|
محاكمات المبدعين في عصر المتأسلمين
أبو الحسن سلام
الحوار المتمدن-العدد: 3711 - 2012 / 4 / 28 - 17:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الحقيقة التاريخية والحقيقة الفنية - بمناسبة محاكمة المبدعين -
من عادة أنصاف المثقفين وأرباعهم الوقوف عند مظاهر الأشياء وحشر أنوفهم في آخص خصوصيات الغير وهذا تدخل سافر لا تقبله الأخلاق ولا تقبله الأعراف ولا تقبله الأديان وتعاقب عليه قوانين البلاد المتحضرة التي تحترم حقوق المواطنة وكل ذلك عرفته مصر منذ نهضتها الحديثة فعلى مستوى الدين عرف المصريون واقعة اقتحام عمر بن الخطاب لمنزل أحد المسلمين إذ سمعه في الليل في أثناء تفقد عمر لأحوال الرعية يقول سأقتلنك ياعمر لتسلق عمر بن الخطاب سور البيت وأمسك بالرجل وأقتاده لمحاسبته .. لكنه توخيا لحكم الشرع رجع إلى الحجة الشرعية (على بن أبي طالب) وعرض عليه الواقعة وقراره فيها فقال له الإمام على ( ليس من حقك أن تؤاخذ رجلا قال إني سأفعل لكنه لم يفعل) فأطلق الرجل .وعرف عمر أنه ارتكب معصية التجسس والاعتداء على حقوق مواطنة واحد من رعيته لقد ارتكب عدة أخطاء وهو القائم بأمر الشعب من الناحية الدستورية هناك مادة دستورية تقرر حق التفكير وحق التعبير . من الناحية التخصصية: هناك مثل مصري - يعني قانون عرفي شعبي يعبر عن حكمة الشعب المصري-( إدي العيش لخبازه) بمعني أن الحكم على الشيء يترك بالضرورة لأهل الصنعة . من الناحية الإبداعية : الفن صورة .. وفي القرآن تصوير فني في الأسلوب مثل ( والسماء رفعناها بلا عمد ترونها ) فهو يشبهها بالخيمة الكبيرة والإعجاز في أن خيمة السماء بلا أعمدة على اتساع مداها بعرض الأرض بينما يعرف العربي في البادية أن الخيمة الصغيرة عندما يريد رفعها يدق لها عشرات الأوتاد وعشرات الأحبال وأكثر من عمود . يقول ابن رشد : ( لولا التجسيم لارتفع التصديق عن العامة) أي لم يصدف عامة الناس .. لذا جسد الله أنهار الجنة ( أنهار من لبن وعسل غير آسن : يعني غير متعفن ) وأغرى المتعبدين المتقين بحور عين ( نساء بكر لا يطمسن ولم يلمسن .. عذراوات أبكار يرى مخ ساقهن من وراء ثيابهن الشفافة .. الصورة طبعا مفهومه . هذه صور فنية هدفها مخاطبة وجدان البشر لا عقولهم والسؤال: هل أولئك المتأسلمون أخوانا وسلفا وجماعات متأسلمة تسيس الدين حسب فكرهم .. هل هم أكثر فهما للشريعة وأحكامها أفضل من الأمام على كرم الله وجه وهو حجة الشريعة الإسلامية والذي قال فيه النبي ( خذوا أحكام دينكم من على ومن عائشة ) - مضمونا - ؟! أو من تفاسير علماء المسلمين؟ بالقطع لا..لا..لا - هل يحترمون الدستور الذي أوصلهم لكراسي البرلمان والشورى؟! بالطبع لا..لا..لا - هل هم أهل الصنعة الفنية والأدبية سينمائيا ومسرحيا وتشكيليا ورقصا وجبلا وممرا؟! بالقطع لا..لا.. لا - هل هم خلفاء لله ؛ أو نواب عنه - عز وجل - في نصب ميزان الحساب الشرعي مثوبة أو عقوبة ؟! بالقطع لا..لا..