أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعرب العيسى - حادثة الربع قرن ... متفقون على الوطن؟ لنختلف على ما تبقى















المزيد.....

حادثة الربع قرن ... متفقون على الوطن؟ لنختلف على ما تبقى


يعرب العيسى

الحوار المتمدن-العدد: 1091 - 2005 / 1 / 27 - 10:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر يغادر الوجود والوجودية، المجاعة التي ستقتل عشرة ملايين إنسان تضرب دول شرق ووسط إفريقيا، خمس وستون دولة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تعلن انسحابها من دورة الألعاب الأولمبية في موسكو، فؤاد غازي يطلق "لازرعلك بستان ورود" ممهداً الدرب في وقت مبكر لظهور ثقافة "طل الصيبيح ولك علوش"، منظمة الصحة العالمية تعلن زوال مرض الجدري عن وجه الأرض نهائياً، لاعب التنس السويدي بيورن بورغ يدخل التاريخ بفوزه بدورة الويمبلدون للمرة الخامسة، والممثل السوري بسام كوسا يظهر في أول مشهد له في فيلم حادثة النصف متر لسمير ذكرى، شاعر مجهول اسمه تشلو ميلوش ينال نوبل الآداب، ومهندس معماري شاب اختص في تخطيط المدن من هولندا يباشر عمله رئيساً لمجلس مدينة حلب.
هكذا كان العالم يبدو في عام 1980 بينما سوريا تمر بظروف بالغة الدقة داخلياً وخارجياً (كما نقول كل صباح منذ الاستقلال)، المناوشات العراقية الإيرانية تتحول حرباً نظامية شرسة تستنزف مقدرات البلدين على الخاصرة الشرقية، وحرب أهلية متأججة في لبنان الذي تغلغلت القوات الإسرائيلية في جزء من أراضيه على الخاصرة الغربية، أحداث أمنية تعصف بالبلاد وجهات غامضة تحاول دفع الأمور باتجاه حرب أهلية، اغتيالات وتفجيرات في القلب.
في ذلك العام كان الجميع معنياً بالحفاظ على تماسك البلاد، كل حسب إمكانياته وفهمه لحقيقة الظروف: الجيش في حالة استنفار، مؤتمرات استثنائية للمنظمات والنقابات، القيادة تجتمع مع ممثلي التنظيمات المختلفة، وفود شعبية ورسمية من مختلف المحافظات تلتقي برئيس الجمهورية لتجدد ولائها للنظام وتعلن تبرؤها من مرتكبي الأحداث.
وفد حلب ضم شخصيات رسمية شعبية، تحدث عدد منهم وفق الطريقة السورية التي ما زلنا نحافظ عليها كإرث راسخ: قالوا ما اعتقدوا أن الرئيس يريد سماعه.
المهندس الشاب ذو الستة وثلاثين عاماً غرد خارج السرب وتحدث بلغة أخرى حاول رؤساؤه المباشرون إسكاته بسببها عبر إشارات أو محاولات مقاطعة، بيد أن الرئيس الراحل أشار له ليتابع وأنصت له باهتمام، تحدث من موقعه كرئيس مجلس مدينة، ومن موقفه كشاب متحمس غيور على بلده، تحدث عن ظروف حياة الناس وعلاقة ذلك بالعنف، تحدث عن أن الشارع النظيف يجعل المواطن أكثر التصاقاً بوطنه وحرصاً عليه، وأن من يسير في شارع منار يكون أكثر إحساساً بالأمان، ومن يجد في حيه حديقة يتنفس فيها الهواء يصبح أقل تطرفاً وقد لا يفكر في الذهاب لمكان آخر، الحي المهمل يجعل سكانه أسهل تحريضاً، والشارع المظلم يسهل مهمة من يخطط لعمل ما.
هز الرئيس الراحل رأسه موافقاً وسأله ماذا تريد؟، قال: مئة مليون ليرة.
بدا الرقم مرعباً في مقاييس تلك الأيام إذ كان يعني مضاعفة ميزانية حلب عدة مرات، لكن الرئيس الراحل وجه بتخصيص المبلغ لمجلس مدينة حلب.
رغم أن وجه رئيس الوزراء آنذاك عبد الرؤوف الكسم ازداد امتقاعاً على امتقاع، إلا أنه في النهاية صرف المبلغ مخالفاً نظرياته بترشيد الاستهلاك وضغط النفقات والتي يتذكرها السوريون حتى اليوم ويعاني.
خلال الأشهر التالية اشترى مجلس مدينة حلب آليات للنظافة، ومد الإسفلت في مئات الشوارع وزرع الحدائق وبلط الأرصفة وأنار الشوارع، وربما يوجد الكثير ممن يتذكرون كيف كان الناس يتحدثون عن جمال حلب ونظافتها.
والمدينة الأجمل يسكنها بشر أجمل، والشوارع الأنظف يعبرها بشر أنظف، ومن تظلله أغصان شجرة لا يمكن أن تلفحه أشعة الحقد.
ربع قرن مضى تغيرت فيه البلاد والعباد، ويكاد معظمنا ينسى آلام تلك المرحلة، إن لم يكن تسامحاً، فبسبب هول الأخطار التي تحيق بنا الآن، والتي لم تبق في قلوبنا مكاناً للذكريات.
في هذا الظرف (الدقيق فعلاً) أجد الوقت مناسباً لأذكّر ذاك المهندس الشاب بما كان يؤمن به، وبنظريته في مجابهة الصعاب، والتي ثبت أنها مثل قوانين الفيزياء، لا يمس الزمن بصحتها، ففي كل زمان وكل مكان يبني الإنسان السعيد وطناً سعيداً، والناس المقهورون يشكلون وطناً مقهوراً.
اسم ذاك المهندس كان محمد ناجي العطري، ونظريته ما زالت صحيحة، لكن حاجاتنا صارت أكبر:
نريد حديقة نتنفس فيها الهواء بالمعنى الحرفي للكلمة، لكننا نريد أكثر حديقة بالمعنى المجازي، قد تكون صحيفة أو منتدى أو حزب أو محكمة، لكنا نريد مكاناً نتنفس فيه.
نريد إضاءة شوارعنا كي نمشي في النور ونرى أين نضع أقدامنا، لكننا نريد أكثر إضاءة بالمعنى المجازي، تجعلنا نعرف أين نضع أقدامنا وماذا يجري حولنا وأين تذهبون بنا.
نريد شوارع نظيفة، لكننا نريد أكثر مؤسسات وإدارات ونفوساً نظيفة.
نريد طرقاً معبدة، لكننا نريد أكثر إزالة الصخور عن طريق مستقبل أبنائنا، صخور البطالة والفقر وتخلف المناهج.
نريد أن نعرف من أين أتى هؤلاء الذين نعمل عندهم بكل هذه الأموال.
نريد أن نمرض دون خوف، ونروي نكاتاً ونضحك عليها دون خوف، ونبكي دون خوف، نريد حين نخطئ أن يعتقلنا شرطي ويحاكمنا قاض ويدافع عنا محام، نريد أن يكون المدراء أكثر كفاءة من موظفيهم وأقل جشعاً من ضبع.
نريد خدمات مرضية من الإدارة المحلية، لكن نفضل أن نرجع لطريقة عمر بن عبد العزيز في الإدارة المحلية، (أرسل له والي حمص يقول: سور المدينة قد تهدم فليأذن لنا أمير المؤمنين بإصلاحه من بيت المال، فرد عليه عمر: حصن مدينتك بالعدل، ونق طرقها من الظلم فإنه حصنها.)
في عام 1980 كان الموظف يستطيع بكثير من الصبر وقليل من التقتير أن يبني بيتاً، لكنه الآن يحتاج لمعجزة أو رشوة كي يأكل، ويكون قد اجترح معجزة قبلها حين وجد عملاً وصار موظفاً.
الجائع لا يصيب الهدف، لان يده ترتجف أثناء التسديد، والإنسان يدافع عما يملك، ومن لا يملك شيئاً لا يدافع عن شئ، حين نكون شركاء في الوطن، فنحن مستعدون لنكون شركاء في الخسارة، وحين نكون أجراء نعمل بصمت لخدمة سيد غامض، سنبقى أجراء نعمل بصمت لخدمة أي سيد غامض.
فالكرامة الوطنية لا يمكن أن تكون سوى المجموع الحسابي البسيط للكرامة الفردية لكل من أبناء الوطن.
حين نكون جميعاً متفقين على قداسة الوطن، ما المشكلة أن نختلف على كل شئ بعده؟.
عند أي خطر سنهب لنحمي وطننا، لكننا نريد منكم شيئاً بسيطاً للغاية، سنتعرض لسؤال وجيه ولا نملك جواباً مقنعاً له، ونريد أن تساعدونا وتخبرونا ماذا سنقول لمن سيسألنا: عن ماذا تدافعون؟



