كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1092 - 2005 / 1 / 28 - 12:14
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
وزعت اللجنة العربية لحقوق الإنسان مقالاً للسيد الدكتور منصف المرزوقي بتاريخ 25/1/2005 وصلني عبر الإنترنيت. يتناول السيد الدكتور منصف المرزوقي في هذا المقال موضوعاً مهماً يمس مجرى الانتخابات في العراق وعلاقتها بالحركة الديمقراطية العربية والواقع العربي الراهن. وإذا كانت هناك نقاط التقاء مع الزميل الفاضل, فأن هناك العديد من النقاط التي وردت في المقالة المذكورة والتي أختلف بها وإياه, التي تستوجب الحوار الموضوعي, خاصة وأن اللجنة العربية لحقوق الإنسان قد تبنت, كما يبدو, مفاهيم هذه المقالة ووسعت نشرها باعتبار كاتبها أحد أبرز نشطاء هذه اللجنة ورئيسها السابق وأحد العاملين البارزين في المنظمة العربية لحقوق الإنسان سابقاً وأحد المناضلين ضد الحكم الفردي والرئاسة المتجددة دورة بعد أخرى مدى العمر وغياب الديمقراطية المنشودة في تونس!
أين هي نقاط الالتقاء مع السيد الدكتور المرزوقي؟ التقي معه في النقاط التالية:
• منذ أكثر من أربعة عقود والحركة الديمقراطية العربية تعاني من جزر شديد وتراجع كبير في غالبية الدول العربية في مختلف المجالات النضالية, سواء أكان ذلك في قدرتها على تغيير النظم الاستبدادية وغير الديمقراطية القائمة أم في فرض جملة من المبادئ الأساسية في مجال حقوق الإنسان. حتى في تلك الدول التي تحسنت نسبياً حالة حقوق الإنسان, فأنها تعتبر عطايا من الحكام يمكن انتزاعها في كل لحظة.
• عجزت الحركة الديمقراطية في الدول العربية مساعدة الشعب الفلسطيني على إيجاد حلول عملية للمشكلة الفلسطينية, إضافة إلى عجزها على فرض الانسحاب لقوات الاحتلال الإسرائيلي من الجولان السوري المحتل ومزارع شبعة في لبنان, دع عنك غزة والضفة الغربية.
• وعجزت غالبية القوى التي تعتبر ضمن إطار الحركة الديمقراطية العربية عن فهم التمايز القائم في مستويات تطور اقتصاديات والمجتمعات في الدول العربية, وبالتالي عجزت عن طرح البديل المناسب لها لتعجيل عملية دمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية وتعجيل عملية التنمية الاقتصادية والبشرية في كل منها وفق ظروفها الملموسة.
• عجزت الحركة الديمقراطية العربية عن فهم ووعي أهمية وضرورة الاعتراف الكامل بحق تقرير المصير للقوميات التي تعيش في المنطقة, ومنها الشعب الكردي والأمازيغ في دول شمال أفريقيا وشعب جنوب السودان ودار فور ...الخ, وبالتالي اعتبرت الهوية العربية هي الهوية الوحيدة في هذه الدول لا غير وليس من حقها التمتع بحقوقها, مما وضعها في زاوية حادة معرقلة للنضال الوطني ضد مستغليها والمستبدين في دولها.
• وكان العنصر الأضعف والأكثر تخلفاً وتأثيراً سلبياً على مجرى الأحداث قد برز في ممارسات أغلب قوى الحركة القومية العربية, إن صح اعتبارها جزءً من الحركة الديمقراطية العربية, التي تبنت العديد من النظم الاستبدادية ودافعت عنها وعقدت مؤتمراتها فيها وكانت تعرف تماماً طبيعة هذه النظم والجرائم التي ارتكبتها بحق الشعوب التي تعيش في تلك الدول.
• ولا اختلف معه بأن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما من الدول الرأسمالية المتقدمة قد لعبت دوراً كبيراً في احتضان النظم الاستبدادية والرجعية في منطقة الشرق الأوسط بشكل لا يقبل المناقشة.
• وأتفق معه بأن تطوير الحكومات الراهنة في الدول العربية وهم كبير ولا بد من النضال السلمي والديمقراطي لتغيير هذا الواقع وفرض إجراء انتخابات حرة ونزيهة لتغيير الواقع القائم.
