أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - عالم الرياضة - ليندا كبرييل - رادونا ولّا ما رادونا فقد أصبحنا مارادونا















المزيد.....


رادونا ولّا ما رادونا فقد أصبحنا مارادونا


ليندا كبرييل

الحوار المتمدن-العدد: 3714 - 2012 / 5 / 1 - 20:24
المحور: عالم الرياضة
    


صفحات قديمة
بسطتْ لي الأيام من خيرها حين حملتني على بساط الريح إلى حدائق علاء الدين المدهشة . الحياة في الغربة أتاحتْ لي أن أحيا الرياضة وأتنفّسها ، ومن خلالها توسّعتْ رؤيتي للكون .. للعالم .. للبشر .
الرياضة ( بيغ بانغ ) الوجود ، و ( بيغ بِن ) وجودي وضابطة حضوري ، قلبها يعيش على نبض الموسيقى وإيقاعها .
منذ كنت في السنوات الأولى من عمري - ولم أذُق بعد لقمة الحياة – أطاردها .. فلا فريستي كلّت عن إغرائي ولا أنا يئست من العدو خلفها ، فيا ويلها لو مسكتُ بها ، ويا ويلي وسواد ليلي لو جبتُ الغابة وما فزت بها .
الرياضة طريدتي ، سهلة ممتنعة عليّ ، قلّمتْ أظافري وعلمتني كيف أهذّب الحسّ بداخلي .
ومع الأيام أدركتُ أن المباراة الرياضية هي مشهد مصغّر من الحياة ، برلمان في دولة علمانية .. يتنافس فيه فريقان على كرة هي فكرة بحدّ ذاتها تنافساً شريفاً يوقع العقوبة القانونية على منْ يتجاوز قواعده وتحْكمه المساواة في تكافؤ الفرص .
الكرة هي اللغة ، وتمريرها أو محاولة اقتناصها هو الحوار أو الاشتباك الفكري الذي يرسم خطته فيلسوف الفريق – المدرّب .
والحضور في الملعب كما في الحياة إما بالدفاع أو الهجوم ، صراع بين تيارَيْن ، جسّدته الشاشة الفضية بأفلام توم وجيري الكرتونية وطبّقته كل السياسات الحاكمة ..
أهل الدفاع في الكرة يتّسمون عادة بالجمود الحركي ، فبالكاد يغادرون مساحة ملعبهم ، ينكفئون متجمعين قرب مرماهم مشكّلين سداً منيعاً . هيّابون ، فلا هم يتقدّمون للمناورة في مساحة الخصم لإثبات الذات ولا هم بمندمجين في اللعب أو بمتيحين الحركة للفريق المنافس . كتلة بشرية متصلبة تثير ملل الشعب في المدرجات الذي يشهد صراعاً حضارياً .. لكنه بارد ، إيقاعه : محلكْ راوحْ .
وهكذا تعلمتُ من السيمفونيات الرياضية طرق التعامل مع الناس ، وهي ثلاث : بأدب .. وبلا أدب .. وما فوق الأدب .
التعامل بأدب مع المادة ( بشرية كانت أو رياضية أو ثقافية ) اجتهاد وجهاد .
ولأني أرى الكون بما فيه وما ينتج عنه من أحياء وجماد كالألماسة - أصلب مادة في الوجود - لا بريق لها ، نحن ( الإنسان ) منْ يقوم بتقطيعها إلى وجوه فيعطي نور الشمس انعكاسات مبهرة ، فإني أتناول هذه المادة على أنها بين يديّ ألماسة أصيلة ، تتطلّب تقطيعها لوجوه صقيلة بفنّ ومهارة ، وإعطاءها المعنى : البريق الأخاذ .
إنما هناك من معادن الناس ما هو مغشوش .. يبدو لك ألماساً لكنه ضعيف كالجرافيت ، ومع ذلك فهو دخيل غريب مقتحم معتدٍ !
هنا .. لا مفر من سلوك طريق البلا أدب .
فلا أتناول المادة بإيتيكيت بالشوكة والسكين ، لأ .. بل بالأظافر والأنياب ، أورّيها العين الحمراء ثم أقتصّ وأنقضّ .
ولعل الطريقة الثالثة أي ما فوق الأدب ، عصيّة على الإدراك إلا لمنْ تمتّع بذهنية دفاعية تتراوح بين التسالم والتصالح والتسامح حثاً على البرّ أو خشية الشرّ أو اتقاء الضرّ .
