|
عادل إمام مبدع الزمن الرديء
محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن-العدد: 3716 - 2012 / 5 / 3 - 23:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رحلة عادل إمام مع المجد والشهرة بدأت مع مسرحيته الأشهر مدرسة المشاغبين والتي كانت احد أسباب انهيار منظومة التعليم وتدني أخلاق التلاميذ في مصر واستهزائهم بالعملية التعليمية برمتها وعدم احترامهم للمدرسين بل إن المسرحية كانت السبب المباشر لانتشار المخدرات في المدارس. وبالطبع فإن عادل إمام لا يتحمل مسؤولية كل هذا وحده فالتليفزيون المصري في عهد اللا مبارك أستخدم بواسطة النظام كوسيلة فعالة لاغتيال العقل المصري وتشتيته بشكل ممنهج لإلهائه عن قضايا أمته وعن الفساد الذي نشره مبارك وأتباعه في كل مفاصل الدولة ، وأصبح الفن الهابط من عينة افلام ومسرحيات "الفنان المبدع" هو السلاح الباتر لأداء هذه المهمة.
يواجه "الفنان المبدع" كما يسميه البعض هذه الايام محنة صدور حكم ضده بالحبس لمدة ثلاثة أشهر بتهمة ازدراء الاسلام في اعماله الفنية ، ونحن نتمنى أن يخرج من هذه المحنة لأننا مع حرية التعبير وهذا هو شأن المجتمعات المتحضرة والناضجة حيث يرد على الرأي برأي مضاد وليس بالحبس والعنف او التكفير كما هو الحال في عالمنا العربي.
أقول هذا بالرغم من عدم احترامي لمواقف ومعظم أعمال هذا الرجل. وعلى الرغم من أن هناك فنانون كثيرون على شاكلة عادل إمام في العالم العربي ممن يؤيدون حكوماتهم الفاسدة والمستبدة كما تفعل رغدة وغيرها مثلا في سوريا إلا أن لا أحدا منهم وصل إلى مرتبة عادل إمام في الابتذال والانتهازية والتملق. ولا يمكن ان أنسى ظهوره على شاشة التليفزيون المصري منذ سنوات وهو يتحدث في زهو شديد بأنه وصل إلى ما هم فيه من رغد العيش والشهرة والمجد بفضل حب و دعم فقراء مصر له ، ولكنه لم يذكر لنا ماذا فعل في المقابل لهؤلاء الفقراء الذين يعيشون في المقابر وهو يعيش في قصره المنيف في احد ضواحي القاهرة. لم نسمع عن أي مشروع خيري كبير قام الفنان بتأسيسه لرعاية ورد الجميل لهؤلاء الفقراء اللذين رفعوه إلى عنان السماء وجعلوا منه مليونيرا يمتلك مئات الملايين في مصر وأوربا وهم لا يجدون ما يطمعون او يداوون اطفالهم به.
المتأمل لأعمال عادل إمام لا يجد مشقة في إدراك أنها تخاطب الاغلبية البسيطة وتهدف بالأساس لتسطيح عقولهم أكثر وأكثر، وهو بارع جدا في تسفيه كل القيم والرموز. ولضمان شد انتباه المشاهدين فإن معظم اعماله تحمل في طياتها تعبيرات وإيحاءات جنسية فاضحة تستقبل بترحاب شديد في أوساط جمهوره من رواد الغرز وغير المتعلمين. وفي ظل حالة الخواء الفكري وانحدار التعليم وانقراض هواية القراءة في مصر مبارك ، كان لإعمال عادل إمام تأثير سلبي ملموس على مريديه.
أيضا تظهر بعض أعمال "الفنان المبدع" أنه كان هناك تحالف شيطاني بينه وبين الأجهزة الأمنية في نظام مبارك لامتصاص غضب وإحباط الناس من جراء ما يكابدونه من مظاهر الفساد والإهمال في كل مكان وذلك من خلال حشر بعض المواقف الوطنية الساذجة او بعض الإنتقاضات الكوميدية لأحد مؤسسات الدولة في حدود ما تسمح به الرقابة حتى يخرج الناس شحنة غضبهم وإحباطهم وفقا لنظرية التفريج النفسي في علم النفس ، بمعنى دع الناس تفرج عن همومها داخل قاعات السينما أو أمام التليفزيون بدلا من ان يفعلوا هذا في الشارع. وكان عادل إمام هو المفرج الأول عن هموم المصريين بهذا الشكل السلبي وغير الفاعل ولذلك لم يكن من المستغرب أن تعرض مسرحياته لسنوات طوال ثم تعرض في التليفزيون بشكل مستمر وبعد كل هذا تنتج في شكل أفلام (لاحظ كم الإلحاح علي عقلية المتلقي المصري)
وفي السنوات الأخيرة بدأ نظام مبارك في توظيف شعبية عادل إمام في الهجوم على كل التيارات المناوئة للنظام وعلى رأسها التيار الديني . كما أستخدم "الفنان المبدع" كمخلب قط لإزاحة هدف سياسي ثقيل أسمه كمال الشاذلي الذي كان أحد عرابي الفساد في النظام ولكن لسبب ما أراد ولي العهد جمال مبارك التخلص منه فأعطى إشارة البدء لعادل إمام لاغتيال شخصية هذا الفاسد في أحد أفلامه الذي كان مفاجئا للجميع لصراحته الشديدة في فضح فساد الرجل دون اي مواربة . وبعد السماح بعرض الفيلم ، اشتعلت التكهنات بأن أيام الشاذلي كسياسي أصبحت معدودة وقد كان.