• كما أتفق معه بأن قوى الإسلام السياسي الأصولية المتطرفة والمسلحة, وكذلك القوى القومية والبعثية السلفية المتطرفة أو أي حركة أصولية إرهابية ومسلحة عاجزة عن تحقيق ما تنشده شعوب المنطقة بأسرها, وبالتالي لا بد من مواجهة هذا الواقع وإفشال مخططات الإرهابيين في السيطرة على الحكم في أي من بلدان الشرق الأوسط ومنها الدول العربية, وكذلك العراق.
ولكن, أين أختلف مع السيد الدكتور المرزوقي؟ وكيف أرى الأمور الجارية حالياً في العراق والمنطقة العربية؟ سأحاول فيما يلي إبداء ملاحظاتي وأرائي حول أبرز النقاط الواردة في المقالة المذكورة.
أولاً: لقد وقفت ضد الحرب واعتبرتها مرفوضة, وأن مهمة إسقاط النظام الدكتاتوري في العراق هي من واجبات الشعب العراقي, ومن حقه على الدول والشعوب العربية مساندة نضال هذا الشعب الذي استبيح طوال أربعة عقود (1963-2003) من قبل قوى بعثية وقومية هيمنت على السلطة للتخلص من هذا النظام الدموي. ولكن ماذا كان موقف القوى السياسية القومية وغالبية القوى الديمقراطية العربية من هذا النضال, إذا وضعنا جانباً موقف النظم السياسية العربية؟ كان موقفهاً سيئاً للغاية وبشعاً أحياناً كثيرة وتجلى في موقفين, وهما: إما السكوت المطبق على ما يجري في العراق من جرائم بشعة أو دعم النظام بكل السبل المتوفرة. إن الساكت عن الحق, كما هو معروف, شيطان أخرس, والأفظع من كل ذلك برز في تأييد ودعم قوى المؤتمر القومي العربي اليمينية نظام صدام حسين وعقد مؤتمرها في بغداد وإصدار القرارات لمساندته بكل السبل المتوفرة والابتعاد عن إدانته لجرائمه بحق الشعب العراقي عموماً والشعب الكردي على نحو خاص. (يمكن العودة إلى مقالاتي في الحوار المتمدن أو صوت العراق بصدد النقاش مع قرارات المؤتمرات القومية العربية أو مع السيد الدكتور خير الدين حسيب, أبرز مؤسسي هذا التيار القومي اليميني في الحركة القومية العربية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي).
ونتيجة كل ذلك وغيره وجدت الكثير من قوى المعارضة العراقية نفسها أمام أحد أمرين: إما القبول بالموت المستمر لشعبها, وإما الاتفاق مع قوى أجنبية كبرى لإنهاء النظام الدموي في العراق, رغم وجود خلافات كثيرة مع تلك القوى الدولية (الولايات المتحدة وبريطانيا). ولم أكن مع أي من الخيارين, بل كنت أرى ضرورة أن ينهض الشعب العراقي بالمهمة, مع قناعتي الداخلية بعجز الشعب على إنجاز تلك المهمة في الظروف التي كانت تسود العراق والمنطقة والدعم الذي حصل عليه النظام العراقي من الكثير من الدول العربية والحركات السياسية في العالم العربي. إلا أني كنت أخشى من عواقب الحرب والاحتلال على الشعب والتداعيات التي تنجم عن الحروب بشكل عام. والسيد الدكتور المرزوقي لم يكن بعيداً عن منظمات حقوق الإنسان في العالم العربي التي غالباً ما كانت ترفض إصدار بيانات تشجب الإرهاب في العراق أو تدين النظام بسبب ممارساته ضد الشعب العراقي عموماً والشعب الكردي خصوصاً, متأثرة جداً بمواقف القوى القومية الشوفينية العربية. وما أزال أتذكر الصعوبات البالغة التي كنت وغيري نواجهها من أجل إصدار قرار أو توصية بشجب الاستبداد في العراق. ولي في هذا الصدد تجارب كثيرة, إن شاء الدكتور المرزوقي يمكنني تقديم لائحة تتضمن تفاصيل ذلك, كما امتلك مسودات الكراسات التي صدرت أو مسودات القرارات التي صدرت وكيف ناضلنا من أجل صدور ولو كلمة تأييد لصالح الشعب العراقي المناضل ضد الاستبداد.