مثلاً فريقي الرياضي يلطعني بخسارة ثقيلة ، فيميل هواي مع الأصوات الداعية إلى مباركته ومكافأته لتشجيعه على السلوك الصحيح . ورغم تكرر اللطعات والاعوجاجات والبوكسات على هذا الجنب فما أسرع ما أدير له الجنب الآخر راضية وأقف مع معسكر التسامح والتصافح .
أُبادَأ بحرب ضروس فأقوم بتقبيل الرؤوس ،
يُصفَّر لي استهجاناً فأصفّق استحساناً ،
يأتيني برقيع القول فآتيه برفيع الفعل !
مفهوم ؟؟
في مجتمع ثقافته : فأس لكل رأس ، لا مكان لهذا الفكر المثالي .
كنت أتابع مواد الحياة السائرة في عمري متابعةً منبسطةً مترامية ، لا همّ يوقف النفْس الراضية أًبداً ولا تساؤل يشرئبّ أمام عقل غير مكذّب ، مصدّق حتى الشيطان ! ومؤمن أنه – الشيطان - ستحرّكه النوازع الإنسانية ذات يوم .
لكن أهمّ درس تعلمته هو ألا أكون الشال المعقود على الخصور الرقّاصة بين المطبلين بالأول والمزمرين بالآخر .
فيكون حضوري تفاعلياً مع المشهد الرياضي أو الموسيقي أو الإنساني أو الثقافي ، وأنا أطرح السؤال وأستنتج وأتعلم وأخطئ وأغضب وأرضى ، وفي كل هذه المراحل أكتشف جماليات الوجود .
لا شك أنكم الآن بعد أربعة أحاديث قد صدّقتم أني لست أكثر من رياضية على الورق فحسب .
لو ظللتُ في بلدي فالمؤكد أن الوجود الرياضي في حياتي سيكون من نوعية ( شمّ ولا تذوق ) فأتتبع نشاطات الرياضيين الكبار ورؤية صورهم على صحف أخبارها لا تغفل حركة لأبي القائد ، أو تلفزيون تتولّى برامجه السخيفة ، الرياضية إحسان أم الكحلة المنتهية بثلاث نقاط ، أو نأخذ الحقيقة من أفواه منْ كرّمهم الله وجعلهم ذكوراً ليتمكّنوا من ارتياد الملاعب ورؤية المباريات .
كان متوقعاً أن أستمرّ هكذا حتى تموت الهواية ( موتة ربّها ) عندما يدقّ النصيب باب بيتي فتجهز كلمة ( نعم أو موافقة ) على كل حلم طفولي جميل ليستعصي عليّ الإمساك بألوان القزح .
إذ أن اللحظة التي سأخطو فيها عتبة بيت الزوجية ، سيستقبلني منْ سيضع على رأسي ( جرن الكبة ) الحجري الثقيل بدل كاسكيت المراهقين ، وسأتنقل برزانة الهوانم مبودَرة ومغندَرة وأنا أعلو على كعب عشرة سم بالجرابات النايلون والموديلات الستاتية بدل النظارات الشمسية والبدلة السبور والحذاء الرياضي !
وعليّ فوق هذا كله أن أختار ألفاظي ، فأبتعد عن التصريح بإعجابي باللاعب الفلاني أو العلتاني ، فإذا ما تحركت الأحشاء بالثمرة الأولى كانت الضربة القاضية الأفظع من ضربة كلاي ، فخصم كلاي على الأقل يقوم ليتابع بعدها مشواره ، أما هنا فإن الحمل سيحمل الأحلام إلى مثواها الأخير .
الأنثى في مجتمعنا تعيش في بيت يتراوح بين قبر أو قبْو أو قنّ ، حيث يدجّنون روحها وعقلها .. ونفَسها .
هل هذه الصورة هي التي دفعتني لتغيير مساري 180 درجة ؟
نعلّق عادة لحظات الشطحات الفالتة من القانون التقليدي على شماعة الحظ والنصيب .
وإحدى هذه اللحظات ألقتني في يمّ بلد غريب عندما كتب القدر كلمته الأزلية الخالدة التي تقول إن الأقوى هو الأبقى ، وإن الأفراد الأفضل تكيفاً مع بيئاتهم هم الأرجح الأصلح للحياة والإكثار ، والقوة الكامنة في العلاقات الإنسانية هي قانون الوجود .
انطويتُ ببصري إلى نفسي وأمعنتُ النظر في هذا القانون الأعظم ، فداهمني اليقين من الجانب العاطفي الذي لم يكن بحسباني أو بحسبان أحد إلا .. بحسبان الحظ والنصيب بلغة العجائز أو قانون الوجود بلغتنا .