أخر عمل شاهدته "للمبدع" كان فيلما هابطا إلى حد السفه حيث دعيت من طرف أبناء وبنات العائلة في مصر في أحد زياراتي لها منذ نحو سبع سنوات لمشاهدة الفيلم كنوع من الترفيه في إجازة الصيف ، ومن بعدها قررت مقاطعة كل اعمال الرجل. ظهر السيد عادل في الفيلم الذي لا أذكر أسمه كشخص اعمى ولكن عماه لم يمنعه من قيادة طائرة بمفرده وقهر عصابة مافيا عالمية وبهذا تمكن من إنقاذ مصر من مؤامرة دولية كبرى! وكالعادة أحرجنا السيد عادل بإيحاءاته الجنسية المقززة أمام بنات العائلة. وبالمناسبة فإن الفيلم كان للكبار ولم يكن للأطفال كما تصورت بعد العرض. ولكنه جعلني أزداد احتراما لميكي ماوس الذي لم يقدم عملا بهذه الضحالة و بهذا التهريج الرخيص.
كانت قناعتي وستظل أن عادل إمام لم يكن يوما مبدعا إلا في الابتذال والتردي وهو بحق نجم الزمن الرديء ، فعندما تنهار كل القيم ويعم الفساد والاستبداد والظلم يكون عادل إمام هو فنان هذا النظام وأحد مبدعيه.
في احد زياراتي الخاطفة للقاهرة كانت هناك انتخابات برلمانية وكالعادة أكتسحها حزب مباركك بالتزوير. أتذكر انني قرأت خبرا في أحد الصحف المصرية إن السيد عادل إمام ذهب إلى خيمة الحزب الوطني حيث كان جمال مبارك يتابع نتائج التزوير وتقدم الحزب الوطني في الانتخابات ، ولأنه كان مشغولا جدا فقد انتظر "المبدع" قرابة الساعتين حتى يتوجه له بالتهنئة على فوزه المظفر !
ولماذا نذهب بعيدا ألم يهاجم "المبدع" ثورة 25 يناير وسب شباب وشابات الثورة بشكل علني وأعلن تأييده لمبارك حتى النهاية ؟ وعندما شعر بأن نظام مبارك في طريقه إلى مزبلة التاريخ سارع بإعلان تأييده للثورة وصرح بأنه لم يذهب إلى ميدان التحرير لإظهار دعمه للثورة خوفا من "أن يضربه أحد بشومة على رأسه" ! ولعله نسى أن من يضرب في الميدان هم الثوار وليسوا المنافقين.
وأخيرا فإننا لا نتمنى أن يحبس "الفنان المبدع" ولكننا نتمنى فقط أن يعرف الناس حقيقة الرجل وكيفية صعوده على جثث الاخرين وان معادلة الزمن الرديء هي أنه كلما ازددت انحطاطا كلما ازددت نجاحا.
#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات فلسفية في أحوالنا العربية
-
إلى مؤيدي الأسد: انتبهوا إنه يقودكم إلى خراب مؤكد
-
فضيحة في ساحة القضاء المصري
-
أصل الحكاية عسكر وحرامية
-
الإخوان ومستقبل الثورة في مصر
-
أرخص إنسان على وجه الأرض
-
الثورة المصرية والرقص على السلم
-
مصر ما بين فقدان الذاكرة وعدم الوعي
-
العسكري يقود مصر إلى الخراب
-
أردوغان يفجع الأحزاب الإسلامية في العالم العربي
-
من مفارقات الرؤساء العرب
-
ثورات الشعوب تكشف عورة النظام العربي
-
رسالة قصيرة إلى الأغبياء الثلاثة
-
مبروك يا أسد
-
ماذا يريد المجلس الأعلى للجيش المصري؟
-
من أخطر ما يهدد الثورة
-
هل تتحول مصر إلى دولة دينية؟
-
نصيحة هامة ومخلصة للمجلس العسكري الحاكم في مصر
-
عندما يهرج الأسد
-
الشيخ القرضاوي والشيعة
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|