|
النظام التربوي الريعي و نقطة 20/20
بودريس درهمان
الحوار المتمدن-العدد: 3711 - 2012 / 4 / 28 - 09:38
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لقد كان الميثاق الوطني للتربية و التكوين لسنة 1999 اعلان لحسن النوايا فقط، و قد دامت سياسة حسن النوايا ثمان سنوات قبل ان تتبلور هذه النوايا الحسنة على شكل برنامج اجرائي دقيق محدد في البرنامج الاستعجالي لسنوات 2007/20011. منذ سنة 1999 الى صيف سنة 2007 الذي هو التاريخ الذي تم فيه الكشف عن البرنامج الاستعجالي مرت ثماني سنوات من الفراغ و من الشطحات الفلكلورية التي كان يتم فيها تبذير الاموال و تبادل المصالح و التعويضات الخيالية بين البيروقراطية التربوية المركزية و البيروقراطية التربوية الجهوية. لقد سبق ان وضحت في مقال سابق بان النظام التربوي الوطني هو نظام مزدوج و لم اوضح بما فيه الكفاية ماذا كنت اعني بالنظام المزدوج. فكما يعلم الجميع، كل الأطفال الصغار حينما يتحركون تحت الأضواء يجدون أنفسهم في صراع هزلي مع ظلالهم. هكذا يحصل حتى بالنسبة للمنظومات التشريعية التربوية، هي الاخرى تجد نفسها دائما في صراع هزلي مع ظلالها؛ فباستثناء المنظومات التشريعية التربوية اللواتي فضل الساهرون عليها اليتم التاريخي على الاستمرارية، ولا واحدة من هذه المنظومات استطاعت بجرة قلم التخلص من ظلالها الماضوية دفعة واحدة . لكل منظومة تربوية قصتها مع الظلال التي ورثتها من الماضي و التي تتخفى من ورائها، تتحدد هذه الظلال بداخل المنظومة التربوية في الازدواجية الوظيفية و في المناهج المتآكلة. الازدواجية الوظيفية هي الاخرى لديها وظيفة سياسية ثنائية واحدة موجهة للعقل و الأخرى للعواطف والوجدان. القوى السياسية المحافظة تستفرد بالعواطف و الوجدان وقوى التغيير تتمسك بالعقل. المستشار الملكي المرحوم السيد عبد العزيز مزيان بلفقيه الذي لم يعد يتذكره احد أجاب متهكما عن هذه الازدواجية قائلا:"هذه الازدواجية هي من جهة ليست خاصية مغربية فقط بل توجد في بلدان أخرى، بما فيها بلدان غربية، ومن جهة ثانية ليست بالضرورة خاصية سلبية بل يوجد من ينظر اليها على انها ايجابية."مجلة الصحيفةعدد18/20/26يناير2006. سلبيات هذه الازدواجية هي انها تقوم بحماية الأشخاص بدل حماية المؤسسات و حماية المنظومة التربوية الضمنية الموهومة و المعتقد أنها منظومة بدل حماية على الاقل روافعها القانونية حتى لا يتحلل من نصوصها كل من هب و دب؛كما تؤدي كذاك هذه الازدواجية إلى كثرة الاحتياطات التي تعوق كل أشكال النمو. بالتأشير على النظام الأكاديمي أصبح الطاقم الإداري طاقمين لنفس المنظومة ولنفس الموظفين. طاقم نيابي وطاقم أكاديمي. بالتأشير على النظام الأكاديمي أصبحت هنالك ازدواجية واضحة: بنية إدارية ببناية النيابات، وبنية إدارية مماثلة ببناية الأكاديميات، حتى الأعمال الاجتماعية أصبحت هي الأخرى بهوية مزدوجة: واحدة تسمى الأعمال الاجتماعية لرجال التعليم، والأخرى مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية لرجال التعليم. الأولى ببيانات حسابات غامضة وأصول تجارية لا يتقن تبويب بنودها إلا خبراء اقتصاد الريع والثانية تحاول فعلا أن تنفض عنها غبار اقتصاد الريع. لما هاته الازدواجية في العبء الإداري، وعدد التلاميذ في الفصول الدراسية يزيد عن اللزوم؟ النظام التربوي المزدوج بكل بساطة يتكون من نظام سيادي مقنن و من نظام ريعي سائب، و هذه ضرورة سياسية و ليست تربوية لأن رجال التعليم و عائلاتهم يشكلون خمس ساكنة البلاد بمعنى قوة ديمغرافية ضاربة و محددة بشكل قوي للخريطة السياسية، لهذا من يريد أن يستثمر في السياسة عليه أن يستثمر في النظام التربوي الريعي و ليس في النظام التربوي السيادي الذي يشكله النظام الاكاديمي بالخصوص. النظام التربوي الريعي هو النظام الذي تتنافس على تمثيليته القوى التربوية العاملة بدون ضوابط سلوكية وقانونية واضحة يعتمد فقط على ما يسمى قانون التدافع بدلالاته الفيزيائية، أي بالدارجة المغربية: "ادفع في ندفع فيك"، و هذا النظام من التدافع الفيزيائي و ليس السياسي، يجد امتداداته في مختلف النقابات و مختلف الاحزاب السياسية؛ كل من استطاع دفع الاخرين للسقوط و الإطاحة بهم في عالم الرذيلة من أجل الاستحواذ على قناعاتهم بكل الوسائل المتاحة فانه يقوم بذلك بدون أي مراعات لخصوصية المهنة. النظام التربوي الريعي على مستوى تقويم اداء الموظفين خلق لنفسه نظاما خاصا للتقويم يتحدد في اعطاء الجميع نقطة 20/20، ضدا حتى على القوانين المتعارف عليها بين الجميع حيث لا يتساوى الذين يعلمون و الذين لا يعلمون. بداخل هذا النظام التقويمي الريعي يتساوى الاستاذ بائع و مريش الدجاج الحي في الشارع العمومي مع الاستاذ الباحث و المتمكن مهنيا. بداخل هذا النظام التربوي الريعي يتساوى مغتصب الطالبات و مروج الاشاعات في المقاهي مع الأستاذ المتمكن مهنيا و المنخرط سياسيا و نقابيا. بداخل هذا النظام التربوي الريعي يتساوى المؤطر التربوي الذي يتقارع مع أمهات الافكار و دهاقنة الخبراء التربويين الدوليين مع المدرس الذي يحترف الوشايات و يتوخى هدم كل القاسم القيمي المشترك الذي يتحدد في الرابط النبيل الذي يربط رجال و نساء التعليم بالمجتمع. بداخل النظام التربوي الريعي من الممكن ان تعاين كل خصال الاقوام البائدة من خصال قوم "لوط "و خصال قوم "عاد" و "تمود" الى خصال "تاجر البندقية" كما حددها المسرحي الانجليزي شيكسبير بدقة متناهية. كل خصال الاقوام البائدة تعاينها في هذا النظام التربوي الريعي و الحصيلة التقويمية 20/20 للجميع الا لمن عبس و تولى. النظام التربوي الريعي لم يخلق نظامه القيمي فقط بل خلق حتى المؤسسات التربوية التي تفرخ زبناء هذا النظام التربوي الريعي. النظام التربوي الريعي هو نظام متوافق حوله لكن للأسف هو نظام مفلس و غير منتج للقيم الاجتماعية بل هو نظام مدمر للنظام السياسي و لأسس الدولة.
#بودريس_درهمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيهما أسبق التقسيم العصبي للدماغ أم التقسيم السياسي للتراب؟
-
الذكاءات الدولية بين الجغرافية و التاريخ.
-
جغرافية المناطق و تاريخ الدول.
-
الموروث الخرائطي الفرنسي و السيناريوهات الممكنة لشمال افريقي
...
-
حصة المواطنين النعاج من ميزانية حكومة...
-
ميزانية سنة 2012 و مؤشرات تصريح باريس لسنة 2005؟
-
المدرس و الأستاذ و الأعيان التربويون
-
بيداغوجيا الإدماج والاستهانة بالالتزامات الدولية للمملكة الم
...
-
النمذجة و التنميط لمنطقة شمال إفريقيا
-
فيوداليو الجهات و -العوالم الممكنة-
-
الميزانية الهوياتية و قضية -الهوية الوطنية الموحدة-
-
كزافيي روجرز و التغيير التربوي بشمال إفريقيا
-
كزافيي روجرز من مدينة العيون يتبرأ من كيفية صياغة الكفاية ال
...
-
المربع السيميائي، الحكومة المنتخبة و مؤشرات تراجع المملكة ال
...
-
الراية البيضاء
-
-الطغمة المدنية الحاكمة- و -المنزلة بين المنزلتين-
-
الأقمار الاصطناعية و المشروع الدولي الشمولي
-
الإسلام الدولي المعولم من مالك بن نبي إلى الاتحاد العالمي لع
...
-
التقسيم الجغرافي لقيمة مبادلات المملكة المغربية مع مجموعة من
...
-
ثماني أجوبة لثماني أسئلة مصيرية تخص منطقة شمال إفريقيا و الش
...
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|