أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رفقة رعد - ذاكرة بطعم التمر














المزيد.....

ذاكرة بطعم التمر


رفقة رعد

الحوار المتمدن-العدد: 3715 - 2012 / 5 / 2 - 06:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تتقمصنا حيناً بضع أبتسامات وحركات جلدية يكاد من يرانا يحسبنا مجانين، هو لا يدرك اننا نمر بحالة عقلية تقمصية ، تتلبسنا فيها بيئة الذاكرة أو الحدث الذي تذكرناه ، فربما نبتسم وربما نبكي و ربما كلاهما سويه ، فنسرق من لحظاتنا لحظات ماضية تمسح بوجودها زمن كاد ان يرحل عنا، لإن الحياة كما يقولون دائماً عبارة عن سكة قطار تأخذنا مسافاتها إلى محطات متنوعة في اختباراتها ووجهاتها دون ان تدرك ما لك وما عليك، فقط هي متعة التجربة ولذة الترحال، نحو ادراك المجهول الذي يعترينا القلق منه، والذي طالما ما تحول إلى خوف يهزنا و يعكر صفو انيتنا. أو هي كما يقول نيتشه: (( يدحض حاضري ما مضى من ايامي)).

لكن وسط كل هذا تجد ان الحياة بكل غزارتها تستبقي لنا ما نبني له في ذاكرتنا صرحاً نعود لزيارته بين الحين والحين، فيأخذنا الكلام والشعور والمصاحبة إلى أرضية نابتة بكل ما يخالجنا وقتها.

بعض هذه الشخصيات لا يمكن أن يعيدهم الزمن علينا مرتين، تترك أثراً فينا وترحل، تتخذ من ذاكرتنا عرشاً نستطيب لسلطته، فالذاكرة هي المعلم الاول هي استتراتيجية الفعل بذاته.

هذه الشخصيات التي عاشت زمنها طولاً وعرضاً وامتداداً وسقت بنضوجها عقولنا دون ان تدري، وان كانت لقاءاتنا بهم لا تحصى بالساعات بل بدقائق معدودة. نراقب فيها تفاصيل هم لا يؤاخذون عليها لكن نحن من نؤاخذ اذا لم نحفظها، كصوت رخيم ووقور أو ملامح عشبية ناطقة تخالها تنمو بين انظارنا، أو هدوء جاثم ورائه الف حكاية، غريب هذا السكون الذي يعصف بخبراتهم فينا، غريب ما نراه فيهم وغريب هو طعم التجربة معهم .

فحينما لامس طعم تمرها ذاكرتي ، استحضرتها، هي امرأة لا تشابه كل النساء، امرأة عجوز لكن ما زالت ملامحها الصبيانية موجودة لا يمكن للناظر ان تخفى عليه، ذات صوت تراثي، لا أذكر انها زارتنا الى البيت الا مرتين فقط، تحمل في كل مرة صحن من أجود أنواع التمر، تستقطعه من نخلاتها السبع المباركة في منزلها الكبير، وحين الحصاد يشبع الجيران حتى أصحاب المحلات القريبة من حينا تشبع، كانت تأتي علينا متأرجحه بخطوات زورقية مع صحنها الجميل، فلم تكن تزور احد في الحي غيرنا، لذلك أسعفني الحظ برؤيتها، تتخذ لها وسط منزلنا ركناً تجلس فيه وتباشر بالحكايات وأباشر أنا بدوري المراقبة. راقبت صوتها وحركاتها وعطرها ورداءها، رسمت شيلتها السوداء الستان، ومشبكها الذهبي في رأسها، مسوغات ذهبية في معصمها كأنها حرزها لا تخلعها ابداً تتخذ من اللحم حيزها ، لم أشارك بإي كلمة معها كنت صغيرة، لكن غصت بكل تفاصيلها.

تلك المرأة التي فاجأتني بإبتسامتها رغم فقدانها أبنها وزوجها ، التعبير عندها مرتبط بالكرامة وعزة النفس لذلك تتحايل بالصحون والأغذية لتقل أنا احبكم ، بشوشة راقية لكنها كتومة الاحساس، شاهدتها أخر مرة في منزلنا تتحدث مع امي ، حضورها وصحنها المملوء بالتمر اختصر كل الكلمات.

حين الوداع كنت استمتع بسيري معها إلى بابنا الخارجي لتوديعها، وددت لو اختبرت السير معها وحدي، لربما ستوجه لي الكلام، لربما ستذكر شيء خاص فيّ أنا كحكمة أو نصيحة أو اشادة لا اعلم ، وددت فقط لو اوصلتها إلى منزلها، كانت دخيل رائع في حياتي. بعد هذه الزيارة بمدة قصيرة رحلت وتركتني اتذكرها رغم رحيلها منذ 10 سنوات أو اكثر.

مؤكد أن لا أحد يستطعم هذه الشخصيات الا القلائل لكن لربما ما اكتبه اليوم يجعل البعض يستذكر أو يقرأ وجوه كل من يقابله مستقبلاً، يجعله حذر في انتقاء الملامح واستبقاء الذكريات، فبين اسنان مشط جدتي قصص قصيرة و مواعظ، وخلف كل اشعث شعر و ملطخ ملابس الف رواية، وخلف الاهداب سكنة الأزقة حكايات نقرأها ونستقرأها.



#رفقة_رعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمنية فخارية
- ما زال هناك ثلج
- حمراءُ الشَعر
- حكاية لحظة
- أهداء الى كل نساء الثورة
- لما أنا بنية العينين
- السلام وضمان الطبيعة له عند الفيلسوف كانط
- رمالُ أنا
- أمنيات رجل
- صحوة صوت
- الموقف الأسطوري من طبيعة الحرب:
- قديسة
- ثمرةُ غير صالحة لأكل


المزيد.....




- مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف ...
- مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي ...
- الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز ...
- استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
- كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به ...
- الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي ...
- -التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
- أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
- سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ ...
- منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رفقة رعد - ذاكرة بطعم التمر