مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3715 - 2012 / 5 / 2 - 14:22
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
إلى الرفاق الاشتراكيين الثوريين في مصر : ملاحظة سريعة على مشروعكم لبرنامج استكمال الثورة
تتعلق الملاحظة بشكل أساسي باللغة المترددة أو غير الواضحة أو غير القاطعة في تبنيكم لفكرة التنظيم الذاتي للعمال و سائر الكادحين , و في القطع النهائي و الحاسم مع المفهوم الستاليني عن ديكتاتورية الحزب الطليعي أو بيروقراطية هذا الحزب "كتجسيد" "لديكتاتورية البروليتاريا ... عندما يتطرق مشروع برنامج الاشتراكيين الثوريين لاستكمال الثورة المصرية إلى تلبية احتياجات الجماهير فإنه يعود للحديث "اليساري التقليدي" ( الذي هو من بقايا الستالينية ) عن أن ذلك لا يمكن إلا "من خلال دولة تقوم بالدور الرئيسي في الاقتصاد , دولة تكون مسئوليتها الرئيسية ليس تنمية أرباح رجال الأعمال بل تنمية الموارد لتحسين وتطوير معيشة الأغلبية" , إذا أخذنا هذا الكلام بمعزل عن بقية البرنامج فإننا أمام مشروع جديد لرأسمالية الدولة ( البيروقراطية ) التي أنتجت الديكتاتورية الستالينية من قبل , يجب هنا أن نستدرك لنقول أن الاشتراكيين الثوريين يعرفون الدولة العمالية في وثيقتهم "أسس الاشتراكية التي نتبناها" بأنها : "دولة يقرر فيها الكادحون من خلال مجالسهم القاعدية المنتخبة , مصيرهم و مستقبلهم" , إن هذا التعريف يعني شيئا مختلفا بالمطلق عن مشروع رأسمالية الدولة البيروقراطية الستاليني الذي يبدو أن الفقرة المذكورة في مشروع برنامجهم تلمح إليه , هناك فرق هائل جدا بين أن تصبح الدولة هي المالك الأكبر أو الوحيد لوسائل الإنتاج أي الرأسمالي الأكبر أو الوحيد ( أي نظام رأسمالية الدولة كما كان عليه الحال في الاتحاد السوفيتي السابق ) و بين أن تكون ملكية وسائل الإنتاج بيد المنتجين أنفسهم بشكل مباشر , من المؤكد أنه عندما يملك المنتجون وسائل الإنتاج مباشرة فإنهم يستطيعون في هذه الحالة أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم فعلا من خلال "مجالس قاعدية منتخبة" , بينما عندما تكون الدولة هي الرأسمالي الأكبر , عندها تكون البيروقراطية هي التي تسيطر على وسائل الإنتاج و في نفس الوقت على توزيع إنتاج العمال و هي من تقرر عنهم أيضا فإنها تصبح طبقة حاكمة و مستغلة جديدة ليس إلا , هذا هو الفرق العملي بين رأسمالية الدولة و بين التنظيم الذاتي الحر للعمال و للمنتجين ... مثل هذه الميوعة و هذا التردد في التبني الكامل لفكرة التنظيم الذاتي للعمال أو المنتجين كمضمون لمصطلح "الدولة العمالية" تتكرر أيضا في فصول أخرى كالفصل المخصص للحرية الذي تتردد مطالبه بين المطالبة بديمقراطية برلمانية أفضل و بحريات "ليبرالية" أوسع و بين الدعوة إلى "خلق ديمقراطية شعبية مباشرة من خلال اللجان الشعبية في الأحياء والمصانع والقرى لتكون أداة ضغط على البرلمان ومع تطورها بديلاً له" , حتى عندما تتحدث الوثيقة عن الديمقراطية الشعبية المباشرة فإنها تتردد في إعلانها بديلا صريحا عن نظام الهيمنة البرجوازية أي الديمقراطية البرجوازية و أيضا عن نظام رأسمالية الدولة البيروقراطية .. من أفضل الأمثلة على مثل