ثانياً: إن نضال شعوب المنطقة, العربية منها وغير العربية, اتجه منذ عشرات السنين في سبيل إرساء النظم الديمقراطية والتخلص من الاستبداد والقسوة والإرهاب والقمع الدائمين. وكانت الولايات المتحدة تقف إلى جانب النظم القائمة لأسباب معروفة لنا جميعاً بما في ذلك, إسرائيل والنفط والاتحاد السوفييتي أو الدول الاشتراكية والشيوعية بتعبير أشمل. ولم تكن أجندة الحركات الديمقراطية في الدول العربية متفقة مع أجندة الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي دولة أخرى. وكان هذا النضال موجهاً ضد الاستعمار أيضاً وفي سبيل الاستقلال والسيادة الوطنية. واليوم لا أجد بأن أجندة القوى الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط متفقة مع أجندة الولايات المتحدة باي حال. ولكن عندما نناضل في سبيل هدف معين ونجد من يساندنا في طلب التغيير, فعلينا أن نستفيد منه تماماً مع الانتباه إلى الاختلاف بين أجندتنا وأجندته وإلا خسرنا القضية التي ناضلنا في سبيلها عشرات السنين. لا يختلف اثنان من عقلاء الناس حول الأجندة الأمريكية على صعيد العراق والمنطقة والعالم, ولكن السؤال كيف نستفيد من التناقضات الجديدة بين الحكام العرب والولايات المتحدة لصالح الحركة الديمقراطية وحقوق الشعوب, وكيف نتجنب المنزلقات التي يمكن أن تسيء إلى حركتنا الديمقراطية؟ هنا تسكب العبرات! وهنا يختلف الناس كما يبدو واضحاً. ولا بد من الإشارة الواضحة إلى أن الربع القرن الذي يتحدث عنه الدكتور المرزوقي مع سياسة الغرب, وعلى رأسها الولايات المتحدة, لم تكن في كل الأحوال في صالح شعوب الدول العربية وبالتالي فهي كانت قد خسرت القلوب منذ سنوات طويلة واستعادة هذه القلوب لا تتم إلا بتغيير سياساتها إزاء منطقة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية وإزاء الفقر في العالم أو سياستها العولمية ذات النهج اللبرالي الجديد. إن إسقاط صدام حسين قد فتح الطريق أمام النضال من أجل الحرية والديمقراطية والخلاص من الإرهاب الراهن ومن وجود القوات الأجنبية في العراق وأن الاحتلال الذي ألغي من الناحيتين القانونيةً والدولية, سينتهي سياسياً وعسكرياً أيضاً, فالوجود العسكري الأجنبي ليس نهاية التاريخ وسيتخلص الشعب العراقي منه عاجلاً أم آجلاً, وأن غداً لناظره قريب.
ثالثاً: على مدى ثمانية عقود ناضل الشعب الكردي في سبيل حقوقه المشروعة وحقه في تقرير مصيره واختياره الحكم الذاتي أو الاتحادية (الفيدرالية). فماذا كان جواب الحكومات العربية والقوى القومية والكثير من القوى الديمقراطية العربية؟ كان الجواب من قبل الحكومات المركزية في بغداد الحملات العسكرية والقتل والتشريد والتعريب والتهجير القسري والحروب وحمامات الدم في حلب?ة والأنفال وغيرها الكثير! النظام الملكي مارس ذلك وحكم العسكر في فترة عبد الكريم قاسم مارس ذلك, ومارسه حكم البعثيين الأول, ثم مارسه حكم القوميين العربً بقيادة عبد السلام محمد عارف, ثم مارسه الحكم البعثي الثاني بأبشع صور القتل والدمار. ولم يكن جواب الحكومات العربية سوى السكوت أو تأييد إجراءات الحكومات العراقية المتعاقبة أو حتى إرسال قوات سورية للمشاركة في قمع الحركة الكردية المسلحة المطالبة بحقوقها في عام 1963/1964. لقد قتل من الشعب الكردي ما يقرب من ربع مليون إنسان على مدى العقود الثمانية المنصرمة, فهل نريد المزيد من الموت والخراب. في عهد البعثيين الأخير وحده قتل أكثر من 200000 إنسان كردي ومجموعة من قوميات أخرى في كردستان العراق؟ فهل تقبل أيها الزميل الفاضل بكل ذلك وأنت أحد أبرز المناضلين في سبيل حقوق الإنسان في تونس؟ لا أظن ذلك, فمن يناضل في سبيل حقوقه العادلة لا يغمط حقوق الآخرين ولا يستطيع حتى إنكارها, فمبادئ حقوق الإنسان وحقوق القوميات واحدة في كل مكان ولا يمكن الكيل بمكيالين! وعلي أن أذكر زميلي الفاضل بان الشاعر الذي قال البيت التالي كان تونسياً"
