نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1092 - 2005 / 1 / 28 - 07:54
المحور:
حقوق الانسان
حين يولد طفل في البلاد التي حباها الله بالسعادة والأمان, والزعماء العظام الناكرين للذات والذين كرسوا حياتهم وجهدهم لخدمة مواطنيهم, وليست لديهم طموحات سهمية في البورصات, أو مخيلة جهنمية في جبي الدولارات,ووصلوا كراسيهم عبر برامج انتخابية, وليس على ظهور الدبابات أو مع الغزاة, تصبح طقوس الولادة هذه مناسبة اجتماعية وحتى وطنية فيها الكثير من الفرح والأماني الكبار. ووصل الأمر في بعض الدول حد التشجيع على الإنجاب وتقديم العروض والمغريات للآباء لكي يرفدوا الأوطان بمواليد جدد لينعموا بالعز والرفاه, وليرفلوا بأحدث ما توصل له عقل الإنسان من عبقرية وذكاء. وتكون الطفولة مقدسة ومحمية بقوانين صارمة من عبث العابثين والجهلاء,لأنها مشروع وطني مستقبلي ينتظره الجميع بترقب ولهفة وتفاؤل .ولكن ,ولكي لا نتهم بالتعميم والغباء,هناك بعض الإستثناءات والحوادث التي تقع هنا وهناك ومن لوقت لآخر,ولن نرسم صورة وردية ولكنها لاتشكل ظاهرة أو تيار,أو ينتابها الشقاء, أويلونها كليا النكد والقهر والإذلال.
ولابد من الإعتراف سلفا بأن هناك فروقا حضارية بين مجتمعات ومجتمعات, ,ولاشك أن هناك عقليتين متناقضتين وبالتالي سلوكين مختلفين ولم يكن هناك صراع حضارات بالشكل السلبي العنيف الذي يتكلم عنه البعض, بل كان على الدوام تبادل وتلاقح حضارات والكل استفاد أحيانا من تجارب وخبرات ومعارف الآخرين ,ولكن ما العمل مع المعاقين والظرفاء والبلهاء؟ ولو عبرنا إلى الضفة الأخرى حيث مايزال الناس يعيشون في كهوف الحضارة والسياسة والمجتمع والإقتصاد,وحيث ممارسات ثقافة الموت سائدة أكثرمن اتقان فن الحياة, وحيث تتقزم الآمال العظام إلى امنيات صغيرة مقفرة وجرداء للبقاء والإستمرار بالحياة كالبهائم والدواب,وتأتي أجيال وتروح أجيال دون أن يتبدل أو يتغير الحال.
فعند ولادة طفل في رقع القحط والعقم والتصحر الجدباء,تولد الهموم وتظهر العقبات, وتصبح الفرحة واقعة للأسف والندم ومناسبة لاجترار طقوس الألم والمعاناة السوداء, ويصبح رقما جديدا مضافا إلى سجلات البطالة والعاطلين عن العمل والأميين والمحرومين من الرفاهية .إنهم البؤساء الذين شاء حظهم العاثر, وقدرهم أن يكونوا أحد الرعايا والتابعين في ممالك السلاطين والخلفاء,ومع الرعايا والتابعين والجواري والخدم والعبيد والسبايا الأرقاء, ولا ينعم أي منهم بمفهوم المواطنة أويمارس إنسانيته في يوم من الأيام.فلقد ولد هؤلاء ليكونوا تكملة أعداد وكومبارس بدون عناوين وأسماء,ودون أن يلتفت أو يحتفل بقدومهم أي كان, بل مجرد أرقام صماء في الإحصاءات والبيانات في الأوطان التي أتى فيها اللصوص والحرامية على كل الأشياء المنقولة وغير المنقولة والظاهرة والمستورة, وتسرطن فيها العسس والجندرما والمرافقة والحراس. وتصبح حتى البسمة فعلا نادرا ممنوعا خطيرا وخبيئا وحبيسا في قبضة الجلادين والطغاة, وتحتاج لموافقة وإيعازات وأذونات من المراجع العليا والمخابرات.