#يعرب_العيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إصلاح الإصلاح الزراعي...كان النقاش ممكناً إذاً
- عنّا: أولئك الذين نحب ممدوح عدوان
- هل رفعت قصة نبيل فياض سقف الصحافة السورية؟
- تحديثيو التلفزيون السوري يسلبونني موفق الخاني
- جمال سليمان ..نجم محبوب بموجب المادة 8 من الدستور السوري
- ولا نتقن دور الضحية أيضاً؟
- الاسلام متخرجاً من مدرسة أحمد عدوية


المزيد.....




- رأسه يحمل ألوان -الكوفية- الفلسطينية.. الحوثيون ينشرون فيديو ...
- مقتل 4 أشخاص في حرائق غابات اجتاحت مناطق سكنية في لوغانسك
- الدفاعات الروسية تسقط 16 مسيرة أوكرانية غربي البلاد
- واشنطن تعاقب شركة تنتج برمجيات تجسسية يديرها ضابط إسرائيلي س ...
- طبق طائر يناور في أحد الأنهار الفيتنامية.. ما القصة؟ (فيديو) ...
- طريق رسائل السنوار .. كيف تخرج وتصل إلى المتلقي؟
- الاتحاد الأوروبي يعلن إجلاء ناقلة نفط أحرقها الحوثيون في الب ...
- كيف قنصت مصر أغلى طائرة تملكها إسرائيل؟
- الأردن يؤكد استلامه جثمان المواطن ماهر الجازي
- السنوار يقول إن حماس مستعدة لخوض -معركة استنزاف طويلة- ضد إس ...


المزيد.....

- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعرب العيسى - حادثة الربع قرن ... متفقون على الوطن؟ لنختلف على ما تبقى