أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاخر السلطان - المساس بالنقد














المزيد.....

المساس بالنقد


فاخر السلطان

الحوار المتمدن-العدد: 3721 - 2012 / 5 / 8 - 13:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا خلاف على أن النقد يختلف عن الشتم، فتلك مسألة محسومة.
ما نعتقد بأنه غير محسوم، ويجب حسمه، هو حدود المنطقة التي يقع فيها النقد، أو بعبارة أخرى المسافة التي تفصل بين ما يسمى مجازا بمنطقة "النقد المؤدب" - وهو مصطلح متداول في الوسط العربي والإسلامي - وبين منطقة الشتم، وما تحتوي عليه تلك المنطقة من مساحة واسعة جدا ومن وسائل نقد حديثة ومن أشخاص متعددين ومتباينين لابد أن يوجّه النقد إليهم.
لقد تم الخلط بين النقد والشتم في موارد عديدة، اعتمدت في معظمها على الشخص الذي يتم نقده، ما حوّل النقد إلى شتم من دون أي سند أو دليل، فأضحى الشخص هو المعيار في التعريف وفي الإساءة والمساس، وغدت الشتيمة حاضرة بقوة اعتمادا على مقام الإنسان لا على نوع النقد.
لقد لعبت العولمة، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، دورا رئيسيا في إزالة الحدود الاجتماعية والقانونية المتعلقة بمسألة النقد، فأصبحت الحواجز منتفية والثقافات متقاربة والانتقادات متشابهة إلى حد كبير، وبات النقد غير خاضع لحدود جغرافية، وكأنّ الناقد في بلده وفي خارجها واحد، حتى غدت العقوبة القانونية المتشددة ضد من ينتقد هي مجرد تحصيل حاصل. فالعقوبة لعبت دور الوسيلة المحفزة لممارسة المزيد من هذا السلوك عن طريق تنويع فنون النقد، فأصبحت هناك حاجة لإعادة النظر في الثقافة الداعية إلى معاقبة الناقد، والعمل على استبدالها بثقافة الحوار، للوقوف على أسباب النقد، أو الشتم، ومعالجة المسألة بصورة علمية، بدلا من الاعتماد على المعالجات العقابية المغلظة التي تجاوزها الزمن.
إن نقد الشخصيات في المجتمعات العربية والمسلمة، سواء شخصيات حالية أو تاريخية، يجب ألاّ يتحول إلى نوع من أنواع المساس بالذات، ولا يجوز اعتباره نوعا من السلوك الاجتماعي غير الطبيعي، خاصة في ظل هيمنة قيم كونية على الثقافة العالمية الراهنة ساهمت في جعل النقد جزءا لا يتجزأ منها. لكن الممارسات والسلوكيات في المجتمعات العربية والمسلمة - لا فقط ممارسات الحكام والأنظمة - رسمت صورة سلبية بشأن علاقة العرب والمسلمين بتلك الثقافة، فصوّرتهم وكأنهم يعيشون خارج إطارها وبعيدون عن الانتماء إلى قيمها، وأنه من الضرورة بمكان إذا ما أرادوا أن يكونوا جزءا منها أنْ يخطوا خطوة الانتماء إليها، لكي يستطيعوا استيعاب تلك الحالة الثقافية ويعوا ضرورتها في الحياة، وأنهم من دونها سيستمرون في العيش بصورة ماضوية عفا عليها الزمن.
فالنقد الواضح والصريح، والمفترض أن يهيمن على ثقافة جميع البشر، بمختلف أفكارهم وتصوراتهم ورؤاهم، ضرورة ثقافية شرطية للحداثة، ولا يمكن للمفاهيم الحديثة أن تنأى بنفسها عنه، وعلى رأسها مفهوم الديموقراطية. فدون النقد لا معنى للحياة الديموقراطية، بل لا معنى للحياة الحديثة.