وهكذا ~ ختم القدر على ورقة مستقبلي عندما قررتُ الانضمام إلى فريق فرسان الشمس المشرقة !
أدركت فوراً ومن المشاهدة الأولى ، قدرة اليابانيين الرياضية على شوط كرة الشمس ببراعة نحو المرمى المشرقيّ ، فسادوا الملعب حتى ملكوا مطلع النور المنبسط بسخاء على الامبراطورية المترامية في أركان الأرض الأربعة .
أُخِذتُ بالمشهد .
وتوسّمتُ آنذاك في نفسي المقدرة الرياضية على شوط الكرة المنيرة كما يفعل أبناؤها . فتملّكني الحماس ، ورحتُ ممسكة بخيط من خيوطها الذهبية ، متسلّقة ببهلوانية أثارتْ إعجابي بنفسي !
وما إن وصلت ، حتى أوقفني حارس السماء :
" فين فين ؟ هذا الملعب ليس إلا للمحلقين من النسور والصقور ، لا الحمائم ولا الدجاج ولا الببغاوات " !
غيّرْ بدّلْ شيلْ حطْ .. أبداً ~ لا تتعبي .
هذا أول تحدّ لم يستوعبه حماسي الذي جئت به على يديّ قبل رجليّ ، ظننت وأنا لا أعلم بقوانين السماء الجديدة أن ألهفه درساً من حيث لا يتوقع ، فأدخل عليه مثل رامبو مدججة بعبارات شمشونية ، حاملة بيدي اليمنى إنجازات هارون الرشيد ، وباليسرى سيف خالد ، وبعقلي دهاء معاوية ، وبقلبي عدالة عمر ، وعلى عينيّ نظارات سوبرمانية تثقب حاضراً لتضيء قروناً من حضارة ثرية ، وبقدميّ حذاء حزبي العسكري ظانة لو ضربتُ رجلي بالأرض فستقف الدنيا على حيلها !
وهكذا .. استعنتُ بكل جبن العرب ووقفت أخاطبه ببلاغة علي وأنا ناوية ألا أستردّ بصري الملتهب عن عينيه حتى أسلقهما وأجمدهما في محجرَيْهما :
هل تعرف مع من تتكلم يا سيد ؟
أنا بنت الأصول ، أصول حضارتك وإنجازاتك .
أنا ابنة تاريخ تُدق الطبول وتُرفع له الأعلام .
أنا طلاعة الثنايا ومعالي الأمور ، والخيل والليل والبيداء تعرفني .
أنا ..
فقاطعني بلطف :
" أهلاً يا بنت الأصول ، طوبى لمنْ أخذ نفساً ومعه شربة ماء وطوّل باله .
نحن .. نحتاج المحلّقين لا المتسلّقين .. والمشاورين لا المناورين .. "
امتصّ بجوابه اندفاعي فنزعتُ نظارات سوبرمان واسترددتُ بصري الذي كنت ناوية قبل قليل أن أحرقه به ، لكنه انقضّ على ذهولي انقضاضة صقر فقال :
" اذهبي وفكّي سحر ماضي حضارة صداه بارد ، ليتلبّسكِ عنفوان حاضر بهيّ صوته كجرس مقبضه بيدكِ ورنينه يصل حتى لمنْ في سمعه عيب " .
انحنيت ورميتُ بحذاء حزبي بعيداً وبسيف خالد جانباً ، وقلتُ لنفسي : يللا ~ عدالة ودهاء وإنجازات وماشي الحال .
وفي اللحظة التي صاح : نريد المبادرين لا المكابرين !
كنت أخفي كل ما بيدي . حاولتُ الكلام لكنه قاطعني وتابع :
" عودي لأرضك ولا تهنئي لنوادي الدواجن المنتشرة التي تطرَب الكثير من الديكة بوجود الدجاجات المقوقئة فيها ، الحاضنة لبيضها ، المنتظرة مصيرها لتشوى وتوضع فوق الموائد " .
رامبوو ~~ شمشووون ~
" ولا تستنيمي لدعايات خرافية من شركات شهادات استثمار العطايا الإلهية " .
وكاد أن يوليني ظهره عندما التفت وهو يهزّ إصبعه في وجهي ،
معاوية اا~~ هارووون ~
وقال :
" اكتشاف خوافق السماء يحتاج لتربية الجناح " .
ومضى ، لكني سمعته يصيح من بعيد :
" السرج الذهبي لا يجعل من الحمار حصاناً " .
طبعاً حصل ما تتوقعونه كلكم : تيتي تيتي متل ما رحتي إجيتي .