نحن البؤساء المنكوبون في عوالم العربان وإقطاعات الولاة المتصرفين والأشراف منذ ماقبل اختراع الفلقة والخازوق والبلطات والأسواط, نحن الصهوات المجهزات للإمتطاء من كل المغامرين والدونكيشوتيين الطامحين بالذهب والولاية والزعامات وأصحاب نزعة السيطرة والإسترقاق. ولدنا لنستمر بحلم الخبزوالسعادة والأمان ,ولكي نقف طوابيرا أمام الأفران وجمعيات الإعاشات ومنع المجاعات, ولكي توزع علينا الإعانات ويتبرع لنا السادة الكرماء بالملاليم والليرات, ولكي ندفع الفواتير العالية والضرائب القراقوشية الظالمة لبيوت المال وللحكومات التي تقدم أسوأ الخدمات, ولكي تجبى منا الخراج في طقوس انكشارية موروثة من أيام بني عثمان ,ولكي نساق قطعانا إلى المسيرات, ونصفق ببلاهة في المهرجانات,ونرقص للهزائم ونطبل للإنكسارات ونُستهبل في كل المناسبات,ولنبتسم حين يفرح, ونبكي حين يزعل ويحرد السلطان . ولدنا ليستعرضنا الزعماء بقرف وازدراء من على الشرفات,مخافة أن يصابوا بعدوى الفقراء والدهماء. نحن أبطال وكومبارس وضحايا المقابر الجماعية والتصفيات ونزلاء السجون, ورواد السياحة والمثول في المعتقلات, وسكان الزنازين الموحشة والباردة العزلاء.ونقف دائما بذل ومهانة وخضوع تام أمام الولاة والأشراف, ورثة مزارع وإقطاعات الحجاج والخديوي والسفاح, في شعائر بدائية استعبادية منذ ما قبل الطوفان.
ولدنا لنموت جماعات في المحيطات وقوارب الهجرة والفرار من دار الأيمان إلى دار الكفار, ومن وصل منا سالما وبأمان, تتلقفه الحياة السفلية والمافيات, ليقضي بقية عمره مطاردا أو في السجون ومع المجرمين العتاة.ولدنا لنشهد مهرجانات القتل والموت واستباحة الدماء على الهواء, ونتابع مسلسلات تطبيق الحدود على الخوارج المارقين من ملة السطان,ونسرق وننهب في الليل والنهار من كل طماح أفاك ونصاب.ولكي نقف أياما وليال أمام السفارات للخروج من جهنم الشموليات, ونهيم على وجوهنا في المرافئ والشطآن , والمنافي البعيدة والأصقاع الباردة والمدن الغريبة مشردين وحفاة على الدروب والطرقات ,وبعيدين عن الأحباب والأطفال والخلان, فيما ينعم قطاع الطرق والنشترية الزعران بالعز والجاه والدفء وحماية البطانات .ولكي نعمل ليل نهارفي المهن الدونية كالعبيد من أجل قروش قليلة تدفع خراجا وجزيات للجباة القساة.ونصنف دائما مع البائسين المنكوبين والمخلوقات التي تعيش تحت خطوط الفقر والإنسانية والحرمان, ونفوز دائما بهذه السمعة والشرف في كل المنتديات والدراسات العولمية الأمميةوالندوات,وننظر بعجزوقهر إلى تلك الأرقام التي لم تتغير من فجر الزمان بالرغم من كل الأكاذيب والوعود والأحلام .ولدنا لنسكن مدن الصفيح المظلمة بلا ماء أو كهرباء, ونتكدس في أحزمة الفقر والبؤس وعلب السردين ونحلم بصور ناطحات السحاب المعلقة على الجدران الرمادية الجرداء. ولدنا لكي يخدرنا الخزعبلاتيون الكبار بالخزعبلات, ويبيعونا الأوهام والأحلام برغد العيش والطفرة والوفرة في الغيب وسابع السماوات وخلف المجرات ولكن ليس الآن وفقط بعد هذه الحياة وعيش يا..... ولدنا لنتسمر أمام المذيعين وشاشات النصب والإحتيال والإستهبال ومروجي الزعبرات,ونسمع نعواتنا وطريقة موتنا في نشرات الأخبار, وننام ونصحو على المراسيم التخديرية والوعود والأمنيات الكاذبات.ولكي نمضي العمر بانتظار العلاوات والزيادات وكرم السادة النجباء.