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
رابعاً: لم أكن ولا يمكن أن أكون متفقاً مع التجاوز على حقوق العراقيين العرب من أتباع المذهب السني, ووقفت وشجبت مبدأ المحاصصة البائس والمتخلف والطائفي الذي أدخله المحتلون على العراق بالتعاون مع بعض القوى الإسلامية السياسية من أتباع المذهب الشيعي, رغم علمي ومعرفتي الكاملة بالتمييز الشرس الذي تعرض له أتباع المذهب الشيعي في كل العهود, ولكن بشكل خاص في فترة الحكم البعثي والقومي والبعثي, وأن لم يكن مسجلاً بالدستور أو القوانين, ولكن بالممارسة العملية. ويمكنني أن أقدم للقراء مئات وآلاف الأمثلة على ذلك. ولكن هذه الحقيقة لا تمنعني من إدانة أي شكل من أشكال التمييز الديني والمذهبي والفكري والسياسي, بل أرفضها جميعاً وأجد فيها إساءة كبيرة لحقوق الإنسان وللإنسان ذاته حتى قبل حقوقه المشروعة. علينا الآن أن نرفض أي شكل من أشكال التمييز الطائفي. ولكن هذا لا يتحقق بمقاطعة الانتخابات والتشجيع على الإرهاب باسم المقاومة بسبب خشية أتباع المذهب السني فقدان مواقعهم السابقة في حكم البلاد. لقد كان المتسبب الأول في الاحتلال هو النظام الاستبدادي وليس غيره, بسبب سياساته الإرهابية والعنصرية وحروبه الدموية نحو الداخل والخارج. وتقع على عاتق شعبنا مهمة الخلاص منه. ولكن السؤال مرة أخرى يطرح نفسه: كيف نحقق ذلك؟ لِمَ ما هو مسموح للشعب الفلسطيني غير مسموح للعراقيين في أن يجري الانتخابات في ظل الاحتلال للخلاص من الإرهاب والاحتلال في آن واحد؟ لم تكن هناك انتخابات نزيهة 100% في العالم حتى الآن, ولا يمكن أن تكون حرة ونزيهة بالكامل في ظل الظروف الموجودة حالياً في العالم. وهي سوف لن تكون كذلك في العراق الراهن, ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله يا سيدي الفاضل للوصول إلى الهدف الذي ننشده: إيقاف الإرهاب وإنهاء الاحتلال وإقامة الديمقراطية في جمهورية فيدرالية عراقية دون التورط بمعاهدات واتفاقات مخلة بالاستقلال والسيادة الوطنية وبمواردنا وثرواتنا الوطنية.
من واجب وحق المواطنات والمواطنين العرب من أتباع المذهب السني أن يشاركوا في الانتخابات لتسريع عملية الخلاص من الواقع الراهن بكل جوانبه, وإذا كان من حقهم كمواطنات ومواطنين مقاطعة الانتخابات, فإنهم سيكرسوا الطائفية في الواقع العملي ويسمحوا لمزيد من المصاعب في الحياة العامة والسياسية العراقية, ولكنهم لن يجنوا كثيراً ولن يغيروا المسيرة الديمقراطية التي يسعى إليها الشعب العراقي بكل قومياته, إلا أنهم سيزيدوا من مصاعب هذا التوجه ومن الخسائر البشرية والمادية, إذا استمروا في مقاطعة الانتخابات.
خامساًً: لا تتدخل الولايات المتحدة وحدها في الانتخابات الجارية في العراق, بل مختلف الدول العربية والإقليمية وحكومات الكثير من دول العالم وقوى الإرهاب الإسلامية السياسية والقوى القومية العربية اليمينية الشوفينية, وكذلك المرجعيات الدينية السنية والشيعية هذه القوى كلها ينبغي لها أن توقف تدخلها في الانتخابات العراقية. والشعب يسعى إلى فرض إرادته بالرغم من كل أشكال التدخل. وكان على منظمات حقوق الإنسان العربية والإقليمية والدولية أن تذهب إلى العراق لتراقب العملية الجارية بدلاً من الحديث عن التدخل والتزوير. إذ كل ذلك معروف لنا, ولكن السؤال الذي يستوجب الإجابة كيف نوقف هذا التدخل المتعدد الجوانب والمتنوع.
سادساً: يؤكد السيد الدكتور المرزوقي على أنه إن وضع أما أحد خيارين: خيار بين الدكتاتورية والوحدة الوطنية من جهة, وبين خيار الاحتلال من جهة ثانية, سيفضل الخيار الأول على الثاني. أرى بأن هذا المنطق شكلي وخاطئ وضعيف في آن واحد ومن الأساس, إذ يفترض أن نرفض الاثنين ولا نخير بين أيهما الأفضل, فكلاهما سيء ومرفوض وعلينا الخلاص من كليهما.
