فلاح علي
الحوار المتمدن-العدد: 3711 - 2012 / 4 / 28 - 11:53
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
الانتقال الى معسكر كرج :
في أوائل او منتصف كانون الثاني من عام 1990 وصلنا صباحاَ الى معسكر كرج في باصيين كبيرين بعد رحلة طويلة من معسكر الخوي , يقع معسكر كرح جنوب طهران بمسافة 20 كم , وبهذا انتقلنا من حدود الاتحاد السوفياتي السابق الى حدود طهران . في هذا المعسكر نفذنا خطة تم وضعها بدقة في احد فنادق طهران,وبهذا كسرنا الاسواروتسربنا من المعسكر بنجاح وحطمنا القيود التي فرضت علينا وحصلنا على حريتنا , سأشير الى تفاصيل الخطة في الحلقة القادمة او التي تليها . المعسكر يسع حوالي 300 لاجئ عراقي ويصل العدد الى 400 لاجئ احياناَ , وهوعلى شكل قسم داخلي كبير مؤلف من ثلاث بنايات كل بناية تتكون من ثلاث طوابق , وكل طابق يحوي على قاعتين كبيرتين , وكل قاعة تتسع الى حوالي 50 شخص وفي القاعات أسره مكونه من طابقين , وفيه مطعم يقدم ثلاث وجبات اكل ونفس المطعم يتحول الى نادي او كَازينوا مابين الوجبات وفيه تلفزيون وحمام وساحتين لكرة القدم , ومساحة كبيرة ما بين البنايات للتجوال مغطاة بالاسمنت , وفيه مكاتب للادارة وغرف للتحقيق وللحرس ومحاط بجدار من الطابوق وبأرتفاع عالي , ويوجد حرس في اطراف المعسكر موزعين الى اربعة نقاط يقفون على ابراج عالية مع بروجكترات لانارة المنطقة .
حياتنا في داخل المعسكر :
حال وصولنا صباحاَ شاهدنا تجمع من العراقيين في داخل المعسكر متجمعيين لمشاهدتنا ونحن متوجهين لاحد القاعات التي خصصت لنا , وكان بعضهم ينظر الينا بحيرة واستغراب والبعض الآخر ينظر بريبة , في القاعة وضعنا كل سريرين يقابل بعضهما وبمسافة اكثر بقليل من المتر تفصلهما , ووضعنا بطانية بينهما لتغطي الفتحة بين السريرين واصبحت غرفه صغيرة , لم تسع القاعة جميع الرفاق وانتقل عدد من الرفاق الى قاعة في الطابق الاول مع عراقيين مقيمين فيها , بعد ان سافر عدد من الرفيقات والرفاق وبقاء عدد من الرفاق في طهران , تناقص عددنا في معسكر كرج واصبح مابين 57 الى 60 رفيق . كما ان الرفيق ابو هندرين وعائلته والرفيق ابو رياض بقيا في طهران لتنظيم الصلة مع الحزب وليقودوا العمل من خارج المعسكر , ومن المترجمين بقيه معنا اعتقد فقط الرفيق ابو كمال لان الرفيقين آزاد وابو قحطان بقيا في طهران , في اليوم الثاني من وصولنا ابلغونا بأجراء اداري عدم منح الاجازات الينا الا بعد ان يوافق محقق المعسكر بمنح الاجازات , بقينا اسبوعيين ننتظر , وكنا نتناول وجبات الاكل في المعسكر , ولكن غالبية الرفاق لم يرتضوا لهذه الطريقة حيث يتم الوقوف في طابور يصل طوله الى حوالي 40 متر ويحمل الشخص ماعون , ويعطى له رز وفوقه مرق , ولكن بمرور الايام كان هناك تعامل غير عادل مع المتواجدين في المعسكر , حيث اذا اصبح محسوب على احزاب الاسلام السياسي , يملئ ماعونه بالخضروات واللحوم , واذا لا مثلنا على سبيل المثال يعطى له فقط السوب فوق الرز وربما قطعة صغيرة من الباذنجان , فتوصل غالبية الرفاق الى راي حال حصولنا على الاجازات سوف لن نأخذ وجبات الاكل من المطعم , وكنا نقضي وقتنا في ساحة كرة القدم ومشاهدة التلفزيون والتجوال داخل المعسكر , وكنا نفرض حضورنا في المعسكر على الجميع بوحدتنا وتضامننا وعلاقاتنا الطيبة ومزاحنا ومرحنا فهذا جذب انتباه العراقيين المتواجدين في المعسكر واقيمت علاقات طيبة مع عدد منهم , وأعلمونا انه قد تم تبليغهم قبل وصولنا الى المعسكر بفترة قصيرة انه سيصل شيوعييون الى المعسكر وضرورة الحذر منهم وعدم الاختلاط معهم .