ويجب الإشارة هنا إلى ضرورة أن يتشكّل النقد في إطار حالة ثقافية واجتماعية جديدة، لكي يتبدّل إلى واقع يُشترط وجوده في المجتمع. والشعوب العربية والمسلمة ما زالت تفتقد تلك الحالة، الحداثية، فأصبحت تفتقد أحد شروط العيش الحديث. فقانون المساس بالذات (أو رفض النقد) لم يُفرض على الشعوب استنادا إلى لعبة السياسة وانطلاقا من فنون التحكم بمقدراتها ودرءا لاعتراضاتها، بل فُرض عليها بصورة ثقافية تاريخية، فقبلته الشعوب طواعية، بسبب أنها لا تزال متعلقة بثقافتها القديمة، ما جعل أمر تغيير القانون ليس شرطا بالنسبة إليها للعيش في العالم الحديث، بل هي رأت بأنه قانون متوافق مع طبيعتها الثقافية والاجتماعية، غير الحديثة، وهذا ما جعلها تعيش حالة من التناقض في التوفيق بين المفاهيم الحديثة وبين العيش بصورة حديثة.
ولإحداث تغيير في القانون، يجب الإشارة إلى العوامل التي تساهم في التأثير على الحالة الثقافية الاجتماعية القديمة. يأتي على رأس تلك العوامل: التربية، والتعليم. فلا تزال البيوت عندنا مرتبطة بسلوكيات ثقافية قديمة تمنع ممارسة أي نقد في ثنايا علاقاتها، خاصة بين الصغير والكبير، وبين الذكر والأنثى. وأضحت المناهج الدراسية التعليمية تفتقد للنهج الناقد في وسائلها وفي موادها العلمية. بل بعض المناهج تشدد على الطاعة كحاجة دينية أساسية، وترفض النقد وتصوّره وكأنه انقلاب ضد بعض الثوابت الاجتماعية والدينية. كما نجد أن العلاقة بين الطالب/ة والمدرس/ة لا تساهم في بناء الروح الثقافية الناقدة. وفي مواجهة ذلك، لابد للتربية والتعليم أن يساهما في خلق حالة ثقافية جديدة في المجتمع من لتؤثر إيجابا في أي خطوة مجتمعية وتشريعية تهدف لتغيير القوانين المعرقلة للنقد.
وفي ظل الإشارة إلى الديمقراطية والنقد، والحالة الثقافية اللازمة لتأسيس علاقة واقعية بينهما، يبرز تساؤل هام هنا: كيف يمكن التوفيق بين حرية التعبير وبين المساس بالذات؟
لا يمكن الوصول إلى إجابة إيجابية على هذا التساؤل متوافقة مع ثقافة وظروف الحياة في العصر الحديث. لذا يجب الإقرار بأن حرية التعبير لا تستطيع أن تصبح واقعا في الحياة في ظل وجود قانون المساس بالذات أو في ظل حالة ثقافية اجتماعية ترفض النقد. كما لا يمكن التوفيق بين حرية التعبير وبين المساس بالذات فيما الثاني قادر على منع الحرية من خوض نشاطها الناقد. والنقاش هنا لا يبدو حول نوع النقد، ما تتبدل الحالة من حالة نقاش إلى حالة منع قاطع وصارم لأي نقد. فلا يمكن للثقافة الحديثة أن تقبل وجود هذا النوع من القطع والصرامة تجاه حرية التعبير، بل هي تسير نحو رفع العراقيل من أمامها لجعلها مطلقة تماما.
إن قانون المساس، أو القطع بمنع النقد، لا يمكن أن يلتقي مع بشرية الإنسان. فلا يوجد بين البشر من هو مزكّى وفوق أن يخطئ، ما يجعل النقد ضرورة تتوافق مع الطبيعة الإنسانية. أما مسألة النقد "غير المؤدب"، فأينما جاءت، وتجاه أي شخص، فلا يمكن أن تعتبر مساسا مطلقا، لأن قضية الأدب هي مسألة نسبية في الزمان والمكان..

كاتب كويتي



#فاخر_السلطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسلمة القوانين
- الصنمية
- النسوية الإسلامية
- مشروع -الأمّة- الشمولي
- المعادلة الطائفية في مجلس الأمة الكويتي
- الفردانية.. و-الربيع- العربي
- علمانية التيار الوطني
- التعددية.. وتعديل المادة الثانية
- الحلال والحرام
- -كونا- وما أدراك ما...
- الحقوق.. حينما تتسيّس
- العقلانية والأخلاق
- الأربعاء -الأبيض-
- -الربيع-.. ونقد المثقف
- الله وغرضية العالم
- -الربيع- والحرية.. بين الديني والعلماني
- -الربيع-.. ووردة الحرية
- -الربيع- الكويتي.. والقيم الحديثة
- بين العلم والمعرفة (3-3)
- بين العلم والمعرفة (2 -3)


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاخر السلطان - المساس بالنقد