جالسة على الدرجة فوق الوسطى من سلم الحياة مسندة ظهري إلى حائط هذا البلد الذي تسود فيه تعاليم الكونفوشية .. اليابان .
هنا تعلّمت مبادئ التكافل الاجتماعي عملياً لا نظرياً ، صمتاً لا صياحاً ، ومن داخل البيت لا من خارجه .
مرفوض منْ لا يعمل على الاجتهاد والارتقاء ، فأمر تعمير المجتمع مرهون بتحقيق ذاته ، وتحسين صالحه الخاص لا ينفك عن الصالح العام .
مهمَّش منْ لا يجعل خدمة المحيط والبيئة ضمن اعتباره تطوعاً ودون أي مقابل ، فالإخلال بميزان الأخذ والعطاء سيعود بالأضرار على الجميع ، والحساب عسير لا استثناء لأحد منه .
اِسْعَ بما لديك مهما تواضعتْ خبرتك ، إذ ستنمو الخبرات مع الأيام مع عملية ( خود وهات ) ، واللعب في ( الوقت الضائع ) ممنوع ، فالوقت هو الدقائق والثواني من العمر ولا أحد يهدر عمره عبثاً .
ماذا عساكِ أن تقدمي ؟
- مطلوب ! اقبضوا على هذا الرجل لهذه المهمة .
لكن الرجل غير موجود ، فالرجال في أعمالهم .
قبضتُ على نفسي وذهبتُ وقلت : ها هو الشخص أمامكم الذي يتطوّع للإشراف على تدريب فريق أطفال المنطقة لكرة القدم .
أنتِ ؟
- إيه أنا ، ما بي ؟
قال :
- لكنك سيدة . فبادرته قائلة إن الكرة لا تعرف سيداً أم سيدة ، أخي .. سجّلْ اسمي عندك واختبرني .
تلكأ الصوت .. شاور الصوت .. وافق الصوت على تعييني ( آل يعني ) مديراً فنياً ..
هاها ! هاتي لنشوف ..
كان الاجتماع الأول بأهالي الأولاد في قاعة مسرح يتّسع لخمس مئة شخص . وهو تابع لمدرسة المنطقة لكن فرق الشباب تستخدمه أيضاً .
دخلتُ المدرج والوقت مساء لأراه غاصاً بالأهالي ، والأولاد في ضجيج وضوضاء وصخب .
وبارتقائي المنصة ساد صمت تسمع فيه رنّة الإبرة .
شعرت ببعض الحرج . تشتت ذهني لحظات ثم عدتُ للانتباه أن علي واجب تقديم نفسي وبرنامجي .
لكن الكلمات تاهت .. والأجساد غابت .. شعرت وأنا أتطلع إلى المدرج بعيون الجالسين الضيقة الصغيرة كأنها شبابيك بيوت مضيئة على تلة بعيدة أنظر لها من شرفتي .
أربكني المشهد وثقل الصمت عليّ .
ما زالوا ينتظرون ويحدقون بي ، وما زلت أحدق في مكان ما من الطاولة أحاول أن أشدّ الذاكرة إلى ما تعبتْ ( الأستاذة ) أياماً وهي تسترجع أمام المرآة الخطاب وتدرس حركاتها ونبرات صوتها لتفعيل الكلام في صدور المستمعين !
الكل كان حضوراً إلا أنا ماعدتُ مارادونا ولا كنت أنا ولا هنا .
فاللسان قد انعقد .. والريق جفّ .. مع أني شربتُ كأس الماء وملأه شاب لي ثانية فجرعته بدوره وأنا غافلة عن داهية اللحظات الحرجة التي ستلي كل هذا الشرب غير المحسوب .
لم أجد ما أبدأ به وقد انْمحى كل شيء من عقلي إلا أن أنظر إليهم بودّ مبتسمة سائلة : كيف حالكم ؟
لكن الجواب جاءني من خارج القاعة من قنّ مجاور ، وقامت الديكة تنافس الدجاجات في إظهار صوتها الرخيم ، وبدأ الصياح ينهمر على الآذان فسكتُّ احتراماً لهذه اللحظة الجليلة التي جاءتني هِبة غير متوقعة من الدجاج بلا مقابل ولا مطمع في طعام ، لأراجع مسودة ذاكرتي ونقلها إلى المبيضّة .
ما أسعدكِ في هذه اللحظات .. هيا تصنّعي الهدوء بما يليق بمقام النعم المنهمرة عليك .
زيدوني .. زيدوني من رخامة صوتكم أيها الدجاج ، عافية عافية ..
ساد بعض الهرج ، فوقف طفل يقول إن قن الدجاج هذا سينتقل إلى مكان آخر في الحديقة الخلفية ريثما تنتهي أعمال بناء بيت خاص للحيوانات الداجنة .
كنت خلال هذه الفترة الوجيزة بدأت أتمالك نفسي وأقف بثقة أمام الجمع .
انبرت متفذلكة تعتذر سلفاً عن سؤال محرج . تطلعتْ الأنظار إليها وهي تقول :
" لم نسمع عن سيدة تهتمّ بكرة القدم ، فهل أنتِ مستعدة حقاً لإدارة فريق أولادنا ؟ أخشى أن تطغى الأعمال المنزلية وتفاجئينا بالانسحاب " .
صدرت همهمة من الحضور تعبر عن الاستياء لهذا السؤال .
بكل هدوء أجبتها :
" اختياراتي في كل شؤون حياتي ليست عرضة لامتحان صدق النوايا ، ثم .. هاتي المدرّب المحترف المتطوّع وسأترك له المهمة فوراً ! ولكن .. هل تضمنين المقدرة لو استلم رجل التدريب ؟ نحن بجهود الجميع سنرتفع ونقوى " .
اهتزّت الرؤوس موافقة ، واطمأنوا إلى برنامجي وشجعوه برضى تام .
طبعاً .. ومن أين لهم بمثلي ؟
رادونا ولّا ما رادونا فقد أصبحنا مارادونا !!
وسأشرف على تمرين الفريق ساعتين يومياً ككل النشاطات الرياضية ، أما المباريات الودية ففي أيام العطل .
ما إن بدأنا بأولى تمريناتنا في الأيام التالية حتى صدقتُ أن القدر أوكل إليّ افتتاح جلائل نشاطاتي بعملية توسيع العيون اليابانية بدون أي تدخّل جراحي !!
وخشيتُ أن أتفرّغ لقدري العجيب هذا وأنا أرى حواجبهم دهشةً مني تعلق في سقف جبينهم وتشدّ العيون معها ، والوجه الذي يعزّ أن تراه مبتسماً إلا كابتسامة الموناليزا الحيرى ، اختفتْ منه وبانتْ فيه التجاعيد حول الخدود والعيون مع اتساع الضحكات .
إيه ها .. اضحكْن أيتها الخبيثات لأستطيع تقدير أعماركن !
وبدأت أوزّع المهمات : أنت تحضّرين المشروب الصحي الرياضي والموز ، وأنت مع أنت تشرفان على أمانة الصندوق ، وأنتن تشرفن على الصيدلية وإسعاف المصابين ، وأنت مع أنتتتتتتِ تحضّرن سياراتكن لنقل اللعيبة إلى مكان المباريات ، وعلى الجميع حضورها إلا لعذر مقبول لتشجيع فريق ( النمر الأرقط ) ، وترديد الهتاف كلما حمي وطيس المعركة :
Bouss shouf speckled tiger gambare!