افشلنا ندوة سياسية كانت تستهدفنا :
في هذه الفترة من وصولنا الى المعسكر , وفي احد الايام بعد تناول وجبة الغذاء في المطعم خرجنا مجموعة من الرفاق للتجوال في ساحة المعسكر , وحال خروجنا سمعنا اصوات كأنها هتافات مظاهرة والاصوات تأتي من جهة الباب الرئيسية للمعسكر , وفي لحظات واذا بوصول المظاهرة , شاهدت رجلاَ بعمر الاربعينات آنذاك ويبدو بمظهر وصحة جيدة وواضع على راسه عمامة بيضاء ويرتدي جبه وعبائة يسير في المقدمة وحوله حوالي 30 شاب عراقي بعضهم يحمل كلا شنكوف والبعض الآخر يحمل مسدسات والبعض الآخر بدون سلاح , وكانوا يهتفوا بصوت عالي مع دبكة على الارض ويرددوا الهتاف التالي (شيخ المولى أهلاَ بيك كل القوات إتحييك ) , وطلبوا منا العودة الى القاعة فسألتهم ولماذا نعود للقاعة قالوا للاستماع لندوة سياسية ندعوكم لحضورها , وقيل حينها ان شيخ المولى هو قائد قوات بدر آنذاك , وذكرني البعض لاحقاَ انه اصبح عضو البرلمان العراقي في عام 2005 ويقال هو الآن رئيس مؤسسة الحج والعمرة , فعدنا الى القاعة وكان عدد من الرفاق في القاعة وعلى الفور قسم من الحماية كانوا قد رتبوا القاعة .
بدأ الندوة السياسية :
ابتدأت الندوة السياسية بالعبارات التالية ( بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ من شر الشيطان الرجيم , اللهم انصرالاسلام والمسلمين , وأهزم أعدائهم من الكفار وواصل حديثه على هذا الوزن وأبعد عنهم خطر الاشراروالماركسية والماركسيين , وكأنه يعرف نحن ماركسيين ولهذا جاء مع مفرزة مسلحة كأنه يريد ان يلقننا درساَ او شيئ آخر وهيئ لذلك هذه الخطبة , حيث لم نكن نعرف ما هو هدفه منها, وبدأ هجوم عنيف على الماركسية وانها ستسقط .... الخ ) وهذه كانت اعتقد في السبعة دقائق الاولى من الندوة السياسية , وكانت مفاجئة لنا ,ونظرت الى الرفيق ابو واثق وكان يجلس على يساري , بادر الرفيق بسؤال ما هو رأيك , فكان جوابي رفيق افضل لنا ان نخرج , طلب الرفيق اخذ رأي الرفيق ابو ما جد الذي كان يجلس على يميني , فسألته عن رأيه فكان راي الرفيق الخروج من الندوة , كان حينها الرفيق ابو واثق هو الذي يحسم الامور في المعسكر بعد التشاور مع الرفاق , فخرجنا على الفور. وشاهدنا الرفاق نحن واقفون نتهيئ الى الخروج ونهضوا معنا , وحصل ارباك في القاعة مع تحريك للكراسي حيث خلقت اصوات في القاعة , فصدم الشيخ من هذا الموقف المفاجئ , لانه يعتقد اننا لا نستطيع مقاطعة جلسته وعمت الفوضى في القاعة , وكان عددنا حينها حوالي 35 رفيق لان بقية الرفاق سافروا منذ الصباح الى طهران , فخرج بعض من حماية الشيخ ورائنا وحاولوا منعنا من الخروج ولم يتمكنوا وفي خارج قاعة النادي حاولوا اقناعنا بالعودة فرفضنا , واصروا على عودتنا , فجاوبتهم التالي بلي نعود الى القاعة اذا اعتذر الشيخ عن كلامه فقالوا لماذا يعتذر لانه اساء الى ماركس والماركسيين ونحن ماركسيون فهو بدلاَ من ان يحاور اختار اسلوب الهجوم لهذا خرجنا , واكدوا انه ما يقصدكم وانتم وطنيون وفشلت كل محاولاتهم بعودتنا ثانية وبهذا فشلت الوجهه التي جاء بها الشيخ .
