|
كم تتقاضى يا عمر؟ من الإشكالية إلى المشكلة
فيصل مبرك
الحوار المتمدن-العدد: 3713 - 2012 / 4 / 30 - 03:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد قرأت في أحد صفحات الحوار المتمدن موضوعا للأخ عمر دخان، فأردت أن أرد عليه من خلال هذا المقال القصير، وما الدافع لذلك إلا لتبادل الأفكار والحوار الهادئ البناء، في هذا الفضاء الفسيح الحر "الحوار المتمدن". ولم أزدد بقراءة هذا الموضوع إلا استشكالا وتمشكلا، في الحقيقة ردي هذا ليس لصالح أحدهم، فلا هو لصالح الإسلاميين ولا هو لصالح العلمانيين وإن كنت لا أعتقد أن نقيض الإسلاميين هم العلمانيين ولكنني أقول أن نقيض الإسلاميين هم الملاحدة والمشركون، وهو ما عبر عنه الإسلام ذاته من خلال مصدره المهم والأول القرآن، ولا حتى اليهودية كديانة تناقض الإسلام ولا المسيحية تفعل ذلك أيضا... ألاحظ في هذا الموضوع تعميما وتصويرا وتنميطا واختزالا مفرطا، فالكاتب يتكلم بنوع من الشكوى من حالة العالم العربي، وبصورة أدق حالة المجتمع العربي أو الذهنية العربية، ولكنه يقع في الدور نفسه ذلك أن استعماله للتعميم والاختزال والانتقاء بهذا الشكل يجعله لا فرق بينه وبين من طرح عليه السؤال المحير: لصالح من تعمل؟ كم تتقاضى يا عمر؟؟ ذلك أن كلا الطرفين انطلقا من أفكار مسبقة وصور نمطية أو إيديولوجية ظاهرة أو باطنة، وهو ما جعلني أقول: ما هذا الشبل إلا من ذاك الأسد، فحتى وإن زعم الشبل أن له اختلافات جينية أو خَلْقِيَّةً عن غيره من الأسود... إلا أنه لن يتحول إلي فيل... ولا إلى نملة... دونكم ما كتب الأخ عمر: «كل مرة أناقش فيها أحد العرب وأختلف معه في الرأي، حيث يفترض دائما لمجرد أنني أملك رأيي الشخصي و أرفض أن أكون مجرد نعجة في القطيع كما يفعل هو، يفترض أن هناك من يدفع لي لتكون لي آراء شخصية و مبادئ مستقلة قد تتفق و قد لا تتفق مع التيار العام من الآراء السائدة في المجتمعات العربية»، أنا لا أريد أن أطول في تحليلي وتعمقي لمعنى ودلالات المصطلحات التي وظفها الرجل، لكي لا يكون هذا تجني على الكتاب أو تلفيقا وتقويلا له بما لم يقل، إلا أن هذا لا يمنعني من الإشارة إلى إيحاء بعض الكلمات، مثلا: كل مرة، وتوحي هذه العبارة بأن هذا الأمر متاح بقطعية جازمة وحتمية بالضرورة تشير إليها عبارة كل مرة. ثم عبارة: أحد العرب، فهي تحمل معنى أي كان من العرب، وليس ذلك على وجه التخصيص، بل على وجه التعميم والشمولية، وذلك لما نقرأ العبارتين السابقتين متصلتين، وفنجد أنه يقصد، "في كل مرة ألتقي بأي كان من العرب"، وكان أبلغ وأسلم له وأقرب إلى العقل أن يستعمل بعض بدلا من كل، أما عبارة: يفترض دائما، وهي الصورة القطعية السابقة ذاتها، ثم عبارة: مجرد نعجة في القطيع كما يفعل هو، في الصورة نفسها، إضافة إلى حكم ارتدادي معاكس، وأخيرا عبارة: قد تتفق وقد لا تتفق مع التيار العام، أي أن هذا ديدن هذه الفئة من الناس يبادرون بإلقاء التهم لغيرهم، كما لا يسلمون من اتهام بعضهم البعض، حتى في أحسن الأحوال... يتكلم الكاتب عن إنجازات حققها دون من يسميهم العرب، كنت أريد أن أعرف فضولا أي إنجاز حققه بتميزه في التفكير عن القطعان العربية؟ لا أعتقد أنه يعدو أو يتجاوز الأسئلة الكلاسيكية عن الذات الإلهية، وأفكارا تدعو إلى المحبة والتواصل وإرساء الأمن والسلام في العالم، والتقارب بين الشعوب والأمم وإلغاء العصبية العنصرية والقومية الخشنة، والتمذهب الديني الدوغمائي، في إطار ما يسمى بالإنسانية العالمية، بكل هذه الأفكار يستشف الكاتب نوعا منم تميز شخصه عن ما يسميهم العرب، وإن كنت كباحث في التاريخ لا أميل إلى استعمال مصطلح العرب، ولكن أقول الشعوب الروحانية المتدينة (ليس قطعا طبعا، ولكن الصفة الغالبة فيهم، والوصف الغالب عليهم)، أو كما يسميهم أحد الفلاسفة الكائنات ما قبل المنطقية، قلت هذه الأفكار التي ظن الكاتب أنه تميز بها عن البقية ممن وصفت قبل قليل، هي أيضا أفكار لا تعدو ولا تتجاوز السطحية في الطرح والتغاضي عن الكثير من الحقائق التاريخية –إما سهوا، أو جهلا بها، أو ذاتية مضمرة فيه-، هذا على الأقل انطباعي حول مقال بسيط قرأته كهذا المقال، قد يفندها الكاتب بعد ذلك بتوضيحات أكثر وينورنا بهذه الانشغالات والهموم، حتى يتبين لنا أصالة مشروعه وسمك معطياته ودقة وعمق تحليله... وانطلاقا مما سبق، هنا تجدني أقف حائرا بين إشكالية طرحها عمار دخان، ومشكلة وقع فيها، تتراوح تفاصيل الإشكالية في الخروج عن القطعانية بحرية التفكير والاجتهاد واحترام الرأي المخالف وهو ما يجب أن يعرفه المسلمون والمتمسلمون ويفهموه، نعم المسلمون دون غيرهم من الشعوب المتدينة المغالية الأخرى، وفي ناحية أخرى -غير بعيد عن هذه الإشكالية- أعتقد أن الكاتب -وهو مشكور على كامل جهوده-، وقع في المحظور وهو أنه بطرحه هكذا مقال وهكذا أفكار لم يخرج ولم يتميز قيد أنملة عن أولائك الذين سماهم العرب الذين كانوا يضايقونه بسؤالهم: كم تتقاضى يا عمر؟... لذا فلا غرابة أن نجد الكاتب يظهر ذلك علانية في قوله: «...لعل سؤالي لهم سيكون "من يدفع لكم؟"...»، لا أريد أن آخذ هذا على سبيل الحجة، فادخله ونفسي في بوتقة الاتهامات، ولكن السؤال الملح هو: هل يعقل لمخلوقات لا تفكر أبدا إلا بهذه الطريقة الخرافية الممزوجة بالأوهام أن تتقاضى من أحدهم أمولا؟ أليس من السخافة أن يدفع العاقل للحمار أجرة مقابل استعمال ظهره المنحني المستوي؟ أليس هذا الانحناء هو تكرم من الحمار نفسه، ليهب للعاقل هذا الظهر حتى يستعمله كيفما شاء؟ أسئلة كثيرة يلعب فيها الحمار دور البطل... ثم إن "الوصول إلى الرقي الفكري وإلى درجة من إحترام الرأي المقابل سيكون صعبا على الكثيرين" حسب تعبير الكاتب نفسه، فإنه من الصعوبة بمكان عليه أيضا أن يدرك أنه لم يخرج قيد أنملة عن أولائك الذين سماهم العرب الذين كانوا يضايقونه، والذين يراهم مثقلين بركام البدونة وترسبات الحياة الجافية والوحشية. أما إذا انعرج الكلام إلى العلمانية والتنويرية، فهي الخاتمة التي يحلو للكثيرين التغني بها كنظرة تفاؤلية، وأمنية جميلة منتهاها نهاية المأساة الإنسانية، وخلاصها من كل الأزمات التي سطرتها الديانات السماوية، والوضعية، سيما الديانات المستعدة للمواجهة، التي ما زالت تغلف العقل الإنساني وتؤثر عليه أحيانا، وهو ما شكل عقدة للعقلانيين التنويريين الجدد، إذ لم يجرؤ أحد أن يفحص المشروع الإسلامي بدقة ويفترض أنه قد لا يتعارض مع المشروع العلماني، أم أن الحل في قول الفيلسوف: كلنا كائنات دوغمائية إلى حد ما؟ أم أن هناك خلط بين العلمانية والعميانية على حد قول أحدهم، فالعلمانية لا تعني بالضرورة انتقاد الدين في كل المحافل، ولا تعني التغاضي عليه وإلقائه جانيا في شتى الأحوال، ولا تعني أيضا التخلي عن التراث الديني وتجاوزه بطريقة تشبه إلى حد ما الإقبار والدفن، فهذا أقرب إلى العميانية منه إلى العلمانية، وأضيف مصطلح الإعمائية، كمصطلح بديل يحمل وصفا لؤلائك الذين يرمون كل تفكير ديني بإفك العمه، ذلك أن العمى في العيون، والعمه في العقول أو في التفكير...، في هذا أرى يا أخ عمر أن الفيلسوف طه عبد الرحمن يمكنه أن يفيدك في كتابه المعنون بـ: روح الدين من ضيق العلمانية إلى أفق الائتمانية، ثم أيضا كتاب التراث والعلمانية، للسيد عبد الكريم سروش وهو مترجم إلى العربية، أفكار كثيرة أكتفي بما تيسر منها...
#فيصل_مبرك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|