وزّعتُ عملاً على كل ( أنتِ ) .. وال (أنتيّات) محتارات في ظاهرتي النشيطة الغريبة القادمة من بلاد بدْو الحطّة والعقال .. بلاد الخيام والجمال .. وجحيم بحار الرمال .. حيث لا ماء ولا دواء .. وليس لك إلا السماء والنساء .. وبضع روايات وخرافات .. وحيث أصحاب الدشداشات يقلعون الأسنان بالكمّاشات ..
وأنا كنتُ أقول لنفسي : ما للقوم ينظرون في أسناني متفحصين ؟
إلى أن تكرّم منْ أخبرني أن برنامجاً تلفزيونياً ظهر من فترة قريبة عن عادات أهل الصحراء العربية وطرق حياتهم الغريبة .
حتى نوَيتُ ما نويت وأنا أرى وجه المتفذلكة إياها يقترب مني متفحصاً تبحلق عيونه تبحث على ما يبدو عن ضرس مقلوع بكماشة ، ورحْتُ فجأة مادّة رأسي أمام وجه السيدة ، فاغرة فمي مكشرة ، فتراجعتْ الجاحظة برعب وذهول تتدحرج كلمات الأسف متخبطة مدغومة على لسانها !
كأننا نمزح ~ هه !
كنت في تلك اللحظة كمنْ قلع ضرساً لي بالكماشة !