التحقيق والحصول على اجازات :
بعد اسبوعيين بدأ التحقيق الثاني معنا , وشاهدنا محقق واحد قيل انه كان ضابط في جهاز السافاك اسمه قاسمي ومعه مترجمان عراقيان احدهما كردي اسمه شمال وآخرعربي اسمه صلاح ,وهما من احزاب الاسلام السياسي العراقية , حقق عدد من الرفاق وبدأو في الحصول على اجازات وكان التحقيق هو لاعادة الاسئلة التي طرحت عليهم في التحقيق الاول ليعرفوا هل هناك تطابق في الافادات , وبدأ الرفاق في الخروج من المعسكر وبعضهم يذهب الى مدينة كرج التي يبعد عنها المعسكر حوالي 3كم , مع توفر وسائل النقل اليها , والبعض الآخر يذهب الى طهران في الصباح ويعود في المساء , بالنسبه لي تم التحقيق معي على ثلاث جلسات ولم يكتفوا بمرة واحدة , في كل مرة يوجه لي المحقق بعض الاسئلة من التحقيق الاول في الخوي ويطابق قولي مع ما مثبت في الافادة واحياناَ يثير اسئلة استفزازية , وفي المرة الثالثة انتهت جميع الاسئلة , فسألته هل استطيع الحصول على اجازة بعد ان تم اعادة التحقيق الذي انجز في الخوي , قال بلي ستحصل على الاجازات ولكن لديه سؤال تفضل , كيف استطعت حفظ كل هذه الاجوبه , لم احفظها لاني كنت اجاوب عن حقيقة تمثل جزء من حياتي منذ الطفولة الى الآن وما قلته هو صحيح وراسخ في الذاكرة , انتهى التحقيق بعد ان كان المحقق يبحث عن ثغرة ما غير متطابقة مع التحقيق الاولي ليضغط من خلالها , حصلت على الاجازات وبدأت في النزول الى مدينة كرج والسفر الى طهران والتجوال فيها والتعرف على معالمها وحدائقها وشوارعها الجميلة وخاصة شارع ولي عصر , ودخلت الى غالبيةالسينمات فيها , المساعدات المالية من الحزب متواصلة حيث نستلم في الشهر 1500 تومان من الحزب , وتركنا مطعم المعسكر ومنيتهم علينا , فقط نجلس فيه لتناول الشاي والحديث واذا احتجنا خبز او سكر ممكن ان نأخذ من المطعم , وبدأنا نعمل اكل في القاعة في حالة عدم سفرنا الى طهران او كرج .
