|
العلاقات التركية الروسية على إيقاع الانتفاضة السورية
معمر فيصل خولي
الحوار المتمدن-العدد: 3718 - 2012 / 5 / 5 - 04:13
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
شهدت العلاقات التركية الروسية تقدماً ملحوظا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وتعززت علاقة الدولتين بشكل أوثق في ظل حكومة العدالة والتنمية التي وصلت إلى حكم الجمهورية التركية في 19 تشرين الثاني عام 2002م. إذ أسهمت عوامل اقتصادية وجيوسياسية في صوغ تحول تاريخي محل مواجهات الماضي، فتركيا مع حزب العدالة والتنمية أعادت صياغة خياراتها الجيوسياسية، حيث تعرض روسيا لها فرصاً كبرى كشريك في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى العسكرية. فعلى المستوى السياسي وقعت الدولتان البيان السياسي المشترك حول تعميق الصداقة والشركة في عام 2004، وتبادل الزيارات الدبلوماسية على مستوى رئاسة الوزراء ووزراء الخارجية وكان من نتيجة تحسن العلاقات بينهما تمكين تركيا من تطوير علاقاتها مع دول منطقة القوقاز واسيا الوسطى دون الدخول في أجواء التنافس والصراع، وبلوغ مستوى متقدم بينهما من الاتفاق حول قضايا إستراتيجية رئيسية، بما فيها القضايا المتعلقة بالعراق وإيران وسورية- قبل الانتفاضة-، وفلسطين المحتلة ، وقضايا الاستقرار في القوقاز، وتأييد روسيا لتركيا في الانضمام للإتحاد الأوروبي. كما وافقت تركيا، بدورها، على العمل على تسهيل انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، التي انضمت إليها رسمياً في 16 كانون الأول عام 2011م. أما على المستوى الاقتصادي فتركيا تستورد 65% من النفط، و 25% من الغاز من روسيا، ولذلك تمثل تركيا مصدرا مهماً لضخ العملة القيادية في العالم( الدولار الأمريكي، واليورو الأوروبي) لها. ومنذ العقد الماضي، تشهد الروابط الثنائية في قطاعات التجارة والاستثمار والطاقة والسياحة توسع مستمر. حيث أصبحت روسيا شريكا تجارياً أساسياً لتركيا، وزاد حجم الاستثمارات المشتركة على 10 مليار دولار أمريكي. وبلغ حجم التجارة الثنائية بينهما 35 مليار دولار في عام 2008م، ومن المنتظر أن تصل التجارة بينهما إلى 100 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2015م. أما في مجال الطاقة، توصلت الدولتان إلى عقد عدة اتفاقيات في هذا الشأن إذ أضحت الولاية العامة للمجال البحري التركيى في ظل حكومة العدالة والتنمية ممراً بحرياً للغاز الطبيعي الروسي إلى الاسواق الدولية. وبحسب التقارير الاقتصادية لعام 2010م، تأتي روسيا في المرتبة الثانية في التجارة الخارجية بالنسبة لتركيا، وتأتي الأخيرة في المرتبة السابعة بالنسبة لروسيا. لقد انعكس التقدم الملحوظ على المستويين الاقتصادي والسياسي على القطاع السياحي، حيث بلغ عدد السياح من روسيا إلى تركيا في نهاية عام 2010م، ثلاث ملايين سائح مقابل 400 ألف سائح تركي إلى روسيا، ومن المتوقع أن تتضاعف أعداد السياح بين الدولتين لاسيما بعد أن دخلت اتفاقية إلغاء التأشيرة بينهما حيز التنفيذ في 16نيسان عام 2011م. أما على المستوى الأمني، طرحت تركيا في عام 2004م على روسيا مبادرة أمنية عرفت بعملية ائتلاف "البحر الأسود" تسعى وعلى نحو متزايد جعل البحر الأسود في المقام الأول منطقة خاصة بالدول المطلة عليه وثني الدولة العظمى والدول الكبرى على التنافس بداخله، كما تبنت تركيا بعد التدخل الروسي في جورجيا في أب 2008م، مبادرة إنشاء " قاعدة الاستقرار والتعاون في القوقاز" التي ترمي إلى جعل الوضع مستقراً في القوقاز وتنص على مشاركة دوله فيها. أما على الصعيد العسكري، فقد كانت تركيا أول دولة عضو في حلف الشمال الأطلسي تشتري معدات عسكرية من روسيا؛ لأنها الحلف رفض بيعها الأسلحة التي يمكن استخدامها ضد حزب العمال الكردستاني. وعلى الرغم من ذلك،لم يمنع التعاون المتعدد الأبعاد بين الدولتين من افتراقهما حيال الإنتفاضة السورية، فموسكو مستاءة من تخلي تركيا عن السلطة الحاكمة في سورية، فهي تعد حليفاً تقليدياً منذ دولة الاتحاد السوفييتي وتحديداً مع