ولدنا لتجرب بنا أحدث أسلحة الفتك ,والتعذيب, وماكينات الفرم والشواء, وقدرة الكائنات على الصبر وتحمل العذاب والألم والمعاناة ,وتقدم النتائج والدراسات لجهات الإختصاص, وصناع آلات الموت والدمارلتعديل الآلات لتتناسب مع هذه الأجساد الهزيلة التي أنهكها الفقر والإملاق, وتطرح بعد ذلك المناقصات الدسمة الوافرات, وتربح بعدئذ الميزانيات, وتجبى الخراج المسيلات للعاب.ولدنا لنراجع فروع الأمن والمخابرت ونتعرض لإرهاب الجلاوزة والسيافين المأجورين, وتصورنا الكاميرات في حالات مزرية من المرض والفاقة والإنحطاط والبدائية والتخلف والمهانة والإذلال, وتنقل صورنا إلى الفضاء كمخلوقات بدائية بطقوس بلهاء وألغاز ميتافيزيقية مبهمة صماء.ولكي نكون بضاعة جاهزة للمزايدة والتجارة والمقايضة في أسواق النخاسة السياسية الدولية, وبازارات بيع الأوطان للخواجات ومافيات المال وأصحاب القرار.
خلقنا لنكون وقودا للحروب الإنكشارية العبثية, ونهزم في المعارك والمنازلات,ونطارد ونموت بدون مراسم, واحتفالات ومرشات عسكرية, وموسيقى جنائزية, وعربات مدافع مخصصة لأصحاب الشان والذوات, سليلي الحسب والنسب والأمجاد, ويستعرضنا, كمتهمين بالضلال السياسي, رجال الأمن, وليس حرس الشرف في المطارات, وتمهر جوازاتنا بأختام خاصة بخلونا من الوباء والعاهات السياسية المزمنة في هذه الأمصار,وعزلنا في المصحات الخاصة للتأكد من شفائنا من فيروسات التفكير وجينات التمرد في الدماغ. نحن أهل الذمم الإقتصادية والسياسية والفكريةفي كل العصور ولسنا بذي أهمية أو شأن ,ولم نكن أبدا من رواد المجتمعات المخملية والحرائر, بل مزروعون في "غيتوهات" من الكاكي والتوتياء والكتان.
أنهم البؤساء والمساكين من أبناء السبيل العابرين للأوطان بصمت ولا يلتفت لوجودهم أي من الأعيان, والمخرسين الدراويش وضحايا الشموليات, تمر أيام العمر عليهم خاويات كئيبات مقفرات, ومازالوا بانتظار الفرج ولو من عزرائيل والعفاريت وملوك الجان ,ولم تحقق لهم أية أمنية على مر الأيام,وحتى حياتهم التي منحتهم إياها الطبيعة سطا عيها"تجار شطار", هذه هي حياتهم ومهامهم ووظائفهم وغاية وجودهم في هذه الأصقاع ,ولو رآهم هوغو, وتولستوي, وديكنز لسحبوا كل كتبهم ورواياتهم من التداول والمكتبات ,واعتذروا عن القصور في الرؤيا, والنقص في الدقة والبيان,فلقد صاروا أعجوبة العصر والزمان, وفرائد فذة عجز عن تخيلها وتصورها بنو الإنسان في كل الديار والأمصار.
البؤســاء.................تابعوا هذه الملاحم السوداء.
نضال نعيسة كاتب سوري مستقل
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