حاولتْ السيدات إثنائي عن فكرة اليونيفورم حتى لا تزيد التكاليف عليهن . وخرجت الأصوات المعارضة القليلة تقول إن تشكيل هذا الفريق هو نوع من التسلية المفيدة .. لعب .. ولا بأس أن يكتفي الأولاد باللباس الرياضي المدرسي .. نعم ~ ولكن ألوانه متشابهة مع بعض ألبسة المدارس الأخرى ، فكيف سنميّز بسهولة فريقنا من غيره في خبيصة المباريات حتى لو كانت ودية وللتسلية ؟
فاقترحْن تغيير الفانلة فقط .
ضربتُ رجلي بالأرض وقلت :
تتبحترون بالأموال هنا وهناك وبلا حساب على أمور فارغة ، بقيتْ على شقفة كيلوت رياضي ؟؟
فوتبول بلا كيلوت متل أكلة بلا ملح !!
وظهر فريق النمر الأرقط أخيراً باليونيفورم الجديد .. مبهّر بالشطّة من الأعلى بالفانلة الحمراء ومملّح من الأسفل بالشورت الأبيض .
تعالوا وانظروا في فمي لشوف .. أنا ولّا أنتو ؟ هاها ~

مساء جلست وعائلتي نشرب الشاي بعد العشاء ، وعقلي يفكر بتمرينات الغد ، بينما زوجي يجري تمارينه الرياضية قبل الحمام .
فجأة .. لمعتْ فكرة ذهبية بذهني .
كان ظهر سيدنا إليّ وقد انحنى ليلتقط الأثقال من الأرض لما فاجأته بقرار تعيينه مساعد مدرّب فريق : النمر الأرقط .
ظلّ على وضعية وجهه المقلوب وهو ينظر من بين ساقيْه وقد بدا واضحاً أن لسانه ضاع منه !
ذهل سيدنا ، سعد ابن سيدنا ، بحلق سيدنا ، صفّق ابني ابن سيدنا .
أما مرات سيدنا فقد انتظرتْ حتى يهضم مساعدها الجديد ذهوله المحتار في عينيه وهو يرفع ظهره مشيراً إلى نفسه : أنا ؟؟ تقصديني أنا ؟؟
وقبل أن يستعيد نفسه وصوته الذي شابته بحّة ، رحتُ ألهفه قصيدة مديح أثني فيها على أفكاره الهائلة وأقطع عليه طريق الممانعة والصمود .
لم ير ما يفشّ خلقه سوى إسكات فريد الأطرش مطربنا المحبوب في واحدة من بكائياته وكأنه يحكي لنا غناءً حكاية نجاته من غرق لا حكاية غرام .
رماني بنظرة نارية بزاوية عينه ووجهه حافل بالاستهجان :
أهلاً أهلاً بالمصالح !
وسهلاً وميت مرحبا بالمؤهّل .
رمى ببصره إلى الحديقة المجاورة غير مصدق وعاد إلي بوجه يطفح بالإنكار .
نعم ؟ ما المانع يا أخانا لو اجتمع دونغا ومارادونا ؟
هل ستنشفط المياه من البحار ؟ لأ ..
هل ستصبح أمريكا الجنوبية أمريكا الشمالية ؟ لَأَيْن ..
هل سيصعد العرب للقمر ؟ تلات لاءات ..
أما وصاك بي أبي قبل موته ؟
أم أنك تتجبّر علي لأني صرتُ على باب الله ؟
كسرتُ يدي يا إخوان ورحت أشحذ العواطف عليها بصوت ملؤه رقة وحنان وأنا أحدثه عن رعاية اليتيم والشفقة عليه بالتي هي أحسن ها ؟!!
واندمج ( دونغا ) بعمله الجديد ..
وسرعان ما طاوعته المهمة ومضى مشاركاً مساهماً معتبراً نفسه الكل بالكل ..
وفي ليلة ظلماء حالكة السواد ما فيها نجمة تعطس أمام القمر ، قام بانقلاب أبيض على طريقة اليابانيين – وهم أساتذة في هذه النوعية من الانقلابات – وتركني بنص الطريق وأنا أضرب كفاً بكف لهذه الالتفافة غير المحسوبة !!
انقلاب رشيق .. بلا مقدمات ولا مؤخرات وبلا إذاعة بيان رقم 1 وبلا دبابة ولا حتى دبّانة طيارة !
انقلب التلميذ على أستاذه ..
وااكُرَتااااه !!!!
صفينا على دكة الاحتياط ألملم الطابات المهدورة وأركض وراء العيال بالمناشف والماء !
إلا أني بيني وبينكم وجدت أن الإيغال في المنفخة ليس من صالحي ، إذ أن ( إللي إيدو بالمَيْ مو متل إللي إيدو بالنار ) ، والعمل الذي اخترتُه تطوعاً وجرّستُ الدنيا من أجله ورميت نفسي رمياً عليه وعضضت عليه بالنواجذ ، ليس بالسهل ولا مزاح فيه .
إنه التزام . مسؤولية . تخطيط . تعليم .
فأنزلتُ لواء الممانعة ورفعت لواء الزعامة لرفيقي مع تعظيم سلام .
وكفاية ضرب خدود .