قدوم الرئيس السابق الراحل حافظ الاسد للحكم في 16 تشرين الثاني من عام 1970م، واستمر هذا التحالف مع وريثه روسيا الاتحادية. أما علاقة السلطة الحاكمة في سورية مع تركيا لاسيما بعد التوقيع على اتفاق (أضنه) في 20تشرين الأول من عام 1998م، ووصول حزب العدالة والتنمية إلى حكم تركيا في 19تشرين الثاني عام 2002م، أشبه بالشراكة الاستراتيجية ، لكن عُراها قد فض مع مجريات الانتفاضة السورية. ومما لاشك فيه أن الاستياء الروسي من الموقف التركي يعزز موقف السلطة الحاكمة في سورية ويضيق من هامش الحركة التركية، وخاصة هناك دول عربية كالعراق ممثلاً برئيس وزرائه نوري المالكي وإقليمية كإيران تشارك روسيا في استياءها. ولكن هل الاستياء الروسي سيترجم إلى ردود فعل عملية على غرار رد الفعل الإيراني من الموقف التركي من الانتفاضة السورية؟ فوفق التحليلات السياسية الروسية، تقدم روسيا تفهما للموقف التركي، فهي تسعى إلى إقامة نظام صديق لها في دمشق لتعزيز مكانتها الإقليمية يساعدها على حل المسألة الكردية وفق قناعاتها. وتعميم نموذجها الاجتماعي السياسي القائم على الجمع بين الإسلام والحداثة العلمانية، في حين بعض التحليلات العربية تعزو الموقف التركي من التنحي رئيس بشار الاسد عن الحكم، رغبتها في تعزيز نفوذها في جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز التي معظمها دولا إسلامية وناطقة باللغة التركية، وهذا لن يتم إلا من خلال البوابة السورية. وعليه، نرى أن الاستياء الروسي من الموقف التركي من الانتفاضة السورية لن يصل إلى مستوى الأزمة السياسية بينهما، فمن المستبعد استحضار أزمة جورجيا في أب عام 2008م بين الدولتين، وذلك لإدراك كل دولة أهميتها لدى الأخرى، فتركيا من خلال روسيا تعزز فرصها أن تصبح مضخة لتدفقات النفط القادمة من منابع احتياطات النفط والغاز الأكبر في العالم من آسيا الوسطى وبحر قزوين وروسيا وكزاخستان. فهي لا تنتظر رحيل السلطة الحاكمة في سورية لتعزيز نفوذها في القوقاز وآسيا الوسطى، فإذا كان نفوذها غير مرحب به من قبل روسيا، الأمر الذي قد يدخلها في صراع مرير معها، لاسيما بعد التدخل الروسي العسكري في جورجيا، أدركت تركيا بأنها هي القوة المهيمنة في القوقاز وأنه من الأفضل أن تتعاون معها.كما إنها تمثل ركناً شرقياً قوياً في بنية السياسة الخارجية التركية التي تزداد تعقيداً. أما روسيا،ترى في تعزيز علاقاتها مع تركيا تحقيق عدة أهداف لها، أولاً، إضعاف الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بخفض الدور الإجمالي للعلاقات التركية الأمريكية، ثانياً، المحافظة على علاقات اقتصادية قوية ونافعة جديدة مع تركيا. إذ من المحتمل أن يصل حجم التبادل التجاري بين الدولتين 100 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2015م، يمنح روسيا نفوذا مهما فيها، ثالثاً، تحييد التأثير القومي التركي الشامل في السياسة التركية، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف التوجهات القومية التركية الشاملة الممكنة عبر المنطقة تماما. وتأسيساً على ما تقدم، نرى أن الانتفاضة السورية مفتوحة على احتمالين، الأول- وهو أكثر احتمالية- تغيير السلطة الحاكمة في سورية بفعل إصرار الشعب السوري على ذلك، والاستمرار في فرص العقوبات الدولية الاقتصادية والمالية والدبلوماسية عليها، ويتعزز هذا الاحتمال بتخلي روسيا عن سلطة الحاكمة هناك من خلال طمأنتها على دورها ومصالحها في سورية في مرحلة ما بعد الرئيس بشار الأسد، أما الثاني- الأقل احتمالية- استمرار الرئيس بشا ر الأسد في الحكم بفعل مساندة روسيا له، وتتحمل ما يترتب على ذلك من خسائر مادية ومعنوية، بالإضافة إلى خسارة مسارات أخرى على صعيد السياسة الخارجية مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لذا تحرصا روسيا وتركيا على تجنب أي أزمة سياسية بينهما؛ لتقليل حجم الخسائر الاقتصادية وجيو سياسية المستقبلية في حال تغلب موقف على حساب الموقف الآخر.
#معمر_فيصل_خولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|