هذا التردد الذي يظهره التروتسكيون في تبني خيار التنظيم الذاتي للعمال و الكادحين في مواجهة رأسمالية الدولة الستالينية هو برنامج الأممية الرابعة التروتسكية الذي صادق عليه مؤتمرها ال 12 عام 1985 بعنوان "ديكتاتورية البروليتاريا و الديمقراطية العمالية" , يبدو في بعض أجزاء هذا البرنامج و كأن تروتسكيو الأممية الرابعة قد حزموا أمرهم إلى جانب الديمقراطية العمالية أي التنظيم الذاتي الحر للعمال و المنتجين , عندما يتحدثون عن أن "الماركسيون الثوريون ( يدركون ) أن ظفر البروليتاريا بالسلطة يستلزم تدمير جهاز الدولة البورجوازي وفي المقام الأول جهاز القمع البوليسي والعسكري" و "أن الطبقة العاملة لا يمكن أن تمارس سلطة الدولة مباشرة إلا في إطار مؤسسات دولة من نوع مغاير للدولة البورجوازية، ألا وهي مؤسسات مبنية على مجالس عمال (سوفييتات) ذات سيادة ومنتخبة وممركزة ديموقراطيا وحسب خصائصها الأساسية كما دققها لينين في "الدولة والثورة": انتخاب كافة الموظفين والقضاة وقادة الميليشيا العمالية (أو العمالية والفلاحية) وكافة المندوبين الممثلين للعمال في مؤِسسات الدولة. وتعاقب المنتخبين وتحديد دخلهم في أجرة عامل مؤهل وقابلية عزل كافة المنتخبين طبقا لإرادة ناخبيهم" , لكن رغم ما يبدو أنه رغبة قاطعة في تبني هذا الشكل الحر الذاتي من تنظيم العمال لحياتهم فإن واضعو برنامج الأممية الرابعة يستمرون في نقاش طويل و في لف و دوران في محاولة أيضا لتبرير شكل آخر من تنظيم السلطة , إنهم لا يدافعون نظريا فقط عن شعار "ديكتاتورية البروليتاريا" نفسه الذين يصرون على تبنيه إلى جانب الديمقراطية العمالية , بل إنهم في الواقع يحاولون تبرير دولة لينين و تروتسكي الفعلية التي لم يكن قضاتها و قادة ميليشياتها ( بما في ذلك التشيكا سيئة السمعة ) و لا موظفي هذه الدولة الآخرين , لم يكونوا منتخبين بشكل حر من القاعدة العمالية و لم يكون بمقدور هذه القاعدة أن تحاسبهم و تغيرهم عندما تريد و لم تقف أجورهم عند حد أجر عامل مؤهل , بل لقد جرى تعيينهم بقرار من المركز و كان هذا المركز وحده من يحاسبهم و يحدد رواتبهم – هذا المركز الذي تولى منذ البداية تسيير كل صغيرة و كبيرة في البلاد و أصبح عمليا مركز لبيروقراطية جديدة , بدأ صراع تروتسكي ضد هذا المركز فقط عندما حاول خصومه إبعاده عن هذا المركز , إن تردد التروتسكيين هذا يدفعهم لمحاولة تلفيق أرضية ما بين ديكتاتورية ما ( هي بالتعريف ديكتاتورية أقلية لأنه لا معنى لديكتاتورية الأغلبية في الواقع أو لممارستها الديكتاتورية ) و بين ديمقراطية قاعدية عمالية و شعبية حقيقية , إنهم مضطرين في دفاعهم عن نظام لينين – تروتسكي البيروقراطي المركزي هذا ينتقلوا من تناقض لآخر , من مطب لآخر , مثلا بين فكرة أنه "يتوجب على الحزب اللينيني الجماهيري أن يقود العمال في جهودهم لممارسة سلطة الدولة وبناء مجتمع جديد" و بين فكرة "يرفض الماركسيون الثوريون الإنحراف الإستبدالي و النخبوي والأبوي والبيروقراطي عن الماركسية الذي يرى في الثورة الإشتراكية والظفر بالسلطة وممارسة السلطة في ظل ديكتاتورية البروليتاريا مهمة للحزب الثوري الذي يعمل "باسم" الطبقة" " , و يستمر التناقض أيضا و أيضا : "ومع أن مبدأ الماركسيين الثوريين هو تنظيم الطبقة العاملة في نقابة ديموقراطية واحدة، فإنه لا يمكن رفض التعددية النقابية" , الخ , يريد التروتسكيون أن يعارضوا البيروقراطية الستالينية و مفاهيمها في ديكتاتورية أقلية نخبوية أو طليعية على الجماهير لكنهم لا يريدون في نفس الوقت معارضة و تحدي كل إرث البيروقراطية الحزبية النخبوية اللينينية الماركسية التي أنتجت البيروقراطية الدولتية الستالينية , إنهم ملتزمون بالدفاع عن أستاذ ستالين و تروتسكي , لينين و من قبله ماركس , عن كل المواقف السلطوية التي دعا إليها لينين و ماركس و مارسوها و التي أخذت شكلها الأكثر نضجا في الستالينية , في الحقيقة إن نفس العنوان الذي اختاره واضعو برنامج الأممية الرابعة لبرنامجهم يلخص حقيقة هذا التناقض "ديكتاتورية البروليتاريا و الديمقراطية العمالية" , يريد التروتسكيون للأسباب التي تتعلق بظهورهم كتيار في الحركة الثورية و تتعلق بتاريخ معلمهم الشخصي أن يحلوا ( أو يلفقوا حلا ل ) التناقض المستحيل بين "ديكتاتورية البروليتاريا" و "الديمقراطية العمالية" , إن الخلاف بين المركزية ( اللينينية و التي تجد تجسدها الأمثل في الستالينية ) و بين اللامركزية ( التي عبر عنها واضعو برنامج الأممية الرابعة بشكل رائع بقولهم : "مجموعة اشتراكية دون طبقات من منتجين/ مستهلكين يسيرون أنفسهم ذاتيا" ) هذا الخلاف أو الصراع هو صراع عميق و جذري لا يمكن حله إلا بانتصار أحد النموذجين كما جرى في الثورة الروسية عندما تواجه المشروعين : مشروع البيروقراطية الحزبية – الدولتية بمؤسساتها الهرمية الفوقية البيروقراطية و مشروع جماهير الشغيلة التي أقامت سوفييتاتها و لجانها في المصانع و الأحياء و القرى ... صحيح أنه من الضروري مواجهة خطر الانتهازية في اليسار المصري و العربي التي أساءت لهذا اليسار و حولت قسما كبيرا منه من عدو لا يساوم ضد أي طغيان و استغلال إلى مشارك بالصمت في جرائم الأنظمة القائمة لكن هذا لا يكون فقط ببلاغة ثورية تعيد إنتاج هرمية حزبية و أصولية فكرية تعني شيئا واحدا : فتح الطريق أمام ستالين جديد و ستالينيات جديدة , أمام اضطهاد و قمع و استغلال جديدان , هذه المرة ليس لصالح برجوازية تقيليدية بل صالح نخبة أو فئة بيروقراطية جديدة , مرة أخرى هذا لن يكون انعتاقا لجماهير الشغيلة بل استلاب جديد , إن التردد بين التنظيم الذاتي الحر و القاعدي للعمال و المنتجين و بين الشكل البيروقراطي الهرمي للتنظيم , الحزبي أولا ثم لمؤسسات الدولة و المجتمع , يعني شيئا واحدا في الممارسة : تغليب التوجه نحو البيروقراطية و إعادة إنتاج ديكتاتورية البيروقراطية الحزبية – الدولتية و رأسمالية الدولة البيروقراطية التي مثلت وصمة عار في تاريخ الحركة الثورية العالمية و كانت مسؤولة عن كثير من هزائم هذه الحركة و من هزائم الحركة العمالية المعاصرة أمام رأس المال , و حتى عن كثير من الجرائم بحق الطبقة التي زعمت تمثيلها و تحريرها : العمال .....
مازن كم الماز
برنامج الأممية الرابعة : http://www.marxists.org/arabic/archive/trotsky/4th/1985_dictatorship_proletariat_social_democracy.htm#2
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