|
عن العلمانية وفصل الدين عن الدولة
عزام أمين
الحوار المتمدن-العدد: 3717 - 2012 / 5 / 4 - 13:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعتبر مارسيل غوشيه أن هناك علاقة بين التحديث والعلمنة ويرى أنّ العلمانية هي القطيعة مع الدين حيث أنّ القارة الأوروبية الغربية كانت مسكونة سطحاً وعمقاً بالدين وما كان لها أن تشق طريقها إلى التحديث إلا بالقطيعة مع النظام المعرفي الديني للقرون الوسطى "التحديث هو الخروج من الدين" حسب غوشية. هذه القطيعة مع الدين كانت على مراحل، فقد شهدت آوروبا في القرون الوسطى أسوأ فصول تاريخها التي تخللها إنشاء محاكم التفتيش من طرف الكنيسة البابوية التي كانت تلاحق أهل الفكر والتنوير وتزج بهم في مقصلة هذه المحاكم.
وتعززت هذه القطيعة بواسطة أنشتاين سنة 1900 حيث تعدّت العلمانية كونها مجرد حركة إصلاحية فقط في أوروبا، إنما أصبحت رسالة لتحرير الإنسان من سلطة الرهبان وتحرير العقول من التحليلات الماورائية والتفسيرات الميتافيزيقية التي جمّدت الفكر الأوروبي لزمن طويل في أنفاق فكرية ضيقة.
وقد كانت مقالة فولتير (في التسامح) صرخة تاريخية في وجه الاضطهاد الكاثوليكي للأقلية البروتستانتية. بينما لم تصدر في تلك الفترة مقالات مشابهة في عالمنا الإسلامي الذي كان يشهد صراعاً مريراً بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية راح ضحيته مئات الآلاف. فبدلاً من التركيز على نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، طغى على الأدبيات في تلك الفترة مئات العناوين التي تدعو الى الكراهية والتكفير.
لا يجوز خلط العلمانية بالإلحاد كما يحاول البعض عن عدم معرفة أو عن سوء نية، فالعلمانية ليست مذهب أو دين، إنها نظام حكم يعتمد على التعددية و التنوع في الممارسة الفكرية و السياسية. في الدولة العلمانية، تُحترم حق ممارسة جميع الأديان ولكن الدين يبقى خصوصية فردية لا دخل له بالحياة السياسية. فالدولة العلمانية لا تفرض الإلحاد كما يحاول البعض تصويره، بل إنها دولة تُحترم المعتقدات الدينية فيها مهما كانت، ولكن "تحترم" فقط ولا "تُطبق" هذه المعتقدات لأنها حرية فردية". الاسلاميون يعتبرونها وجه آخر من أوجه الالحاد و الكفر و التهجم على رجال الدين و المقدسات الدينية وأنها وسيلة لنزع الصفة الاسلامية عن الشخصية العربية وهم يحاولون تسويق هذه الصورة المشوّهة عن العلمانية.
العلمانية هي فصل الدين عن السياسة أو فصل الحياة الدينية عن الحياة المدنية، فكُل ما يتعلق بالدولة و طريقة حكمها هو مُستقى من الحياة المدنية، مؤسسات الدولة مستقلة تماما عن المؤسسات الدينية. فصل السلطات المدنية عن السلطات الدينية هو مبدأ من مبادئ الدولة العلمانية. السياسة فيها من اختصاص البشر أمّا الدين فهو من اختصاص المقدّس. العلمانية تحترم حق الاختلاف في الدين فهي لا تفرض أي دين على آخر ببساطة لأننها لاتتدخل بالدين حيث أن قانون الدولة هو قانون مدني جامع يحترم الجميع بصفتهم مواطنين ولا يميز بينهم، والمواطنة هي الأساس في الدولة المدنية العلمانية. المواطنة تعتمد على الجنسية فقط و ليس على الاعتقاد الديني او العرقي. إذاً لا يجب الخلط بين "الخروج من الدين" و "الخروج على الدين" فمقولة مارسيل غوشة ليست اعلان حرب على الدين أو نهاية الدين كما فعل نيتشة ولكنها فقط بمثابة اعلان فصل الدين عن الحياة العامة و أن الدين محصور بالمجال الشخصي. ومن هذا المنظور فإن "الخروج من الدين" أي العلمانية و الحداثة يكون ضروريا لحماية الدين أو عدم "الخروج على الدين" لأن ذلك –الفصل بين الدين و السياسة- هو الطريقة الوحيدة لعدم تعارض الدين والايمان الشخصي مع الحداثة و الحياة المدنية و السياسية. إنّ عدم زجّ الدين في السياسة هو إعلاء من شأنه ولقد أصبح ضرورة حتمية، حيث أثبتت التجربة – كما يشير د. نائل جرجس : بأنّ الدول تستغل الدين للاستبداد والقمع ولذلك يقول المفكر الإسلامي خالد محمد خالد في كتابه المشهور "من هنا نبدأ" (1974) : إذا مزجنا الدين بالدولة فسنخسر الدين ونخسر الدولة.
البعض يعتبر العلمانية حركة إنسانية تدعو للإيمان بالتعددية ومبدأ التسامح وإخضاع المنظومة الدينية بمفاهيمها لسلطة العقل والعلم، وهذا هو نفس المبدأ الذي كان ينادي به أعلام الفلسفة العربية ـ الإسلاميّة (الكندي – الفارابي – ابن رشد – ومتكلموا المعتزلة) قبل فلاسفة التنوير في أوروبا بأزمنة
#عزام_أمين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن العلمانية وفصل الدين عن الدولة
المزيد.....
-
قاليباف: من واجب الدول الاسلامية التصدي لجرائم الاحتلال بمزي
...
-
قاليباف: وحدة البلدان الاسلامية لها تأثير كبير في اقرار الام
...
-
البوسعيدي: لو اتحدت الدول العربية والاسلامية يمكنها مواجهة ا
...
-
اعتقال ابن الشيخ القرضاوي في لبنان ومطالبات بعدم ترحيله إلى
...
-
الرئيس الايراني يهنئ قادة العالم بذكرى ميلاد السيد المسيح وح
...
-
رئيس مجلس الشورى الاسلامي يستقبل وزير خارجية عمان
-
رغد صدام حسين تنشر مقتطفات من مذكرات والدها بعد صدور قرار إع
...
-
مجلس الشورى القطري يدين جرائم الاحتلال في غزة واقتحام المسجد
...
-
جنود الاحتلال يعتدون بالضرب على مدير المسجد الابراهيمي في ال
...
-
أشهر وزير يهودي للمخابرات بجنوب أفريقيا: إسرائيل تحاول جر إي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|