|
الطبقة العاملة، وأزمة الرأسمالية المعاصر وآفاق المستقبل
حامد الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 3712 - 2012 / 4 / 29 - 21:53
المحور:
ملف - المتغيرات فى تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحزاب اليسارية - - بمناسبة 1 ايار- ماي عيد العمال العالمي 2012
بمناسبة عيد الأول من أيار
الطبقة العاملة وأزمة الرأسمالية المعاصرة، وآفاق المستقبل
يحل علينا يوم غد عيد الطبقة العاملة في الأول من أيار في ظل ظروف بالغة التعقيد تجتاح النظام العالمي الرأسمالي، حيث تتوالى ألازمات الاقتصادية المتلاحقة في دول أوربا والولايات المتحدة واليابان والأنظمة السائرة في فلكها، بعد تلك البهجة التي سادت العالم الرأسمالي لدى انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، والذي اعتبره فوكوياما نهاية الاشتراكية، وانتصار الرأسمالية النهائي، وقد تسبب ذلك الحدث الجلل خيبة أمل كبيرة للبشرية التي كانت تحلم بعصر الحرية والديمقراطية والتوزيع العادل للثروة، بما يحقق العدالة الاجتماعية بين بني البشر. فقد أحدث سقوط التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وانهيار منظومة المعسكر الاشتراكي انتكاسة كبرى ليس فقط بالنسبة لشعوب هذه البلدان وحلمهم في قيام عالم جديد قائم على أسس من العدالة الاجتماعية، وإنهاء استغلال الانسان لأخيه الإنسان، بل أن الكارثة قد حلت بالعالم اجمع، بعد أن اصبحت الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة القطب الأوحد والأقوى في العالم، وتحول هذا العالم في عهد العولمة إلى سوق مفتوح، وتداخل واسع النطاق للرأسمال العالمي والشركات المتعددة الجنسيات، ولاسيما بعد حصول هذا التطور السريع والكبير لوسائل الاتصال التي جعلت من العالم قرية صغيرة، ولم تعد الحدود تقف حائلاً أمام تداخل وهيمنة الشركات والمؤسسات الرأسمالية على الاقتصاد العالمي.
لقد أدى هذا التغيير الدرامي المتسارع إلى اشتداد الضغوط التي تمارسها الرأسمالية العالمية على الطبقة العاملة في مختلف بلدان العالم بعد أن فقدت سندها القوي الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، واشتداد قبضة الشركات والمؤسسات الرأسمالية على الطبقة العاملة، واغتصاب حقوقها المشروعة في تأمين العدالة الاجتماعية، وتأمين حياة كريمة تليق بالإنسان العامل الذي هو العنصر الحاسم في خلق كل هذه المنجزات التي تشهدها البشرية في عالم اليوم، ولا تحصل لقاء جهدها الكبير سوى الفُتاة، في حين تتكدس مئات المليارات في جيوب أصحاب الشركات الاحتكارية والكارتيلات والمؤسسات الرأسمالية الكبرى.
لقد باتت الرأسمالية العالمية أكثر جشعاً في استغلال جهد الطبقة العاملة، وزاد من هذا الاستغلال التطور الهائل في وسائل الإنتاج ودخول عصر الأتمة الذي حول العامل إلى آلة صماء لا تستطيع الفكاك من متابعة العمل ولو للحظة واحدة، حيث يفرض هذا التطور أن يسير العمل دون توقف في كل مراحل الإنتاج، فأي تأخر في أي من مراحل الإنتاج يؤدي إلى تأخر المراحل التالية، وهكذا تصبح الآلة هي التي تتحكم في عمل الانسان، ولذلك فلابد للعامل أن يتحول في نهاية المطاف إلى جزء من هذه الآلة حيث يستنزف أقصى طاقته في هذا العمل المستمر دون توقف.
إن هذا التطور في وسائل الإنتاج، وتصاعد الاستغلال لجهد الطبقة العاملة، وتصاعد الضغوط التي يفرضها طبيعة العمل لابد أن يفرض على الطبقة العاملة أن تغير أساليب نضالها المشترك كماً ونوعاً، وذلك من خلال تنظيماتها السياسية والنقابية، لكي تستطيع فرض شروط عمل أفضل، وأجور تتناسب والجهد المبذول، والذي يحقق للطبقة العاملة مستوى من الحياة المعيشية تليق بالإنسان على المدى القريب، والسعي الجاد والمتواصل من خلال تنظيماتها الحزبية المسترشدة بالماركسية، وتطويرها بما يتلاءم والعصر الحالي، وخلق الظروف التي تمكن في نهاية المطاف نضال الطبقة العاملة من أجل تغيير حقيقي لعلاقات الإنتاج، وهو الذي يمثل الهدف الأبعد لنضال الطبقة العاملة، وهو الحلم الذي ناضلت من اجله البشرية جمعاء.
إن فشل التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي لن تكون نهاية المطاف أبداً، والمجتمع الإنساني سبق أن مر بمراحل متعددة، وكل انتقال من مرحلة إلى أخرى قد يصاحبه أخطاء وانتكاسات، كما حدث في الاتحاد السوفيتي، لكن هذه التجربة والتجارب التي سبقتها والتي ستليها ستعلم الطبقة العاملة وأحزابها السياسية وتنظيماتها النقابية كيف تستفيد من تجاربها وتتجاوز أخطائها، والسير الحثيث من أجل خلق عالم جديد، وعلاقات إنتاج جديدة تحقق حلم الطبقة العاملة وسائر المجتمع الإنساني بحياة رغيدة خالية من الاستغلال واستعباد رأس المال.