Gambare = تشجّعْ ، شدّ حيلك ، أقْدِمْ .


المقال الرياضي القادم بعنوان :
الرياضة صلاة الوطن .



#ليندا_كبرييل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا ومنْ يعلموني السحر : جويْنَر ونادال وميسي .
- وإن ذُكِرت الرياضة قلْ : ربّي يخلليها ويزيدنا فرفشة
- كل هالدبكة والدعكة .. على هالكعكة !
- كنتُ بطلة أوليمبية ذات يوم !!
- صلواتهم ليست لوجه الله ، إنهم يلعبون
- المسيحية ليست ( باراشوت ) نهبط بها فوق كنيسة
- رسالة من الجحيم : إنْ لمْ تهُبّوا فهِبُوا
- هل أتضرّع لطبيعة غبيّة لتنصرني على إلهٍ جبار ؟؟
- رسالة إلى الجحيم : كل فمتو ثانية والبشرية بخير
- رسالة إلى الدكتور جابر عصفور المحترم
- رسالة إلى السيد جمال مبارك المحترم
- عند عتبة الباب
- حول مقال : في نقد علمانية الدكتورة وفاء سلطان
- رثاء - وافي - قبل الرحيل
- رأي في مقال السيدة مكارم ابراهيم
- من أندونيسيا عليكم سلام أحمد
- الأستاذ سيمون خوري : كنْ قوياً , لا تهادنْ !
- وداعاً قارئة الحوار المتمدن
- في بيتنا قرد


المزيد.....




- - ليست فوتوشوب -.. عضلة في جسد محمد صلاح تثير ذهول المتابعين ...
- سعود عبد الحميد يدخل تاريخ الدوري الإيطالي (فيديو)
- السعودية.. رونالدو يتلقى هدية ثمينة من صانع محتوى شهير(فيديو ...
- والد نيمار يثير الجدل بتصريحات عن مستقبل نجله
- بعد ظهور محمد زيدان بإعلان لشركة مراهنات.. وزارة الرياضة الم ...
- بسبب خلع القميص.. رقم سلبي -غريب- يلاحق محمد صلاح
- الدوري الإسباني: ريال مدريد يدك شباك ليغانيس غداة تعثر برشلو ...
- بعد فوز الاتحاد على الفتح.. لوران بلان يشكو من هذا الأمر
- هدف رائع وآخر قاتل.. دينامو موسكو يكتوي بـ-الشعلة-.. فيديو
- بعد مزاعم عن سوء علاقتهما.. هذا ما قاله مبابي عن فينيسيوس جو ...


المزيد.....

- مقدمة كتاب تاريخ شعبي لكرة القدم / ميكايل كوريا
- العربي بن مبارك أول من حمل لقب الجوهرة السوداء / إدريس ولد القابلة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - عالم الرياضة - ليندا كبرييل - رادونا ولّا ما رادونا فقد أصبحنا مارادونا