شاهدنا تنفيذ لحكم قضائي يستهدف تعذيب انسان علناَ :
في احد الايام عصراَ كنا جالسين في النادي , وسمعنا صوت من احد الحضور قال انه ستتم بعد قليل عملية جلد لاحد عناصر النظام العراقي واستغربنا من ذلك , وبدأوا يجمعون العراقيين في الساحة وخرجنا الى الساحة , وشاهدنا تجمع كبير حضره كل من هو متواجد في المعسكر في حينها , وشاهدنا في الفسحة التي امام الحمام وهو مكان مرتفع قليلاَ حيث حوالي اربعة درجات ومنه يتم الدخول للحمام , في هذه المنطقة شاهدت سرير من الحديد ومشبك قد تم وضعه في المنطقة , وبعد دقائق حضر حوالي 7 اشخاص احدهم طويل وضخم وكأنه مصارع ويرتدي بنطرون وفانيله سوداء وبيدة اليمنى آلة التعذيب , وهي عبارة عن مجموعة من الوايرات او الصوندات الرفيعة متجمعه مع بعضها ومربوطة بطريقة في خشبه ناعمة للمسك ومعهم شخص يرتدي بجامه , والشخص هو يسكن في القاعه التي يسكنها عدد من رفاقنا , وأعلمونا قبل اسبوع انه تم اعتقاله لانه في جلسه مسائية تهجم على النظام الاسلامي في ايران , ورفع عنه تقرير واعتقل , واسمه خالد وهو نقيب في الجيش العراقي , تم اسره في شط العراق بالقرب من الحدود الايرانية في فترة الحرب العراقية الايرانية . كان في زورق مع بعض الجنود وتم أسره , طلبوا منه ان يخلع قميص البجامة والفانيله الداخلية وتم ربطه وهو نائم على السرير الحديدي وبدون فراش , وظهره مكشوف وربطت يداه ورجليه في السرير , هذه كانت مفاجئة بالنسبة لنا نشاهدها لاول مرة , وكأننا نشاهد فلم , وكان بجانبهم شخص قصير القامة ملتحي وبيده فايل يبدو انه قاضي , فتح الفايل وبدأ يقرأ قرار الحكم الصادر من المحكمة بجلد المتهم خالد لا اتذكر ب75 او 80 جلدة , فصعقنا من هذا القرار لا سيما قرأنا عن عملية الجلد في كتب التأريخ , وعرفنا ان عملية الجلد هي نوع من العقوية الجماعية للحضور والمشاهدين , وان هدفها هو خلق حالة ردع جماعي وتهيئ وضع نفسي يشكل وازع او رادع لدى المشاهدين يؤدي الى الخوف والرهبه والطاعة لمن يمتلك القرار والحكم , والا لماذا يجلد امامنا في المعسكر ولم يجلد في مكان معزول , فسألت احد العراقيين الذين بجانبي وكان خائف جداَ , هل هذه المرة الاولى التي يحصل فيها الجلد بهذا المعسكر , فكان مرتبك وقال هذه اول مره يحصل فيها , وفي هذه الاثناء بدأت الجلدة الاولى بضربة عنيفه جداَ من الشخص العملاق الضخم الذي يعذب خالد , وتصاعد مع الضربة صراخ عالي من خالد دوى في كافة ارجاء المعسكر يؤكد على ألمه من الضربة (وتذكرت في حينها صمود رفاقنا في التعذيب وكثير منهم لم ينطق بكلمة آخ ) وقلت في نفسي هذه طريقة لا انسانية وان استمرار وقوفنا يعني نحن نساهم في زيادة تعذيب الضحية , لا سيما وهناك شخص آخر اعتقد يساعد الجلاد يقف بجانبه ويشبهه في الجسم والمظهر , وفي هذه الاثناء وصل عدد الضربات الى اربعة او خمسة ضربات, فصحت بصوت سمعه من هم حولي وقلت ياجماعة حرام ان نستمرفي مشاهدة هذاالتعذيب . فأنسحبت وكان اول المنسحبين رفاقنا وكان عددهم قليل لان الغالبية كانت في طهران , وانسحب معنا عدد آخر , وشاهد القاضي والجلاد والادارة والحرس انسحابنا , وخلق نوع من الارباك وبهذا خفت حماسة المعذب في الجلد وارتخيت يدية , وبقى عدد قليل يشاهد المنظر البشع , ولكن ما علمناه لاحقاَ من بعض الذين بقوا وهم بلا شك من يخاف من غضب الادارة عليهم او محسوبين عليهم , قالوا لنا حال انسحابكم انتهى حماس الشخص المكلف بالجلد وبدأت الجلدات خفيفة وغير مؤثرة كثيراَ لكنه كان مشهد بشع , وانهم كانوا يهدفوا بهذه الطريقة خلق واعز من الخوف والرهبه الجماعية لدى الحضور.
(يتبع)
#فلاح_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