أن الماركسية بما قدمته لنضال الطبقة العاملة وإنجازاتها كان كبيراً جداً، ولولا الأخطاء التي وقع فيها قادة الاتحاد السوفيتي الذين حولوا النظام الاشتراكي الذي سعى مؤسس الدولة لنين لبنائه ليكون نموذج للعالم اجمع، إلى رأسمالية الدولة، بالإضافة إلى انتهاك الحقوق الديمقراطية للشعب السوفيتي وشعوب المعسكر الاشتراكي، لكان عالم اليوم غير هذا العالم الذي بات فيه الرأسمال العالمي يتحكم بمصير الشعوب. لكن هذا التحكم لن يستمر إلا إلى حين.
ستبقى الماركسية هي السبيل الذي يهدي البشرية لتغيير الواقع الذي تعيشه اليوم، وتعلم الطبقة العاملة وأحزابها السياسية أساليب النضال لتحقيق حلم البشرية في مجتمع عادل لا مكان فيه للاستغلال، مجتمع لا مكان فيه للفقر والعوز والبطالة، مجتمع تتحقق في ظله كامل حقوق الانسان في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والعيش الرغيد.
إن منظري الرأسمالية مهما حاولوا تلميع وجهها لن يفلحوا أبداً في مسعاهم لسبب بسيط هو كون النظام الرأسمالي قائم في الأساس على استغلال الإنسان لجهد أخيه الانسان، فهو نظام تنتفي فيه العدالة، وستكون الرأسمالية في نهاية المطاف عاجزة عن تقديم حل حقيقي وإنساني للتناقض الحاصل بين المستغِلين ( بكسر الغاء) والمستغَلين (بفتح الغاء) إلا من خلال نظام بديل يؤمن للإنسان العدالة الاجتماعية الحقيقية الخالية من الاستغلال والاستعباد. تحية للطبقة العاملة وشغيلة الفكر بعيد الطبقة العاملة. ليكن هذا اليوم المجيد حافزاً لنضال الطبقة العاملة من أجل خلق عالم أفضل. المجد لشهداء الطبقة العاملة وشغيلة الفكر في العالم أجمع ممن دفعوا حياتهم ثمناً. لتحقيق حلم البشرية في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
حامد الحمداني لمطالعة المزيد من المقالات والبحوث، وسائر كتبي العودة إلى موقعي على الانترنيت التالي: www.Hamid-Alhamdany.plogspot.com
#حامد_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة عيد المرأة في 8 آذار: آفاق المرأة والحركة النسوية في
...
-
في الذكرى السادسة عشرة لرحيل المناضل البارز الدكتور خالد محم
...
-
هذا ما كتبته قبل الغزو الأمريكي للعراق محذراً من نتائجه الكا
...
-
الدور الأمريكي في وصول الاسلام السياسي إلى الحكم في إيران، و
...
-
في ذكرى اغتيال الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم قائد ثورة 14تمو
...
-
من أجل تطوير مناهجنا التربوية لأجيالنا الناهضة
-
هل يدفع الشعب العراقي فاتورة الصراع على السلطة؟
-
وثبة كانون الثاني المجيدة في ذكراها الرابعة والستين
-
هل اقتربت ساعة الحسم بين المقامرين بمصير العراق وشعبه؟
-
ينبغي الحذر من دفع البلاد نحو الحرب الطائفية، وعدم اختزال ال
...
-
الأمم المتحدة مدعوة لإنقاذ العراق من خطر الحرب الأهلية قبل ف
...
-
مشاريع تمزيق العراق باسم الفيدرالية، ومسؤولية حكومة المالكي
...
-
قوى الديمقراطية واليسار، والربيع العربي
-
محنة الشعب السوري بين طغيان نظام البعث، ومخاطر التدخل الدولي
-
العراق في خطر داهم، ولابد من تدارك الأمر قبل فوات الأوان!
-
الشعب الكردي من حقه أن يكون له كيان مستقل إذا ما تهيأت له ال
...
-
من ذاكرة التاريخ : الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على العرا
...
-
من ذاكرة التاريخ: الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على العراق
...
-
من ذاكرة التاريخ: الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على العراق
...
-
من ذاكرة التاريخ: الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على العراق
...
المزيد.....
-
-معاد للإسلام-.. هكذا وصفت وزيرة داخلية ألمانيا المشتبه به ا
...
-
-القسام-: مقاتلونا أجهزوا على 3 جنود إسرائيليين طعنا بالسكاك
...
-
من -هيئة تحرير الشام- إلى وزارة الخارجية السورية.. ماذا تعرف
...
-
جزيرة مايوت المنسيّة في مواجهة إعصار شيدو.. أكثر من 21 قتيلا
...
-
فوائد صحية كبيرة للمشمش المجفف
-
براتيسلافا تعزز إجراءاتها الأمنية بعد الهجوم الإرهابي في ماغ
...
-
تغريدة إعلامية خليجية شهيرة عن -أفضل عمل قام به بشار الأسد
...
-
إعلام غربي: أوروبا فقدت تحمسها لدعم أوكرانيا
-
زعيم حزب هولندي متطرف يدعو لإنهاء سياسة الحدود المفتوحة بعد
...
-
أسعد الشيباني.. المكلف بحقيبة وزارة الخارجية في الحكومة السو
...
المزيد.....
-
هكذا تكلم محمد ابراهيم نقد
/ عادل الامين
المزيد.....
|