب أومظهر aspect خاص للكون الفيزيائي أي كينونة من نوع خاص إلى جانب عدد لا متناهي من الكينونات الأخرى.



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكون المرئي بين رؤيتين : تقليدية وتجديدية
- إيران وسورية في مرمى الإصابة الأمريكي مرة أخرى
- من أجل فهم أفضل لألغاز الكون
- في كواليس الهجمة الأمريكية على العراق بعد عقد من الزمن
- العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي: وحدة أم تقسيم ؟ 1
- عرض كتاب: السنة والشيعة لماذا يتقاتلون؟
- الكون المرئي وألغازه العصية 1 و2
- هل هناك نظرية جامعة وموحدة للكون المرئي ؟
- الكون والأسئلة الجوهرية 3
- الكون والأسئلة الجوهرية ( 2-2 )
- الكون والأسئلة الجوهرية ( 1-2 )
- الفيزياء الحديثة بين الممكن والمستحيل
- الكون المرئي : متى يتجاوز الإنسان عقبة الأصل؟
- صراع العلم والدين ومعركة الأصل والمصير
- الأطروحة الماركسية عن الكون المرئي
- الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول 5
- الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول 4
- العراق: ألم يحن وقت النضوج بعد؟
- الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول3
- الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول2


المزيد.....




- ما العلاقة بين النوم والخرف؟ دراسة تجيب
- تردد قناة الفجر الجزائرية على الأقمار الصناعية 2024 رائدة ال ...
- ما مدى خطورة استخدام أدوية السكر للتخسيس؟ فيديوجراف
- هل انتشر متحور جديد من كورونا في مصر؟
- تحذير إسرائيلي لسكان جنوب لبنان والطواقم الطبية
- “شطورة يا لولو”.. مش هتعوز قناة تانية لأطفالك حمل وناسة 2024 ...
- “سوسو ضاعت” استقبل الآن تردد قناة كراميش الجديد بعد التحديث ...
- 5 عادات يومية قد تزيد من خطر الإصابة بالسرطان.. كيف تحمى نفس ...
- بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية: لا مفاضلة بي ...
- للنساء.. التعب المفرط وظهور تجاعيد البشرة من علامات نقص هذا ...


المزيد.....

- هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟ / جواد بشارة
- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - الأفق الفلسفي والأفق العلمي في علم الكون والفيزياء الفلكية