لقد شارك النظام العراقي بشكل أساسي ورئيسي بقتل أو التسبب بموت ملوني عراقية وعراقي على امتداد فترة حكم البعثيين في العراق. ولو بقي بالحكم لأتى على ملايين أخرى بمختلف السبل. والنظام العراقي عبر سياساته العنصرية والتهجير القسري والتعريب فرط بالوحدة الوطنية والتآخي العربي الكردي ومع القوميات الأخرى في العراق. وليس هناك من يستطيع إنكار هذه الحقيقة الصارخة. وفرط النظام بالاستقلال والسيادة الوطنية عندما أصبح القرار الاقتصادي والسياسي وإنتاج وتصدير النفط بيد الأمم المتحدة, أو بتعبير أدق بيد الولايات المتحدة منذ ما يزيد عن عشر سنوات, إضافة إلى اتفاقياته المخلة بحقوق العراق في شط العرب وغيرها التي عقدها مع شاه إيران ليضرب حركة الشعب الكردي المطالبة بحقوق الشعب الكردي العادلة بدلاً من حل القضية سلمياً ولصالح تآخي الشعبين. ولقد مارس سياسة التمييز بين القوميات والأديان والمذاهب والأفكار والأحزاب السياسية ودمر كل ما هو إنساني وتقاليد طيبة في المجتمع العراقي, إضافة إلى تبذيره للثروة الوطنية وإفساده للكثير من الناس في العراق وفي العالم العربي والخارج بمنح عمولات عن النفط المباع إلى جواسيسه وأتباعه ومؤيديه في الخارج من أجل شراء الذمم. والاحتلال أمر يرفضه الشعب وسيناضل من أجل الخلاص منه طبعاً ومنذ الآن ولكن وفق أساليب غير الإرهاب والقتل والتدمير, وسيستعين بالرأي العام العربي والعالمي.
سابعاً: تحدث السيد الدكتور المرزوقي عن العديد من الأمور في مقالته المشار إليها في أعلاه ورفض الأصولية المسلحة, ولكنه لم يشجب الإرهاب الدموي والقتل الجماعي للناس كالسيارات المفخخة والانتحاريين الموجهة ضد الشعب العراقي والتي تريد إثارة الفتنة بين السنة والشيعة, في وقت أرفض من جانبي ما تمارسه قوات الاحتلال الأمريكي من تعذيب للسجناء السياسيين والموقوفين أو ما تمارسه أجهزة الحكومة العراقية ضد المعتقلين, وهي أجهزة ما تزال تتميز بذات السمات التي كان يتميز بها نظام صدام حسين والتي يفترض تغييرها بكل سرعة.
ثامناً: إن الانتخابات القادمة ليست سوى خطوة على طريق طويل لمواجهة مستحقات المرحلة التي يمر بها الشعب العراقي. وما يتمتع به الشعب العراقي من حرية نسبية وديمقراطية نسبية في ظل الاحتلال هي ألف مرة ومرة أفضل من تلك الفترة المظلمة والموحشة والبائسة والعنصرية والدموية التي كان يعيشها الشعب في ظل حكم صدام حسين. وهي ليست سوى فترة انتقالية لانتخابات قادمة لتكريس الأسس التي نسعى إلى ضمانها في العراق. وعلى القوى المحبة للسلام والحرية والديمقراطية والمساندة لحقوق الإنسان أن تدعم نضال الشعب العراقي ضد الإرهاب وتطبيع الحياة العامة وإرساء المؤسسات الدستورية العراقية والعمل من أجل إنهاء الوجود الأجنبي أو قوات الاحتلال في العراق. وعلى العرب في كل مكان أن يدعموا نضال الشعب في سبيل إقامة جمهورية فيدرالية ديمقراطية في العراق تستند إلى دستور ديمقراطي فيدرالي مدني حديث. أملي أن يساهم الزميل والمناضل في سبيل حقوق الإنسان في تونس الأستاذ الدكتور منصف المرزوقي, الذي أعمل وإياه في مجال حقوق الإنسان, نضال الشعب العراقي لتحقيق آماله وطموحاته نحو مستقبل أكثر إشراقاً وأكثر أمناً وسلاماً, وأن يكون أكثر قرباً من الواقع العراقي ومجرى الأحداث فيه.
برلين في 26/1/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