لا - ما المسألة إذا؟! - هل على الفنان أو الأديب أن يكون مؤرخا أو حاميا لما سجل في كتابات المؤرخين ؟! بالقطع لا..لا..لا لان التاريخ شيء والفن شيء ولكل منهما شروطه التي تؤطر أسس بنائه شكلا ومحتوى ومضمونا . إذا لكل منهما حقيقته الخاصة به ولكل صنعته التي يجيدها ويحترفها.. للتاريخ حقيقته التاريخية متمثلة في الوقائع وفي الأعلام الفاعلة للوقائع وفي التواريخ التي وقعت فيها الأحداث والوقائع بفاعليها محمولة على أسبابها التي قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة وإنما عهدة الصحة أو البطلان معقودة في عنق المؤرخ وأسانيده . وهنا يكون حفاظ الفنان أو الأديب على الواقعة التاريخية بفاعليها وعلاقاتها أمرا واجبا .. غير أن حقه في تناول مسبباتها بالتفسير والتأويل حقا أصيلا له شأنه في ذلك شأن الباحث والعالم في التاريخ إذ يعيد عرض الوقائع التاريخية بفاعليها وله أن يؤكد صحتها وصحة نسبتها إلى فاعليها وله أن يشكك في صحتها أو نسبتها إلى من نسبت إليه فاعلا كان أم كان ناقلا وله أن يشكك في الأسانيد التي أستند إليها المؤرخ . فضلا على ذلك ؛ الأديب أو الفنان له مثل ما للباحث في شأن من شؤون الواقعة التاريخية التي استلهمها ليسقطها على واقعة معاصرة مناظرة لواقعة معاصرة مما حدث أو يحدث في عصره وفي مجتمعه ؛ وما كان ذلك للتعريض بالواقعة التاريخية الأصلية أو بفاعليها ولا بسندها فذلك عمل البحث العلمي والمنهجي في التاريخ ولكن الاعتبار في التذكير بتشابهها مع صورة حدث وقع في عصره وفي مجتمعه وأراد التقيةو من مؤاخذة حاكم أو مسؤول أو شيخ طريقة متنفذ على المصلين والمتدينين الطيبين الذين مصدق عندهم كل من وقف خطيبا أو مفتيا بلا حق ولا طلب ولا اختصاص .. المسألة في استلهام وقائع تاريخية منة حياة المسلمين القدامي أو الأبطال أو التحولات الاجتماعية أو الثورات ضد الحكام قصد به الاعتبار ولكي يكون التعبير صادقا والصورة منطقية ومقنعة يترك للشخصية أن تعبر بثقافتها هي وبفكرها هي مع بعض المبالغة تكبيرا أو تصغييرا أو تعظيما أو تحجيما بما يصدر عن وجهة نظر المبدع وشعوره وإيقاع عصره ؛ فليس من الحق أو المنطق محاسبته على توخي الحقيقة الفنية دون اعتداء على الحقيقة التاريخية وذلك التصوير بقصد الاعتبار ؛ فالتاريخ كما قال العلامة ( ابن خلدون) : عبر ) ذلك حتى يعتبر فاعلو مثل تلك الواقعة التاريخية من المعاصرين الأحياء المتنفذين على رقاب البشر.. وللفنان والأديب أن يصور ما استلهمه من وقائع التاريخ ويعبر عنه ؛ ومعني يعبر أو يصور أن يعمل خياله ويفعل وجدانه أي المشاعر التي يجدها في نفسه قبولا أو نفورا من تلك الواقعة التي يعيد إنتاجها في صورة تمتع لتقنع فتؤثر وهي لا تمتع بدون وجدان وخيال ولا تقنع بدون فكر ومنطق وعرض للرأي وللرأي المقابل له . إذا فالفارق كبير في التعاطي مع وقائع التاريخ تقيدا بالمدون في كتب المؤرخين واستلهام بعض منه أدبا أو فنا أو شعرا أو حركة تصويرية بفنون الدراما الحركية ( الجسدية) على نحو ما قدم وليد عوني في عرضه الراقص ( لرابعة العدوية تحت عنوان : صوف رابعة ) فله أن يؤول وله أن يفسر وله أن يترجم الحدث أو الشخصية فإذا ترجم فهو لا يمكن أن يكون أمينا في استنساخ الواقعة التاريخية أو الشخصية التاريخية ؛ فذلك ما لا يمكن لمترجم أو لقارئ مهما يكون توجهه الديني أو الحضاري أو المدني أو الليبرالي أن يفهمه بعيدا عن ثقافته هو نفسه الذاتية فكل يفهم الوقائع التاريخية من منطلق ثقافته ومن منطلق فهمه وترجمته الذهنية وتوجهاته الفكرية .. عقيدية كانت أم كانت حزبية شوفونية( قاصرة الرؤية) فالفرق كبير بين حقيقة يعاد النظر في أسباب حدوثها ويراد من عرض صورة لها أن يعمل متلقيها الخيال فيها لا أن يقيسها بمازورة قياس أو أن يضعها على سرير بروكرست - ذلك السارق اليوناني القديم الذي ينيم ضيفه على سريره فلو طالت ساق الضيف قص منها بسيفه لتطابق مقاس السرير ولو قصر طول الضيف عن طول السرير مطه حتى يصبح طوله بطول السرير ) الدور الأساسي للعمل الفني أو الأدبي بوصفه صورة يقوم على التصور تفسيرا أو تأويلا أو ترجمة - مع ملاحظة أن الترجمة في ذاتها نوعا من خيانة الأصل مهما أوتي للمترجم من الأمانة في النقل - ومع كل ذلك فللفن والأدب حيثيات كل منهما الفنية التي تتمثل في صدق التصور بما يمتع المتلقي قراءة أو مشاهدة أو سماعا ومن ثم يقنع بما أراد المبدع أن يوصله إلى وجدان جمهوره مدخلا إلى وعيه حتى يكون له رأي فيما يعرض عليه وبذلك يتحقق له حرية التفكير وحرية الرأي بما يؤكد حقوق المواطنة الصحيحة عملا بما نصت عليه الآية الكريمة ( لست عليهم بمسيطر) غير أن رأي المتلقي مهما كان وجيها أو صحيحا لا يجوز أن يفرضه على المبدع أو على متلق آخر ؛ لأن ذلك يصبح اقتحاما لقناعات الآخرين وتدخلا في أفكارهم وحقوقهم في خصوصية الشعور وخصوصية التفكير , وهذا هو جوهر مقصد الآية " لست عليهم بمسيطر ".
#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرفية الناقد و مراوغات التطبيق النظرية
-
البحث المسرحي في سرير بروكست
-
حيرة الباحث المسرحي بين نظرية العامل ونظرية المتخلفات والمتغ
...
-
الإيقاع في فنون التمثيل والإخراج-ج1-
-
نهار اليقظة في الثقافة المصرية بين وهج التخريض ولهيب التعريض
-
الإرتباك الإبداعي في فن التأليف وفن الإخراج المسرحي
-
المسرحيون العرب وغياب فعل الاستشفاف
-
سارة وأخواتها والثالث المرفوع
-
التجريب في العلم وفي الفن
-
قراءة سياسية وقراءة مضادة حول الواقع المصري
-
مستنقع الذئاب الجزائري في عمان
-
مستنقع الذئاب - في عمانس
-
قيمة الحرف في الإيحاء بسيكلوجية اللفظة
-
- أيقونة العشوائي - ومعمار البنية السردية
-
الكتابة المسرحية من منظور التناص
-
مر بي
-
فعل الكتابةالمسرحية في عصر الصورة
-
المسرح بين أدب السيرة والتراجم الذاتية
-
سفر الخروج من -طما- - ج1
-
مؤسساتية الظاهرة المسرحية في مصر
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|